الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
126)، "التمهيد"(7/ 148).
مسألة: صيام الدهر
؟
في المسألة أقوال:
الأول: أنه يكره صيام الدهر، وهو مذهب إسحاق، وأهل الظاهر، وهو رواية عن أحمد، ورجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم.
واستدلوا بما يلي:
1) قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صام من صام الأبد»
(1)
، وقوله:«لا صام ولا أفطر» .
(2)
قال ابن العربي المالكي رحمه الله قوله: «لا صام من صام الأبد» إن كان معناه الدعاء فيا ويح من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم! وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم! وإذا لم يصم شرعًا لم يُكْتب له الثواب. اهـ
2) قوله صلى الله عليه وسلم: «أحب الصيام إلى الله صيام داود!» ، وقوله:«لا أفضل من صيام داود!» .
(3)
قال ابن القيم رحمه الله: فإنه إذا لم يكن مكروهًا؛ لزم أحد ثلاثة أمور ممتنعة: أن يكون أحب إلى الله من صيام يوم وإفطار يوم، وهذا مردود بالحديث الصحيح، وذكر الحديث المتقدم وإما أن يكون مساويًا له في الفضل وهو ممتنع
(1)
أخرجه البخاري (1977)، ومسلم (1159)(186)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه مسلم برقم (1162)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
(3)
انظر "البخاري"(3420)(1976)، ومسلم (1159)، وكلا اللفظين متفق عليه.
أيضًا. وإما أن يكون مباحًا متساوي الطرفين لا استحباب فيه ولا كراهة، وهذا ممتنع؛ إذ ليس هذا شأن العبادات، بل إما أن تكون راجحة أو مرجوحة، والله أعلم. اهـ
الثاني: أنه يستحب صوم الدهر لمن قدر عليه، ولم يفوت حقًّا، ولا يصوم ما حرم الله عليه من الأيام، وهو قول الجمهور من أهل العلم.
واستدلوا بما يلي:
1) قوله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوال فكأنما صام الدهر» .
(1)
2) قوله صلى الله عليه وسلم: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر وإفطاره» .
(2)
فهذان الحديثان يدلان على فضيلة صوم الدهر؛ لأن المُشبَّه به أفضل.
3) حديث حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، إني أَسْرد الصوم. رواه مسلم (1121)(107).
4 -
أنه قد جاء عن عمر،
(3)
وعثمان،
(4)
وأبي طلحة
(5)
، أنهم كانوا يصومون كل يوم.
الثالث: جواز صيام الدهر، وهو قول ابن المنذر وطائفة.
الرابع: التحريم، وهو قول ابن حزم، والصنعاني، واستدلوا بنفس أدلة المذهب
(1)
أخرجه مسلم (1164)، من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم (1162)(197) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 79) بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: إن عمر سرد الصوم قبل موته بسنتين.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 79) من طريق حماد بن خالد، عن الزبير بن عبدالله بن رهيمة، عن جدته رهيمة، عن عثمان، رهيمة مجهولة.
(5)
أثر أبي طلحة صحيح أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم (2828).
الأول وزادوا:
1 -
حديث أبي موسى رضي الله عنه، عند أحمد (4/ 414)، والنسائي كما في "التحفة"(6/ 422 - )، وابن خزيمة، وابن حبان مرفوعًا:«من صام الدهر ضُيِّقت عليه جهنم» ، وعقد بيده.
2 -
روى ابن أبي شيبة (3/ 79) بإسناد صحيح عن أبي عمرو الشيباني قال: بلغَ عمرَ رضي الله عنه أن رجلاً يصوم الدهر، فأتاه فَعَلاه بالدِّرَّة، وجعل يقول: كل يا دهري.
قال ابن حزم رحمه الله: فصحَّ أن تحريم صوم الدهر كان من مذهبه، ولو كان عنده مباحًا لما ضرب فيه ولا أمر بالفطر. اهـ
والراجح والله أعلم هو القول الأول؛ لدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صام ولا أفطر» ، وقد أجاب الجمهور على هذا بأنه محمول على من صام الدهر حقيقة؛ فإنه يدخل فيه ما حرم صومه كالعيدين.
