المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

اتفقوا على أن مرسلاته أصلح المراسيل، وقال المدني: لا أعلم - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ٣

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النِّكَاح

- ‌باب الرجل يكون له نسوة، كيف يقسم بينهن

- ‌باب أدنى ما يتزوج عليه المرأة

- ‌باب لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها في النكاح

- ‌باب الرجل يخطب على خطبة أخيه

- ‌باب الثَّيِّب أحقُ بنفسها من وليها

- ‌باب الرجل يكون عنده أكثر من أربع نسوة فيريد أن يتزوج

- ‌باب ما يُوجب الصداق

- ‌باب نكاح الشغار

- ‌باب نكاح السر

- ‌باب الرجل يجمع بين المرأة وابنتها، وبين المرأة وأختها في ملك اليمين

- ‌باب الرجل ينكح المرأة ولا يصل إليها لعلة بالمرأة أو الرجل

- ‌باب البكر تستأمر في نفسها

- ‌باب النكاح بغير ولي

- ‌باب الرجل يتزوج المرأة ولا يفرض لها صداقًا

- ‌باب المرأة تتزوج في عدتها

- ‌باب العزل

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب طلاق السنة

- ‌باب طلاق الحرة تحت العبد

- ‌باب ما يُكره للمطلقة المبتوتة والمتوفى عنها من المبيت في غير بيتها

- ‌باب الرجل يأذن لعبده في التزويج هل يجوز طلاق المولى عليه

- ‌باب المرأة تختلع من زوجها بأكثر مما أعطاها أو أقل

- ‌باب الخلع كم يكون من الطلاق

- ‌باب الرجل يقول: إذا نكحت فلانة فهي طالق

- ‌باب المرأة يطلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين فتتزوج زوجًا ثم يتزوجها الأول

- ‌باب الرجل يجعل أمر امرأته بيدها أو غيرها

- ‌باب الرجل يكون تحته أمة فيطلقها ثم يشتريها

- ‌باب الأمه تكون تحت العبد فتعتق

- ‌باب طلاق المريض

- ‌باب المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها وهي حامل

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الرجل يطلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها

- ‌باب المرأة يطلقها زوجها فتتزوج رجلًا فيطلقها قبل الدخول

- ‌باب المرأة تسافر قبل انقضاء عدتها

- ‌باب المتعة

- ‌باب الرجل يكون عنده امرأتان فيؤثر إحداهما على الأخرى

- ‌باب اللعان

- ‌باب متعة الطلاق

- ‌باب ما يكره للمرأة من الزينة في العدة

- ‌باب المرأة تنتقل من منزلها قبل انقضاء عدتها من موت أو طلاق

- ‌باب عدة أم الولد

- ‌باب الخلية والبرية وما يشبه الطلاق

- ‌باب الرجل يولد له فيغلب عليه الشبه

- ‌باب المرأة تُسْلِم قبل زوجها

- ‌باب انقضاء الحيض

- ‌باب المرأة يطلقها زوجها طلاقًا يملك الرجعة فتحيض حيضة أو حيضتين ثم ترتفع حيضتها

- ‌باب عدة المستحاضة

- ‌باب الرضاع

- ‌كتاب الضحايا وما يُجزئ منها

- ‌باب ما يُكره من الضحايا

- ‌باب لحوم الأضاحي

- ‌باب في الرجل يذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى

- ‌باب ما يجزئ من الضحايا عن أكثر من واحد

- ‌باب الذبائح

- ‌باب الصيد وما يُكره أكله من السباع وغيرها

- ‌باب أكل الضب

- ‌باب ما لفظه البحر من السمك الطافي وغيره

- ‌باب السمك يموت في الماء

- ‌باب ذكاة الجنين ذكاة أمه

- ‌ باب أكل الجراد

- ‌باب ذبائح نصارى العرب

- ‌باب ما قتل الحجر

- ‌باب الشاة وغير ذلك تذكى قبل أن تموت

- ‌باب الرجل يشتري اللحم فلا يدري أذكى هو أو غير ذكى

- ‌باب صيد الكلب المعلم

- ‌باب العقيقة

- ‌أبواب الديات

- ‌باب الدية في الشفتين

- ‌باب دية العمد

- ‌باب دية الخطأ

- ‌باب دية الأسنان

- ‌باب أرش السن السوداء والعين القائمة

- ‌باب النفر يجتمعون على قتل واحد

- ‌باب الرجل يرث من دية امرأته والمرأة من دية زوجها

- ‌باب الجروح وما فيها من الأروش

- ‌باب دية الجنين

- ‌باب الموضحة في الوجه والرأس

- ‌باب البئر جبار

- ‌باب من قتل خطأ ولم تعرف له عاقلة

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود في السرقة

- ‌باب العبد يسرق من مولاه

- ‌باب من سرق تمرًا أو غير ذلك مما لم يحرز

- ‌باب الرجل يُسرق منه الشيء يجب فيه القطع فيهبه للسارق بعد ما يرفعه إلى الإمام

- ‌باب ما يجب فيه القطع

- ‌باب السارق يسرق وقد قطعت يده أو يده ورجله

- ‌باب العبد يأبق ثم يسرق

- ‌باب المختلس

- ‌كتاب الحدود في الزنا

- ‌باب الرجم

- ‌باب الإِقرار بالزنا

- ‌باب الاستكراه في الزنا

- ‌باب حد المماليك في الزنا والسكر

- ‌باب الحد في التعريض

- ‌باب الحد في الشراب

- ‌كتاب الأشربَة

- ‌باب شراب البتع والغبيراء وغير ذلك

- ‌باب تحريم الخمر وما يُكره من الأشربة

- ‌باب الخليطين

- ‌باب نبيذ الدُّبَّاء والمُزَفَّت

- ‌باب نبيذ الطلاء

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب ميراث العمة

- ‌باب النبي صلى الله عليه وسلم هل يُورَث

- ‌باب لا يرث المسلم الكافر

- ‌باب ميراث الولاء

- ‌باب ميراث الحميل

- ‌باب الرجل يوصي عند موته بثلث ماله

- ‌باب الأيمان والنذور وأدنى ما يجزئ في كفارة اليمين

- ‌باب الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله

- ‌باب من جعل على نفسه المشي ثم عجز

- ‌باب الاستثناء في اليمين

- ‌باب الرجل يموت وعليه نذر

- ‌باب من حلف أو نذر في معصية

- ‌باب من حلف بغير الله عز وجل

- ‌باب من جعل ماله لباب الكعبة

- ‌باب اللغو في الأيمان

الفصل: اتفقوا على أن مرسلاته أصلح المراسيل، وقال المدني: لا أعلم

اتفقوا على أن مرسلاته أصلح المراسيل، وقال المدني: لا أعلم في كبار التابعين أوسع علمًا منه، مات بعد التسعين بيسير وهو ابن أربع وثمانين سنة كذا قاله ابن الجوزي، وفي نسخة: أن سعيد بن المسيب قال: عدة المستحاضة سنة بفتحتين أي: عام واحد كامل إن غير بين الدمين بلا خلاف، فإن ميزت فعدتها بالأقرار، وقال ابن وهب بالسنة مطلقا وهما روايتان عند مالك كذا قاله الزرقاني (1).

