الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْل فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ العِيدَينِ
مسألة: معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: الفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون:
رَوَى التِّرمِذِيُّ (697) بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ.
اختلف العلماء في معنى الحديث على أقوال ذكرها الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار"(2/ 614)، وأحسن تلك الأقوال، هو قول الخطابي رحمه الله حيث قال: إنَّ الْخَطَأَ مَرْفُوعٌ عَنْ النَّاسِ فِيمَا كَانَ سَبِيلُهُ الِاجْتِهَادَ، فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا اجْتَهَدُوا فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ إلَّا بَعْدَ الثَّلَاثِينَ؛ فَلَمْ يُفْطِرُوا حَتَّى اسْتَوْفَوا الْعَدَدَ، ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّهْرَ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ؛ فَإِنَّ صَوْمَهُمْ وَفِطْرَهُمْ مَاضٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ وِزْرٍ أَوْ عَيْبٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَجِّ إذَا أَخْطَؤا يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةٌ. اهـ
ثم نقل الشوكاني رحمه الله عن الجمهور أنهم فسروا الحديث بمثل ما ذكر الخطابي.
مسألة: استحباب الأكل يوم الفطر قبل الخروج إلى الصلاة:
في "صحيح البخاري"(953) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ» . وفي رواية معلقة: «وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا» ، وَوَصَلَهَا أحمدُ
(3/ 126) بِإِسْنَاد حَسَن.
وَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ (5/ 352) وَالتِّرْمِذِيُّ (542)، وهو حديث حسن بشواهده.
وأخرج الطبراني في "الأوسط"(454) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من السنة ألا تخرج يوم الفطر حتى تطعم ولا يوم النحر حتى ترجع» . ورجاله ثقات إلا إسحاق بن عبد الله التميمي الأذني، فقد روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، فهو مجهول الحال.
وفي "موطأ مالك"(1/ 179) عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: إن الناس كانوا يؤمرون بالأكل يوم الفطر قبل الغدو.
واستدلالًا بهذه الأحاديث فقد ذهب عامة أهل العلم إلى استحباب الأكل قبل الخروج يوم الفطر، وهو قول أبي حنيفة، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم.
وقال ابن قدامة رحمه الله: لا نعلم فيه خلافًا. اهـ
لكن قد ذُكِرَ عن ابن مسعود رضي الله عنه، والنخعي، التخيير: من شاء أكل، ومن شاء؛ لم يأكل.
والصواب ما ذهب إليه الجمهور؛ لورود الأدلة في ذلك.
قال ابن رجب رحمه الله عقب أثر ابن مسعود: ولعله أراد به بيان أنَّ الأكل قبل الخروج ليس بواجب، وهذا حق، وإن أراد أنه ليس هو الأفضل؛ فالجمهور على خلافه، والسنة تدل عليه. اهـ.
قلت: أثر ابن مسعود رضي الله عنه لا يثبت عنه: أخرجه عبدالرزاق (3/ 307)، وابن المنذر (4/ 254)، وفي إسناده: عبدالكريم بن أبي المخارق، وهو شديد الضعف.
واستحب العلماء للإنسان في يوم النحر أن لا يأكل حتى يرجع من المصلَّى؛ للأحاديث المذكورة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح"(954) -بعد أن ذكر الأحاديث المتقدمة-: وقد أخذ أكثر الفقهاء بما دلَّت عليه. اهـ
وقد بوَّبَ البخاري رحمه الله في "صحيحه": [باب الأكل يوم النحر]، واستدل بحديث البراء بن عازب، أنَّ خاله ذبح قبل الصلاة، وقال: يا رسول الله، إني عرفت اليوم يوم أكلٍ، وشربٍ، وأحببت أن تكون شاتي أول ما يُذبح في بيتي
…
، الحديث.
قال الحافظ: وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ: «إنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» ، وَلَمْ يُقَيَّدْ ذَلِكَ بِوَقْتٍ.
قال: وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ الْإِشَارَةَ إِلَى تَضْعِيفِ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ مُغَايَرَةِ يَوْمِ الْفِطْرِ لِيَوْمِ النَّحْرِ مِنْ اِسْتِحْبَابِ الْبُدَاءَةِ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ الْأَكْلِ. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: حديث بريدة المتقدم حديث حسن بشواهده؛ فيعمل