الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن المسيب خلاف ما روى عنه ابن أبي حبيبة وأنه لا شيء عليه حتى يقول: علي نذر مشي إلى الكعبة، وأظنه جعل قوله: علي المشي إخبار بباطل؛ لأن الله تعالى لم يوجبه عليه في كتاب ولا سنة حتى يقول: نذرت المشي أو علي نذر المشي، أو على الله المشي نذرًا والنذر شرعًا: إيجاب المرء فعل البر على نفسه، وهذا خالف مالكًا فيه أكثر العلماء، وذلك نذر على مخاطره، والعبادات إنما تصح بالنيات ولا بالمخاطرة، ولهذا إذا لم يكن له نية، فكيف يلزمه ما لم يقصد به طاعة؟ ولذا قال محمد بن عبد الحكم: من جعل على نفسه المشي إلى قلة إن لم يرد حجًا ولا عمرة فلا شيء عليه كذا نقله الزرقاني عن ابن عبد البر.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بقول سعيد بن المسيب من جعل عليه أي: من التزم على نفسه المشي إلى بيت الله أي: إلى الكعبة أو المسجد الحرام لزمه المشي، إن جعله نذرًا أي: يجعله مجرد يمين أو غير نذر، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا وفي المنتقى وقاضخان عن محمد: من قال: لله علي المشي إلى بيت الله تعالى ثلاثين سنة عليه ثلاثون حجة أو ثلاثون عمرة، ولو نذر المشي إلى بيت الله ونوى مسجد المدينة أو بيت المقدس أو آخر لا يلزمه شيء، وإن لم يكن نية فعلى المسجد الحرام.
ولما فرغ من بيان حكم حال الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله تعالى، شرع في بيان حكم حال رجل جعل على نفسه المشي ثم عجز، فقال: هذا
* * *
باب من جعل على نفسه المشي ثم عجز
في بيان حكم حال من جعل على نفسه أي: وجب عليها المشي ثم عجز أي: عن المشي.
746 -
أخبرنا مالك، عن عُروة بن أذَيْنَة، أنه قال: خرجتُ مع جدّةٍ لي تمشي، وكان عليها مشي حتى إذا كنا ببعض الطريق عجَزَتْ فأرْسلَتْ مولى لها إلى عبد الله بن عمر ليَسْأله، وخرجتْ مع المولى، فسأله، فقال عبد الله بن عمر: مُرها فلْتركب ثم لتمش من حيثُ عجزتْ.
(746) إسناده صحيح، وانظر المحلى (7/ 266)، والمغني (9/ 12).
قال محمد: قد قال بهذا قومٌ، وأحبُّ إلينا من هذا القول: ما رُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: حدثنا عن عُروة بن الزبير بن أذَيْنَة، بتصغير الأذن، وهو الليثي الشاعر، من بني ليث بن بكر بن كنانة، وهذا لقبه، ولجده مالك بن الحارث رواية عن علي. كذا قاله ابن عبد البر (1) وذكر البخاري فقال: مدني روى عنه مالك وعبيد الله بن عمر وذكره ابن حبان في الثقات أنه قال: خرجتُ مع جدّةٍ لي تمشي، وكان عليها أي: واجب بالنذر مشي إلى بيت الله، وهو كناية عن الحج أو العمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق عجَزَتْ بفتح الجيم وبكسر أي: أعيت ولم تقدر على المشي فأرْسلَتْ أي: جدتي مولى لها إلى عبد الله بن عمر ليَسْأله، وخرجتْ مع المولى، أي: جملة اعتراضية معنى لأسمع الجواب من ابن عمر بلا واسطة فسأله، فقال عبد الله بن عمر: مُرها فلْتركب أي: حال عجزها ثم لتمش أي: وقت قدرتها من حيثُ عجزتْ أي: قضاء لما فاتها فتمشي ما ركبت.
قال محمد: قد قال بهذا قومٌ، يعني: حكموا أنها تركب ثم تمشي وأحبُ إلينا من هذا القول: ما رُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بينه بقوله:
* * *
747 -
قال محمد، أخبرنا شعبة بن الحجّاج، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النَّخَعي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: من نذر أن يحجّ ماشيًا ثم عجز فليركب وليحجّ ولينحر بدنة.
قال محمد: وجاء عنه في حديث آخر: ويُهدي هَديه، فبهذا نأخذ، يكون الهَدْي مكان المشي، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
(1) انظر شرح الزرقاني (3/ 77)، فيما نقله عن ابن عبد البر، والبخاري.
(747)
إسناده ضعيف، لانقطاعه بين إبراهيم النخعي وعلي بن أبي طالب، قال أبو حاتم: لم يلق أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عائشة، ولم يسمع منها شيئًا فإنه دخل عليها وهو صغير.
وقال أبو زرعة: إبراهيم النخعي عن عمر وعلي وسعد بن أبي وقاص مرسل.