قال محمد: المعروف عندنا أن عدتها على أقرائها أي: حيضتها التي كانت تجلس أي: عن الصلاة والصوم والوطء فيما مضى، أي: من مدتها المعروفة وكذلك قال إبراهيم النَّخَعي وغيره من الفقهاء، أي: جمهورهم وبه نأخذ، أي: إنما نعمل بما قاله إبراهيم النخعي وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، ألا ترى أي: ألم تعلم أنها أي: المرأة المستحاضة تترك الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس؛ لأنها فيهن حائض، أي: وفي غيرها طاهر يجب عليها صومها وصلاتها فكذلك تعتد بهن، فإذا مضت ثلاثة قروءٍ منهن بانت إن كان ذلك أي: مقدار مدتها أقل من سنة أو أكثر أي: بالأولى.

لما فرغ من بيان أحكام عدة المستحاضة، شرع في بيان أحكام الرضاع، فقال: هذا

* * *

‌باب الرضاع

باب في بيان أحكام الرضاع، والباب في اللغة: النوع مطلقًا، وفي العرف: نوع من المسائل كما قاله الشمني في (شرح النقاية) والرضاع بفتح الراء وكسرها من باب علم أو ضرب اسم مصدر وهو: المص كما قال أهل اللغة: الرضاع مص الثدي مطلقًا، وقال (ق 642) أهل الشرع في الرضاع: مص الصبي ثدي الآدمية في وقت مخصوص وهو حولان، ونصف عند أبي حنيفة وحولان فقط عند أبي يوسف ومحمد وهو الصحيح وبه صرح ابن الهمام في (فتح القدير) حيث قال: الأصح قولهما كذا في (منح الغفار)، وقال زفر: ثلاث سنين، وعن مالك سنتين وأيام، وعند عائشة وداود يثبت به الرضاع بعد البلوغ وسيأتي الكلام على تحقيق المرام.

(1) في شرحه (3/ 273).

ص: 155

615 -

أخبرنا مالك، أخبرنا نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا رضاع، إلا لمن أرضع في الصغر.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا نافع: أي: ابن عبد الله المدني مولى ابن عمر ثقة فقيه ثبت مشهور، وكان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة بعد الهجرة أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا رضاع، أي: لا يثبت البنوة والأبوة والأموة والأخوة رضاعًا إلا لمن أرضع في الصغر أي: يثبت الحرمة لمن مص ثدي المرأة في وقت مخصوص كما مر آنفًا، والمراد بالمص وصول اللبن من ثدي المرأة إلى جوف الصغير من فمه أو أنفه في مدة الرضاع، فشمل ما إذا حلبت لبنها في قارورة فأخرجته إلى جوفه يثبت الحرمة وإن لم يوجد المص، وإنما قال: أرضع وهو بمعنى مص لانه سبب لوصول اللبن إلى الجوف، فأطلق السبب وأراد المسبب، فلا فرق بين المص والصبت والسعوط والوجود، كما نقله التمرتاشي عن (الخانية).

* * *

616 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، عن عَمْرَة بنت عبد الرحمن، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها، وأنها سمعت رجلًا يستأذن في بيت حفصة، فقالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، هذا رجلٌ يستأذن في بيتك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أراهُ فلانًا" لعمِّ لحفصة من الرضاعة، قالت عائشة: يا رسول الله، لو كان عمي من الرضاعة حيّا دخل عَليّ؟ قال:"نعم".

• أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني القاضي، ثقة كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة بعد الهجرة وهو ابن سبعين سنة، كذا قاله ابن حجر (1) عن

(615) إسناده صحيح.

(616)

إسناده صحيح.

(1)

في التقريب (1/ 297).

ص: 156

عَمْرَة بنت عبد الرحمن، بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ثقة، كانت في الطبقة الثالثة من طبقات التابعيات من أهل المدينة، وماتت قبل المائة وقيل: بعدها كذا في (تقريب التهذيب)(1) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها، أي: في حجرتهما يومًا من الأيام وأنها أي: عائشة رضي الله عنها سمعت رجلًا قال الحافظ: لم أعرف اسمه يستأذن في بيت حفصة، أي: في دخول بيتها فقالت عائشة: أي: مريدة علم الحكم فقلت: يا رسول الله، هذا رجلٌ يستأذن في بيتك، أي: الذي فيه حفصة أم المؤمنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أراهُ بضم الهمزة: أي: أظن يعني المستأذن فلانًا"، أي: وسماه اسمه لعم لحفصة من الرضاعة، أي: طلبه دخول بيتي لأجل عم حفصة من الرضاعة، وفي نسخة: لعم حفصة أي: من أجله قالت عائشة: هذا من باب الالتفات من التكلم إلى الغيبة، ومقتضى السياق أن تقول: فقلت: وفائدته تشويق السامع إلى ما نقول يا رسول الله، لو كان عمي من الرضاعة حيّا دخل عَليّ؟ بتشديد التحتية أي: هل كان يحل له أن يدخل علي، وفي نسخة: فلانًا بالنصب على أن يكون خبر كان فيكون (ق 643) لفظ حيا حالا منه.

قال الحافظ: لم أقف على اسم عم عائشة أيضًا، وهم من فسره بأفلح أخي أبي القعيس؛ لأن أبا القعيس والد عائشة من الرضاعة، وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة، وقد عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فامتنعت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأذن له كما يأتي، والمذكور هنا عمها وأخو أبيها أبي بكر من الرضاعة أرضعتهما امرأة واحدة، وقيل: هما واحد وغلطه النووي بأن عمل في حديث أبي القعيس كان حيًا والآخر كان ميتًا كما يدل عليه قولهما لو كان حيًا، وإنما ذكرت ذلك في العم الثاني؛ لأنها جوزت تبدل الحكم فسألت مرة أخرى، قال الحافظ: ويحتمل أنها ظنت أنه مات لبعد عهدها به ثم قدم بعد ذلك فأستأذن قال: أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم" أي: كان يجوز دخوله عليك؛ لأن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة أي: النسب.

