المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(39) باب: في نفقة المبتوتة - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٨

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(26) بَابٌ في الاكْفَاءِ

- ‌(27) بَابٌ: في تَزْوِيجِ مَنْ لَمْ يُولَدْ

- ‌(28) بَابُ الصَّدَاقِ

- ‌(29) بَابُ قِلَّةِ الْمَهْرِ

- ‌(30) بَابٌ: في التَّزْوِيجِ عَلَى الْعَمَلِ يُعْمَلُ

- ‌(31) بابٌ: فِيمَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يُسَمِّ صَدَاقًا حَتَّى مَاتَ

- ‌(32) بَابٌ: في خُطْبَةِ النِّكَاحِ

- ‌(33) بابٌ: فِى تَزْوِيجِ الصِّغَارِ

- ‌(34) بابٌ: فِى الْمَقَامِ عِنْدَ الْبِكْرِ

- ‌(35) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَدْخُلُ بِامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهَا

- ‌(36) بَابٌ: في مَا يُقَالُ لِلْمُتَزَوِّج

- ‌(37) بَابُ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَة فيَجِدُهَا حُبْلَى

- ‌(38) بَابٌ: في الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ

- ‌(39) (بَابٌ: في الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا)

- ‌(40) بَابٌ: في حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ

- ‌(41) بَابٌ: في حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا

- ‌(42) بَابٌ: في ضَرْبِ النِّسَاءِ

- ‌(43) بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ

- ‌(44) بَابٌ: في وَطْءِ السَّبَايَا

- ‌(45) بَابٌ: في جَامِعِ النِّكَاح

- ‌(46) بَابٌ: في إِتْيَانِ الْحَائِضِ وَمُبَاشَرَتِهَا

- ‌(47) بَابٌ: في كفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا

- ‌(48) بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ

- ‌(49) بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ ذِكْرِ الرَّجُل مَا يَكُونُ مِنْ إِصَابَتِهِ أَهْلَهُ

- ‌(7) أَوَّلُ كِتاَبِ الطَّلَاق

- ‌(1) بَابٌ: فِيمَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا

- ‌(2) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَسْاَلُ زَوْجَهَا طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ

- ‌(3) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ الطَّلَاقِ

- ‌(4) بَابٌ: في طَلَاقِ السُّنَّةِ

- ‌(5) بَابٌ: في نَسْخِ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلاثِ

- ‌(6) بَابٌ: في سُنَّةِ طَلَاقِ الْعَبْدِ

- ‌(7) بَابٌ: في الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ

- ‌(8) بَابٌ: في الطَّلَاقِ عَلَى غَلَطٍ

- ‌(9) بَابٌ: في الطَّلَاقِ عَلَى الْهَزْلِ

- ‌(10) بَابُ بَقِيَّة نَسْخِ الْمُرَاجَعَة بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ

- ‌(11) بَابٌ: فِيمَا عُنِيَ بِهِ الطَّلَاقُ، وَالنِّيَّاتُ

- ‌(12) بَابٌ: في الْخَيَارِ

- ‌(13) بَابٌ: في "أَمْرُكِ بِيَدِكِ

- ‌(14) بَابٌ: في الْبَتَّةِ

- ‌(15) بَابٌ: في الْوَسْوَسَةِ بِالطَّلَاقِ

- ‌(16) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ: "يَا أُخْتِي

- ‌(17) بَابٌ: في الظِّهَارِ

- ‌(18) بَابٌ: في الْخُلْعِ

- ‌(19) بَابٌ: في الْمَمْلُوكَةِ تُعْتَقُ وَهِيَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ

- ‌(20) بَابُ مَنْ قَالَ: كَانَ حُرًّا

- ‌(21) (بَابٌ: حَتَّى مَتَى يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ

- ‌(22) بَاب: في المَمْلُوكيْن يُعْتَقَانِ مَعًا، هَلْ تُخَيَّرُ امْرَأَتُهُ

- ‌(23) بَابٌ: إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَينِ

- ‌(24) بَابٌ: إِلَى مَتَى تُرَدُّ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهَا

- ‌(25) بَابٌ: في مَنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ أَكثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ

- ‌(27) بَابٌ: في اللِّعَانِ

- ‌(28) بَابٌ: إِذَا شَكَّ في الْوَلَدِ

- ‌(29) بَابُ التَّغْلِيظِ في الانْتِفَاءِ

- ‌(30) بَابٌ: في ادِّعَاءِ وَلَدِ الزِّنَا

- ‌(31) بَابٌ: في الْقَافَةِ

- ‌(32) بَابُ مَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ إِذَا تَنَازَعُوا في الْوَلَدِ

- ‌(33) بَابٌ: في وُجُوهِ النِّكَاحِ الَّتِي كَانَ يَتَنَاكَحُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌(34) بَابٌ "الْوَلَدُ لِلفِرَاش

- ‌(35) بَابُ مَنْ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ

- ‌(36) بَابٌ: في عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ

- ‌(37) بَابٌ: في نَسْخِ مَا اسْتُثْنِي بِهِ مِنْ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَاتِ

- ‌(38) بَابٌ: في الْمُرَاجَعَةِ

- ‌(39) بَابٌ: في نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ

- ‌(40) بَابُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَة

- ‌(41) بَابٌ: في الْمَبْتُوتَة تَخْرُجُ بِالنَّهارِ

- ‌(42) (بَابُ نَسْخِ مَتَاعِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِمَا فُرِضَ لَهَا مِنَ الْمِيرَاثِ)

- ‌(43) بَابُ إِحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌(44) بَابٌ: في الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَنْتقِل

- ‌(45) بَابُ مَنْ رَأَى التَّحَوُّلَ

- ‌(46) بَابٌ: فِيمَا تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّة في عِدَّتِهَا

- ‌(47) بَابٌ: في عِدَّةِ الْحَامِلِ

- ‌(48) بَابٌ: في عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ

- ‌(49) بَابُ الْمَبْتُوتَةِ لَا يَرْجِع إِلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَنْكِحَ غَيْرَهُ

- ‌(50) بَابٌ: في تَعْظِيمِ الزِّنا

- ‌(8) أَوَّلُ كتَابِ الصِّيَامِ

- ‌(1) مَبْدَأُ فَرْضِ الصِّيَامِ

- ‌(2) بَابُ نَسْخِ قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌(3) بَابُ مَنْ قَالَ: هِيَ مُثْبَتَةٌ للشَّيْخِ وَالْحُبْلَى

- ‌(4) بَابُ الشَّهْرِ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ

- ‌(5) بَابٌ: إِذَا أَخْطَأَ القَوْمُ الْهِلَال

- ‌(6) بَاب: إِذَا أُغْمِيَ الشَّهْرُ

- ‌(7) (بَابُ مَنْ قَالَ: فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثينَ)

- ‌(8) بَابٌ: في التَّقَدُّم

- ‌(9) بَابٌ: إِذا رُؤي الْهِلَالُ في بَلَدٍ قَبْلَ الآخَرِينَ بِلَيْلَةٍ

- ‌(10) (بَابٌ كَرَاهِيَّةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ)

- ‌(11) بَابٌ: فِيمَنْ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ

- ‌(12) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ ذَلِكَ

- ‌(13) بَابُ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّال

- ‌(15) بَابٌ فِى تَوْكِيدِ السُّحُورِ

- ‌(16) (بَابٌ مَنْ سَمَّى السَّحُورَ غَدَاءً)

- ‌(17) بَابُ وَقْتِ السَّحُورِ

- ‌(19) (بَابُ وَقْتِ فِطْرِ الصَّائِمِ)

- ‌(20) بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ تَعْجِيلِ الفِطْرِ

- ‌(21) بَابٌ مَا يُفْطَرُ عَلَيْهِ

- ‌(22) (بَابُ الْقَوْلِ عِنْدَ الإفْطَارِ)

- ‌(23) (الفِطْر قَبْلَ غُرُوبِ الشَمْسِ)

- ‌(24) (فِي الْوِصَالِ)

- ‌(26) بابُ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ

- ‌(27) بَابُ الصَّائِمِ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاء مِنَ الْعَطَشِ وَيُبَالِغُ في الاسْتِنْشَاقِ

- ‌(28) (في الصائِمِ يَحْتَجِمُ)

- ‌(29) (في الرُّخْصَةِ)

- ‌(31) بَابٌ: في الكُحْلِ عِنْدَ النَّوْمِ

- ‌(32) (بَابُ الصَّائِمِ يَسْتَقِيءُ عَامِدًا)

