الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) بَابٌ: في طَلَاقِ السُّنَّةِ
===
(4)
(بَابٌ: في طَلَاقِ السُّنَّةِ)
قال البخاري في "صحيحه": وطلاق السنَّة أن يطلقها طاهرًا من غير جماع ويشهد شاهدبن، قال العيني في "شرحه" (1): الطلاق السني أن يطلق امرأته حالة طهارتها عن الحيض، ولا تكون موطوءة في ذلك الطهر، ويشهد شاهدين على الطلاق، فمفهومه: أنه إن طلقها في الحيض، أو في طهر وطئها فيه، أو لم يشهد يكون طلاقًا بدعيًا.
واختلفوا في طلاق السنَّة، فقال مالك (2): طلاق السنَّة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يمسها فيه تطليقة واحدة، ثم يتركها حتى تنقضي العدة برؤية أول الدم من الحيضة الثالثة. وهو قول الليث والأوزاعي. وقال أبو حنيفة: هذا حسن من الطلاق، وله قول آخر، وهو: ما إذا أراد أن يطلقها ثلاثًا طلقها عند كل طهر طلقة واحدة من غير جماع. وهو قول الثوري وأشهب.
وزعم المرغيناني (3): أن الطلاق على ثلاثة أوجه عند أصحاب أبي حنيفة: حسن، وأحسن، وبدعي.
(1)"عمدة القاري"(14/ 226).
(2)
قال الباجي (5/ 183): أما العدد، فإنه لا يحل أن يوقع أكثر من طلقة واحدة، فمن أوقع طلقتين أو ثلاثًا فقد طلق بغير السنَّة، وقال الشافعي: مُوقع الثلاث جملة مطلق للسنَّة، انتهى، وقال الموفق (10/ 326 - 329): اختلفت الرواية عن أحمد في جمع الثلاث، فروي عنه أنه غير محرم، اختاره الخرقي، وهو مذهب الشافعي، والرواية الثانية أن جمع الثلاث طلاق بدعة محرم إلى آخر ما بسط في "الأوجز"(11/ 293 - 300)، وقال النووي:(5/ 324): الطلاق على أربعة أقسام: حرام، ومكروه، وواجب، ومندوب، ثم بسطها، وقال: وأما جمع الطلقات الثلاث دفعة فليس بحرام عندنا، لكن الأولى تفريقها، وبه قال أحمد وأبو ثور، وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة: هو بدعة، انتهى مختصرًا. (ش).
(3)
"الهداية"(1/ 221).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فالأحسن: أن يطلقها وهي مدخول بها تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، ويتركها حتى تنقضي في عدتها.
والحسن: وهو طلاق السنَّة، وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثًا في ثلاثة أطهار.
والبدعي: أن يطلقها ثلاثًا بكلمة واحدة أو ثلاثًا في طهر واحد. فإذا فعل ذلك وقع الطلاق وكان عاصيًا، انتهى.
قلت: وكذا إذا طلقها في حالة الحيض يكون بدعيًا أيضًا.
وأما خلاصة كلام صاحب "البدائع"(1): أن الطلاق باعتبار الصفة على نوعين: طلاق سنة وطلاق بدعة. أما طلاق السنَّة فنوعان: نوع يرجع إلى الوقت، ونوع يرجع إلى العدد، وكل واحدة منهما نوعان: حسن، وأحسن، ولا يمكن معرفة كل واحد منهما إلَّا بعد معرفة أصناف النساء، وهن في الأصل على صنفين حرائر وإماء، وكل صنف على صنفين: حائلات وحاملات، والحائلات على صنفين: ذوات الأقراء، وذوات الأشهر.
ثم نقول: أحسن الطلاق في ذوات القرء أن يطلقها طلقة واحدة رجعية في طهر لا جماع فيه، ولا طلاق، ولا في حيضة طلاق، ولا جماع، ويتركها حتى تنقضي عدتها ثلاثة حيضات، إن كانت حرة، وإن كانت أمة حيضتان.
