الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: في مال سرق أي: العبد به من أخته، أو أخيه، أو عمته، أو خالته، أي: من جهة أمه، وهو أي: والحال أن العبد لو كان محتاجًا زَمِنًا أي: مقعدًا أو صغيرًا أي: بحيث ما يقدر على الكسب، وكانت أي: الأمَة محتاجة أي: إلى الشفعة والكسوة أجبر بصيغة المجهول، أي: أمر الحاكم إلى سيد العبد المحتاج والصغير والأمة المحتاجة على نفقتهم، وكان أي: فثبت لهم أي: للعباد والإِماء في ماله نصيب أي: حظ، فكيف يُقطع أي: يد من سرق ممن له أي: من متاع من للسارق، في ماله أي: في مال المسروق منه نصيب، أي: حظ عظيم، وهذا أي: المذكور هنا كله قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
لما فرغ من بيان حكم العبد يسرق من مال سيده، شرع في بيان حكم حال السارق يسرق ما كان في مكان غير محرز، فقال: هذا
* * *
باب من سرق تمرًا أو غير ذلك مما لم يحرز
باب في بيان حكم من سرق تمرًا أو غير ذلك، أي: من الحيوانات، مما أي: من موقع لم يحرز، أي: لم يمنع وصول يد غير صاحبه فيه، ووجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق التقييد والإِطلاق.
683 -
أخبرنا مالك، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حُسين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا قطع في ثمر معلَّق، ولا في حريسةِ جَبَل، فإذا آواه المُرَاح أو الجرينُ فالقطع فيما بلغ ثمن المِجَنّ".
قال محمد: وبهذا نأخذ، من سَرَقَ تمرًا في رؤوس النخل، أو شاة في
(683) حسن، أخرجه الشافعي في الأم (6/ 133)، وأبو داود (1710)، والترمذي (1289)، وحسنه، والنسائي في كتاب قطع السارق، باب الثمر المعلق يُسرق، والبيهقي في الكبرى (8/ 263)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 17140).
وقال ابن عبد البر في التمهيد (23/ 313): وحديث عمرو بن شعيب أصل عند جمهور أهل العلم في مراعاة الحرز واعتباره في القطع.
المرعى، فلا قطع عليه، فإذا أُتِيَ بالثمر الجرين أو البيت وأتي بالغنم المُرَاح، وكان لها من يحفظها فجاء سارق سَرق من ذلك شيئًا يساوي ثمن المِجن ففيه القطع، والمِجنّ كان يساوي يومئذٍ عشرة دراهم، ولا يقطع في أقل من ذلك، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حُسين بن الحارث بن عامر بن نوفل الملكي النوفلي، ثقة، عالم بالمناسك، من رجال الجميع، كان في الطبقة الخامسة من طبقات صغار التابعين، من أهل مكة، مات بعد المائة من الهجرة، قال أبو عمر: لم تختلف رواة (الموطأ) في إرساله، ويتصل معناه من حديث عبد الله بن عمر وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا قطع أي: لا يقطع يد السارق في ثمر بفتح المثلثة والميم معلَّق بالنخل والشجر قبل أن يجزئ ويحرز، وكلمة "في" في قوله: ثمر للتعليل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها"، ولا في حريسةِ جَبَل، بفتح الحاء المهملة وكسر الراء الممدوة، وفتح السين المهملة والفوقية، مضافة إلى جبل فعيلة، بمعنى مفعولة، أي: ليس في الماشية المحروسة في الجبل بالمرعى قطع يد السارق إذا سرقها؛ لأن الحريسة لم تكن حرزًا عادة أو يقال لها باللسان التركية: (طاغدة أو لأن قيون أغلى) كما في ترجمة (صحاح الجوهري)، فإذا آواها بفتح الهمزة المدودة والضمير المؤنث راجع إلى حريسة، وفي نسخة بالضمير المذكر العائد إلى حريسة باعتبار المال، أي: إذا أنزل وأدخل الماشية صاحبها في المراح بضم الميم وفتح الراء المهملة فألف، وحاء مهملة وهو موضع مبيت الغنم، والفرق بين المعنى الثاني للحريسة وبين معنى المُرَاح، أن معنى المراح موضع له سطح وباب يغلق بخلاف المعنى الثاني للحريسة، أو الجرينُ بفتح الجيم وكسر الراء الممدودة فنون: هو الموضع الذي يُجمع فيه الثمار عطف على المراح، أي: إذا أدخل الثمار صاحبها فيه، فالقطع فيما بلغ أي: فيلزم قطع يد السارق بالمسروق الذي بلغ ثمنه قدر ثمن المِجَنّ"، بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون: الترس وثمنه ثلاثة (ق 716) دراهم بين صلى الله عليه وسلم وهي حالة كون المال في حرزه فلا قطع على من سرق من غير حرز إجماعًا إلا ما شذ الحسن والظاهرية، قال ابن العربي: اتفقت الأئمة على أن شرط القطع أن يكون المسروق محرزًا يحرز مثله ممنوعًا من الوصول إليه بمانع، خلافًا لقول
