الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سفرًا من سفر {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64].اهـ
وهذا القول هو الراجح، والله أعلم.
انظر: "المجموع"(6/ 261)، "المحلى"(762).
مسألة: مقدار السفر الذي يفطر فيه
؟
ذهب مالك، والشافعي، وأحمد إلى أنه مسافة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام، وهو ستة عشر فرسخًا كما بين مكة، وَعُسفان.
وذهب أبو حنيفة إلى تحديده بمسافة ثلاثة أيام.
وذهب طائفة من السلف والخلف إلى عدم التحديد، وقالوا: يفطر، ويقصر فيما سُمِّيَ سفرًا، ولو كان أقل من يومين، وقواه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعرفة، ومزدلفة، ومِنى بالناس يقصر الصلاة وخلفه أهل مكة يصلون بصلاته، ولم يأمر أحدًا منهم بالإتمام. اهـ
وقد رجح هذا القول ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد".
انظر: "مجموع الفتاوى"(25/ 211 - 212)، "المحلى"(762)، "زاد المعاد"(2/ 55).
مسألة: هل يجوز للمسافر الصوم في سفره
؟
ذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز للمسافر الصوم في السفر، وهو قول بعض أهل
الظاهر كداود، وابن حزم، وحكي هذا المذهب عن أبي هريرة،
(1)
وابن عمر،
(2)
والنَّخعي، والزهري.
واستدلوا بما يلي:
1) حديث: «صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر» .
(3)
2) قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184].
3) قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس من البِرِّ الصيام في السفر» .
(4)
)
4) قوله صلى الله عليه وسلم: للذين صاموا: «أولئك العصاة» .
وذهب جمهور العلماء، والأئمة الأربعة إلى جواز الصيام في السفر، واستدلوا بأحاديث كثيرة منها: حديث أنس، وجابر، وأبي سعيد رضي الله عنهم، وكلها في "الصحيح"
(5)
، والمعنى متقارب: كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنَّا الصائم، ومنَّا
(1)
أثر أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه الفريابي في "الصيام" ص (306)، وابن أبي شيبة (3/ 18)، والطبري (3/ 462)، والطحاوي (2/ 63) من طريق مُحرر بن أبي هريرة عن أبيه، ومحرر مجهول الحال.
(2)
الثابت عن ابن عمر بأسانيد صحيحة عند عبدالرزاق (2/ 564 - 565)، ومالك في "موطئه"(1/ 295)، وابن سعد (4/ 148)، والطبري في "التهذيب"(1/ 138) وغيرهم أن ابن عمر كان لا يصوم في السفر؛ أخذًا بالرخصة، لا لأنه لا يجوز الصوم في السفر، فتنبه. وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، عند ابن أبي شيبة (3/ 14) أنه قال: الإفطار في السفر عزيمة.
(3)
أخرجه النسائي (4/ 183)، وابن ماجه (1666)، من حديث عبدالرحمن بن عوف، والراجح وقفه.
(4)
أخرجه البخاري (1946)، ومسلم (1115)، عن جابر رضي الله عنه.
(5)
أخرجها مسلم برقم (1116)(1117)(1118)، وأخرج البخاري حديث أنس رضي الله عنه برقم (1947).
المفطِر، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.
وحديث حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، في "صحيح مسلم"، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» .
وأجابوا عن أدلة المذهب الأول بما يلي:
1) أما حديث: «صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر» ، فالصحيح فيه أنه من قول عبدالرحمن بن عوف وليس مرفوعًا، رجح ذلك أبو زُرعة كما في "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 239)، والدارقطني في "العلل"(4/ 383)، وأشار إليه النسائي.
قال البيهقي رحمه الله في "الكبرى"(4/ 283): وروي مرفوعًا وإسناده ضعيف. اهـ
قلتُ: والموقوف على عبدالرحمن بن عوف لا يصح أيضًا؛ فإنه من رواية ولده أبي سلمة عنه، وقد نص أئمة العلل على أنه لم يسمع منه.
2) قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184].
معناها: أو على سفر، فأراد الفطر فله الفطر، وعليه عدة من أيام أخر، وقلنا ذلك؛ جمعًا بين الآية وبين الأحاديث.
3) حديث: «ليس من البر الصيام في السفر» ، هذا الحديث قد خرج على حالة
يقصر عليها، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل قد غشي عليه من الصوم ثم ظلل عليه، فقال:«ما شأنه؟» قالوا: صائم، قال:«ليس من البر الصيام في السفر» ، فيحمل هذا الحديث على من كان الصوم يشق عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القُرَب.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: والمانعون في السفر يقولون: إن اللفظ عام والعبرة بعمومه لا بخصوص السبب.
قال: وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب، والسياق، والقرائن على تخصيص العام، وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب؛ فإنَّ بين العامين فرقًا واضحًا، ومن أجراهما مجرى واحد لم يصب. اهـ
قال الصنعاني رحمه الله: أما حديث «ليس من البر الصيام في السفر» ، فإنما قاله صلى الله عليه وسلم فيمن شق عليه الصيام، نعم يتم الاستدلال بتحريم الصوم في السفر على من شق عليه. اهـ
4) قول النبي صلى الله عليه وسلم للذين صاموا: «أولئك العصاة» ، فعنه جوابان:
الأول: أنه كان قد شق عليهم، كما ورد في نفس الحديث، وقد أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه، فيختص المنع بمن شق عليه كما تقدم في كلام الصنعاني.
الثاني: وهو المعتمد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالفطر عزيمة كما جاء في "صحيح مسلم» من حديث أبي سعيد الخدري رحمه الله، قال: فنزلنا منزلًا، فقال صلى الله عليه وسلم:«إنكم مصبحو عدوكم؛ والفطر أقوى لكم؛ فافطروا» ، فكانت عزمة، فأفطرنا، ثم