الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا أَصَابَهَا في انْقَطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ". [مضى برقم 265]
(48) بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ
2170 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالْقَانِيُّ، نَا سُفْيَانُ، عن ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِدٍ، عن قَزَعَةَ، عن أَبِي سَعِيدٍ: ذُكِرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الْعَزْلَ- قَالَ (1): "فَلِمَ يَفْعَلُ أَحَدُكُمْ؟ ! " -وَلَمْ يَقُلْ:
===
وإذا أصابها في انقطاع الدم) أي في حال انقطاعه قبل الغسل (فنصف دينار).
وهذان الحديثان ها هنا مكرران، وقد تقدما في كتاب الطهارة في "باب إتيان الحائض"، وقد تقدم ما يتعلق بشرحهما.
(48)
(بَابُ مَا جَاءَ في الْعَزْلِ)
قال النووي (2): هو أن يجامع، فإذا قارب الإنزال نزع، وأنزل خارج الفرج (3).
2170 -
(حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن قزعة، عن أبي سعيد) قال: (ذُكِرَ) بصيغة المجهول (ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، يعني) أي يريد أبو سعيد بلفظ اسم الإشارة (العزلَ، قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلِمَ يفعل أحدكم؟ ! ولم يقل) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائله
(1) في نسخة: "فقال".
(2)
"شرح صحيح مسلم"(5/ 267).
(3)
وحاصل المذاهب في العزل أنه يكره في الحرة بغير إذنها عند الجمهور، ومنهم الأئمة الثلاثة، وعند الشافعية روايتان: الكراهة وعدمها، وهو الراجح عند المتأخرين منهم، وأما الأمة المملوكة فيجوز بلا إذنها بالاتفاق إلا عند ابن حزم، وأما الأمة المزوجة فهي في حكم الحرة، لكن المعتبر فيها إذن سيدها عند الأئمة الثلاثة على الراجح عندهم، وعند الصاحبين الإذن لها، وعند الشافعية في المزوجة قولان مثل الحرة، وعند ابن حزم: حرام مطلقًا سواء في الحرة والأمة. "الأوجز"(10/ 496، 499، 500). (ش).
وَلَا يَفْعَلْ (1) أَحَدُكُمْ- "فَإِنَّهُ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ إِلَّا اللَّهُ خَالِقُهَا". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَزَعَةُ مَوْلَى زِيادٍ. [م 1438، ت 1138، ق 7/ 229]
2171 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبَانُ، نَا يَحْيَى، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ، أَنَّ رِفَاعَةَ حَدَّثَهُ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، وَأَنَا أُرِيدُ مَا يُرِيدُ الرِّجَالُ،
===
أبو سعيد: (ولا يفعل) بصيغة النهي، أو الخبر بمعنى النهي (أحدكم، فإنه) الضمير للشأن (ليست من نفس مخلوقة إلَّا الله خالقُها) فإذا أراد الله خلق نفس، لا يمنعه العزل ولا ينفع، فلم يفعل ذلك بهذه الإرادة؟
(قال أبو داود: قزعة مولى زياد)، قال الحافظ في "تهذيب التهذيب": قزعة بن يحيى، ويقال: ابن الأسود أبو الغادية البصري، مولى زياد بن أبي سفيان، ويقال: مولى عبد الملك، ويقال: بل هو من بني الحريش، قال العجلي: بصري، تابعي، ثقة، وقال ابن خراش: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات"، له عند البخاري حديث أبي سعيد الخدري في سفر المرأة وغيره.
2171 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا أبان) العطار، (نا يحيى) بن سعيد الأنصاري (إن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، حدثه أن رفاعة)، ويقال: أبو رفاعة، ويقال: أبو مطيع بن عوف الأنصاري، عن أبي سعيد الخدري في العزل (حدثه عن أبي سعيد الخدري: أن رجلًا) لم أقف على تسميته.