لكن قال ابن القيم رحمه الله: وليس مراده من هذا من صام الأيام المحرمة؛ فإنه ذكر ذلك جوابًا لمن قال: أرأيت من صام الدهر؟ ولا يقال في جواب من فعل المحرم: لا صام ولا أفطر؛ فإن هذا يؤذِن بأنه سواء فطره وصومه لا يثاب ولا يعاقب، وليس كذلك من فعل ما حرم عليه من الصيام، فليس هذا جوابًا مطابقًا للسؤال عن المحرم من الصوم. اهـ
وأما الرد على أدلة الجمهور:
2،1) قال ابن القيم رحمه الله: نفس هذا التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضي جوازه فضلاً عن استحبابه، وإنما يقتضي التشبيه به في ثوابه لو كان مستحبًّا، والدليل عليه من نفس الحديث؛ فإنه جعل صيام ثلاثة أيام من كل شهر بمنزلة صيام الدهر؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها، وهذا يقتضي أن يحصل لهم ثواب من صام ثلاثمائة وستين يومًا، ومعلوم أن هذا حرام قطعًا، فعلم أن المراد به حصول هذا الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يومًا. اهـ
3) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: تعقب بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر، ولا يلزم من سرد الصومِ صومُ الدهر، وقد قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسرد الصوم، فيقال: لا يفطر. أخرجه أحمد
(1)
، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم الدهر فلا يلزم من ذكر السرد صيام الدهر. اهـ
4) والذي جاء عن عمر، وعائشة رضي الله عنهما، إنما هو السرد، والسرد هو المتابعة، ولا يلزم منه صيام الدهر، وأما أثر عثمان رضي الله عنه، ففيه ضعفٌ كما تقدم، وأما أثر أبي طلحة رضي الله عنه، فهو صحيح عنه، لكن قد صح عنه أنه كان يأكل البرد وهو صائم.
قال ابن حزم رحمه الله: فصومه الدهر ليس بحجة؛ ولئن كان صومه الدهر حجة؛ فإن أكله البرد في صيامه حجة. اهـ
(1)
أخرجه أحمد (5/ 201)، وكذلك النسائي (4/ 202) بإسناد حسن.
وأما الرد عن أدلة القول الرابع:
حديث أبي موسى رضي الله عنه: أحسن ما يقال فيه هو ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله، حيث قال: والأولى إجراء الحديث على ظاهره وحمله على من فوت حقًّا واجبًا بذلك؛ فإنه يتوجه إليه الوعيد. اهـ
قال أبو عبد الله عفا الله عنه: وقد يحمل أيضًا على من صام الدهر مع أيام العيد؛ لأنه هو الأصل في إطلاق الدهر؛ ولأن هذا الحديث يدل على أنه يأثم، وقوله صلى الله عليه وسلم «لا صام ولا أفطر» يُشْعِرُ بأنه لم يأثم ولا يثاب، ثم تبين لي أن حديث أبي موسى رضي الله عنه الراجح وقفه عليه، ورفعه شاذ غير محفوظ. انظر:"تحقيق المسند"(32/ 484).
والموقوف ليس بحجة، وإنما الحجة في المرفوع والله أعلم، وأما ما صح عن عمر رضي الله عنه من ضرب الرجل؛ فمحمول على أنه رأى ذلك الرجل قد أضر بنفسه، أو رأى المصلحة بضربه مع كراهيته فقط.
فقد جاء عن عمر رضي الله عنه في "مسلم"(31)، أنه ضرب أبا هريرة رضي الله عنه لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبشر الناس بأنه من قال: لا إله إلا الله مستيقنًا من قلبه فله الجنة؛ لكونه رأى المصلحة بعدم ذلك، والله أعلم.
وقد رجح القول بالكراهة الشوكاني رحمه الله في "الدراري"، وصديق بن حسن في "الروضة الندية"، والشيخ الألباني في "تمام المنة".
انظر: "الفتح"(1977)، "زاد المعاد"(2/ 80 - 83)، "السبل"(4/ 179)، "المحلى"