* * *

(1) التقريب (1/ 750).

(617)

إسناده صحيح، أخرجه البخاري (3/ 222) ومسلم في الرضاع (2/ 9، 13) وأبو داود =

ص: 157

617 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَحرُمُ من الرضاعة ما يَحْرُم من الولادة".

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا عبد الله بن دينار، العدوي المدني مولاهم، يكنى أبا عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر ثقة فقيه، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة سبع وعشرين ومائة عن سليمان بن يسار، الهلالي مولى ميمونة وقيل: أم سلمة ثقة فاضل، أحد الفقهاء السبعة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة وقيل: قبلها من الهجرة عنِ عائشة: رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَحرُمُ من الرضاعة أي: من أجلها ما يَحْرُم من الولادة" بكسر الواو أي: من النسب من تحريم النكاح ابتداء ودواما ونشر الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة فيحرم عليها هو وفروعه من نسب ورضاع، ويحرم عليه جميع أولادها ما تقدم وما تأخر، وتحرم عليه هي وأخواتها من نسب ورضاع ويصير ابنا لزوجها صاحب اللبن فيحرم هو وأصوله وفروعه من نسب ورضاع إلى آخر ما بين في الفقه، ومن جواز النظر والخلوة والمسافرة دون سائر أحكام النسب كميراث ونفقة وعتق ورد شهادة وهذا الحديث رواه الترمذي من طريق يحيى القطان، وكذا روى أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة بلفظ:"يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" كذا قاله الزرقاني.

* * *

618 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: أنه كان يدخل عليها مَنْ أرضعته أخواتُها وبناتُ أخيها، ولا يَدخل عليها من أرضعه نساءُ إخوتها.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، بن محمد

= (2055) والنسائي (6/ 99) وابن ماجه (1937، 1938) وأحمد في المسند (6/ 44، 51، 61) والدارمي (2/ 156) والبيهقي (6/ 257)(7/ 159).

ص: 158

ابن أبي بكر الصديق التيمي يكنى أبا محمد المدني ثقة جليل، قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، وكان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ست وعشرين ومائة عن أبيه، أي: عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ثقة، كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين من أهل المدينة، عن عائشة: أنه كان يدخل عليها أي: من الرجال مَنْ أرضعته أخواتُها (ق 644) أي: إذا كان لهن من غير أخواتها وبناتُ أخيها، ولا يَدخل عليها أي: من الرجال من أرضعه نساءُ إخوتها؛ لأن المرضع إنما هي المرأة والرجل لم يرضع، فلا يحرم عند جماعة كابن عمرو وجابر وجماعة من التابعين وداود بن علية كما حكاه أبو عمر قائلًا: وحجتهم أن عائشة كانت تفتي بخلاف حديث أبي القعيس، يعني والعبرة عند قوم برأي الصحابي إذا خالف مرويه، قال: ولا حجة في ذلك؛ لأن لها أن تأذن لمن شاءت من محارمها من شاءت، ولكن لم يعلم أنها حجبت من ذكر إلا بخبر واحد كما علمنا المرفوع بخبر واحد فوجب علينا العمل بالسنة إذ لا يضرها من خالفها انتهى.

وقد نسب المازني لعائشة القول بأن لبن الفحل لا يحرم.

* * *

619 -

أخبرنا مالك، أخبرشا الزهريّ، عن عمرو بن الشَّريد: أن ابن عباس سُئِل عن رجلٍ كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلامًا والأخرى جارية، فسُئِلَ: هل يزوج الغلام الجارية؟ قال: لا، اللَّقاح واحد.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا الزهريّ، أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة ثقة، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة عن عمرو بفتح العين، وكسر الميم ابن الشَّريد: بفتح الشين المعجمة وكسر الراء فتحتية ودال، يكنى أبا الوليد الثقفي الطائفي، ثقة كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل الطائف،

(619) إسناده صحيح: أخرجه الترمذي (3/ 454) رقم (1149) والدارقطني (4/ 179) والشافعي في مسنده (1/ 306) والبيهقي في الكبرى (7/ 453) وسعيد بن منصور في السنن (1/ 276).

ص: 159

كذا في (تقريب التهذيب)(1) أن ابن عباس رضي الله عنه سُئِل عن رجلٍ كانت له امرأتان وفي رواية قتيبة ومعن عن مالك بسنده: جاريتان فأرضعت إحداهما غلامًا والأخرى جارية، أي: بنت صغيرة من أولاد غيره فسُئِلَ: هل يزوج الغلام الجارية؟ قال: لا، أي: يتزوج اللَّقاح واحد وهو بفتح اللام ماء الفحل، ويحتمل أن يكون اللقاح بمعنى الإِلقاح يقال: ألقح الفحل الناقة إلقاحًا ولقاحًا كما تقول: أعطا إعطاء وعطاء، فالأصل فيه للإِبل ثم يستعار للنساء، وهذا الحديث رواه الترمذي عن قتيبة ومن طريق معن عنهما عن مالك والمعنى أنه لا يجوز للغلام أن يتزوج الجارية وإن كان أمهما متعددا لأنه باعتبار حصوله من الرجل متخذًا فيها أخ وأخت رضاعيان.

* * *

620 -

أخبرنا مالك، أخبرنا إبراهيم بن عقبة: أنه سأل سعيد بن المسيَّب عن الرضاعة فقال: ما كان في الحولين، وإن كانت قطرة واحدة فهي تحرّم، وما بعد الحولين فإنما هو طعامٌ يأكله.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا إبراهيم بن عقبة: بضم العين المهملة وسكون القاف وفتح الموحدة فهاء أي: ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني أخ موسى ثقة، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة أنه سأل سعيد بن المسيَّب عن الرضاعة فقال: أي: سعد ما كان أي: وقوع الرضاع في الحولين، أي: اتفاقًا ولو كانت أي: وإن كانت قطرة واحدة أي: ولو بمصة وصلت إلى جوف الطفل فهي أي: القطرة التي مصها الطفل ووصلت جوفه تحرّم، بضم المثناة وفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المكسورة فميم وما بعد الحولين فإنما هو طعامٌ يأكله أي: لا يحصل به الرضاعة، وبه قال الشافعي ومن تبعه وتقدم خلاف غيره.

