الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الرجل يكون عنده أكثر من أربع نسوة فيريد أن يتزوج
باب في بيان حكم حال الرجل من أهل الجاهلية، يكون عنده أي: يوجد تحت نكاحه أكثر من أربع نسوة، أي: قبل إسلامه ويسلم، فيريد أن يتزوج أي: أن يقررهن تحت نكاحه بعد إسلامه، قال يونس: التزوج ليس من كلام العرب، وأما قوله تعالى في سورة الطور:{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الطور: 20] فمأول بمعني قررناهم بهن. كذا قاله محمد الواني في (ترجمة صحاح الجوهري) فالفاء في قوله: فيريد عطف على يسلم كما قررناه.
530 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف؛ وكان عنده عشر نسوة - حين أسلم الثقفي - فقال له: "أمْسِكْ منهن أربعًا وفارِق سائِرِهن".
قال محمد: وبهذا نأخذ، يختار منهنّ أربعًا: أيتهن شاءَ، ويُفَارِق ما بقي
وأما أبو حنيفة فقال: نكاح الأربع الأوَل جائِز، ونكاح من بقي منهنّ باطل، وهو قولُ إبراهيم النَّخَعِيّ.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: قال: بنا أخبرنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، ثقة فقيه مدني كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين المحدثين من أهل المدينة، كانت في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة من وجه الأرض قال: أي: ابن شهاب بلغنا فالحديث مرسل، وهو حجة عندنا إلا أنه لم يحضره أو أخصر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل اسمه غيلان من ثقيف؛ من أهل الطائف والحجاز وكان عنده عشر نسوة - أي: أسلمن حين أسلم الثقفي - قبيلة كبيرة وجملة كان حالية معترضة فقال أي: صلى الله عليه وسلم له أي: للرجل من القبيلة الثقفية "أمْسِكْ وفي رواية: اختر منهن أربعًا وفارِق سائِرِهن" أي: باقيهن.
(530) أخرجه مالك في الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (1693) والشافعي في الأم (5/ 163) والترمذي (1128) وابن ماجه (1953).
قال ابن عبد البر: هكذا رواه جماعة (الموطأ) لمالك، وأكثر رواة ابن شهاب، ورواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عثمان بن محمد بن أبي سويد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لغيلان بن ثقفية الثقفي حين أسلم فذكره، ووصله معمر عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر يقولون: إنه من خطأ معمر بما حدث به بالعراق انتهى.
وقد رواه الترمذي (1) وابن ماجه (2) من طريق معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه، قال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: هذا غير محفوظ، والصحيح ما رواه شعيب وغيره عن الزهري قال: حدثت عن عثمان بن محمد بن أبي سويد الثقفي فذكره انتهى. وقد حدث به جماعة من أهل البصرة عن معمر، ويقال: أن معمرًا أحدث بالبصرة أحاديث وَهِمَ فيها، وقد كشف مسلم في كتاب (التمييز) عن علة وبينها بيانًا متنافيًا فقال: كان عند الزهري في قصة غيلان حديثان أحدهما مرفوع والآخر موقوف فأدرج معمر المرفوع على إسناد الموقوف، وأما المرفوع فرواه عقيل عن الزهري قال: بلغنا عن عثمان بن محمد (ق 568) بن أبي سويد أن غيلان: فذكره، وأما الموقوف فرواه الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان طلق نساءه في عهد عمر وقسم ميراثه بين بنيه. . . الحديث انتهى. أي: أدرجه في أوله، وهو في مسند إسحاق بن راهويه عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه: أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر منهن أربعًا" فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال: والله لأني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع بموتكم، فقذفه في نفسك ولا أريك تمكث إلا قليلًا، وايم الله لترجعن في مالك، ولتراجعن نساؤك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك فيرجم كما يرجم قبر أبي رغال، ومات غيلان في آخر خلافة عمر، كما قاله السيد محمد الزرقاني (3).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه ابن شهاب يختار منهنّ أي: من عشر نسوة أربعًا: أيتهن شاءَ، ويُفَارِق ما بقي.
وأما أبو حنيفة فقال: نكاح الأربع الأوَل بضم الهمزة وتخفيف جمع الأولى مؤنث
(1) الترمذي (1128).
(2)
ابن ماجه (1935).
(3)
في شرحه (3/ 278).
