الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انظر: "الفتح"(1927)، "سبل السلام"(4/ 129 - 130)، "توضيح الأحكام"(3/ 166)، "المحلى"(753).
مسألة: القبلة والمباشرة للصائم إذا لم يُنْزل
؟
في المسألة أقوال:
الأول: الكراهة مطلقًا، وهو المشهور عند المالكية.
الثاني: نقل ابن المنذر وغيره عن قوم التحريم، واحتجوا بقوله تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187]، وزاد بعضهم فقال: يبطل صومه. كعبد الله بن شُبْرمة، وحكي عن سعيد بن المسيب.
الثالث: الإباحة، وهو المنقول صحيحًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 60) بإسناد صحيح.
وبه قال سعد بن أبي وقاص، أخرجه عبدالرزاق (4/ 185) من طريق زيد بن أسلم عنه وهو منقطع؛ لأن زيدًا لم يسمع من سعد كما في "جامع التحصيل"، لكن قال ابن حزم في "المحلى": ومن طرق صحاح عن سعد بن أبي وقاص
…
، فذكره.
وبالغ ابن حزم رحمه الله، فقال بالاستحباب.
الرابع: قالوا يكره للشاب ويباح للشيخ، واستدلوا بما أخرجه أبو داود (2387)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن المباشرة للصائم، فرخص له، وأتاه آخر فسأله عنها فنهاه، فإذا الذي رخص له
شيخ، والذي نهاه شاب. وإسناده صحيح، وقد أعله بعضهم بأبي العَنْبس الحارث بن عبيد، وقالوا: إنه مجهول. والصحيح أنه ثقة، فقد وثقه ابن معين كما في "تاريخ الدارمي".
الخامس: إن ملك نفسه جاز وإلا فلا، وهو قول الشافعي، والثوري، وهذا هو الصحيح، ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها في "الصحيحين"
(1)
، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقبِّل وهو صائم، ولكنه كان أَمْلَككم لِإِرْبه.
وإنما منعناه لمن لا يملك نفسه للأدلة المقضية بسد الذرائع الموصلة إلى الحرام، ويشير إلى ذلك الحديث الذي استدل به أصحاب القول الرابع.
وأما عن الأقوال السابقة:
فالقول الأول: يرد عليه أحاديث عائشة، وحفصة، وأم سلمة رضي الله عنهن، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم.
وحديث عائشة رضي الله عنها، متفق عليه
(2)
، وحديث حفصة، وأم سلمة رضي الله عنهما، أخرجهما مسلم.
(3)
ودعوى الخصوصية في هذه الأحاديث تحتاج إلى برهان، بل قد ثبت أن رجلاً من الأنصار ذكر أنه قَبَّل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال لها:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك» ، فأخبرته امرأته، فقال
(1)
تقدم تخريجه قريبًا.
(2)
تقدم تخريجه قريبًا.
(3)
برقم (1107)(1108).
لها: إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص له في أشياء، فارجعي إليه، فرجعت إليه فذكرت له ذلك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنا أتقاكم وأعلمكم بحدود الله» .
أخرجه أحمد (5/ 434)، وصححه الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند"(1658).
وروى مسلم في "صحيحه"(1108): أن عمر بن أبي سلمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُقَبِّلُ الصائمُ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سل هذه» ، يعني أم سلمة، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، فقال يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال:«أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم» .
وأما القول الثاني: فالرد عليه بما رد على القول الأول.
وأما استدلالهم بالآية {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187]؛ فالجواب عن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى، وقد أباح المباشرة والقُبْلة نهارًا؛ فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية هو الجماع لا ما دونه، والله أعلم.
وأما الرد على أهل القول الرابع:
فإن الحديث الذي ذكروه وَاقِعة عين لا تفيد العموم، والناس يختلفون، فَرُبَّ شيخٍ أشد شهوة من الشاب، وكذلك العكس، ويدل على عدم اعتبار هذا التفريق حديث عمر بن أبي سَلَمة الذي تقدم ذكره قريبًا؛ فهذا يدل على أن النظر في ذلك لمن يتأثر بالمباشرة، والتقبيل، ويجره إلى الحرام، والله أعلم.
انظر: "الفتح"(1927)، "سبل السلام"(4/ 128 - 129)، "المحلى"(753)، "شرح