* * *

(1) التقريب (1/ 423).

(620)

إسناده صحيح.

ص: 160

621 -

أخبرنا مالك، أخبرنا إبراهيم بن عقبة: أنه سأل عُروة بن الزبير، فقال له مثل ما قال سعيد بن المسيَّب.

• أخبرنا مالك، أخبرنا إبراهيم بن عقبة: أنه سأل عُروة بن الزبير، أي: من مدة الرضاعة فقال أي: عروة بن الزبير له مثل ما قال سعيد بن المسيَّب أي: لموافقته لاجتهاده (ق 646).

* * *

622 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ثور بن زيد: أن ابن عباس كان يقول: ما كان في الحولين وإن كانت مصّة واحدة فهي تحرّم.

• أخبرنا مالك: وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا ثور بن زيد: الديلمي بكسر الدال المهملة بعدها تحتانية ساكنة، المدني، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة كذا في (التذهيب) أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول: ما كان في الحولين أي: من الرضاعة وإن وصلية كانت مصّة واحدة فهي تحرّم تمسكًا بعموم الأحاديث وعليه جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة كعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عمر، ومالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي، والثوري وهو مشهور ومذهب أحمد، وتمسكوا أيضًا بقوله تعالى في سورة النساء:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] والمصة توجب تسمية المرأة أما في الرضاعة، وتعقب بأنه إنما تكون دليلًا لو كان اللفظ واللاتي أرضعناكم أمهاتكم فيثبت أُما بما قل من الرضاعة، وأُجيب بأن مفهوم التلاوة: وأمهاتكم اللاتي أرضعناكم محرمات لأجل أنهن أرضعناكم فتعود إلى معنى ما قالوا، وتوجب تعليق الحكم بما يسمى رضاعًا كذا قاله الزرقاني (1).

* * *

623 -

أخبرنا مالك: أخبرنا نافع مولى عبد الله بن عمر، أن سالم بن عبد الله أخبره: أن عائشة أم المؤمنين أرسلت به وهو يُرضَع إلى أختها أم كلثوم بنت

(621) إسناده صحيح.

(1)

في شرحه (3/ 310).

ص: 161

أبي بكر، فقالت: أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل عليّ، فأرضعتني أمّ كُلثوم بنت أبي بكر ثلاث رضعات، ثم مَرِضَتْ فلم ترضعني غير ثلاث مرات فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أمّ كُلثوم لم تتم لي عشر رضعات.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا نافع أي: ابن عبد الله المدني ثقة فقيه ثبت مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة بعد الهجرة مولى عبد الله بن عمر، أن سالم بن عبد الله أي: ابن عمر بن الخطاب أخبره: أي. نافعًا أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أرسلت به أي: سالم وهو أي: والحال أن سالمًا كان يُرضَع بصيغة المجهول لأنه لا يقدر أن يأكل الطعام لصغره إلى أختها متعلق بأرسلت أم كلثوم بضم الكاف بدل من أختها بنت أبي بكر، الصديق رضي الله عنه عند اليتيمة مات أبوها وهي حمل، فوضعت بعد وفاته وقصتها بذلك صحيحة في (الموطأ) لمالك وغيره أرسلت حديثًا فذكرها بسببه ابن منده وابن السكن في الصحابة فقالت: أي: عائشة لأم كلثوم أرضعيه عشر رضعات بفتح الضاد المعجمة حتى يدخل عليّ، أي: بعد بلوغه وفي نسخة: تدخل عليه فأرضعتني أمّ كُلثوم بنت أبي بكر ثلاث رضعات، ثم مَرِضَتْ فلم ترضعني غير ثلاث مرات فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أمّ كُلثوم لم تُتم لي عشر رضعات قال السيوطي: هذه خصوصية لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر النساء.

قال عبد الرزاق (1) في (مصنفه): عن معمر أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال: لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم رضعات معلومات وليس لسائر النساء رضعات معلومات، ثم ذكر حديث عائشة هذا وحديث حفصة الذي بعده، وحينئذ فلا يحتاج إلى تأويل سعيد بن زيد الباجي المالكي وهو قوله: لعله يظهر لعائشة النسخ بخمس إلا بعد هذه القصة انتهى. وبه يراد إشارة ابن عبد البر إلى الشذوذ رواية نافع هذه بأن أصحاب عائشة الذين أعلم بها من نافع وهم: عروة والقاسم وعمرة رووا عنها خمس رضعات فوهم من روى عشر رضعات؛ لأنه صح عنها أن الخمس نسخن العشر ومحال أن نعمل بالمنسوخ. كذا قاله وهو سهو؛ لأن نافعًا قال: إن سالمًا أخبره عن عائشة وكل منهما ثقة حجة حافظ، وقد

(1) عبد الرزاق في المصنف (7/ 467).

ص: 162

أمكن الجمع بأنهما خصوصية للزوجات الشريفات كما قاله طاوس فلا وهم ولا شذ، وكذا قاله الزرقاني (1)(ق 647).

* * *

624 -

أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن صفية ابنة أبي عُبيد، أنها أخبرته: أن حفصة أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد إلى فاطمة ابنة عمر ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها، ففعلت، فكان يدخل عليها؛ وهو يوم أرضعتْه صغير يرضع.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا نافع، بن عبد الله المدني مولى ابن عمر ثقة فقيه مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة عن صفية ابنة أبي عُبيد، بالتصغير ابن مسعود الثقفية زوج ابن عمر قيل لها: إدراك، وأنكره الدارقطني، وقال العجلي: ثقة، فهي كانت في الطبقة الثانية من طبقات التابعيات عن أهل المدينة كذا في (تقريب التهذيب) أنها أخبرته: أي: نافعًا أن حفصة أم المؤمنين أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد بسكون العين إلى فاطمة ابنة عمر أي: ابن الخطاب وهي أختها كما في (الموطأ) لمالك ترضعه استيناف عشر رضعات ليدخل أي: عاصم عليها، أي: على حفصة عند كبره وبلوغه ففعلت، أي: فأرضعته عشر رضعات فكان أي: عاصم يدخل عليها؛ أي: لأنها خالته من الرضاعة وهو يوم أرضعتْه صغير أي: جدًا كما بينه بقوله: يرضع بصيغة المجهول أي: حال إرضاعه دون وقت كبره.

* * *

625 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، عن عَمرة، عن عائشة، قالت: كان فيما أنزل الله من القرآن: عشر رضعات معلومات يُحرّمْن، ثم

(1) في شرحه (3/ 311).

