الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: ما يثبت به الصوم والفطر من الشهود
؟
اختلف في ذلك على ثلاثة مذاهب:
الأول: أن المعتبر شهادة اثنين عند الصوم والإفطار.
وهو قول مالك، والليث، والأوزاعي، والثوري، والشافعي في أحد قوليه، وهو رواية غير مشهورة عن أحمد.
واستدلوا بما أخرجه أحمد (4/ 321) عن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي يشك فيه، فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم، وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها؛ فإنْ غُمَّ عليكم فأكملوا ثلاثين؛ فإنْ شهد شاهدان مسلمان؛ فصوموا وأفطروا» .
وإسناده ضعيف؛ لأن فيه حجاج بن أَرْطَاة، وهو ضعيف ومدلس، وقد سقط حجاج بن أرطاة من سند النسائي (4/ 132 - 133)، وهو وهم من سعيد ابن شَبِيب كما ذكر ذلك الحافظ المزي في "تحفة الأشراف"(11/ 178)، وكذلك ابن عبدالهادي في "التنقيح"(3/ 216).
ولكن للحديث شاهد يحسن به فقد أخرج أبو داود (2338)، والدارقطني (2/ 167) من حديث أمير مكة الحارث بن حاطب رضي الله عنه، أنه قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية؛ فإن لم نره وشهِدَ شاهدا عَدْلٍ؛ نسكنا بشهادتهما. وأقره ابن عمر رضي الله عنهما، وإسناده حسن.
الثاني: أن المعتبر عند الصيام شهادة واحد، وعند الإفطار شهادة اثنين، وهو
قول أحمد، والشافعي في أحد قوليه، وابن المبارك.
واستدلوا بالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول.
قالوا: وأما عند الصوم فقد أخرج أبو داود (2342) بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ترآى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أَنِّي رأيته، فصام وأمر بصيامه. وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه أجاز شهادة رجل في الهلال كما في "تهذيب الآثار"(2/ 762 - ) مسند ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرج أبو داود (2340)، والنسائي (2113)، والترمذي (691)، وابن ماجه (1652)، وغيرهم من طريق سِماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن أعرابيًّا شهد عند النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى الهلال، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته بعد أن تأكد من إسلامه.
قالوا: وهذا إخبار بعبادة لا يتعلق بها حق آدمي؛ فقبل فيها قول الواحد.
الثالث: أنه يكفي شهادة رجل عند الصوم وعند الإفطار.
وهو قول أبي ثور وابن حزم والشوكاني واستدلوا بحديث ابن عمر، وابن عباس المذكورين قريبًا، وقاسوا عليه شهادة الفطر، وقال بهذا القول الصنعاني أيضًا.
ورُجِّح القول الأول؛ لدلالة الأحاديث التي استدلوا بها؛ ولأنه هلال من الأَهِلَّة فلم يثبت إلا بشاهدين كسائر الأهلة؛ ولأنه إيجاب حق على الناس، فلم يجب إلا بشاهدين كسائر الحقوق؛ ولأن رواية الواحد معرضة للغلط، ولاسيما إن كان بين الناس والسماء مُصْحِية، وربما يتهم في ذلك، فلابدَّ من إزالة الشبهة باثنين.
وقد أجيب عن أدلة القول الثاني بأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما الراجح أنه من مراسيل عكرمة كما جزم بذلك النسائي، والترمذي، وأبو داود.
انظر "نصب الراية"(2/ 443)، و"التلخيص الحبير"(2/ 358)، و"الإرواء"(613).
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصيام؛ لشهادة ابن عمر وحده، بل يحتمل أنه قد شهد غيره عند النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما قولهم: (إنه إخبار بعبادة لا يتعلق بها حق الآدميين) فلا يسلم هذا؛ فإنه يتعلق بهذا الهلال سائر حقوق الآدميين من الآجال، والإجارات، والطلاق، والعِتَاق، وغير ذلك.
وقد أجيب عن أدلة القول الأول:
بأن أدلتهم لا تدل على ما استدلوا به إلا بطريق المفهوم، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما منطوق؛ فَيُقَدَّم عليه.
قال ابن القيم رحمه الله في "الطرق الحكمية"(ص 146): ولا يقوى ما يتوهم من عموم المفهوم على معارضة هذين الخبرين -يعني حديث ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم.
قال: وأصول الشرع تشهد للاكتفاء بقول الواحد؛ فإنَّ ذلك خبر عن دخول وقت الصيام، فاكتُفي فيه الشاهد الواحد، كالإخبار عن دخول وقت الصلاة بالأذان، ولا فرق بينهما. اهـ
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: المفهوم عارضه نصٌّ، والمنطوق مقدم على المفهوم؛