الظاهرية لا تُقطع في كل فاكهة رطبة ولو كانت محرزة، وقاسوا عليها الأطعمة الرطبة التي لا تدخر، كذا قاله الزرقاني (1).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بحديث رواه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين مرسلًا: من سَرَقَ تمرًا في رؤوس النخل، أو شاة في المرعى، بفتح الميم وسكون الراء المهملة والعين المهملة المفتوحة الممدودة، اسم مشترك بين معنى الكلاء بكسر الكاف نبت أخضر وبفتحها بمعنى المرعى، وبين موضع الكلاء كما فصلناه في (نور الأفئدة)، في تفسير قوله تعالى:{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى: 4]، لكنه هنا مخصوص لمكان الكلاء، كما أشار المصنف رحمه الله إلى هذا المعنى بكلمة في فلا قطع عليه، أي: لعدم وجود الأحراز، وإن كان في حائط، وروى النسائي (2) وابن ماجه (3) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن التمر المعلق فقال:"من أصاب تقية من ذي حاجة غير متخذة خبية فلا شيء عليه، ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع"، وفي (المغرب) الجرين: المربد، وهو الموضع الذي يلقى فيه الرطب ليجف، وجمعه جرون، كذا قاله الشمني في (شرح النقاية)، فإذا أُتِيَ بالثمر الجرين أو البيت وأتي بالغنم المُرَاح، وكان لها أي: الغنم من يحفظها فجاء سارق سَرق من ذلك شيئًا يساوي أي: قيمته ثمن المِجن ففيه القطع، أي: قطع يد السارق، والمِجنّ بكسر الميم المخفف وتشديد النون: الترس، كان يساوي يومئذٍ أي: في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم، ولا قطع أي: يد السارق في أقل من ذلك، أي: من عشرة دراهم، وهو أي: عدم قطع يد السارق إذا سرق أقل من عشرة دراهم قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا. هذا جواب على مالك وأحمد والشافعي لما قاله مالك وأحمد: نصاب السرقة ربع دينار أو ثلاثة دراهم، وقال الشافعي والأوزاعي والليث: نصاب السرقة ربع دينار، كما مر تفصيله في شرح ترجمة باب العبد يسرق من مولاه.
* * *
(1) في شرحه (4/ 189).
(2)
في الكبرى (4/ 344)، والصغرى (8/ 85).
(3)
ابن ماجه في السنن (2/ 865).
684 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان: أن غلامًا سَرَق وَدِيّا من حائط رجل، فغرسه في حائط سيده، فخرج صاحب الودِيِّ يلتمس ودِيَّهُ فوجده، فاستعدى عليه مروان بن الحَكم فسجنه وأراد قطع يده، فانطلق سيد العبد إلى رافِع بن خَدِيج، فسأله، فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا قَطْعَ في ثَمَرٍ ولا كَثَرٍ"، والكَثَر: الجُمّار، قال الرجل: إن مروان أخذ غلامي، وهو يريد قطع يده، فأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى معه حتى أتى مروان فقال له رافع: أخذتَ غلام هذا؟ قال: نعم، قال: فما أنت صانع به، قال: أريد قطع يده، قال: فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا قطع في ثَمَر ولا كَثَر"، فأمر مروان بالعبد فأُرْسِلَ.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا قطع في ثمرٍ مُعلَّق في شجر، وَلا في كَثَر، والكثر: الجمّار، ولا في ودِيّ، ولا في شجر، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى قال: مالك حدثنا، أخبرنا يحيى بن سعيد، أي: ابن قيس الأنصاري المدني، يُكنى أبا سعيد القاضي، ثقة، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة أربعين ومائة بعد الهجرة، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، بفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة، ابن سعد الأنصاري المدني، ثقة فقيه، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة إحدى وعشرين ومائة من الهجرة وهو ابن أربع وسبعين سنة، كذا في (تقريب التهذيب)، أن غلامًا أي: عبد أسود لواسع بن حبان، عم محمد، كذا في (التمهيد)، سَرَق وَدِيّا بفتح
(684) أخرجه الشافعي في الأم (6/ 133)، والمسند (2/ 83، 84)، وأحمد في المسند (3/ 463)، والدارمي في السنن (2/ 174)، وأبو داود (4388)، والترمذي (4/ 52، 53) رقم (1449)، والنسائي (8/ 87)، وابن ماجه (2/ 865)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 172)، والبيهقي في الكبرى (8/ 263).