(قال: يا رسول الله! إن لي جارية) لم أقف على تسميتها (وأنا) أطأها و (أعزل عنها، وأنا اكره أن تحمِلَ) علة لقوله: "أعزل عنها" أي كراهة الحمل، فإذا حملت، وولدت صارت أم ولد، فلا يجوز بيعها، (وأنا أريد) أي منها (ما يريد الرجال) أي: من بيعها، وتحصيل المال بعوضها، فيفسده الحمل
(1) في نسخة: "فلا يفعل".
وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ مَوْؤُودَةُ الصُّغْرَى. قَالَ: "كَذَبَتْ يَهُودُ لَوْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ". [ت 1136، حم 3/ 33]
===
(وإن اليهود تحدث أن العزل) لا يجوز؛ لأنه (موؤودة الصغرى (1)) هكذا بالإضافة في جميع النسخ الموجودة لأبي داود، وفي كتاب "منتقى الأخبار" (2) متن "نيل الأوطار":"الموؤودة الصغرى" بالتوصيف، وكذا في حديث جابر عند الترمذي بالتوصيف، فالإضافة مؤوَّلة بإضافة الموصوف إلى الصفة.
(قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبَتْ يهودُ) أي في قولهم: "العزل الموؤودة الصغرى"، فإن الوأد دفن البنات حَيَّة، وهذا يكون بعد الخلق، فإذا لم تخلق لم يتحقق الوأد، (لو أراد اللهُ أن يخلقه ما استطعتَ) أيها العازل (أن تصرفه) أي تمنعه.
وهذا الحديث بظاهره مخالف لما رواه مسلم من حديث جدامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذلك الوأد الخفي"، وأجاب عنه الشوكاني نقلًا عن الحافظ، فقال: من العلماء من جمع بين هذا الحديث وما قبله، فحمل هذا على التنزيه، وهذه طريقة البيهقي، ومنهم من ضعف حديث جدامة هذا لمعارضته لما هو أكثر منه طرقًا. قال الحافظ: وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم، والحديث صحيح لا ريب فيه، والجمع ممكن.
ومنهم من ادَّعى أنه منسوخ، ورُدَّ بعدم معرفة التاريخ، وقال الطحاوي: يحتمل أن يكون حديث جدامة على وفق ما كان عليه الأمر أولًا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أعلمه الله بالحكم، فكذَّب اليهود فيما كانوا
(1) وقال علي رضي الله عنه: لا تكون الموؤدة حتى تمر عليه سبع تارات، واستحسنه عمر رضي الله عنه، وبسطه القاري في "المرقاة"(6/ 347)، وفي "الشامي" (5/ 304): يكره الإسقاط قبل التصور وبعده إلا لعذر، وإن أسقط ميتًا، ففيه الغرة، وإن أسقط حيًا ثم مات، فعليه الدية. (ش).
(2)
انظر: "نيل الأوطار"(4/ 283، 285، 286).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
يقولونه، وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحرِّم شيئًا تبعًا لليهود، ثم يصرح بتكذيبهم فيه.
ومنهم من رجح حديث جدامة بثبوته في الصحيح، وضعف مقابله بالاختلاف في إسناده والاضطراب، قال الحافظ: ورد بأنه إنما يقدح في حديث لا يقوى بعض الوجوه، فمتى قوي بعضها، عمل به، وهو ها هنا كذلك، والجمع ممكن.
ورجح ابن حزم العمل بحديث جدامة؛ بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة، وحديثها يدل على المنع، قال: فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان، وتعقب بأن حديثها ليس بصريح في المنع؛ إذ لا يلزم من تسميته وأدًا خفيًّا على طريق التشبيه أن يكون حرامًا.
وجمع ابن القيم فقال: الذي كذب فيه صلى الله عليه وسلم اليهود هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلًا، وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد، فأكذبهم، وأخبر أنه لا يمنع الحمل، إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه، لم يكن وأدًا حقيقة، وإنما سماه وأدًا خفيًا في حديث جدامة؛ لأن الرجل إنما يعزل هربًا من الحمل، فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد، ولكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد فقط، فلذلك وصفه بكونه خفيًا، وهذا الجمع قوي.