- ‌(33) بَابُ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ

- ‌(34) بَابُ الصَّائِمُ يَبْلَعُ الرِّيقَ

- ‌(38) بَابُ التَّغْلِيظِ فِيمَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا

- ‌(39) بَابُ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا

- ‌(40) بَابُ تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَان

- ‌(41) بَابٌ: فِيمَنْ مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَامٌ

- ‌(42) بَابُ الصَّوْمِ في السَّفَرِ

- ‌(43) بَابُ اخْتِيَارِ الْفِطْرِ

- ‌(44) بَابٌ: فِيمَنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ

- ‌(45) بَابٌ: مَتَى يُفْطِر الْمُسَافِر إِذَا خَرَجَ

- ‌(46) (بَابُ مَسِيرَةِ مَا يُفْطِرُ فِيهِ)

- ‌(47) بَابٌ: فِيمَنْ يَقُولُ: صُمْتُ رَمَضَان كلَّهُ

- ‌(48) (بَابٌ: في صَوْمِ العِيدَيْنِ)

- ‌(49) بَابُ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ

- ‌(50) بَابُ النَّهْي أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ

- ‌(51) (بَابُ النَّهْي أَنْ يُخَصّ يَوْمُ السَّبْتِ بِصَوْمٍ)

- ‌(52) الرُّخْصَةُ في ذَلِكَ

- ‌(53) بَابٌ: في صَوْمِ الدَّهْرِ

- ‌(54) بَابٌ: في صَوْمِ أَشْهُرِ الْحُرُمِ

- ‌(55) بَابٌ: في صَوْمِ الْمُحَرَّمِ

- ‌(56) (بَابٌ: في صَوْمِ شَعْبَانَ)

- ‌(57) بَابٌ: في صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّال

- ‌(58) بَابٌ: كَيْفَ كَانَ يَصُومُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(59) بَابٌ: في صَوْمِ الاثْنينِ وَالْخَمِيس

- ‌(60) بَابٌ: في صَوْمِ الْعَشْرِ

- ‌(61) (في فِطْرِهِ)

- ‌(62) (في صَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ)

- ‌(63) بَابٌ: في صَوْمِ يَوْم عَاشُورَاء

- ‌(64) (مَا رُوِيَ أَنَّ عَاشُورَاءَ اليَوْمُ التَّاسِعُ)

- ‌(65) بَابٌ: في فَضْلِ صَوْمِهِ

- ‌(66) (في صَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرِ يَوْمٍ)

- ‌(67) (بَابٌ: في صَوْمِ الثَّلاثِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ)

- ‌(68) بَابُ مَنْ قَالَ: الاثْنين وَالْخَمِيس

- ‌(69) بَابُ مَنْ قَالَ: لَا يُبَالِي مِنْ أَيّ الشَّهْرِ

- ‌(70) بَابٌ: في النِّيَّةِ في الصَّوْمِ

- ‌(71) بَابٌ: في الرُّخْصَةِ فِيهِ

- ‌(72) بَابُ مَنْ رَأَى عَلَيْهِ الْقَضَاء

- ‌(73) بَابُ الْمَرْأَةِ تَصُومُ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا

- ‌(74) في الصَّائِمِ يُدْعَى إِلَى وَليمَةٍ

- ‌(75) الاعْتِكَافِ

- ‌(76) بَاب: أَيْنَ يَكُونُ الاعْتِكَاف

- ‌(77) الْمُعْتَكِفُ يَدْخُلُ البَيْتَ لِحَاجَتِهِ

- ‌(78) الْمُعْتَكِفُ يَعُودُ الْمَرِيضَ

- ‌(79) بَابٌ: فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَعْتَكِفُ

الفصل: ‌(39) باب: في نفقة المبتوتة

(39) بَابٌ: في نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ

2284 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عن مَالِكٍ، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ

===

وأخرجه الدارمي (1) من حديث إسماعيل بن خليل وإسماعيل بن أبان قالا: ثنا يحيى بن أبي زائدة بسند أبي داود والنسائي، ثم أخرج بسند آخر قال: أخبرنا سعيد بن سليمان، عن هشيم، عن حميد، عن أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها"، قال أبو محمد: كان علي بن المديني أنكر هذا الحديث، قال: وليس عندنا هذا الحديث بالبصرة عن حميد.