• قال محمد، أخبرنا شعبة بن الحجّاج، بن الورد العتكي (ق 783)، مولاهم، يكنى أبا بسطام الواسطي ثم البصري ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة، كان عابدًا، وكان في الطبقة السابعة من طبقات التابعين من أهل البصرة، مات سنة ستين ومائة عن الحكم بفتحتين ابن عتيبة، بضم العين المهملة وسكون المثناة وبفتح الموحدة مصغرًا، يكنى أبا محمد الكندي الكوفي، ثقة ثبت، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل الكوفة، كانت في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، مات سنة ثلاث عشرة أو بعدها ومائة وهو ابن ستين سنة وزيادة. كذا في (تقريب التهذيب من أسماء الرجال) (1) و (الخلاصة في الهيئة) عن إبراهيم أي: ابن يزيد بن قيس بن الأسود النَّخَعي، يكنى أبا عمران الكوفي الفقيه، ثقة إلا أنه يرسل كثيرًا، كان في الطبقة الخامسة في اعتبار ابن حجر، وفي الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل الكوفة، في اعتبار بعض الطبقات الحنفية، مات سنة ست وتسعين وهو ابن خمسين سنة، كذا قاله ابن حجر (2).
وقال بعض المؤرخين: وهو ابن ست وأربعين سنة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: من نذر أن يحجّ ماشيًا ثم عجز أي: عن المشي فليركب وليحجّ ولينحر بدنة أي: وهي الأفضل والأكمل.
قال محمد: وجاء عنه في حديث آخر: ويُهدي هَديه، أي: وأقل الهدي شاة فبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه إبراهيم النخعي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكون الهَدْي مكان المشي، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا فمن جعل على نفسه أن يحج ماشيًا فإنه لا يركب حتى يطوف طواف الزيارة وإن جعل عمرة فحتى يحلق، وفي الأصل: حُيِّرَ بين الركوب والمشي، وفي (الجامع الصغير): أشار إلى وجوب المشي، وهو الظاهر وهو الصحيح، وحمل رواية الأصل على من شق عليه المشي، ثم اختلفوا في محل ابتداء المشي؛ لأن محمد لم يذكره فقيل: يبدأ من الميقات وقيل: من حيث الإِحرام، وعليه فخر الإِسلام والإِمام العتابي وغيرهما، وقيل: من بيته، وعليه شمس الأئمة
(1)(1/ 175).
(2)
في التقريب (1/ 95).
السرخسي وصاحب (الهداية) وصححه قاضخان والزيلعي وابن الهمام؛ لأن المراد عرفًا، ثم لو ركب في كل الطريق أو أكثر بعذر أو بلا عذر لزمه دم؛ لأنه تركه واجبًا فيخرج عن العهدة، وإن ركب في الأقل تصدق بعذره من قيمة الشاة، ثم المذهب عندنا: أن من نذر أن يصلي في مكان قد صلى في غيره دونه أجزء خلافًا لزفر، فإنه يجب عنده أن يصلي فيه أو في موضع أو صل منه. والله أعلم.
وقال مالك والشافعي: تعين فعلها فيه، وهو الأصح من قول الشافعي.
* * *
748 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، قال: كان عليَّ مشيٌ، فأصابتني خاصِرةٌ، فركبتُ حتى أتيتُ مكة، فسألتُ عطاء بن أبي رباح وغيره، فقالوا: عليك هَدي، فلما قدمتُ المدينة سألت، فأمروني أن أمشي حيثُ عجزتُ مرة أخرى، فمشيت.
قال محمد: وبقول عطاء نأخذ، يركب وعليه هدْي لركوبه، وليس عليه أن يعود.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: حدثنا أخبرنا يحيى بن سعيد، بن قيس الأنصاري المدني، يكنى أبا سعيد القاضي ثقة ثبت، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين أو بعدها ومائة أنه قال: كان أي: وجب عليَّ مشيٌ، فأصابتني خاصِرةٌ، بخاء معجمة وصاد مهملة أي: علة في خاصرتي فركبتُ حتى أتيتُ مكة، فسألتُ عطاء بن أبي رباح وغيره، فقالوا: عليك هَدي، أي: بدون إعادة المشي فلما قدمتُ المدينة سألت، أي: أهلها من الفقهاء عن ذلك فأمروني أن أمشي أي: مرة (ق 784) أخرى حيثُ عجزتُ مرة أخرى، فمشيت أي: وبه أفتى ابن عمر، كما مر.
قال محمد: وبقول عطاء نأخذ، يركب أي: للضرورة وعليه هدْي لركوبه، وليس عليه أن يعود أي: في مشيه في محل ركوبه وقد روى الحاكم في مستدركه (1) وقال:
(748) إسناده صحيح.
(1)
(4/ 340)، وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. =