الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(20) بَابُ مَنْ قَالَ: كَانَ حُرًّا
2235 -
حَدَّثَنَا (1) ابْنُ كَثِيرٍ، أَنَا سُفْيَان، عن مَنْصُورٍ، عن إِبْرَاهِيمَ، عن الأسْوَدِ، عن عَائِشَةَ:"أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ، وَأَنَّهَا خُيِّرَتْ فَقَالَتْ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَهُ وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا". [خ 6754، ن 3449، ت 1155، جه 2074، حم 6/ 42]
===
(20)
(بَابُ مَنْ قَالَ: كَانَ حُرًّا)
2235 -
(حدثنا ابن كثير، أنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة) رضي الله عنها: (أن زوج بريرة كان حرًا حين أعتقت، وأنها خيرت، فقالت: ما أحب أن أكون معه) أي في نكاحه (وأن لي كذا وكذا) وإنما كرهته، لأنها كانت جميلة، وأن مغيثًا كان أسود دميمًا.
وحاصل كلام العيني في "شرح البخاري"(2) في هذا البحث: أن الاحتجاج بهذه الأحاديث التي فيها أنه كان عبدًا على أنه كان [عبدًا]، حين أعتقت بريرة غير قوي، وكذلك قول ابن عباس:"رأيته عبدًا" لا يدل على أنه كان عبدًا حين أعتقت بريرة؛ لأن الظاهر أنه كان يخبر أنه كان عبدًا، فلا يتم الاستدلال به.
والتحقيق فيه أن نقول (3): إن اختلافهم فيه في صفتين لا يجتمعان في حالة واحدة، فنجعلهما في حالتين، بمعنى أنه كان عبدًا في حالة، حرًا في حالة أخرى، فبالضرورة تكون إحدى الحالتين متأخرة عن الأخرى، وقد علم أن الرق تعقبه الحرية، والحرية لا يعقبها الرق، فإذا كان كذلك جعلنا حال العبودية متقدمة، وحال الحرية متأخرة، فثبت بهذا الطريق أنه كان حرًا في الوقت الذي
(1) زاد في نسخة: "محمد".
(2)
انظر: "عمدة القاري"(14/ 283).
(3)
وقع في الأصل: "يقول" وهو تحريف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
خيرت فيه بريرة، وعبدًا قبل ذلك، فيكون قول من قال:"كان عبدًا" محمولًا على الحالة المتقدمة، وقول من قال:"كان حرًا" محمولًا على الحالة المتأخرة، فإذًا لا يبقى تعارض، ويثبت قول من قال: إنه كان حرًا، فيتعلق الحكم به.
ولئن سَلَّمنا أن جميع الروايات أخبرت بأنه كان عبدًا، فليس فيه ما يدل على عدم صحة ما يذهب ممن يذهب: أن زوج الأمة إذا كان حرًا فأعتقت الأمة ليس لها الخيار؛ لأنه ليس فيه ما يدل على ذلك؛ لأنه لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما خيرتها، لأن زوجها عبد، وهذا لا يوجد أصلًا في الآثار، فثبت أنه خيرها لكونها قد أعتقت، فحينئذ يستوي فيه أن يكون زوجها حرًا أو عبدًا، وردَّ بهذا على صاحب "التوضيح" في قوله: لأن خيارها إنما وقع من أجل كونه عبدًا، ولو اطلع هذا على ما قلنا من التحقيق لما قال هكذا، انتهى.
وأجاب عنه الحافظ (1) فقال: وحاول بعض الحنفية ترجيح رواية من قال: "كان حرًا" على رواية من قال: "كان عبدًا"، فقال: الرق تعقبه الحرية بلا عكس، وهو كما قال، لكن محل طريق الجمع إذا تساوت الروايات في القوة، أما مع التفرد في مقابلة الاجتماع، فتكون الرواية المنفردة شاذة، والشاذ مردود، ولهذا لم يعتبر الجمهور طريق الجمع بين الروايتين، مع قولهم: إنه لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع.
قلت: وهذا عجيب من مثله، فإنه اشترط في الشذوذ المخالفة، وإذا لم تكن بين الحديثين مخالفة لا يحكم بالشذوذ، والأصل في الروايات الجمع. وأما الاختلاف فهو خلاف الأصل، وهذان الحديثان واقعتان على الأصل ليس بينهما اختلاف أصلًا، وكون مغيث عبدًا وكونه حرًا كلاهما صحيح، فلما لم يكن بينهما اختلاف، لا يصار إلى ترجيح أحدهما على الآخر، فدعوى الشذوذ باعترافه باطل.
(1)"فتح الباري"(9/ 407).