قال مولانا الشيخ عبد الغني المهاجر المدني في "إنجاح الحاجة"(2): قال الشيخ الدهلوي في "المدارج": "إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة واحدة، فلما بلغ هذا الخبر عمر رضي الله عنه، فاهتم له، فأوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم: راجع حفصة، فإنها صوَّامة قوَّامة، وهي زوجتك في الجنة".

وأخرج الحاكم في "المستدرك"(3) من طريق عمرو بن عون، ثنا هشيم، أنبأ حميد، عن أنس رضي الله عنه قال:"لما طلق (4) النبي صلى الله عليه وسلم حفصة، أمر أن يراجعها، فراجعها"، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

(39)

(بَابٌ: في نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ)

مشتق من البت، وهو القطع، وهو يشمل طلاق البائن والثلاث، يعني إذا طلق الزوج زوجته طلاقًا بائنًا أو ثلاثًا هل تجب لها في عدتها النفقة على الزوج؟

2284 -

(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن يزيد

(1)"سنن الدارمي"(2268).

(2)

(ص 146).

(3)

"المستدرك"(2/ 197).

(4)

فعلى هذا لا يصح ما في نسخ أبي داود من مولانا: أراد تطليقها. (ش).

ص: 354

مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عن أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمنِ، عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ،

===

مولى الأسود بن سفيان) من شيوخ مالك، ثقة، (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس) بن خالد، القرشية الفهرية، أخت الضحاك بن قيس الأمير، وكانت أسن منه، كانت من المهاجرات الأول، وكانت ذات جمال وعقل، وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى عند قتل عمر، وكانت عند أبي عمرو بن حفص بن المغيرة، فطلقها فتزوجها بعده أسامة بن زيد.

(أن أبا عمرو بن حفص)(1) بن المغيرة، وقيل: أبو حفص بن المغيرة، ويقال: أبو عمرو بن حفص بن عمرو بن المغيرة المخزومي القرشي، اختلف في اسمه، فقيل: أحمد، وقيل: عبد الحميد، وقيل: اسمه كنيته، وأمه درة بنت خزاعي بن الحويرث الثقفي، وكان خرج مع علي إلى اليمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فمات هناك، ويقال: بل رجع إلى أن شهد فتوح (2) الشام، وكانت تحته فاطمة بنت قيس.

(طلقها البتة، وهو غائب) ويخالفه ما أخرجه الطحاوي (3) من حديث الليث، عن أبي زبير المكي، أنه سأل عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن حفص عن طلاق جده أبي عمرو فاطمة بنت قيس، فقال له عبد الحميد:"طلقها البتة، ثم خرج إلى اليمن".

وكذلك أخرج من حديث ابن جريج قال: أخبرني عطاء قال: أخبرني عبد الرحمن بن عاصم بن ثابت: "أن فاطمة بنت قيس أخبرته، وكانت عند رجل من بني مخزوم، فأخبرته أنه طلقها ثلاثًا، وخرج إلى بعض المغازي، وأمر وكيلًا له أن يعطيها بعض النفقة" الحديث.

(1) اختلف في اسم زوج فاطمة، فقيل: هكذا، وقيل: هو عياش بن أبي ربيعة، كذا في "التلقيح"(ص 680). (ش).

(2)

وحكى القولين النووي (9/ 309). (ش).

(3)

"شرح معاني الآثار"(3/ 65).

ص: 355

فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَتَسَخَّطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَئءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهَا:"لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ أمِّ شَرِيك"،

===

ووجه الجمع بينهما أن يقال: طلقها في المدينة، ولم يظهر أمر الطلاق حتى خرج مع علي رضي الله عنه، فوقع النزاع بينها وبين وكيل الزوج في وجوب النفقة، فظهر أمر الطلاق حينئذ، ظن أنه طلقها الآن، أو يقال طلقها ثنتين، ثم خرج إلى اليمن، فأرسل بطلاقها الثالث كما يدل عليه حديث مسلم (1).

(فأرسل إليها وكيله) وهو عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام (بشعير) في نفقة العدة (فتسخطته) أي: سخطت على قلة النفقة بالشعير القليل وما رضيت به.

