الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: مشروعية إظهار السرور في الأعياد فيما أباحه الله:
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ:«قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الفِطْرِ» . أَخْرَجَهُ أَبُودَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
قال المغربي رحمه الله في "البدر التمام"(4/ 44): في الحديث دلالة على أنَّ السرور، وإظهار النشاط والحبور في العيدين مندوبٌ، وأنَّ ذلك من الشريعة التي شرعها الله لعباده؛ إذ في إبدال عيدي الجاهلية بالعيدين المذكورين دلالة على أنه يفعل في العيدين المشروعين مثلما تفعله الجاهلية في أعيادها، وإنما خالفهم في تعيين الوقت. اهـ
قال الصنعاني رحمه الله في "السبل": ومراده من أفعال الجاهلية ما ليس بمحظور، ولا شاغل عن طاعة. اهـ
مسألة: إباحة اليسير من الغناء للنساء في الأعراس والأعياد والمسَرَّات باستخدام الدف لا غيره من المعازف:
في "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها، أنَّ أبا بكر دخل بيتها، والنبي صلى الله عليه وسلم مضطجعٌ، وعندها جاريتان تغنِّيان، وتضربان بالدف، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعهما يا أبا بكر؛ فإنها أيام عيد» ، وفي رواية:«إنَّ لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا» .
وفي "سنن الترمذي"(3690) عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ
إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلَاّ فَلَا» . فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا، ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ» .
وفي "صحيح البخاري"(5162) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ»
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله (952): قوله: «وهذا عيدنا» يريد أنَّ إظهار السرور في العيد من شعار الدين، وحكم اليسير من الغناء خلاف الكثير. اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه "الاستقامة"(1/ 275 - ):
يرخص للنِّسَاء فِي الْغناء وَالضَّرْب بالدف فِي الأفراح مثل قدوم الْغَائِب وَأَيَّام الأعياد، بل يؤمرون بذلك فِي العُرْسَات كَمَا روي «اعلنوا النِّكَاح واضربوا عَلَيْهِ بالدف»
(1)
وَهُوَ مَعَ ذَلِك بَاطِل كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي فِي "السّنَن" أَن امْرَأَة نذرت أَن تضرب لقدوم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قدم عمر أمرهَا بِالسُّكُوتِ وَقَالَ: إِن هَذَا رجل لَا
(1)
حسن: أخرجه أحمد (4/ 5)، الحاكم (2/ 183)، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وأخرجه أحمد (3/ 418)، والترمذي (1088)، والنسائي (6/ 127)، وابن ماجه (1896)، من حديث محمد بن حاطب رضي الله عنه، وهو حسن بالطريقين.
يحب الْبَاطِل
(1)
.
وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: «كل لَهو يلهو بِهِ الرجل فَهُوَ بَاطِل إِلَّا رمية بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امْرَأَته فَإِنَّهُنَّ من الْحق»
(2)
.
وَالْبَاطِل من الْأَعْمَال هُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَة فَهَذَا يرخص فِيهِ للنفوس الَّتِي لَا تصبر على مَا ينفع وَهَذَا الْحق فِي الْقدر الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْأَوْقَات الَّتِي تَقْتَضِي ذَلِك الأعياد والأعراس وقدوم الْغَائِب وَنَحْو ذَلِك.
وَهَذِه نفوس النِّسَاء وَالصبيان فهن اللواتي كن يغنين فِي ذَلِك على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ويضربن بالدف وَأما الرِّجَال فَلم يكن ذَلِك فيهم بل كَانَ السّلف يسمون الرجل المغنى مخنثا لتشبهه بِالنسَاء.
والرُّخْصَة فِي الْغناء فِي أَوْقَات الأفراح للنِّسَاء وَالصبيان أَمر مَضَت بِهِ السّنة كَمَا يرخص لَهُم فِي غير ذَلِك من اللّعب وَلَكِن لَا يَجْعَل الْخَاص عَاما، وَلِهَذَا لما قَالَ أَبُو بكر أمزمور الشَّيْطَان فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَذِه التَّسْمِيَة وَالصَّحَابَة لم يَكُونُوا يفضلون شَيْئا من ذَلِك، وَلَكِن ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أمرا خَاصّا بقوله «إِن لكل قوم عيدا وَهَذَا عيدنا» .اهـ
(1)
قوله: «إِن هَذَا رجل لَا يحب الْبَاطِل» جاء في ضمن حديث آخر أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة"(334)، وفي "المسند"(15585) من حديث الأسود بن سريع رضي الله عنه، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
(2)
صحيح لغيره: أخرجه أحمد (17300)، وابن ماجه (2811)، والنسائي في "الكبرى"(4404) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، وهو حديث صحيح بشواهده.