(624)

إسناده صحيح.

(625)

إسناده صحيح: أخرجه مسلم (2/ 1075) وأبو داود (2/ 223) والترمذي (3/ 455) والنسائي (6/ 10) وابن ماجه (1/ 625).

ص: 163

نسخْن "بخمسٍ معلومات"، فتُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنّ مما يُقرأ من القرآن.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، أي: ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني القاضي ثقة، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة كذا قاله ابن حجر عن عَمرة، أي: بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية كانت ثقة، وكانت من الطبقة الثالثة من طبقات التابعيات من أهل المدينة، ماتت قبل المائة، وقال بعض المؤرخين: إنها ماتت بعد المائة عن عائشة، رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل الله من القرآن: عشر رضعات معلومات وصفها بذلك تحرزًا عما شك وصوله. كذا قاله القرطبي يحرمن بتشديد الراء المكسورة ثم نسخْن بصيغة المجهول أي: نسخت المصات عشر مرات "بخمسٍ مصات معلومات"، فتُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنّ أي: الخمس مما يُقرأ من القرآن أي: المنسوخ فالمسخات العشر نسخت بخمس ولكن هذا النسخ تأخر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس لم يبلغه النسخ فصار يتلوه قرآنا فلما بلغه تركه فالعشر على قولها أي: قول عائشة منسوخة الحكم والتلاوة، والخمس منسوخة التلاوة فقط كآية الرجم وهي "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما".

وقال ابن عبد البر: وبه تمسك الشافعي لقوله: لا يقع التحريم إلا بخمس رضعات تصل إلى الجوف، وأجيب بأنه لم يثبت قرآن وهي قد أضافته إلى القرآن، واختلف عنها في العمل به فليس سنة ولا قرآن.

وقال المازني: لا حجة فيه لأنه لم يثبت إلا من طريقها والقرآن لا يثبت بالآحاد، فإن قيل: إذا لم يثبت أنه قرآن بقي الاحتجاج به في عدد الرضعات، لأن المسائل العملية يصح التمسك وفيها بالأحاد قبل هذا أو إن قاله بعض الأصوليين فقد أنكره جدًا منهم، لأنها لم ترفعه فليس بقرآن ولا حديث، وأيضًا تذكره على أنه حديث، وأيضًا ورد بطريق الآحاد فيما جاءت العادة فيه التواتر، فإن قيل: إنما لم ترفعه ولم يتواتر؛ (ق 648) لأنه نسخ قلنا: قد أجبتم أنفسكم فالمنسوخ لا يعمل به، وكذا قول عائشة وهي مما يتلى من القرآن أي: من القرآن المنسوخ، فلو أرادت من القرآن الثابت لاشتهر عند غيرها من الصحابة كما اشتهر سائر القرآن، ولذا قال مالك: وليس العمل على هذا الحديث بل التحريم يثبت ولو بمصة وصلت إلى الجوف عملًا بظاهر القرآن وأحاديث الرضاع، وبهذا

ص: 164

قال الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة وعلماء الأمصار حتى قال الليث: أجمع المسلمون أن قليل الرضاعة وكثيره يحرم في المهد ما يفطر الصائم.

وهذا أي: الحديث رواه مسلم (1) عن يحيى، وأبو داود (2) عن القعنبي، والترمذي (3) من طريق معن، والنسائي (4) من طريق القاسم الأربعة عن مالك به، وتابعه محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر نحوه عن ابن ماجه (5)، وتابعه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة نحوه عند مسلم كما قاله الزرقاني.

* * *

626 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، قال: جاء رجلٌ إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاءِ؛ يسأله عن رضاعة الكبير، فقال عبد الله بن عمر: جاءَ رجلٌ إلى عمر بن الخطاب، فقال: كانت لي وليدة فكنتُ أصيبها، فعمدت امرأتي إليها فأرضعْتها، فدخلتُ عليها، فقالت امرأتي: دونَك قد والله أرضعتُها، قال عمر: أوْجِعْها وائت جاريتَك، فإنما الرضاعة رضاعة الصغير.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: قال: ثنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار، العدوي مولاهم، يكنى أبا عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر ثقة، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع وعشرين ومائة قال: جاء رجل أي: لم يعرف اسمه إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاءِ؛ أي: بالمدينة يسأله أي: حال كون الرجل سأل ابن عمر عن رضاعة الكبير، فقال عبد الله بن عمر: جاءَ رجلٌ قال أبو عمر: هو أبو عيسى بن جبر الأنصاري ثم الحارث البدري إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه فقال: أي: الرجل كانت لي وليدة أي: جارية فكنتُ

(1) مسلم (2/ 175).

(2)

أبو داود (2/ 223).

(3)

الترمذي (3/ 455).

(4)

النسائي (6/ 100).

(5)

ابن ماجه (1/ 625).

(626)

إسناده صحيح.

ص: 165

أصيبها، أي: أطأها كما في (الموطأ) لمالك فعمدت بفتح الميم أي قصدت امرأتي إليها فأرضعْتها، أي: لتحرم علي فدخلتُ عليها، أي: على امرأتي وأفادت أن أدخل على وليدتي فقالت امرأتي: دونَك أي: الزم نفسك والله قد أرضعتها، وفي نسخة: قد والله أرضعتُها، أي: فحرمت عليك قال عمر: رضي الله عنه أوْجِعْها بكسر الهمزة وسكون الواو وفتح الجيم وسكون العين، أمر من الباب الرابع أي اضربها إيجاعًا مؤلمًا وائت جاريتَك، أي: بما أردت من الجماع وغيره فإنما الرضاعة رضاعة الصغير أي: كما دلت عليه الأحاديث والتنزيل.

* * *

627 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب - وسئل عن رضاعة الكبير - فقال: أخبرني عُروة بن الزبير أن أبا حُذيفة بن عُتْبة بن ربيعة كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد بدرًا وكان تبني سالمًا الذي يقال له مولى أبي حذيفة، وهو يرى أنه ابنه، وأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهي من المهاجرات الأوَل، وهي يومئذٍ من أفضل أيامَى قريش، فلما أنزل الله في زيد ما أنزل:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5]، رُدّ كل أحد تُبني إلى أبيه، فإن لم يكن يُعلم أبوه ردّ إلى مواليه، فجاءَت سهلة ابنة سُهَيْل امرأة أبي حذيفة، وهي من بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا - فقالت: كنا نرى سالمًا ولدًا، وكان يدخل عليَّ وأنا فُضْل، وليسْ لنا إلا بيتٌ واحد، فما ترى في شأنه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا:"أرضعيه خمس رضعات فيَحرُم بلبنك أو بلبنها"، وكانت تراه ابنًا من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال، وكانت تأمر أمّ كلثوم وبنات أخيها يرضعْن لها من أحببن أن يدخل عليها، وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن

(627) أخرجه أحمد في المسند (6/ 201) وعبد الرزاق في المصنف (13887) وابن سعد في الطبقات (8/ 198).

