الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(790)
، "تمام المنة"(409).
مسألة: حكم الوصال في الصيام
؟
الوصال: هو أن يستمر الرجل على صيامه يومين أو أكثر دون أن يأكل شيئًا.
واختلفوا في حكمه على أقوال:
الأول: جواز ذلك لمن لم يَشُقَّ عليه، وقد جاء ذلك عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما،
(1)
بأسانيد صحيحة أنه كان يواصل، فربما واصل خمسة عشر يومًا، وربما سبعة أيام وهكذا.
وذهب إليه أيضًا أختُ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه،
(2)
ومن التابعين: عبدالرحمن بن أبي نُعْم، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وإبراهيم التيمي، وأبو الجوزاء.
وحجة أهل هذا القول: أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بهم بعد أن نهاهم، فعلم أنه أراد الرحمة بهم والتخفيف عنهم كما ذكرت عائشة رضي الله عنها.
الثاني: التحريم، وهو مذهب الجمهور، ونص عليه الشافعي في "الأم"، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وصرح به ابن حزم، وصححه ابن العربي، وصرح به الشوكاني في "الدراري"، وصديق في "الروضة".
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 84)، والطبري في "تفسيره"(3/ 535) وهو صحيح.
(2)
ذكره ابن حزم في "المحلى"(4/ 443)، وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 82)، وفي إسناده: بشر بن حرب الأزدي، وهو شديد الضعف.
واستدلوا:
1) بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، كما ثبت في "الصحيحين"
(1)
عن أنس، وابن عمر، وعائشة، وأبي هريرة رضي الله عنهم.
2) قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لو تأخر الهلال لزدتكم» ، كالمُنكِّل بهم حين أبو ا أن ينتهوا.
3) قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه: «أما والله، لو تماد لي الشهر لواصلت وصالًا يدع المتعمقون تعمقهم» ، فسماهم «متعمقين» ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هلك المتنطعون» قالها ثلاثًا، رواه مسلم (2670) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
4) قالوا: وقد ذكر في الحديث ما يدل على أن الوصال من خصائصه، فقال:«إني لست كهيئتكم» ، ولو كان مباحًا لهم؛ لم يكن من خصائصه.
5) ما أخرجه أحمد (5/ 225)، والطبراني (1231)، وغيرهما بإسناد صحيح، أن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة، فمنعني بشير، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا، وقال:«يفعل ذلك النصارى، ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى، وأتموا الصيام إلى الليل، فإذا كان الليل فأفطروا» .
الثالث: الكراهة، وهو مذهب الحنابلة، ورجحه الحافظ رحمه الله في "الفتح"، والشوكاني رحمه الله في "النيل".
(1)
انظر "البخاري" برقم (1962)(1964)(1965)(7241)، ومسلم برقم (1102)(1103)(1104)(1105).
واستدلوا:
1) بأن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه؛ فدل ذلك على الجواز مع الكراهة؛ جمعًا بين الأدلة.
2) ما أخرجه أبو داود (2374)، وغيره من طريق: عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من الصحابة قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة، والمواصلة، ولم يحرمهما؛ إبقاء على أصحابه.
3) ما رواه البزار كما في "الكشف"(1024)، والطبراني (7011)(7012) من حديث سَمُرة رضي الله عنه، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال، وليس بالعزيمة.
4) إقدام الصحابة على الوصال بعد النهي؛ فدل على أنهم فهموا أن النهي للتنزيه لا للتحريم، وإلا لما أقدموا عليه.
والصحيح والله أعلم هو المذهب الثاني، أعني قول الجمهور؛ للأدلة التي ذكروها، وقد رجح ذلك الإمام ابن عثيمين رحمه الله.
وأما الرد على أدلة المذهب الثالث، والأول:
1) أما عن مواصلة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه فلم يكن تقريرًا لهم كيف، وقد نهاهم، ولكن تقريعًا وتنكيلًا، فاحتمل منهم الوصال بعد نهيه لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم؛ لأنهم إذا باشروه ظهرت لهم حكمة النهي.
وليس إقراره لهم على الوصال لهذه المصلحة الراجحة بأعظم من إقرار الأعرابي
على البول في المسجد لمصلحة التأليف؛ ولئلا ينفر عن الإسلام، ولا بأعظم من إقراره المسيء في صلاته على الصلاة التي أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنها ليست بصلاة لمصلحة تعليمه وقبوله بعد الفراغ؛ فإنه أبلغ في التعليم والتعلم. انتهى من "زاد المعاد" بتصرف يسير.
2) أما ما أخرجه أبو داود، فإسناده صحيح، وقد صرح عبدالرحمن بالتحديث من هذا الصحابي، ولكن قوله:(ولم يحرمهما) إنما هو فهم من هذا الصحابي كما فهم ذلك عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، ولم يَعْنِ هذا الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: ليس بحرام.
وأما حديث سَمرة فضعيف، وقد ضعفه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 158)، وسبب ضعفه هو جعفر بن سعد بن سمرة وهو ضعيف، وسليمان بن سمرة بن جندب وهو مجهول.
وأما ما فهمه هؤلاء الصحابة فليس بحجة علينا، بل الأمر كما قال أبو محمد بن حزم يجعلنا نعلم أنه لا حجة في قول أحد غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ومع هذا فإن كبار الصحابة لم يواصلوا كأبي بكر، وعمر وغيرهما رضي الله عنهم، ممن هو أسبق إلى فعل الخيرات ممن واصل، والله أعلم.
انظر: "المغني"(3/ 55)، "الفتح"(1964)، "زاد المعاد"(2/ 35 - 37)، "المحلى"(797)، "نيل الأوطار"(4/ 218)، "الشرح الممتع"(6/ 443)، "شرح الصيام"(1/ 537)، "المجموع"(6/ 358)، "سبل السلام"(4/ 123 - 124)، "توضيح الأحكام"(3/ 161).