والأصل فيه ما روي عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسنون أن لا يطلقوا للسنَّة إلَّا واحدة، ثم لا يطلقوا غير ذلك حتى تنقضي العدةُ". وفي رواية أخرى: وكان ذلك عندهم أحسن من أن يطلق الرجل ثلاثة في ثلاثة أطهار.
وأما الحسن في الحرة التي هي ذات القرء أن يطلقها ثلاثًا في ثلاثة أطهار
(1)"بدائع الصنائع"(3/ 140).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لا جماع فيها، وإن كانت أمة طلقها واحدة، ثم إذا حاضتْ وطهرتْ طلقها أخرى، وهذا قول عامة العلماء، وقال مالك: لا أعرف طلاق السنَّة إلَّا أن يطلقها واحدة ويتركها حتى تنقضي عدتها، انتهى.
وقال ابن رشد في "بداية المجتهد"(1): أجمع العلماء على أن المطلق للسنَّة في المدخول بها هو الذي يطلق امرأته في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة، وأن المطلق في الحيض أو الطهر الذي مسها فيه غير مطلق للسنَّة.
واختلفوا من هذا الباب في ثلاثة مواضع: الموضع الأول: هل من شرطه أن لا يتبعها طلاقًا في العدة؟ والثاني: هل المطلق ثلاثًا بلفظ الثلاث مطلق للسنَّة أم لا؟ والثالث: في حكم من طلق في وقت الحيض.
أما الأول فاختلف فيه مالك وأبو حنيفة ومن تبعهما، فقال مالك: من شرطها أن لا يتبعها في العدة طلاقًا آخر. وقال أبو حنيفة: إن طلقها عند كل طهر طلقة واحدة كان مطلقًا للسنَّة.
وأما الثاني: فإن مالكًا ذهب إلى أن المطلق ثلاثًا بلفظ واحد مطلق لغير سنَّة، وذهب الشافعي إلى أنه مطلق للسنَّة.
وسبب الخلاف معارضة إقراره عليه السلام للمطلق بين يديه ثلاثًا في لفظة واحدة لمفهوم الكتاب في حكم الطلقة الثالثة، والحديث الذي احتج به الشافعي هو ما ثبت من أن العجلاني طلق زوجته ثلاثًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الملاعنة، قال: فلو كان بدعة لما أقرَّه صلى الله عليه وسلم.
وأما مالك فلما رأى أن المطلق بلفظ الثلاث رافع للرخصة التي جعلها الله في العدد، قال فيه: إنه ليس للسنَّة. واعتذر أصحابه عن الحديث بأن المتلاعنين عنده قد وقعت الفرقة بينهما من قبل التلاعن نفسه، فوقع الطلاق على غير
(1)"بداية المجتهد"(2/ 63).
2179 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عن مَالِكٍ، عن نَافِعٍ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَل عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا،
===
محله، فلم يتصف لا بسنَّة ولا ببدعة، وقول مالك -والله أعلم- أظهر ها هنا من قول الشافعي، وأما الثالث إلى آخره.
2179 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته)، قال النووي في "تهذيبه": اسمها آمنة (1) بنت غفار، وفي رواية فيه ابن لهيعة:"أن ابن عمر طلق امرأته آمنة بنت عمار"، والأول أولى، وأقوى من ذلك ما في "مسند أحمد" من حديث يونس، حدثنا الليث، عن نافع:"أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فقال عمر: يا رسول الله، إن عبد الله طلق امرأته النوار"(2)، ويونس شيخ أحمد، هو ابن محمد المؤدب من رجالهما، ويمكن الجمع بأن يكون اسمها آمنة ولقبها النوار (3).
(وهي حائض) أي في حالة الحيض (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (ذلك) الطلاق، (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مُرْه فليراجعها) لأنه طلقها طلاقًا بدعيًا، فيراجعها ليمحو أثر الكراهية بالرجعة، فإنه معصية.