وقد ضعِّف أيضًا حديث جدامة - أعني الزيادة التي في آخره - بأنه تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود، رواه مالك ويحيى بن أيوب عن أبي الأسود فلم يذكراها، وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب، وقد حذف هذه الزيادة أهل السنن الأربع، وقد احتج بحديث جدامة من قال بالمنع عن العزل كابن حبان، انتهى.
وقد ذكر الحافظ (1) وجهًا آخر في الجمع بين الحديثين، ولم يذكره
(1)"فتح الباري"(9/ 309).
2172 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عن مَالِكٍ، عن رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ، عن مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حبَّانَ، عن ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ عن الْعَزْلِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبَايَا (1) مِنْ سَبْي الْعَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ،
===
الشوكاني، قال: وجمعوا أيضًا بين تكذيب اليهود في قولهم: "الموؤودة الصغرى"، وبين إثبات كونه وأدًا خفيًّا في حديث جدامة، بأن قولهم:"الموؤودة الصغرى" تقتضي أنه وأد ظاهر، لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيًّا، فلا يعارض قوله:"إن العزل وأدٌ خفيٌّ"، فإنه يدل على أنه ليس في حكم الظاهر أصلًا، فلا يترتب عليه حكم، وإنما جعله وأدًا من جهة اشتراكهما في قطع الولادة.
2172 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز قال: دخلت المسجد) الظاهر أنه المسجد النبوي (فرأيت أبا سعيد الخدري) أي في المسجد، (فجلست إليه فسألته عن العزل، فقال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق) وهي غزوة المريسيع، وقع ذكر تلك الغزوة في حديث عمر عند البخاري (2):"أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق، وهم غارون، وأنعامهم تُسْقى (3) على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبق ذراريهم".
(فأصبنا سبايا من سبي العرب) أي من بني المصطلق (فاشتيهنا النساء، واشتدتْ علينا العزبةُ) أي عدم الزوجات (وأحببنا الفداءَ)، ولفظ مسلم:"ورغبنا في الفداء"، والمراد بالفداء القيمة، أي خفنا أننا إذا وطئناهن، فيحملن،
(1) في نسخة: "سبيًا".
(2)
"صحيح البخاري" رقم الحديث (2541).
(3)
وقع في الأصل: "يستقى"، وهو تحريف.
فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسَأَلَهُ عن ذَلِكَ؟ ! فَسَأَلْنَاهُ عنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:"مَا عَلَيْكُم أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ". [خ 5210، م 1438، ن 3327]
===
فلا يمكن بيعهن، ورغبنا في أن يحصل لنا القيمة، (فأردنا أن نعزل، ثم قلنا: نعزلُ) بحذف الاستفهام (ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا) جملة حالية ولفظ أظهر زائد (قبل أن نسأله عن ذلك) أي عن العزل، هل يجوز أم لا؟ .
(فسألناه عن ذلك، فقال: ما عليكم) أي لا بأسَ عليكم (أن لا تفعلوا) أي ليس عليكم ضرر أن لا تفعلوا العزل. وقيل: بزيادة "لا" في "لا تفعلوا". ومعناه: لا بأس عليكم أن تفعلوا، وروي "لا عليكم"، فيحتمل أن يقال: لا نفي لما سألوه، وعليكم أن لا تفعلوا كلام مستأنف، مؤكد له، وعلى هذا ينبغي أن تكون مفتوحة.
قال القاضي: روي بما، وروي بلا، والمعنى: لا بأس عليكم في أن تفعلوا، ولا مزيدة، ومن منع العزل قال: لا نفي لما سألوه، وعليكم أن لا تفعلوا كلام مستأنف، مؤكد له، وعلى هذا ينبغي أن تكون أن مفتوحة.
(ما من نسمة) أي نفس كائنة إلى يوم القيامة إلَّا وهي) أي النسمة (كائنة) لا محالة، لا يمنعها عزل، ولا شيء غيره.
قال النووي (1): في هذا الحديث دلالة لمذهب جماهير العلماء أن العرب يجري عليهم الرقُّ، كما يجري على العجم، وأنهم إذا كانوا مشركين وسبوا جاز استرقاقهم، وبهذا قال مالك، والشافعي في قوله الصحيح الجديد، وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة والشافعي في قوله القديم: لا يجري عليهم الرق لشرفهم.
