الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(30) بَابٌ: في التَّزْوِيجِ عَلَى الْعَمَلِ يُعْمَلُ
2111 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عن مَالِكٍ، عن أَبِي حَازِمِ بْنِ دَينَارٍ، عن سَهْلِ بْنٍ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ،
===
(30)
(بابٌ: فِى التَّزْوِيجِ عَلَى الْعَمَلِ يُعْمَلُ)(1)
أي: يُجْعَلُ المهرُ عملًا، فإذا عَمِل فقد أَدَّى المهر كملًا
2111 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة)، قال الحافظ (2): وهذه (3) المرأة لم أقفْ على اسمها، وقال في "الأحكام" لابن القطاع: إنها خولة بنت حكيم أو أم شريك، وهذا نقل من اسم الواهبة الوارد في قوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} (4)، وقد تقدم بيان اسمها في تفسير الأحزاب، وما يدل على تعدد الواهبة.
(فقالت: يا رسول الله! إني قد وهبت نفسي لك)، وفي هذا حذف مضاف، تقديره أمر نفسي أو نحوه، وإلَّا فالحقيقة غير مرادة؛ لأن رقبة الحر لا تملك، فكأنها قالت: أتزوجك من غير عوض. وفي رواية البخاري: "فلم يجبها شيئًا"، وفي رواية:"فصمت"، وفي رواية:"فنظر إليها، فصعَّد النظر إليها، وصوَّبه".
(1) قال ابن رشد (2/ 21): اختلفوا في الإجارة على ثلاثة أقوال: المنع قول ابن القاسم والحنفية، والجواز قول الشافعي وأصبغ، والكراهة قول مالك، ففسخ قبل الدخول، وأجاز بعده. (ش).
(2)
"فتح الباري"(9/ 206).
(3)
وقريب منه ما قال أبو الطيب في "شرح الترمذي". وقال الحافظ (9/ 175) في موضع آخر: والذي يظهر لي أن صاحبة هذه القصة غير التي في قصة أَنَسٍ. (ش).
(4)
سورة الأحزاب: الآية 50.
فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تكُنْ (1) لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَىْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ؟ » ، قَالَ (2): مَا عِنْدِى إلَّا إِزَارِى هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِزَارَكَ جَلَسْتَ وَلَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ (3) شَيْئًا» ، قَالَ: لَا أَجِدُ شَيْئًا، قال:
===
(فقامت قيامًا طويلًا) ولفظ البخاري: "ثم قامت، فقالت: يا رسول الله! إنها قد وهبت نفسها لك، فر فيها رأيك، فلم يجبها شيئًا، ثم قامت الثالثة فقالت: إنها قد وهبت نفسها، فر فيها رأيك"، قال الحافظ (4): وسكوته صلى الله عليه وسلم إما حياء من مواجهتها بالرد، [و]، كان صلى الله عليه وسلم شديد الحياء جدًا، كما تقدم في صفته: أنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وإما انتظارًا للوحي، وإما تفكرًا في جواب يناسب المقام.
(فقام رجل) قال الحافظ: في رواية فضيل بن سليمان: "من أصحابه"، ولم أقف على اسمه، لكن وقع في رواية معمر والثوري عند الطبراني:"فقام رجل أحسبه من الأنصار"، وفي رواية زائدة عنده:"فقال رجل من الأنصار".
(فقال: يا رسول الله! زوِّجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عندك من شيء) أي مالٍ (تصدقها) أي المرأة (إياه؟ ) أي المال (قال) أي الرجل: (ما عندي (5)) أي من المال (إلَّا إزاري هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك إن أعطيتها) أي المرأة (إزارك) في المهر (جلست لا إزار لك، فالتمس شيئًا) أي من المال وغيره، (قال: لا أجد شيئًا، قال)
(1) في نسخة: "إن لم يكن".
(2)
في نسخة: "فقال".
(3)
في نسخة: "التمس".