واختلف في وجوب المراجعة، فذهب إليه مالك وأحمد في رواية، والمشهور عنه وهو قول الجمهور: أنها مستحبة، واحتجوا بأن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك، لكن صحَّح صاحب "الهداية"(4) من الحنفية أنها
(1) هكذا في الأصل وهو الصواب، كذا في ترجمتها في "الإصابة"(8/ 5) رقم (14)، وفي "تهذيب النووي" (3/ 373):"أميَّة بنت غفار" وهو خطأ.
(2)
كذا قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9/ 347)، وقد بحثناه في "مسند أحمد"(2/ 124)، فلم أعثر عليه، فليفتش.
(3)
انظر: "فتح الباري"(9/ 347).
(4)
انظر: (1/ 223).
ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ،
===
واجبة. والحجة لمن قال بالوجوب وُرود الأمر بها، ولأن الطلاق لما كان محرمًا في الحيض، كان استدامة النكاح فيه واجبة، واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول، وهي حائض، لم يؤمر بالمراجعة، إلَّا ما نقل عن زفر، فطرد الباب.
(ثم ليمسكها) في نكاحها (حتى تطهير) من تلك الحيضة الأولى (ثم تحيض) ثانيًا (ثم تطهر).
قال الحافظ (1): في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع: "ثم ليدعها حتى تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها"، ونحوه في رواية الليث وأيوب عن نافع، وكذا عند مسلم من رواية عبد الله بن دينار، وكذا عندهما من رواية الزهري عن سالم، وعند مسلم من رواية محمد بن عبد الرحمن، عن سالم بلفظ:"مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا".
قال الشافعي: غير نافع إنما روى "حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك"، رواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسالم.
قلت: وهو كما قال، لكن رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع، وقد نبه على ذلك أبو داود، والزيادة من الثقة مقبولة، ولا سيما إذا كان حافظًا.
واختلف في جواز تطليقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي وقع فيها الطلاق والرجعة. وفيه للشافعية وجهان: أصحهما المنع، وبه قطع المتولي، وهو الذي يقتضيه ظاهر الزيادة التي في الحديث، وعبارة الغزالي في "الوسيط"، وتبعه مجلي (2): هل يجوز أن يطلق في هذا الطهر؟ وجهان، وكلام المالكية يقتضي أن التأخير مستحب، وقال ابن تيمية في "المحرر": ولا يطلقها في الطهر المتعقب له، فإنه بدعة، وعنه أي عن أحمد جواز ذلك.
(1)"فتح الباري"(9/ 349 - 350).
(2)
هو مجلي بن جُميع (ت 550 هـ) شيخ الشافعية بمصر، "سير أعلام النبلاء"(20/ 325).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وفي كتب الحنفية عن أبي حنيفة الجواز، وعن أبي يوسف ومحمد المنع، ووجه الجواز أن التحريم إنما كان لأجل الحيض، فإذا طهرت، زال موجب التحريم، فجاز طلاقها في هذا الطهر، كما يجوز في الطهر الذي بعده، وكما يجوز طلاقها في الطهر إن لم يتقدم طلاق في الحيض، انتهى.
وقال القاري (1): قال النووي: فإن قيل: ما فائدة التأخير إلى الطهر الثاني؟ فالجواب من أوجه:
أحدها: لئلا تصير الرجعة لغرض الطلاق، فوجب أن يمسكها (2) زمانًا كان يحل له طلاقها، وإنما أمسكها لتظهر فائدة الرجعة.
الثاني: أنه عقوبة له وتوبة من معصية باستدراك جنايته.
والثالث: أن الطهر الأول مع الحيض الذي طلق فيه كقرء واحد، فلو طلقها في أول طهر كان كمن طلقها في حيض.