ص: 166

يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحدٌ من الناس، وقلن لعائشة: والله ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سَهْلة بنت سُهيل إلا رخصة لها في رضاعة سالم وحده من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد، فعلي هذا كان رأي أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا مالك أخبرنا ابن شهاب أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ثقة كان من الطبقة الرابعة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات سنة خمس ومائتان، وفي نسخة: بالواو سئل عن رضاعة الكبير أي: هل تؤثر التحريم فقال: أخبرني عُروة بن الزبير أي: ابن العوام بن خويلد الأسدي المدني، يكنى أبا عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور، كان من الطبقة الثانية من طبقات كبار التابعين، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح.

قال ابن عبد البر: هذا يدخل في المسند أي: الموصول للقائه عائشة وسائر أزواجه صلى الله عليه وسلم وللقائه سهلة بنت سهيل، وقد وصل جماعة منهم معمر وعقيل ويونس وابن جريج عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة بمعناه، ورواه عثمان بن (ق 649) عمر وعبد الرزاق كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن أبا حُذيفة اسمه مهشم وقيل: هاشم بن عُتْبة بن ربيعة أي: ابن عبد الشمس بن عبد مناف القرشي العبشمي كان طوالًا حسن الوجه كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: السابقين إلى الإِسلام وكان من كبار الصحابة.

قال ابن إسحاق: أسلم أبو حذيفة بعد ثلاث وأربعين إنسانًا وهاجر الهجرتين وصلى القبلتين شهد بدرًا وسائر المشاهد، واستشهد يوم اليمامة وهو ابن ستة وخمسين سنة وكان تبني سالمًا الفارسي المهاجري الأنصاري الذي يقال له أي: لسالم مولى أبي حذيفة، قال البخاري: كان مولى امرأة من الأنصار.

قال ابن حبان: يقال لها: ليلى، ويقال: شُبيبة بفتح المثلثة وفتح الموحدة الثانية بنت يسار بفتح التحتية والمهملة المخففة فألف فراء ابن زيد بن عبيد وكانت امرأة أبي حذيفة وبهذا جزم ابن سعد، وقيل: اسمها سلمى.

وقال ابن شاهين: سمعت ابن أبي داود يقول: هو سالم بن معقل مولى بنت يسار الأنصاري أعتقته سائبية فولى أبا حذيفة فتبناه أي: اتخذه ابنًا، وشهد اليمامة وكان معه

ص: 167

لواء المهاجرين فسقطت يمينه فأخذه بيساره فقطعت فاعتنقه إلى أن صرع فقال: ما فعل أبو حذيفة؟ قيل: قُتل، قال: فأضجعوني بجنبه فأرسل عمر ميراثه إلى معتقه بنته فقالت: إنما أعتقته سائبة فجعله في بيت المال، رواه عبد الله بن المبارك، وذكر ابن سعد أن عمر أعطى ميراثه لأمة فقال: كليه وكان ذلك ترك إلى أن تولى عمر، وإلا فاليمامة كانت في خلافة أبي بكر فكان أبي حذيفة تبنى سالمًا كما كان تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة أي الكلبي: فأنكح أبو حذيفة سالمًا أي: أراد تزويجه وهو أي: والحال أن سالمًا يرى بصيغة المجهول أي: يظن أنه ابنه، أي: أبي حذيفة وأنكحه أي: زوج أبو حذيفة سالمًا ابنة أخيه فاطمة وأعاد لفظ أنكح لطول الكلام بالفصل بقوله وهو. . . إلخ، وهو أحسن موجود في القرآن كقوله تعالى في سورة البقرة:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} الآية [البقرة: 89] فأعاد لما جاءهم لطول الكلام بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهي أي: والحال أن فاطمة يومئذ كانت من المهاجرات الأوَل، بضم الهمزة وفتح الواو المخففة فلام جمع أول وهي يومئذٍ من أفضل أيامَى قريش، بضم الهمزة وتحتية المخففة الفتوحة فألف وميم مفتوحة وتحتية جمع أيم بفتح الهمزة وتحتية المشددة المكسورة فميم من لا زوج لها بكرًا أو ثيبًا في رواية شعيب عن الزهري وكان من تبنى رجلًا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورثه ميراثه فلما أنزل الله تعالى في زيد أي: ابن حارثة ما أنزل: يحتمل صيغة الفاعل والمفعول وبيان قوله تعالى في سورة الأحزاب: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ} أي: أعدل في حكمه {عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5]، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم (ق 650) في الدين ومواليكم أولياؤكم كما في الموطأ لمالك رُدّ بصيغة المفعول كل أحد تُبني بصيغة المجهول إلى أبيه، أي: الذي ولده فإن لم يكن يُعلم بصيغة المجهول أبوه ردّ بصيغة المجهول إلى مواليه، وفي رواية شعيب: فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخًا ويدل يا أخي يا مولاي في الدين فجاءَت سهلة بفتح الموحدة وسكون الهاء ابنة سُهَيْل بضم السين مصغرًا وهو ابن عمرو بفتح العين أسلمت قديمًا بمكة وهي امرأة أبي حذيفة، وهاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك محمدًا وهي ضرة معتقة سالم الأنصاري وكي من بني عامر بن لؤي بضم اللام وفتح الهمزة وتحتية نسبية وقد تبدل الهمزة واوًا فهي قرشية عامرية وأبوها صحابي شهير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا - أي: بإسناد فقالت: كنا أي: قبل نزول الآية نرى بضم النون أي: نظن سالمًا

ص: 168

ولدًا، أي: بالتبني في الحكم الشرعي وكان أي: سالم يدخل عليَّ وأنا فُضْل، بضم الفاء والضاد المعجمة الساكنة قدم أي: مكشوفة الرأس والصدر كذا قاله ابن وهب، وقيل: على ثوب واحد لا إزار تحته وقيل: متوشحة بثوب واحد على عاتقها خالفت بين طرفيه.