(4)
"فتح الباري"(9/ 206 - 207).
(5)
استدل به الموفق على جواز النكاح لمن ليس له شيء ينفقه، قال: فإن كان عنده أنفق وإلَّا صبر به. (ش). (انظر: "المغني" 10/ 99).
"فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْاَنِ شَيءٌ"؟ قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ". [خ 5029، م 1425، ن 3359، ت 1114، جه 1889، حم 5/ 330، دي 2201]
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فالتمسْ، ولو خاتمًا (1) من حديدٍ، فالتمس فلم يجد شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسور سماها).
قال الحافظ: وقع في حديث أبي هريرة: "قال: ما تحفظ من القرآن؟ قال: سورة البقرة، أو التي تليها". ووقع في حديث أبي مسعود: "قال: نعم، سورة البقرة، وسورة المفصل"(فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكها بما (2) معك من القرآن).
اختلفوا في كون المهر المسمَّى مالًا متقوَّمًا أو لا؟ فعندنا يلزم أن يكون المسمَّى مالًا متقومًا. وعند الشافعي هذا ليس بشرط. ويصح التسمية سواء كان المسمَّى مالًا، أو لم يكن بعد أن يكون مما يجوز أخذ العوض عنه، واحتج بهذا الحديث. ومعلوم أن المسمَّى وهو السورة من القرآن لا يوصف بالمالية، فدل أن كون التسمية مالًا ليس بشرط لصحة التسمية.
(1) وسيأتي الكلام عليه في "باب ما جاء في خاتم الحديد". (ش).
(2)
ولفظ حديث ابن مسعود كما في "الدر المنثور"(1/ 53): "أنكحتك على أن تقرئها وتعلمها"، انتهى. وحكى الموفق (10/ 103) عن أحمد روايتين: إحداهما: الجواز، وهو مذهب الشافعي، والثاني: عدم الجواز، وهو مذهب مالك والحنفية، وأجاب عن الرواية بما رواه النجار من زيادة قوله:"ولا تكون لأحد بعدك"، وفي "الدر المختار" (9/ 76): ينبغي أن يكون جائزًا على قول المتأخرين، يعني حيث جوَّزوا أخذ الأجرة على التعليم. (ش).
2112 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي أَبِي: حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عن الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْبَاهِليِّ،
===
ولنا قوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (1) شرط أن يكون المهر مالًا، فما لا يكون مالًا لا يكون مهرًا، فلا تصح تسميته مهرًا، وقوله تعالى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (2) أمر بتنصيف المفروض في الطلاق قبل الدخول، فيقتضي كون المفروض محتملًا للتنصيف، وهو المال.
وأما الحديث فهو في حد الآحاد، ولا يُتْرَكُ نصُّ الكتاب بخبر الواحد، مع ما أن ظاهره متروك؛ لأن السورة من القرآن لا تكون مهرًا بالإجماع، وليس فيه ذكر تعليم القرآن، ولا ما يدل عليه، ثم تأويلها زوجتكها بسبب ما معك من القرآن وبحرمته وبركته، لا أنه كان ذلك النكاح بغير تسمية مال، انتهى. وفي المسألة بحث طويل ذكره ابن الهمام في "شرح الهداية"(3) وصاحب "البدائع" في كتابه (4).
2112 -
(حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدثني أبي) أي والدي (حفص بن عبد الله) بدل من لفظ أبي، (حدثني إبراهيم بن طهمان، عن الحجاج بن الحجاج الباهلي) البصري الأحول، قال أحمد: ليس به بأس، وقال ابن معين: ثقة من الثقات، صدوق، وزعم عبد الغني بن سعيد هو الحجاج الأسود، زِقُّ العسل، القسملي، وفرق بينهما ابن أبي حاتم وغيره، وهو الصواب.
قلت: وقال الآجري عن أبي داود: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(1) سورة النساء: الآية 24.