الواو، وكسر الدال المهملة، وتشديد التحتية، أي: نخلًا صغيرًا من حائط رجل، أي: من داخل (ق 717) جداره، وهو لم يسم، وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى أن غلامًا لعمه واسع بن حبان سرق وديًا من أرض جاره، فغرسه في حائط أي: بستان سيده، فخرج صاحب الودِيِّ يلتمس أي: حال كون صاحبه يطلب ودِيَّهُ فوجده، أي: في بستان جاره، فاستعدى عليه بهمزة الوصل وسكون السين المهملة، وفتح الفوقية، وسكون العين المهملة، وفتح الدال المهملة المخففة فألف، فإن أصله عدو بالفتحات، فزيدت في أوله الهمزة والسين والتاء، فكان استعدو، يقال: استعديت على فلان الأمير فأعداني، أي: استعنت به عليه فأعانني، كذا قاله محمد الواني في ترجمة (صحاح الجوهري). يعني: أحضر صاحب الودي الغلام إلى حضور مروان بن الحَكم، وقال له: هذا الغلام سرق من حائطي وديّا، والحال أن مروان بن الحكم أمير المدينة حينئذ من جهة معاوية رضي الله عنه، فسجنه بفتح المهملة وتشديد الجيم المفتوحة والنون المفتوحة المخففة، أي: فجعله محبوسًا في السجن، وأراد قطع يده، أي: يد الغلام، فانطلق سيد العبد أي: والممع بن حبان إلى رافع بن خَدِيج رضي الله عنه، بفتح الخاء المعجمة، وكسر الدال المهملة، وسكون التحتية فجيم، وهو ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الحارثي، أول مشاهده أُحد ثم الخندق، مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين، وقيل: قبل ذلك، فسأله عن ذلك، فأخبره أي: رافع إلى سيد العبد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا قَطْعَ أي: لا يجوز قطع يد الرجل في ثَمَرٍ بفتح المثلثة والميم، أي: في سرقة ثمر معلق على شجر وقبل أن يجز ويحرز، ولا كَثَرٍ"، بفتح الكاف والمثلثة فراء مهملة، والكَثَر: الجُمّار، بالجيم المضمومة، وتشديد الميم المفتوحة فألف، ثم راء مهملة، وهي شيء أبيض ناعم يخرج من رأس النخل وهو شحمه الذي يخرج به الكافور، وهو وعاء الطلع من جوفه سمي جمارًا أو كثر؛ لأنه أصل الكوافير، وحيث تجتمع وتكثر كما في (الفائق)، وهذا التعبير مدرج في رواية شعبة: قلتُ ليحيى بن سعيد: ما الكثر؟ فقال: الجمار يقال له باللسان التركية: (خوماكويكي)، قال الرجل: أي: سيد العبد: إن مروان أي: ابن الحكم أخذ غلامي أي: عبدي، وهو أي: والحال أن مروان بن الحكم يريد قطع يده، فأنا أحب أن تمشي أي: إليه، معي إليه فتخبره بالذي سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى أي رافع بن خديج رضي الله عنه معه حتى أتى مروان فقال أي: فسأل، أي:
لمروان بن الحكم رافع: أخذتَ أي: هل أخذت وحبست في السجن غلام هذا؟ أي: الرجل، قال: نعم، أي: أخذته، قال: أي: رافع بن خديج: فما أنت صانع أي: أي شيء تفعل؟ له، وفي هذا من اللطف في الخطاب ما لا يخفى، حيث لم يقل له: إن هذا قد أخذت له غلامًا وأردت قطع يده، قال: أي: أجاب مروان: أريد قطع يده، أي: يد الغلام لأنه سرق، قال: أي: رافع له: فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا قطع في ثَمَر ولا كَثَر"، زاد في رواية الترمذي وغيره: إلا ما أواه الجرين، فأمر مروان بالعبد فأُرْسِلَ، أي: أطلق فخلي سبيله من السجن، وفي رواية يزيد بن هارون (ق 718) عن يحيى بن سعيد فأرسله مروان فباعه أو نفاه، أي: باعه سيده، وهذا الحديث أخرجه أحمد والأربعة، وصححه ابن حبان من طريق عن مالك وغيره، كلها عن يحيى بن سعيد، قال ابن العربي: فإن كان فيه كلام فلا يلتفت إليه، وقال الطحاوي: تلقت الأئمة منه بالقبول، وقال أبو عمر، أي: ابن عبد البر: هذا حديث منقطع؛ لأن محمد بن يحيى لم يسمعه من رافع، وتابع مالكًا عليه سفيان الثوري، والحمادان، وأبو عوانة، ويزيد بن هارون، وغيرهم، ورواه ابن عيينة عن يحيى عن محمد عن عمه واسع عن رافع، وكذا رواه حماد بن زيد المدايني عن شعبة عن يحيى بن سعيد به، فإن صح هذا وقيل عنه: أبي ميمونة عن رافع ولم يتابع عليه، وقد خولف حماد بن زيد أيضًا، فإنما رواه غيره عن شعبة عن يحيى عن محمد عن رافع كما رواه مالك كما قاله الزرقاني (1).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه محمد بن يحيى بن حبان: لا قطع أي: لا يصح قطع يد في ثمرٍ مُعلَّق في شجر، أي: عليه، وَلا في كَثَر: والكثر: الجمّار، وقد مر تفسير الجمار آنفًا، ولا في ودِيّ، أي: لا يصح قطع يد السارق سرق نخلًا صغيرًا، ولا في شجر، أي: ولو كان في حائط، وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل سرق ثمرًا معلقًا على شجر وغنمًا في المرعى، شرع في بيان حكم حال الرجل يسرق منه شيء، فقال: هذا
* * *
(1) في شرحه (4/ 200).