الأول جائِز، ونكاح من بقي منهنّ باطل، وهو قولُ إبراهيم النَّخَعِيّ بفتح النون والخاء المعجمة وهو من أجلاء التابعين وأكابر المجتهدين، ولعل مأخذهما قوله صلى الله عليه وسلم:"وفارق سائرهن" حيث لم يقل: طلقهن لكن يشكل بأن عقود الجاهلية صحيحة قبل الدخول في الأحكام الإِسلامية، وأيضًا فلعل الأربع الأواخر حوامل منه، فيترتب عليه المفاسد العرفية، والظاهر أن التعبير بالمفارقة بناء على فسخ الزيادة بالآية الناسخة لجوازها قبل ذلك وهي قوله تعالى في سورة النساء:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] فإن سورة النساء مدنية بالإِجماع فالمعول نكاح من بقي منهن باطل موقوف على دليل صح في السماع، نعم بعد ظهور هذا الحكم لو تزوج شخص زيادة على الأربع، فلا خلاف في بطلان الزائدة وصحة الأول فتأمل، وفي كتاب (الرحمة) من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة.
قال مالك والشافعي وأحمد: يختار منهن أربعًا ومن الأختين واحدة.
وقال أبو حنيفة: إن كان العقد وقع عليهن في حالة واحدة فهو باطل وإن في عقود صح النكاح في الأربع الأول، وكذا الأختان.
* * *
531 -
أخبرنا مالك، حدثنا رَبِيعَة بن أبي عبد الرحمن، أن الوليد سأل القاسم وعُرْوَةَ - وكانت عنده أربع نسوة - فأراد أن يَبِتَّ واحدة ويتزوج أخرى، فقالا: نعم، فارق امرأتك ثلاثًا وتزوج، وقال القاسم: في مجالس مختلفة.
قال محمد: لا يُعجبنا أن يتزوَّج الخامسة، وإن بَتَّ طلاق إحداهن حتى تنقضي عِدَّتها؛ لا يعجبنا أن يكون ماؤه في رحم خمس نِسْوَة حرائر، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا حدثنا رَبِيعَة بن أبي عبد الرحمن، التيمي مولاهم أبو عثمان المدني، المعروف بربيعة الرأي واسم أبيه فروخ، ثقة فقيه مشهور، قال
(531) إسناده صحيح.
ابن سعد: كانوا يسقونه لموضع الرأي كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين ومائة على الصحيح كما في (تقريب التهذيب) (1) أن الوليد أي: ابن عبد الملك بن مروان عام قدم المدينة سأل القاسم أي: ابن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، يكنى أبا محمد المدني ثقة جليل.
قال ابن عيينة: كان أفضل زمانه، وكان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ست وعشرين ومائة. كذا قاله ابن حجر (2) وعُروَةَ - أي: ابن الزبير ابن العوام بن خويلد الأسدي المدني، يكني أبا عبد الله المدني (ق 569) ثقة فقيه مشهور، كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح، كما في (تقريب التهذيب) وكانت عنده أي: تحت الوليد أربع نسوة - أي: من الحرائر فأراد أن يَبِتَّ بفتح التحتية وكسر الموحدة وتشديد الفوقية، أي: أراد أن يطلق كما في نسخة: تطليقة واحدة بائنة ويقطعها عن الرجل، إذا وصل معنى البتة: القطع، ومنه البتة، والرباعي لغة في الثلاثي وتستعملان لازمين ومتعديين ويتزوج أخرى، أي: في عدة الأولى فقالا: أي: أجاب القاسم وعروة من سؤال الوليد بقولهما نعم، أي: جاز إلا أنه بالبينونة الكبرى لا الصغرى فارق امرأتك ثلاثًا أي: طلقها بالثلاثة فالتعبير من الطلاق الثلاث بالمفارقة إشعار بأن الرجل يكون تحته أربع نسوة، يريد أن يطلق واحدة منهن وتزوج، خامسة يجب عليه أن يطلقها ثلاث تطليقات، وينتظر حتى ينقضي عدة المطلقة ثم يتزوج خامسة؛ لئلا يجمع خمس نسوة حكمًا تحت نكاحه، فلا خلاف في بطلان الزائد على الأربع وتزوج أي: بواحدة أخرى وأطلق عروة الطلاق بالثلاث فقال القاسم: في مجالس مختلفة أي: أيكون على وفق السنة دون البدعة، ورواه يحيى في موطأ مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير كانا يقولان في الرجل يكون عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن البتة: إنه يتزوج إن شاء ولا ينتظر أن ينقضي عدتها ولو طلقها واحدة أو لم يتزوج حتى ينقضي عدتها.
قال محمد: لا يُعجبنا أي: لا يحل لنا أن يتزوَّج أي: أحد الخامسة، وإن بَتَّ طلاق
(1) التقريب (1/ 207).
(2)
في التقريب (1/ 451).