(فقال) أي الوكيل: (والله مالك علينا من شيء) من النفقة، (فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك) أي الحال (له، فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لها: ليس لك عليه نفقة، وأمرها) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة (إن تعتد) أي تقضي عدتها (في بيت أم شريك).

قال الحافظ في "الإصابة"(2) في ترجمة أم شريك الأنصارية: قيل: هي بنت أنس الماضية، وقيل: هي بنت خالد المذكورة قبلها، وقيل: هي غيرهما، وقيل: هي أم شريك بنت أبي العكر بن سمي (3)، ثم قال: قلت: ولها ذكر في حديث صحيح عند مسلم (4) من رواية فاطمة بنت قيس في قصة الجساسة في

(1) انظر: "صحيح مسلم"(41/ 1480).

(2)

"الإصابة"(4/ 445 - 447).

(3)

في الأصل: "أبي العسكر بن تيمي" وهو تحريف، والصواب:"العكر بن سُمَي". انظر: "الإصابة"(8/ 416) رقم (12101).

(4)

"صحيح مسلم"(2942).

ص: 356

ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي في بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثيَابَكِ، وَإِذَا حَلَلْتِ فَآذنينِي"،

===

حديث تميم الداري، قال فيه:"وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله عز وجل، ينزل عليها الضِّيفان"، ثم قال: يقال: إنها التي أمرت فاطمة بنت قيس أن تعتد عندها، ثم قيل لها:"اعتدي عند ابن أم مكتوم".

ثم قال في ترجمة أم شريك: القرشية العامرية، من بني عامر بن لؤي، وأخرج الحميدي في "مسنده"(1) من رواية مجالد، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: اعتدي عند أم شريك بنت أبي العكر"(2)، وهذا يخالف ما تقدم أنها زوج أبي العكر، ويمكن الجمع بأن تكون كنية والدها وزوجها اتفقا.

ووقع في رواية النسائي (3) من حديث مخلد، ثنا ابن جريج، عن عطاء قال: أخبرني عبد الرحمن بن عاصم: "أن فاطمة بنت قيس أخبرته، وكانت عند رجل من بني مخزوم أنه طلقها ثلاثًا" الحديث، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم:"فانتقلي إلى أم كلثوم، فاعتدي عندها"، ثم قال:"إن أم كلثوم امرأة تكثر عوادها، فانتقلي إلى عبد الله بن أم مكتوم".

(ثم قال: إن تلك امرأة يغشاها أصحابي) لأنها كانت كثيرة الضيفان، عظيمة النفقة في سبيل الله، وخص علي القاري (4) الأصحاب بأقاربها وأولادها، ولا حاجة إلى ذلك، (اعتدي في بيت ابن أم مكتوم) هو عمرو بن أم مكتوم، اختلف في اسمه (فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك) أي في بيته فلا يراك، (وإذا حللت) أي: خرجت من العدة (فآذنيني) أي: أعلميني بالخروج من العدة.

(1)"مسند الحميدي"(1/ 176) رقم (363، 364).

(2)

وفي الأصل: "أبي العسكر"، وهو تحريف.

(3)

"سنن النسائي"(3545).

(4)

انظر: "مرقاة المفاتيح"(6/ 486).

ص: 357

قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، اِنْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ".

قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ:"اِنْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ"، (1) فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ الله تَعَالَى فِيهِ خَيْرًا وَاغْتُبِطْتُ. [م 1480، ن 3552]

===

(قالت) أي فاطمة: (فلما حللت ذكرت له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أن معاوية بن (2) أبي سفيان وأبا جهم) بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي، واسمه عامر، وقيل: عبيد، أسلم عام الفتح، وكان معظمًا في قريش مقدمًا فيهم، فيه وفي بنيه شدة، وهو أحد الذين دفنوا عثمان رضي الله عنه، وهذا أبو جهم هو الذي كان أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها علم، فشغلته في الصلاة، فردها (3) إليه.

(خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه (4) عن عاتقه) أي ضَرَّاب للنساء، (وأما معاوية فصعلوك (5) لا مال له، انكحي (6) أسامة بن زيد، قالت: فكرهته) لأنه كان أسود دميمًا قصيرًا، وكان من الموالي.

(ثم قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيًا: (انكحي أسامة بن زيد، فنكحته، فجعل الله تعالى فيه) أي في أسامة (خيرًا واغتبطت) أي صرت ذات غبطة

(1) زاد في نسخة: "قالت".

