الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الرجل يُسرق منه الشيء يجب فيه القطع فيهبه للسارق بعد ما يرفعه إلى الإمام
باب في بيان حكم حال الرجل يُسرق منه الشيء، مرفوع نائب فاعل يسرق، يجب صفة للشيء، فيه، أي: لأجل الشيء المسروق، والقطع، أي: قطع يد السارق، فيهبه أي: يهب الرجل الشيء المسروق إلى السارق بعد ما يرفعه، أي: بعد إحضار الرجل سارقًا إلى الإِمام، أي: إلى حضور السلطان أو نائبه.
ووجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق: العفو والإِيجاب من جهة الشارع في قطع يد السارق.
685 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزهري، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، أن صفوان بن أميَّة قيل له: إنه من لم يهاجر هلك، فدعا براحلته فركبها حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قيل لي: إنه من لم يهاجر هلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ارجع أبا وهب إلى أباطح مكة"، فنام صفوان في المسجد متوسدًا رداءَه، فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ السارق فأُتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسارق أن تُقطع يده، فقال صفوان: يا رسول الله، إني لم أُرد هذا، هو عليه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فهلَّا قَبْلَ أن تأتيني به".
قال محمد: إذا رُفِعَ السارق إلى الإِمام أو القاذف، فوهبَ صاحبُ الحد حدّه، لم ينبغ للإِمام أن يعطل الحدّ، ولكنه يمضيه، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
(685) صحيح، أخرجه الشافعي في الأم (6/ 131)، وأبو داود (4394)، والنسائي كتاب قطع السارق، باب الرجل يتجاوز للسارق عن سرقته، وابن ماجه (2595)، وأحمد في المسند (3/ 401)، والدارمي (2/ 172)، والحاكم في مستدركه (4/ 380)، وصححه ووافقه الذهبي.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، حدثنا الزهري، أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، تابعي مدني، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات بعد المائة، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية الأمري القرشي التابعي، ثقة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل مكة، مات بعد المائة من الهجرة، كذا في (تقريب التهذيب)(1).
قال: أي: صفوان بن عبد الله حاكيًا عن جده صفوان بن أميَّة بن خلف بن وهب بن قدامة جمح القرشي المكي، الصحابي من المؤلفة، مات أيام قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقيل: سنة إحدى أو اثنين وأربعين، قيل لصفوان بن أمية بالتصغير: إنه شأن من لم يهاجر هلك، فدعا براحلته فركبها حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قيل لي: إنه من لم يهاجر أي: من مكة وغيرها إلى المدينة هلك، أي: مات عاصيًا إن كان الهجرة قبل فتح مكة فرضًا أو شرطًا لقبول الإِسلام بالنسبة إلى غير المستضعفين، وكان قائل ذلك لم يسمع قوله صلى الله عليه وسلم:"لا هجرة بعد الفتح".
وفي رواية أخرجها أبو عمر أنه قيل له: إنه لا يدخل الجنة إلا من قد هاجر، وقال صفوان بن عبد الله: قال جدي صفوان بن عبد الله، قال جدي صفوان بن أمية:(ق 719) لا أنزل منزلي حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا براحلته فركبها حتى قَدِمَ، بكسر الدال المهملة المخففة المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه، أي: الشأن قد قيل لي: إنه أي: الشأن، وفي نسخة: إنه من لم يهاجر هلك، فقال له: أي: صفوان بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارجع أبا وهب أي: يا أبا وهب إلى أباطح مكة"، أي: فإنه لا هجرة بعد فتح مكة، كما رواه البخاري (2)، فنام صفوان في المسجد النبوي متوسدًا رداءَه، أي: جاعلًا رداءه تحت رأسه مكان وسادته، فجاء سارق فأخذ رداءه، أي: من تحت رأسه، فأخذ أي: صفوان بن أمية السارق فاُتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسارق أن تُقطع يده، أي: يد السارق، فقال صفوان: يا رسول الله، إني لم أُرد هذا، أي: قطع يده، وإنما أردتُ تأديبه أو نحو ذلك، هو أي: المأخوذ عليه صدقة، أي: هبة له مني، كأنه ظن أن
(1) التقريب (1/ 277).
(2)
البخاري (3/ 1025)، رقم (2631).
القطع موكول إلى إرادته؛ لأن ذلك كان قبل أن يتفقه في الدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فهلَّا بتشديد اللام، أي: فلم تهبه له قَبْلَ أن تأتيني به"، فمعنى هلا إذا دخلت على الماضي تكون لتوبيخ المخاطب، ولومه على ترك الفعل، ومعناه في المضارع الحض والحث على الفعل والطلب له، فهي في المضارع بمعنى الأمر ولا يكون التخصيص في الماضي الذي قد فات إلا أنها تستعمل كثيرًا في لوم المخاطب على أنه ترك في الماضي شيئًا يمكن تداركه في المستقبل فكأنها من حيث المعنى للتخصيص على فعل مثال ما فات، كما في (شرح الكافية).
والحديث رواه أبو داود (1)، والنسائي (2)، وابن ماجه (3)، وأحمد (4) في (مسنده) من غير وجه عن صفوان بن أمية أنه طاف بالبيت وصلى، ثم لف رداءه فوضعه تحت رأسه فنام فأتاه لص فاستله من تحت رأسه، فأخذه فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن هذا سرق ردائي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أسرقت رداء هذا؟ "، قال:"اذهبا به فاقطعا يده"، فقال صفوان بن أمية: ما كنتُ أريد أن أقطع يده في ردائي؟ قال: فلو كانت الهبة قبل أن تأتيني.
قال محمد: إذا رُفعَ السارق إلى الإِمام أي: الحاكم أو القاذف، أي: الحد عليهما بإقرار أو بينة، فوهبَ صاحبُ الحد حدّه، أي: صاحب الحق حقه، كما في نسخة: لم ينبغ للإِمام أي: لا يجوز له أن يعطل الحدّ، أي: يبطله، ولكنه أي: الإِمام يمضيه، أي: ينفذه ويقضيه، وهو أي: عدم الجواز للإِمام أن يعطل الحد بعد رفعه إليه، قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يُسرق منه الشيء يجب فيه قطع يد السارق إذا رفع إلى الإِمام، شرع في بيان حكم حال مسروق يجب فيه القطع، فقال: هذا
* * *
(1) أبو داود (4394).
(2)
النسائي كتاب قطع السارق، باب الرجل يتجاوز للسارق عن سرقته.
(3)
ابن ماجه (2595).
(4)
أحمد (3/ 401).