الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ذبائح نصارى العرب
باب في بيان حكم ذبائح، جمع ذبيحة، وهي حيوان من شأنه أن يُذبح فيخرج السمك والجراد؛ لأن ليس من شأنها الذبح بلا ذكاة، وهي نوعان: ضرورية وهي جرح عضو نعم توحش أو سقط في البئر ولم يكن ذبحة؛ لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليها عند العجز عن ذكاة إلاختياري، واختيارية، وهي: ذبح الحلقوم والمريء والودجان، وفي (المغرب): الحلقوم عرق يجري النفس، والمريء بفتح اليم وكسر الراء المهملة والهمزة في آخره يجري فيه العلف والودجان بفتحتين، والجيم والألف والنون تثنية الودج، وهو عرق يجري فيه الدم، فالذبائح مضاف إلى نصارى الحرب، فإضافته إلى العرب من قبيل إضافة خيار القوم، والمراد بنصارى العرب أهل الكتاب مطلقًا، سواء كان يهوديًا أو نصرانيًا، قال تعالى في سورة المائدة:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 5]، يعني في هذا الزمان يبين لكم حل المذبوحات بذكر اسم الله عليها، ثم قال في ترخيص ذبائح أهل الكتاب؛ لأنهم يدعون بوحدانيته تعالى بقوله:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5]، يعني بهم: اليهود والنصارى، ومن دخل في دينهم بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم فلا يحل ذبيحته؛ لأنه مرتد لا ملة له، وتارك ما عليه، وكذا لا يحل ذبيحة وثني ومجوسي ولا ذبيحة مسلم وكتابي تركا ذكر اسم الله تعالى عمدًا عند ذبحها، كذا في (عيون التفاسير) و (المعالم) و (غرر الدرر).
فإن قلت: فإذا كان المراد بنصارى العرب أهل الكتاب مطلقًا، فما وجه تقييد النصارى بالعرب؟ فالجواب: والله أعلم بالصواب: وتقييده به اهتمامًا لشأنهم فإنهم صدقوا أولًا بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكذبوها أولًا كأبي جهل بن هشام شدد الله عليه عذابه.
وجه المناسبة بين هذا الباب والباب السابق إباحة أكل الجراد وذبيحة أهل الكتاب، اعلم أن العلماء قد أجمعوا على أن الذبائح المعتد بها: ذبيحة المسلم العاقل الذي يمكن منه الذبح سواء في ذلك الذكر والأنثى، الصغير والكبير، والحر والعبد.
654 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ثور بن زيد الدِّيلي، عن عبد الله بن عباس،
(654) إسناده صحيح.
أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب، فقال لا بأس بها، وتلا هذه الآية:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} .
قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا ثور باسم الحيوان المعروف، ابن زيد الدِّيلي، بكسر الدال المهملة بعدها تحتانية ساكنة، المدني، ثقة، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة بعد الهجرة، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه سُئل عن ذبائح نصارى العرب، أي: عن ذبائح أهل الكتاب ممن تنصر، وظاهره العموم الشامل من تنصر قبل البعثة وبعده، لكن الصحيح أنه خاص بمن دخل في دين النصارى قبل البعثة، (ق 678) فإن من دخل في دينهم بعد البعثة فهو مرتد لا تحل ذبيحته كما ذكرنا آنفًا، فقال: لا بأس بها، أي: لا حرمة في أكل ذبائح نصارى العرب، وتلى هذه الآية في سورة المائدة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51]، أي: في النصرة لاتحاد ملتهم واجتماعهم في الكفر، نزلت نهيًا عن موالاة أعداء الدين وذلك حين كان وقعة أُحد، فإن بعض الناس من المسلمين فيها خاف أن يظهر عليهم الكفار فأراد أن يعاشرهم ويواليهم وليأمن منهم، فقال تعالى: لا تتخذوهم أولياء في العون والنصرة كالمؤمنين، {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ} أي: من يتخذ اليهود والنصارى أولياء {مِنْكُمْ} فعم الخطاب ما خص المسلمين ولا بغير العرب، وقيل: الخطاب للعرب، {فَإِنَّهُ} أي: من يتخذهم أولياء {مِنْهُمْ} أي: على دينهم ومعهم في النار بنفاقهم، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي: لا يرشد الذين ظلموا أنفسهم بموالاة أعداء الله تعالى.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل بقول ابن عباس رضي الله عنهما، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة، رحمهم الله من فقهائنا.
لما فرغ من بيان حكم ذبائح نصارى العرب، شرع في بيان حكم الطير المقتول بالحجر، فقال: هذا
* * *