الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنثى في الخمر أي: في شربها، فقال: بلغنا أي: عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عليه أي: على العبد نصف حد الحرّ، أي: في الخمر، وهو أربعون جلدة، وأن عمر أي: بلغنا أن عمر وعثمان وعليّا وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وكذلك في (الموطأ) لمالك، وفي نسخة: لا تعتد عليها، وأن عمر وعليا وعثمان وابن عامر جلدوا عبيدهم نصف حدّ الحر في الخمر، أي: في هذا قياسًا أجمعوا عليه، وأصله قوله تعالى:{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، فينبغي أن يكون حكم القذف كذلك إلا أن يفرق بأن القذف حق العبد.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، (ق 745) أي: إنما نعمل بمجموع ما رُوي في هذا الباب، الحدُّ في الخمر أي: مطلقًا والسُكر أي: والحد في السكر من غيرها ثمانون أي: جلدة، وحد العبد في ذلك أي: في شرب الخمر أربعون جلدة، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، والله أعلم.
* * *
باب الحد في التعريض
في بيان ما يتعلق الحد في التعريض، وهو بفتح الفوقية وسكون العين والراء المكسورة وسكون التحتية والضاد المعجمة كلام يفهم به السامع مراد المتكلم من غير تصريح، كذا قاله السيد الشريف، وجه المناسبة بين هذا الباب والباب السابق التصريح والتعريض فيما يقتضي الحد.
708 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الرِّجال: محمد بن عبد الرحمن، عن أمه: عَمْرة بنت عبد الرحمن: أن رجلين في زمان عمر استبّا، فقال أحدهما: ما أبي بزانٍ ولا أمي بزانيةٍ، فاستشار في ذلك عُمر بن الخطاب، فقال قائل: مَدَحَ أباه وأمَّه، وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح سوى هذا، نرى أن تجلده الحدّ، فجلده عمر الحدّ ثمانين.
(708) إسناده صحيح.
قال محمد: قد اختلف في هذا على عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: لا نرى عليه حدّا مدح أباه وأمه، فأخذنا بقول من درأ الحد منهم، وفيمن درأ الحد، وقال: ليس في التعريض جلد، عليّ بن أبي طالب، فبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا أبو الرِّجال، بكسر الراء المهملة وفتح الجيم فألف ولام، وهو محمد بن عبد الرحمن، أي: ابن حارثة بن النعمان الأنصاري، من بني النجار، بفتح النون، وتشديد الجيم المفتوحة، وراء بينهما ألف بطن من الخزرج، ثقة كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة، عن أمه: عَمْرة بنت عبد الرحمن، أي: ابن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، ثقة، كانت في الطبقة الثالثة من طبقات التابعيات من أهل المدينة، ماتت بعد المائة، كذا في (تقريب التهذيب)(1)، أن رجلين أي: لم يسميا في زمان عمر أي: في خلافته رضي الله عنه، استبّا، أي: شتم كل واحد منهما الآخر، فقال أحدهما: ما أبي بزانٍ ولا أمي بزانيةٍ، أي: فاعرضا هذا الكلام إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاستشار في ذلك أي: في موجب هذا الكلام التعريض عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، أي: بحضرة جمع من الصحابة والتابعين تطييبًا لقلوبهم وإظهار آبائهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما شقي عبدًا قط بمشورة، وما سعد باستغناء رأي"، فقال قائل: أي: من الصحابة في مجلس المشاورة: مَدَحَ أباه وأمَّه، أي: فلا يلزمه شيء، وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح سوى هذا، بكسر السين المهملة، وفتح الواو المقصورة، أي: غير هذا، أي: الكلام المعدول في مقام الاستباب، فيلزمه الحد؛ لأن التلويح أبلغ في التصريح، فلذا نرى أي: نختار أن تجلده الحدّ، فجلده عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحدّ ثمانين، أي: جلدة؛ لأنه وافق رأيه اجتهادهم، لا تقليدًا لهم، والصحابة مجتهد فليس على مجتهد أن يقلد غيره.
قال محمد: قد اختلف في هذا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: لا نرى أي: لا نختار عليه حدّا مدح أباه وأمه، أي: وبعضهم
(1) التقريب (1/ 750).
أشاروا إلى الحد كما سبق، فأخذنا أي: عملنا بقول من درأ من ترك الحد منهم، أي: من الصحابة؛ لأنه أحوط، قوله: وممن درأ الحد، خبر مقدم، وقال: ليس في التعريض جلد، جملة حالية، وقوله: عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، مبتدأ مؤخر فتقديم المسند على المسند إليه فتخصيصه بالمسند إليه، نحو:{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25، 26]. قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل (ق 746) إلا بقول علي بن أبي طالب، وهو أي: ما قاله علي بن أبي طالب، قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
وقال مالك وأحمد، وفي رواية: يحد عملًا بقول عمر ومن وافقه، ولنا ما رواه البخاري (1) ومسلم (2) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًا قال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، قال:"هل لك من إبل؟ "، قال: نعم، قال:"وما ألوانها؟ " قال: حمر، قال:"فهل منها من أورق؟ "، أي: إبل لونه مائل إلى السواد؟، قال: إن فيها أورق، قال:"فأين أيتها ذلك؟ "، قال: لعله نزعه - أي جره - عرق، قال:"وكذلك هذا الولد نزعه عرق"، وترجم عليه البخاري: باب إذا عرض ينفي الولد، وزاد في لفظ: وإن أنكرته تعرض أن ينفيه، وما روى أبو داود (3) والنسائي (4) من حديث ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال:"عذبها"، أي: طلقها، كما في رواية، قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال:"فاستمتع بها"، وفي رواية:"فأمسكها"، وقوله: لا تمنع يد لامس، كناية عن زناها؛ ولأن الله تعالى فرق بين التعريض بالخطبة في العدة، فأباحه، وبين التصريح فمنعه، حيث قال:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} الآية [البقرة: 235]، فليفرق بينهما في القذف أيضًا، ولأنه تعالى أوجب الحد في القذف، تصريح الزنا، فلم يمكن لنا إيجابه بكنايته إلحاقًا لها به دلالة؛ لأن الكناية دون التصريح، لما فيها من الاحتمال، والله أعلم بحقيقة الحال.
(1) البخاري (6/ 2511).
(2)
مسلم (2/ 1137).
(3)
أبو داود (2/ 220).
(4)
النسائي في الكبرى (3/ 270)، وفي الصغرى (6/ 67).