(1)"شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 268).
2173 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا زُهَيْرٌ، عن أَبِي الزُّبَيْرِ، عن جَابِرٍ قَالَ: جَاء رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارِيَةً أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فَقَالَ:"اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ سَيَأتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا"،
===
قلت: ومذهب الحنفية في هذه المسألة ما قال في "الهداية"(1): ولا توضع أي الجزية على عبدة الأوثان من العرب، ولا المرتدين؛ لأن كفرهما قد تغلظ. أما مشركو العرب: فلأن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ بين أظهرهم والقرآن نزل بلغتهم، والمعجزة في حقهم أظهر، وأما المرتد فلأنه كفر بربه بعد ما هدي للإسلام، ووقف على محاسنه، فلا يقبل من الفريقين إلَّا الإِسلام، أو السيف، زيادة في العقوبة. وعند الشافعي رحمه الله يسترق مشركو العرب، وجوابه ما قلنا.
وإذا ظهر عليهم فنساؤهم وصبيانهم فيء؛ لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه استرق نسوان بني حنيفة وصبيانهم لما ارتدوا، وقسمهم بين الغانمين.
وقال ابن الهمام (2): والنبي صلى الله عليه وسلم استرقَّ ذراري أوطاس وهوازن، وهذا يدل على أن نسبة عدم جواز استرقاق العرب إلى الحنفية غير صحيحة، فإن كتب الحنفية مصرحة بأن استرقاق الرجال غير جائز، وأما استرقاق نسائهم وصبيانهم فجائز، فعلى هذا ما ذكر في هذا الحديث من استرقاق سبايا بني المصطلق لا يخالف مذهب الحنفية ولا يحتاج إلى تأويله.
2173 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا الفضل بن دكين، نا زهير، عن أبي الزبير، عن جابر قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جاريةً) أي مملوكة (أطوف عليها) أي أجامعُها (وأنا أكره أن تحملَ) أي مني فتكون أم ولد، (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اعزِلْ عنها إن شئت فإنه) أي الشأن (سيأتيها ما قُدِّر لها) أي من الحمل وغيره.
(1)"الهداية"(2/ 42).
(2)
"فتح القدير"(6/ 47).
قَالَ: فَلَبِثَ الرَّجُل، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ، قَالَ:"قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ (1) سَيَأْتيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا". [م 1439، حم 3/ 312 - 386]
===
(قال: فلبث الرجل) أي أيامًا، (ثم أتاه، فقال) أي الرجل: (إن الجارية قد حملتْ، قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قُدِّر لها). قال النووي (2): فيه دلالة على إلحاق النسب مع العزل؛ لأن الماء قد يسبق.
قال ابن الهمام (3): إذا عزل بإذن أو بغير إذن، وظهر بها حمل، هل يحل نفيه؟ وقالوا: إن لم يعد إليها، أو عاد، ولكن بال قبل العود حل نفيه، وإن لم يبل لا يحل، كذا روي عن علي رضي الله عنه؛ لأن بقية المني في ذكره يسقط فيها، ولذا قال أبو حنيفة فيما إذا اغتسل من الجنابة قبل البول، ثم بال، فخرج المني: وجب إعادة الغسل.
قال الشوكاني (4): واختلف السلف في حكم العزل، فحكي في "الفتح" عن ابن عبد البر أنه قال: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلَّا بإذنها (5)؛ لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلَّا ما لا يلحقه عزل.
قال الحافظ: ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة، قال: وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لا حق للمرأة في الجماع، فيجوز عندهم العزل عن الحرة بغير إذنها على مقتضى قولهم: إنه لا حق لها في الوطء. وأما الأمة فإن كانت زوجة فحكمها حكم الحرة.
(1) في نسخة: "أنها".
(2)
"صحيح مسلم بشرح النووي"(5/ 268).
(3)
"فتح القدير"(3/ 379 - 380).
(4)
"نيل الأوطار"(4/ 285).
(5)
قلت: هو نص رواية ابن ماجه عن عمر مرفوعًا. (ش).