والرابع: أنه نهى عن طلاقها في الطهر، ليطول مقامه معها، فلعله يجامعها، فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها، فيمسكها، انتهى.
والأخير هو الأولى، لكن الأظهر أن يقال: أمر بإمساكها في الطهر إلى آخره، في "الهداية": وإذا طهرت وحاضت، ثم طهرت، فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها.
قال ابن الهمام: هذا لفظ "القدوري"، وهكذا ذكر في "الأصل"، ولفظ محمد: فإذا طهرت في حيضة أخرى راجعها. وذكر الطحاوي أن له أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلقها وراجعها فيها. قال الكرخي: ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة وما ذكره في "الأصل" قولهما.
(1)"مرقاة المفاتيح"(6/ 415 - 416).
(2)
ويؤيده ما قال ابن رسلان باستحباب الجماع بعد المراجعة، فإنها حينئذ حائضة. وُيسَنُّ الطلاق في طهر لا جماع فيه، فلا بد من تخلل الطهر بينهما ليحل الجماع فيه. (ش).
ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ (1) لَهَا النِّسَاءُ". [خ 5251، م 1471، ن 3389، ت 1175، جه 2019، دي 2262]
2180 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عن نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ. [انظر سابقه]
===
والظاهر أن ما في الأصل قول لكل؛ لأنه موضوع لإثبات مذهب أبي حنيفة رحمه الله إلَّا أن يحكى الخلاف، ولم يحك خلافًا فيه، فلذا قال في "الكافي": إنه ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وبه قال الشافعي في المشهور ومالك وأحمد. وما ذكره الطحاوي رواية عن أبي حنيفة، وهو وجه للشافعية، انتهى (2).
(ثم) في الطهر الثاني (إن شاء أمسك) الزوجة (بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمس) أي إن أراد أن يطلقها في ذلك الطهر، فيجب عليه أن لا يجامعها (فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فيه إشارة إلى قوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (3)، والمشار إليها في قوله:"فتلك العدة" عندنا حالة الحيض.
فقيل: اللام في قوله: "أن تطلق لها النساء" بمعنى "في"، فتكون حجة لما ذهب إليه الشافعي من أن العدة بالأطهار، إذ لو كانت بالحيض يلزم أن يكون الطلاق مأمورًا به فيه، وليس كذلك، وأجيب بأنا لا نسلم أن اللام ها هنا بمعنى "في"، بل للعاقبة كما في قوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} .
2180 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا الليث، عن نافع: أن ابن عمر طلق امرأة له وهي حائض تطليقة بمعنى حديث مالك)، وإنما أخرج الحديث بهذا
(1) في نسخة: "يطلق".
(2)
انظر: "فتح القدير"(3/ 339).
(3)
سورة الطلاق: الآية 1.
2181 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعٌ، عن سُفْيَانَ، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عن سَالِم، عن ابْنِ عُمَرَ:"أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ ليُطَلِّقْهَا إِذَا طَهُرَتْ، أَوْ وَهِيَ حَامِلٌ". [م 1471، ت 1176، ن 3397، جه 2023، حم 2/ 26]
===
الطريق بعد طريق مالك؛ لأن فيها زيادة لفظ "تطليقة" أي واحدة، قال مسلم (1): جوَّد الليث في قوله: "تطليقة واحدة"(2).
2181 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد القرشي (مولى آل طلحة، عن سالم، عن ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مره) أي عبد الله (فليراجعها) أي امرأته (ثم ليطلقها، إذا طهرت، أو وهي حامل) وإنما أخرج هذا الحديث؛ لأن في هذا الطريق مخالفة للحديث المتقدم، فإنه لم يذكر فيه ثم تحيض ثم تطهر.