(2)

قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 321): اختلفوا هل هو ابن أبي سفيان أو غيره؟ الصحيح هو هو، لرواية مسلم، قلت: لهذه الرواية به جزم السيوطي في "شرح الترمذي". (ش).

(3)

زاد أبو الطيب في "شرح الترمذي" عن النووي: أنه غير صاحب التيمم والمرور في الصلاة. (ش).

(4)

استدل بذلك ابن عابدين: على أن المبالغة ليس بكذب. (ش). (انظر: "رد المحتار" 9/ 705).

(5)

قال ابن رسلان: هذا كان في الابتداء، ثم صار ذا مال كثير. (ش).

(6)

فيه دليل على جواز الخِطبة على الخِطبة إذا لم يتحقق منها الرضاء لأحد، كما في "الأوجز"(11/ 338). (ش).

ص: 358

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

تغتبطني النساء، يقال: غبطته (1) إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ما له بِدَوَامه له، وحسدته إذا اشتهيت لك ما له بزواله عنه.

وهذا الحديث استدل به من قال: إن المبتوتة لا نفقة لها ولا سكنى؛ لأنه وقع في بعض طرق الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها النفقة والسكنى.

واختلف فيه العلماء، فقال بعضهم: لا نفقة لها ولا سكنى، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وداود، وأتباعهم، وقال بعضهم: لا نفقة لها ولها السكنى، وهو قول الشافعي والجمهور، واحتجوا لإثبات السكنى بقوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (2)، ولإسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ، فإن مفهومه أن غير الحامل لا نفقة لها، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى، والسياق يفهم أنها في غير الرجعية؛ لأن نفقة الرجعية واجبة، ولو لم تكن حاملاً.

وذهب عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وأهل الكوفة من الحنفية، وغيرهم إلى وجوب النفقة والسكنى، واستدلوا بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إلى قوله: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} (3).

فإن آخر الآية وهو النهي عن إخراجهن يدل على وجوب النفقة والسكنى.

وحكي في "البحر" عن أحمد بن حنبل أنه قال: إنها تستحق النفقة دون السكنى، واستدلوا على وجوب النفقة بقوله تعالى:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (4) الآية، وبقوله تعالى:{وَلَا تُضَارُّوهُنَّ} (5)، وبأن زوجة المطلقة بائنًا

(1) في الأصل: "غبطه"، وهو تحريف.

(2)

سورة الطلاق: الآية 6.

(3)

سورة الطلاق: الآية 1.

(4)

سورة البقرة: الآية 241.

(5)

سورة الطلاق: الآية 6.

ص: 359

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

محبوسة بسبب الزوج، واستدلوا على عدم وجوب السكنى بقوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} ، فإنه أوجب أن تكون حيث الزوج، وذلك لا يكون في البائنة.

وأما الجواب عن حديث فاطمة فإنه رده عمر رضي الله عنه، وقال:"لا ندع كتاب ربنا وسنَّة نبينا لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت أو نسيت". وقد أنكره أسامة بن زيد، فإنه كان إذا ذكرت فاطمة من ذلك شيئًا رماها بما كان في يده، وكذلك أنكرته عائشة رضي الله عنها، فإنها قالت: ما لفاطمة من خير أن تذكر هذا الحديث، يعني قولها:"لا نفقة لها ولا سكنى".

أخرج الطحاوي (1) هذه الأقاويل، ثم روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن "أن الناس أنكروا عليها ما تُحَدِّث به من خروجها قبل أن تحل"، وقد أنكر عمر بن الخطاب ذلك بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر عليه منهم منكر، فدل تركهم النكير في ذلك عليه أن مذهبهم فيه كمذهبه.

وخلاصة البحث في هذه المسألة أن الزوج تجب عليه نفقة زوجته، يدل على وجوبه الكتاب والسنَّة والإجماع والمعقول. أما الكتاب: فقوله عز وجل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (2)، أي على قدر ما يجده أحدكم من السعة والمقدرة، والأمر بالإسكان أمر بالإنفاق؛ لأنها لا تصل إلى النفقة إلَّا بالخروج والاكتساب.

وفي حرف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم"، وهو نص.