(2)
سورة البقرة: الآية 237.
(3)
انظر: "فتح القدير"(3/ 305 - 308).
(4)
انظر: "بدائع الصنائع"(2/ 564 - 570).
عن عِسْلٍ، عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ. لَمْ يَذْكُرِ الإِزَارَ وَالْخَاتَمَ، فَقَالَ:"مَا تَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ"؟ قَالَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ أَوْ الَّتِي تَلِيهَا، قَالَ:"قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيةً، وَهِيَ امْرَأَتُكَ". ["السنن الكبرى" للنسائي 5480، تحفة الأشراف 14194]
2113 -
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زيدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ، نَا أَبِي، حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ،
===
(عن عِسْل، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة نحو هذه القصة) المذكورة في الحديث المتقدم (لم يذكر) أي أبوهريرة، أو أحد من الرواة (الإزار والخاتم، فقال: ما تحفظ من القرآن؟ قال: سورة البقرة أو التي تليها)، قال الحافظ (1): ووقع في حديث أبي هريرة: "قال: ما تحفظ من القرآن؟ قال: سورة البقرة أو التي تليها"، كذا في كتابي أبي داود والنسائي بلفظ "أو"، وزعم بعض من لقيناه أنه عند أبي داود بالواو، وعند النسائي بلفظ "أو".
(قال: قم فعلمها عشرين آية، وهي امرأتك). قال الذهبي في "الميزان"(2) في ترجمة عِسل بن سفيان: إبراهيم بن طهمان، عن عسل، عن عطاء، عن أبي هريرة:"أن رجلًا تزوج امرأةً على أن يعلِّمها شيئًا من القرآن، فأجاز ذلك النبي صلى الله عليه وسلم"، ورواه إبراهيم مرة فأرسله.
2113 -
(حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، نا أبي) أي زيد بن أبي الزرقاء، (حدثنا محمد بن راشد) المكحولي الخزاعي الدمشقي،
(1)"فتح الباري"(9/ 208).
(2)
"ميزان الاعتدال"(5620).
عن مَكْحُولٍ نَحْوَ خَبَرِ سَهْلٍ، قَالَ: وَكَانَ مَكْحُولٌ يَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
===
أبو عبد الله، ويقال: أبو يحيى، نزيل البصرة، وإنما يقال له: المكحولي؛ لأنه روى عنه فنسب إليه، وقال في "الأنساب" (1): وأما أبو يحيى محمد بن راشد المكحولي الخزاعي الشامي، من أهل دمشق، عُرف بالمكحولي؛ لأنه صاحب أبي عبد الله مكحول الهذلي من أهل الشام، انتقل إلى البصرة، وسكن بها، سئل أحمد بن حنبل عنه، فقال: ثقة، قلت: قال في "التهذيب": وقال ابن خراش: ضعيف الحديث.
(عن مكحول نحو خبر) أي حديث (سهل) بن سعد، (قال) محمد بن راشد:(وكان مكحول يقول) في هذا الحديث: (ليس ذلك (2) لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي هذا الأمر مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة رجلًا من غير مهر.
وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه رحمه الله: قوله: "وكان مكحول يقول: إلى آخره"، وإنما استبعد مكحول ما ظهر منه من أن يكون الاكتفاءُ بالتعليم كافيًا، مع أن النصَّ موجب لشيء يعد مالًا بحسب العرف، وهو قوله تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (3)، فاحتيج إلى تأويل، انتهى.
(1)"الأنساب"(5/ 374).
(2)
وبه جزم الطحاوي (انظر: 3/ 18)، والأبهري، ودليله ما أخرجه سعيد بن منصور وابن السكن عن أبي النعمان الأزدي الصحابي قال: زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن، وقال:"لا يكون لأحد بعدك مهرًا"، قاله أبو الطيب في "شرح الترمذي". (ش).
(3)
سورة النساء: الآية 24.