قال القاري (3): قال الطيبي: دل هذا الحديث على اجتماع الحيض والحبل، وقيل: الحامل إذا كانت حائضة حل طلاقها، إذ لا تطويل في العدة في حقها؛ لأن عدتها بوضع الحمل، انتهى. وعندنا أن الحامل لا تحيض، وما رأته من الدم فهو استحاضة، انتهى.
قلت: لا دليل في الحديث على أن الحامل تحيض، بل فيه دليل على أنها لا تحيض، فإنه سوَّى في جواز إيقاع الطلاق بين الطاهرة والحاملة، وقد تقدم أن طلاق الحائضة بدعة، فقد علم منه أن الحامل لا تحيض، ولأجل ذلك سواه بالطاهرة، والله أعلم.
(1) وإنما قال ذلك؛ لأن بعض من روى الحديث قال فيه: ثلاثًا، كذا في "الأوجز"(11/ 294). (ش).
(2)
يعني: أنه حفظ وأتقن قدر الطلاق الذي لم يتقنه غيره. (ش).
(3)
"مرقاة المفاتيح"(6/ 416).
2182 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا عَنْبَسَةُ، نَا يُونُسُ، عن ابْنِ شِهَاب (1)، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عن أَبِيهِ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَغَيَّظَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ". [خ 4908، م 1471، ن 3390]
2183 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عن أَيُّوبَ، عن ابْنِ سِيرِينَ (2)، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ (3):
===
2182 -
(حدثنا أحمد بن صالح، نا عنبسة، نا يونس، عن ابن شهاب، أخبرني سالم بن عبد الله، عن أبيه: أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإنما تغيَّظ على ابن عمر؛ لأنه ارتكب معصية، فإن الطلاق في الحيض كان معصية.
(ثم قال) بعد التغَيظ: (مره فليراجعها) لترتفع المعصية، (ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، ثم إن شاء طلقها طاهرًا قبل أن يمس) أي: يجامع في ذلِك الطهر، (فذلك الطلاق) في الطهر (للعدة كما أمر الله تعالى ذكره) أي بقوله:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وهذا الحديث يؤيد ما في حديث نافع من ذكر الطهرين.
2183 -
(حدثنا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين) أي محمد، (أخبرني يونس بن جبير، أنه سأل ابن عمر فقال:
(1) في نسخة: "قال".
(2)
في نسخة: "قال".
(3)
في نسخة: "قال".
كَمْ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ؟ فَقَالَ: وَاحِدَةً". [خ 5252، م 1471، ت 1175، ن 3399، جه 2022]
2184 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عن مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ (1)، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: تَعْرِفُ (2)
===
كم طلقت امرأتك؟ فقال) ابن عمر: (واحدة)(3)، أي طلقتها واحدة.
2184 -
(حدثنا القعنبي، نا يزيد بن إبراهيم) التستري بضم المثناة، وسكون المهملة، وفتح المثناة، ثم راء، أبو سعيد البصري التميمي، عن أحمد: ثقة، وكذا قال ابن معين، وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا، وكان عفان يرفع أمره، وقال ابن عدي: وليزيد أحاديث مستقيمة عن كل من يروي عنه، وإنما أنكرت أحاديث رواها عن قتادة عن أنس، وهو ممن يكتب حديثه، ولا بأس به، وأرجو أن يكون صدوقًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وفرَّق أبو محمد ابن حزم في كتاب الحج من "المحلى" بين يزيد بن إبراهيم التستري وبين يزيد بن إبراهيم الراوي عن قتادة، فقال: إن التستري ثقة ثبت، والراوي عن قتادة ضعيف، ولا أدري من هو سلفه في جعله اثنين.
(عن محمد بن سيرين، حدثني يونس بن جبير) الباهلي أبو غلاب بفتح معجمة وشدة لام وبموحدة، البصري، وثقه ابن معين، والنسائي، وابن سعد، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال ابن علية: كان ذا ثبت، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(قال: سألت عبد الله بن عمر، قال) أي يونس بن جبير: (قلت) لعبد الله بن عمر: (رجل طلق امرأته وهي حائض) ما حكمه؟ (قال) أي ابن عمر: (تعرف)
(1) زاد في نسخة: "قال".