قال ابن عبد البر: أصحهما الثاني لأن كشف الحرة الصدر لا يجوز عند محرم وغيره وليس لنا إلا بيتٌ واحد، أي: فلا يمكن الاحتجاب منه فما ترى في شأنه؟ وفي (الموطأ) لمالك فماذ ترى؟ أي: أي شيء تختار لنا يا رسول الله في حال سالم فقال لها أي: لسهلة امرأة أبي حذيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا: أي: موصولًا أو مرسلًا "أرضعيه خمس رضعات قال ابن عبد البر: وفي رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن شهاب بإسناده عشر رضعات والصواب ما رواه المصنف عن مالك وتابعه يونس خمس رضعات فيَحرُم أي: تزوج سالم بك بلبنك أو بلبنها"، شك من الراوي والخطاب للمرأة، زاد في مسلم فقالت: كيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: "قد علمت أنه رجل كبير وكان قد شهد بدرًا"، وفي لفظ له:"أرضعيه تحرمي عليه" ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة فرجعت إليه فقالت: قد أرضعته، فذهب ما كان قبل الرضاعة في نفس أبي حذيفة من الغيرة.

قال أبو عمر: صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه، فأما تلقمه المرأة ثديها فلا ينبغي أحد من العلماء، وقال عياض: ولعل سهلة حلبت لبنها فيشربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما إذ لا يجوز رؤية الثدي ولا مسه ببعض الأعضاء.

وقال النووي: وهو حسن، ويحتمل أنه عُف عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبير وأيده بعضهم بأن ظاهر الحديث أنه رضع من ثديها، لأنه تبسم وقال: قد علمت أنه رجل كبير ولم يأمره بالحلب وهو موضع بيان ومطلق الرضاع يقتضي مص الثدي فكأنه أباح لهما ذلك لما تقرر في نفسهما أنه ابنها وهي أمه فهو خاص بهما لهذا المعنى كما قاله الزرقاني وكانت أي: سهلة بنت سهيل زوجة أبي حذيفة بعد ذلك تراه أي: تعلم سالمًا ابنًا من الرضاعة، أي: ولم تحجب عنه فأخذت بذلك أي: (ق 651) استدلت بقوله صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه تحرمي عليه" عائشة أي: أم المؤمنين رضي الله عنها فيمن أي: في حق امرأة تحب أي: ترضى أن يدخل عليها من الرجال، أي: الأجانب وكانت أي: عائشة رضي الله عنها تأمر أمّ كلثوم وهي أختها صغيرة منها وبنات أخيها أي: عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق تأخر إسلامه إلى قبيل الفتح وشهد اليمامة والفتوح، ومات سنة ثلاث وخمسين

ص: 169

في طريق مكة فجأة كذا في (تقريب التهذيب) أن يرضعْن من باب الأفعال لها أي: لأجل عائشة وكلمة "لها" لم توجد في نسخة قديمة ولا في الموطأ لمالك من محله منصوب؛ لأنه مفعول أن يرضعن أحببن أي: رضيت عائشة أن يدخل عليها، أي: على عائشة رضي الله عنها وفي (الموطأ) لمالك من الرجال فيكون بيانًا لمن وفائدة كلمة لها تخصيص هذا الحكم لعائشة لا لغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما قال وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أي: امتنعن أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحدٌ من الناس، زاد أبو داود: حتى يرضع في المهد وقلن أي: أزواجه صلى الله عليه وسلم لعائشة: رضي الله عنها والله ما نرى أي: نقسم بالله ما نعلم في الحال الذي أي: الإِرضاع أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سَهْلة بنت سُهيل إلا رخصة لها أي: لسهلة بنت سهيل في رضاعة سالم وحده وهذا اليمين لغو؛ لأنه بمين في الحال كما يؤثر ما في (الموطأ) لمالك: لا والله فإن العرب يقولون أي أثناء كلامهم: لا والله ولا بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، متعلق برد منه والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أي: التي وقعت في حال الكبير أحد.

وفائدة القسم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تأكيد الإِخبار منهم بأن الرضاعة في حال الكبر لا تحرم النكاح بين الرضيع والمرضعة وقطع أطماع عائشة بأن امرأة من أزواجه صلى الله عليه وسلم إذا أرضعت رجلًا بالغًا يدخل عليها فعلي هذا كان رأي اختيار أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير فأجازته عائشة ومتعهن باقيهن، وفي مسلم عن ابن أبي مليكة أنه سمع هذا الحديث عن القاسم عن عائشة قال: فظلت أو قريبًا منها لا أحدث به رهبة، ثم لقيت القاسم فأخبرته قال: حدثه عني أن عائشة أخبرت به، قال أبو عمر: هذا يدل على أنه حديث تُرك قديمًا ولم يعمل به ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه، بل تلقوه على أنه مخصوص لسهلة بنت سهيل كما قاله الزرقاني.

* * *

628 -

أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه سمعه يقول: لا رضاعة إلا في المهد، ولا رضاعة إلا ما أثبت اللحم والدم.

قال محمد: لا يحرّم الرضاع إلا ما كان في الحولين، فما كان فيهما من

(628) إسناده صحيح.

ص: 170

رضاع وإن كانت مصّة واحدة فهي تحرّم، كما قال عبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وما كان بعد الحولين لم يحرّم شيئًا؛ لأن الله تعالى قال:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، فتمام الرضاعة الحولان فلا رضاعة بعد تمامها يحرّم شيئًا، وكان أبو حنيفة يحتاط بستة أشهر بعد الحولين، فيقول: يحرّم ما كان في الحولين وبعدهما إلى تمام ستة أشهر، وذلك ثلاثون شهرًا، ولا يُحرّم ما كان بعد ذلك، ونحن لا نرى أنه يحرّم ما كان بعد الحولين.

وأما لبن الفَحْل: فإنا نراه يحرّم، ونوى أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، فالأخ من الرضاعة من الأب تحرم عليه أخته من الرضاعة من الأب، وإن كانت الأمَّان مختلفتين إذا كان لبنهما من رجل واحد، كما قال عبد الله بن عباس: اللَّقاح واحد، فبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا يحيى بن سعيد، بن قيس الأنصاري المدني يكنى أبا سعيد القاضي ثقة، كان من الطبقة الخامسة في طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين ومائة من الهجرة عن سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهو ابن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات، كان في الطبقة الأولى من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، اتفقوا على أن مرسلاته أصلح المراسيل، وقال المدني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه، مات بعد التسعين بيسير وهو ابن أربع وثمانين سنة، كذا قاله ابن حجر (1) وابن الجوزي في (طبقاتهما) أنه أي: يحيى سمعه أي: سعيد يقول: لا رضاعة أي: محرمة إلا في المهد، وهو يمهد للصبي لينام فيه ولا رضاعة أي: معتبرة إلا ما أنبت اللحم والدم أي. إنما هما فرضا الكبير لا يحرم لأنه لا ينبت شيئًا منهما، وللترمذي (2) وحسنه "لا رضاعة إلا ما فتق الأمعاء

(1) التقريب (1/ 241).

