الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(39) بَابُ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا
2398 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل، نَا حَمَّادٌ، عن أَيُّوبَ وَحَبِيبٍ وَهِشَامٍ، عن مُحَمَّدِ بْنِ سِيرينَ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ:"أَطْعَمَكَ الله (1) وَسَقَاكَ". [خ 1933، م 1155، ت 721، جه 1673، حم 2/ 425]
===
وأما الاختلاف الواقع في حديث شعبة وسفيان بأن في حديث سفيان الثوري: ثم لقيت أبا المطوس فحدثني به، وفي حديث شعبة: أما أنا فلم أسمع من أبي المطوس، ولكن أخبرني عمارة بن عمير عن أبي المطوس، فوجه المجمع بينهما أن حبيب بن أبي ثابت حدث بهذا الحديث شعبة أولًا حين لم يلق أبا المطوس، ثم لم يحدثه بعد ذلك، وأما سفيان الثوري فحدث بعد ما لقي أبا المطوس، فحدث أولًا عن عمارة عن أبي المطوس، ثم قال: لقيت أبا المطوس فحدثني به، فحدث الثوري بغير واسطة عمارة.
(39)
(بَابُ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا)
أي: ما حكمه هل يسلم له صومه، ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم أم لا؟
2398 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن أيوب وحبيب) بن الشهيد (وهشام) الدستوائي، (عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: جاء رجل)، قال الحافظ (2): وهذا الرجل هو أبو هريرة راوي الحديث (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أكلت وشربت ناسيًا) أي للصوم (وأنا صائم، فقال: أطعمك الله وسقاك).
قال الشوكاني (3): وقد ذهب [إلى هذا] الجمهور، فقالوا: من أكل ناسيًا
(1) في نسخة: "الله أطعمك وسقاك".
(2)
"فتح الباري"(4/ 156).
(3)
"نيل الأوطار"(3/ 178).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فلا يفسد صومه، ولا قضاء عليه ولا كفارة، وقال مالك وابن أبي ليلى: إن من أكل ناسيًا فقد بطل صومه، ولزمه القضاء، واعتذر بعض المالكية عن الحديث بأنه خبر واحد مخالف للقاعدة، وهو اعتذار باطل، والحديث قاعدة مستقلة في الصيام، وأجاب بعضهم يحمل الحديث على التطوع، واعتذر بأنه لم يقع في الحديث تعيين رمضان، وهو حمل غير صحيح، يرده ما وقع في لفظ الدارقطني:"من أفطر يومًا من رمضان ناسيًا، فلا قضاء عليه ولا كفارة"، قال الدارقطني (1): تفرد به ابن مرزوق وهو ثقة عن (2) الأنصاري.
وأما اعتذار ابن دقيق العيد عن الحديث بأن الصوم قد فات ركنه، وهو من باب المأمورات، والقاعدة: أن النسيان لا يؤثر في المأمورات، فيجاب عنه بأن غاية هذه القاعدة المدعاة أن تكون بمنزلة الدليل، فيكون حديث الباب مخصِّصًا لها، وأما قوله:"أطعمك الله وسقاك"، فهو كناية عن عدم الإثم، لأن الفعل إذا كان من الله كان الإثم منتفيًا.
واختلفوا في المُجامع، فبعضهم ألحقه بمن أكل أو شرب، وبعضهم منع من الإلحاق لقصور حالة المجامع عن حالة الآكل والشارب، وفرق بعضهم بين الأكل والشرب القليل والكثير، وظاهر الحديث عدم الفرق، ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد عن أم إسحاق أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتي بقصعة من ثريد، فأكلت معه، ثم تذكرت أنها صائمة، فقال لها ذو اليدين: الآن بعد ما شبعت؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك"(3)، وهذا ملخص ما في "النيل"، والتفصيل في "الفتح"(4) للحافظ.
(1)"سنن الدارقطني"(2/ 178).
(2)
وفي الأصل: "عند" وهو تحريف.
(3)
أخرجه أحمد في "مسنده"(6/ 367).
(4)
انظر: "فتح الباري"(4/ 157).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ومذهب الحنفية في ذلك: أن الأصل أن ركن الصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، فإذا فات ركنه بأحد من هذه الثلاثة يفسد الصوم كيف ما كان، لأن انتقاض الشيء عند ذوات ركنه أمر ضروري، سواء كان بعذر أو بغير عذر، عمدًا أو خطأ، طوعًا أو كرهًا، بعد أن كان ذاكرًا لصومه، لا ناسيًا ولا في معنى الناسي، والقياس أن يفسد وإن كان ناسيًا، وهو قول مالك، لوجود ضد الركن، لكنا تركنا القياس بالنص، وهو ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من نسي وهو صائم"(1) الحديث، وعلل بانقطاع نسبة فعله عنه لإضافته إلى الله تعالى لوقوعه من غير قصده.
وروي عن أبي حنيفة أنه قال: لا قضاء على الناسي للأثر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والقياس أن يقضي ذلك، ولكنَّ اتباعَ الأثر أولى إذا كان صحيحًا، وحديث صَحَّحَه أبو حنيفة لا يبقى فيه لأحد مطعن، وكذا انتقده أبو يوسف حيث قال: وليس حديث شاذ نجترئ على رده، وكان من صيارفة الحديث، وروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم مثل مذهبنا، ولأن النسيان في باب الصوم ما يغلب وجوده، ولا يمكن دفعه إلَّا بحرج، فَجُعِلَ عذرًا دفعًا للحرج.
وعن عطاء والثوري أنهما فرَّقا بين الأكل والشرب وبين الجماع ناسيًا، فقالا: يفسد صومه في الجماع، ولا يفسد في الأكل والشرب، لأن القياس يقتضي الفساد في الكل لفوات ركن الصوم في الكل، إلا أنا تركنا القياس بالخبر، وأنه ورد في الأكل والشرب، فبقي الجماع على أجل القياس.
وإنا نقول: نعم، الحديث ورد في الأكل والشرب لكنه معلول بمعنى
(1) أخرجه البخاري (1933)، ومسلم (1155).