(2)
في نسخة: "أتعرف عبد الله بن عمر".
(3)
قال ابن رسلان: ووهم من قال: ثلاثًا، كما رواه مسلم. (ش).
ابْنَ عُمَرَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُطَلِّقْهَا (1) في قُبُلِ عِدَّتِهَا". قَالَ: قُلْتُ: فَيُعْتَدُّ بِهَا؟ قَالَ: "فَمَهْ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟ ! ". [خ 5252، م 1471، ت 1175، ن 3399، جه 2022، حم 2/ 43]
===
بتقدير همزة الاستفهام (ابن عمر؟ ) يعني نفسه (قلت: نعم، قال) ابن عمر: (فإن عبد الله بن عمر) حكى القصة عن نفسه بجعله غائبًا (طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله) أي عن المسألة.
(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها، ثم يطلقها) بعد المراجعة (في قبل عدتها) أي إقبالها وأولها، (قال: قلت: فيعتد بها؟ ) أي: فهل يحتسب بهذه التطليقة؟
(قال) ابن عمر: (فمه)، قال في "المجمع" (2): في حديث طلاق ابن عمر: "قلت: فمه"، أي: فماذا للاستفهام، فأبدل الألف هاء للوقف، وقال الكرماني (3): فما يكون إن لم يحتسب بتلك التطليقة، فإنه لا شك في كونه محسوبة بتلك التطليقة، أو هو كلمة زجر، أي انزجر عنه، فإنه لا شك في وقوع الطلاق، وكونه محسوبًا في عدد الطلاق، انتهى.
(أرأيت) أخبرني (إن عجز) أي ابن عمر، أو المطلق عن أداء ما كان يجب عليه (واستحمق؟ ! ) أي فعل فعل الحمقاء بارتكاب ما هو خلاف الشرع من الطلاق في الحيض، فهو استفهام إنكار، أي نعم يحتسب طلاقه، ولا يمتنع احتسابه لعجزه وحمقه، وقيل: إن عجز عن الرجعة، بأنه لم يراجعها واستحمق أي فَعَلَ فعل الجاهلية، بأن أبى عن الرجعة فلا عجز، والله تعالى أعلم.
(1) في نسخة: "ثم ليطلقها".
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(4/ 652).
(3)
انظر: "صحيح البخاري بشرح الكرماني"(19/ 178 - 179).
2185 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عُرْوَةَ يَسْألُ ابْنَ عُمَرَ وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ قَالَ: "كَيْفَ تَرَى في رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا (1)؟ قَالَ: طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا،
===
2185 -
(حدثنا أحمد بن صالح، نا عبد الرزاق، أنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن)، ويقال: مولى أيمن المخزومي مولاهم المكي، سمعه أبو الزبير يسأل عبد الله بن عمر عن رجل طلق امرأته حائضًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، قال المزي: ذكره غير واحد في رجال مسلم، وليس له عندهم رواية، قلت: وقال البخاري: رأى أبا سعيد وسمع ابن عمر، أثنى عليه ابن عيينة خيرًا.
(مولى عروة) هكذا في جميع نسخ أبي داود، وقد أخرج مسلم هذا الحديث، فقال: عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة، هذا في رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج، وقال في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج: مولى عروة، ثم قال: قال مسلم: أخطأ حيث قال: مولى عروة، إنما هو مولى عزة (2).
(يسأل) عبد الرحمن (ابن عمر وأبو الزبير يسمع، قال) عبد الرحمن: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ قال) ابن عمر: (طلق عبد الله بن عمر امرأته، وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم بين السؤال (فقال) أي عمر: (إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، قال عبد الله: فردها) أي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بردِّها (عليَّ) ورجعتها (ولم يرها) أي الطلقة التي طلقها (شيئًا).