(2)

الترمذي (3/ 458).

ص: 171

وكان قبل الحولين" ولأبي داود عن ابن مسعود موقوفًا: "لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم" ورواه مرفوعًا: "إنما الرضاع ما أنشر العظم وفتق الأمعاء".

قال محمد: لا يحرّم الرضاع أي: المص بالنكاح إلا ما أي: رضاع كان في الحولين، أي: في أربعة وعشرين شهرًا من الرضع هذا مدة الرضاع فما كان فيهما أي: في الحولين من الرضاع بيان بما وفي نسخة: من رضاع وإن كانت أي: الرضاع مصّة واحدة أي: قطرة واحدة فهي تحرّم، أي: النكاح كما قال عبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وسبق أحاديث وردت بذلك وبيان صدق الشافعي هنالك وما أي: الرضاعة كان بعد الحولين لم يحرّم شيئًا؛ لأن الله عز وجل قال: في سورة البقرة: {وَالْوَالِدَاتُ} أي: الأمهات {يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ} أي: أربعة وعشرين شهرًا من الرضع نزلت لبيان مدة الرضاع المثبت للحرمة، قوله:{يُرْضِعْنَ} خبر في معنى الأمر أي: ليرضعن، والأمر للاستحباب لأنه لا يجب على المطلقة إرضاع ولدها من زوجها الذي طلقها إن وجد من ترضعه ويجب إن لم توجد، ولم يقبل الولد ثدي غير الأم أو عجز الأب عن الاستئجار قوله:{كَامِلَيْنِ} وصف للحولين بالكمال لتأكيد إرادة الحقيقة؛ لأن بعض الحولين يسمى حولين تجوزًا فعلم بالكاملين أن المراد بغير نقصان قوله: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، لبيان لمن توجه إليه الحكم أي: هذا الحكم لمن أراد تمام الرضاع، واللام تتعلق بيرضعن حولين لمن أراد أن يكمل الإِرضاع من الأب؛ لأن الأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأم إلا إذا رضيت الأم بإرضاعه، فالإِرضاع مستحب من الأم ولا تجبر عليه، ولا يجوز استئجار الأم عند أبي حنيفة ما دامت زوجة ويجوز عند الشافعي، فمفهومه أنه يجوز عدم تمامها إن أراد كما جاء في قوله تعالى: سورة البقرة: {فَإِنْ أَرَادَا} أي: الوالدان {فِصَالًا} أي فطامًا للصغير قبل الحولين {عَنْ تَرَاضٍ} باتفاق {مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} أي: بمشاورتهما {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أي: لا حرج على الوالدان "في ذلك" يعني: سواء زاد على الحولين أو نقصا وهذه توسعة بعد التحديد.

قال العلماء: إن قطع الغلام عن الثدي لا يضر الولد وإنما اعتبر اتفاق الوالدين لما في الأدب من الولاية وفي الأم شفقة فتمام الرضاعة الحولان فلا رضاعة أي: كانت بعد تمامها أي: الرضاعة، وفي نسخة: تمامها يحرّم شيئًا، أي: لأنه لا زيادة على الكمال وكان أبو حنيفة يحتاط بستة أشهر بعد الحولين، أي: مستدلًا بقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ

ص: 172

شَهْرًا} [الأحقاف: 15] يعني جعل مدة الحمل والفصال ثلاثون شهرًا، والظاهر أنها مدة لكل واحد منهما، وقد دل الدليل على انقضاء هذه المدة (ق 653) في حق الحمل ويتبقى في الآخر وهو الفصال على حالها فيقول: أي: أبو حنيفة يحرّم ما كان في الحولين أي: في السنتين وبعدهما أي: بعد الحولين إلى تمام ستة أشهر، وذلك أي: مجموعهما ثلاثون شهرًا، ولا يُحرّم ما كان بعد ذلك، أي: لأن الرضيع لا يحصل فطامه في ساعة واحدة، بل لا بد من زيادة على الحولين يتعود فيها بالطعام ينسى اللبن فقدر ذلك بأدنى مدة الحمل وهي ستة أشهر لأنها مدة ينتقل فيها الصبي من غذا إلى غذاء؛ لأن غذاء الجنين غير هذا الرضيع، كذا علله بعض العلماء وفيه بحث؛ لأنه يمكن بهذا التدرج قبل الحولين نعم لو لم يجز الطعام قبلهما فربما كان يعتبر مثل هذا؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، ومع هذا كون القول به أحوط بعيد إذ لا ضرر في نفي الرضاعة بخلاف إثباتها فإن يتفرغ عليه أمور كثيرة كما لا يخفى ونحن أي: نفسه وأبو يوسف وغيرهما من العلماء الحنفية لا نرى أي: لا نختار أنه يحرّم أي: ما كان بعد الحولين ونرى أي: يختار أنه لا يحرم ما كان بعد الحولين تأكيد لما قبله وربما كان تلك العبارتين باعتبار النسختين.

وأما لبن الفَحْل: أي: الرجل وهو زوج المرأة بأن يكون لبنها فمنه فإنا نراه يحرّم، أي: عليه وعلى من ينسب إليه ونرى أنه يحرم من الرضاع وفي نسخة: الرضاعة ما يحرم من النسب، أي: كل ما ورد في الأحاديث الصحيحة فالأخ من الرضاعة من الأب تحرم عليه أخته من الرضاعة من الأب، كما قال تعالى:{وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وإن كانت الأمَّات أي: أم الأخ والأخت مختلفتين إذا كان لبنهما من رجل واحد، كما قال عبد الله بن عباس: اللَّقاح بكسر اللام أي: اللبن واحد، فبهذا أي: بما ذكر من لبن الفحل نأخذ، أي: نعمل جميعًا وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله تعالى.

لما فرغ من بيان أحكام الطلاق وغيره، شرع في بيان أحكام الأضحية، فقال: هذا

* * *

ص: 173