(1) في نسخة: "وهي حائض".
(2)
انظر: "صحيح مسلم"(2/ 1098).
وَقَالَ: «إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} في قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ". [م 1471، ن 3392، حم 2/ 61]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عن ابْنِ عُمَرَ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَزيدُ بْنُ أَسْلَمَ وَأَبُو الزُّبَيْرِ وَمَنْصُور عن أَبِي وَائِلٍ
===
وهذا بظاهره يدل على عدم وقوع الطلاق أصلًا (1). وبقية الأحاديث كلها تدل على الوقوع، فيمكن تأويله، بأن يقال: لم يرها شيئًا مشروعًا، أو لم يرها شيئًا مانعًا من الرجعة، ويحتمل أن يقال: إن ضمير "لم يرها" يعود إلى الرجعة، أي لم يرَ الرجعة شيئًا ممنوعًا.
(وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا طهرت) أي بعد الرجعة (فليطلق أو ليمسك، قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} (2) في قبل عدتهن) أي في إقبالها، وهكذا قرأها مجاهد.
(قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير) وقد تقدم حديثه (3)(وأنس بن سيرين) أخرج حديثه مسلم في "صحيحه"(4)(وسعيد بن جبير) أخرجه النسائي (5) ولكنه مختصر (وزيد بن أسلم) ولم أجد حديثه فيما عندي من الكتب (وأبو الزبير) وقد مر حديثه قريبًا (6). (ومنصور عن أبي وائل)
(1) وبه شرحه ابن رسلان إذ قال: لم يعتدها من الطلقات الثلاثة. (ش).
(2)
سورة الطلاق: الآية 1.
(3)
انظر رقم الحديث: (2184).
(4)
"صحيح مسلم"(1471)، وأيضًا أخرجه البخاري (5252)، وأحمد (2/ 61).
(5)
"سنن النسائي"(6/ 141)، وأيضًا أخرجه الطيالسي (1871)، وسعيد بن منصور (1546)، والطحاوي (3/ 52).
(6)
انظر رقم الحديث: (2185).
مَعْنَاهُمْ كُلُّهُمْ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ محمدُ (1) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عن سَالِم، عن ابْنِ عُمَرَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ، عن سَالِمٍ وَنَافِعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ:"أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ أَوْ أَمْسَكَ".
===
ولم أجد حديثه فيما عندي من كتب الحديث (2).
(معناهم كلهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره) أي ابن عمر (أن يراجعها حتى تطهر، ثم إن شاء طلق، وإن شاء أمسك) أي حاصل حديثهم كلهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر أن امرأته إذا تطهرت من الحيض الذي طلق فيه، له الخيار إن شاء طلق في ذلك الطهر، أو لم يطلق، بل يمسكها في نكاحه، ولم يذكروا في هذا الحديث الطهر الثاني.
(وكذلك) أي مثل ما رووا (رواه محمد (3) بن عبد الرحمن) مولى آل طلحة (عن سالم، عن ابن عمر (4))، فإنه أيضًا المراجعة في الطهر الذي بعد الحيض الذي طلق فيه، ولم يذكر الطهر الثاني.
(وأما رواية الزهري عن سالم (5) و) كذلك رواية (نافع)(6) كليهما (عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلق أو أمسك) حاصله أن رواية سالم اختلف فيها، فروى الزهري
(1) في نسخة: "أحمد".
(2)
قلت: أخرج روايته عبد الرزاق في "المصنف"(6/ 308)، رقم (10956)، والبيهقي في "السنن"(7/ 326)، وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 3).
(3)
وفي النسخة القادرية بدله: "أحمد بن عبد الرحمن".
(4)
هذه الرواية وصلها المصنف في هذا الباب برقم (2181).
(5)
وصل المصنف روايته في هذا الباب برقم (2182).
(6)
انظر روايته برقم: (2179).
وَرُوِيَ عن عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَ رِوَايَةِ نَافِعٍ وَالزُّهْرِيِّ
===
عن سالم، وذكر فيها طهرين، وأما محمد بن عبد الرحمن، فلم يذكر فيه إلَّا الطهر الأول، ولم يذكر الثاني، ورواية نافع اتفق ناقلوها على أن فيها ذكر الطهرين.
(وروي عن عطاء الخراساني، عن الحسن، عن ابن عمر نحو رواية نافع والزهري) فإنه ذكر أيضًا الطهرين، كما ذكره نافع والزهري، ولم أجد رواية عطاء الخراساني، عن الحسن فيما عندي من كتب الحديث (1).
قلت: والغرض: من هذا الكلام بظاهره ترجيح رواية الطهر الواحد على ذكر الطهرين.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(2) ما حاصله: أنه لا معارضة في الحديثين، بل في رواية نافع روى عنه مالك وعبيد الله بن عمر والليث وأيوب وعبد الله بن دينار، وكذلك في رواية الزهري، عن سالم زيادة الطهر، والزيادة من الثقة مقبولة، ولا سيما إذا كان حافظًا.
قلت: ما قال الحافظ: إن الزيادة من الثقة مقبولة، ولا سيما إذا كان حافظًا مقبول بشرط أن لا تكون الزيادة منافية للحديث الذي ليس فيه تلك الزيادة.
قال الحافظ (3): وزيادة راويهما أي الصحيح والحسن [مقبولة] ما لم تقع منافيةً لرواية من هو أوثق، ممن لم يذكر تلك الزيادة؛ لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقًا؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي يتفرد به الثقة، ولا يرويه عن شيخه غيرُه، وإما أن تكون
(1) قلت: رواية عطاء الخراساني عن الحسن وصلها الدارقطني في "سننه"(4/ 31)، والبيهقي في "السنن"(7/ 337).
(2)
"فتح الباري"(9/ 349).
(3)
انظر: "شرح شرح نخبة الفكر" للملَّا علي القاري (ص 315 - 322).
وَالأَحَادِيثُ (1) كُلُّهَا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ.
===
منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى. فهذه هي التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيُقبلُ الراجح، ويرد المرجوح.
واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقًا من غير تفصيل؛ ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذًا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه. والعجب ممن أغفل ذلك منهم مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح وكذا الحسن، انتهى.
وهنا هنا كذلك، فإن هذه الزيادة منافية للرواية التي لم تذكر فيها تلك الزيادة، فإن الحديث الذي ليس فيها تلك الزيادة يدل على جواز المراجعة في ذلك الطهر الذي يتصل بالحيض الذي طلق فيه، والحديث الذي فيه تلك الزيادة، يدل بظاهره على أنه لا تجوز المراجعة، إلَّا أن تحيض ثم تطهر بعد الطهر الأول.
فالعجب من الحافظ، كيف أغفل ذلك مع أنه مصرح بعدم قبول الزيادة، إذا كانت منافية؟ وقد أشار أبو داود إلى أن الراجح عدم الزيادة بكثرة الرواة، فثبت بهذا أن هذه الزيادة في هذا الحديث شاذة، والله أعلم.
(والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير)، وفي هذا الكلام إشارة إلى ما تقدم في حديث أبي الزبير، أنه قال فيه: ولم يرها شيئًا، وهذا اللفظ بظاهره يدل على أن الطلقة الواقعة من ابن عمر لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا يعتد به، وهو مخالف لجميع الأحاديث الواردة في قصة ابن عمر، فما قال أبو الزبير شاذ (2).
(1) في نسخة: "فالأحاديث".
(2)
لكن ذكر ابن رسلان عن الحافظ متابعة، إلَّا أنه قال بعده: لكنه يؤول، بأنه لم يعتد جائزًا جمعًا بين الروايات، انتهى. (ش).