وقوله عز وجل: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} (3) أي: لا تضارُّوهن في

(1)"شرح معاني الآثار"(3/ 67 - 69).

(2)

سورة الطلاق: الآية 6.

(3)

سورة الطلاق: الآية 6.

ص: 360

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الإنفاق عليهن فتضيقوا عليهن النفقة فيخرجن، أو لا تضارُّوهن في المسكن، فتدخلوا عليهن من غير استئذان، فتضيقوا عليهن المسكن فيخرجن.

وقوله عز وجل: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ، وقوله عز وجل:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1)، وقوله عز وجل:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (2) الآية، وقوله عز وجل:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (3)، قيل: هو المهر والنفقة.

وأما السنَّة: فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهم بالمعروف"، أو قال:"يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى"، وقال لهند امرأة أبي سفيان:"خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف"، ولو لم تكن النفقة واجبة، لم يأذن لها بالأخذ من غير إذنه.

وأما الإجماع: فلأن الأمة أجمعت على هذا.

وأما المعقول: فهو أن المرأة محبوسة بحبس النكاح حقًا للزوج ممنوعة عن الاكتساب بحقه، فكان نفع حبسها عائدًا إليه، فكانت كفايتها عليه لقوله صلى الله عليه وسلم:"الخَرَاج بالضَّمان"، ولأنها إذا كانت محبوسة بحبسه ممنوعة عن الخروج للكسب بحقه، فلو لم يكن كفايتها عليه لهلكت، ولهذا جُعل للقاضي رزق في بيت مال المسلمين لحقهم؛ لأنه محبوس لجهتهم ممنوع من الكسب، فجعلت نفقته في مالهم، وهو بيت المال، كذا ها هنا.

واختلف العلماء في سبب وجوب هذه النفقة، قال أصحابنا: سبب وجوبها استحقاق الحبس الثابت بالنكاح للزوج عليها.

(1) سورة البقرة: الآية 233.

(2)

سورة الطلاق: الآية 7.

(3)

سورة البقرة: الآية 228.

ص: 361

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال الشافعي: السبب هو الزوجية، وهو كونها زوجة له، وربما قالوا: السبب هو ملك النكاح للزوج عليها، وربما قالوا: القوَّامية.

واحتج بقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (1) الآية، أوجب النفقة عليهم لكونهم قوامين، والقوامية تثبت بالنكاح، فكانت سبب وجوب النفقة النكاح؛ لأن الإنفاق على المملوك من باب إصلاح الملك واستبقائه، فكان سبب وجوبه الملك.

ولنا: أن حق الحبس الثابت للزوج عليها بسبب النكاح مؤثر في استحقاق النفقة لها عليه لما بينا؛ لأنه قد قوبل بعوض مرة وهو المهر، فلا يقابل بعوض آخر، إذ العوض الواحد لا يقابل بعوضين، ولا حجة له في الآية؛ لأن فيها إثبات القوامية بسبب النفقة لا إيجاب النفقة بسبب القوامية.

وهذه الآيات والأحاديث وإن وردت في الزوجة لكن المعتدة في حكم الزوجة باعتبار أن النكاح قائم من وجه، فإنها محبوسة للزوج، فتستحق النفقة كما كانت تستحقها قبل الفرقة، بل أولى؛ لأن حق الحبس بعد الفرقة تأكد بحق الشرع، وتأكد السبب يوجب تأكد الحكم، فلما وجبت قبل الفرقة فبعدها أولى.

وجملة الكلام أن المعتدة إن كانت معتدة من نكاح صحيح عن طلاق، فإن كان الطلاق رجعيًا فلها النفقة والسكنى بلا خلاف، لأن ذلك النكاح قائم، فكان الحال بعد الطلاق كالحال قبله، وإن كان الطلاق ثلاثًا أو بائنًا فلها النفقة والسكنى إن كانت حاملًا بالإجماع لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (2).

وإن كانت حاملًا، لها النفقة والسكنى عند أصحابنا.

(1) سورة النساء: الآية 34.

(2)

سورة الطلاق: الآية 6.

ص: 362

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال الشافعي: لها السكنى ولا نفقة لها، وقال ابن أبي ليلى: لا نفقة ولا سكنى، واحتجا بقوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (1)، خص الحامل بالأمر بالإنفاق عليها، فلو وجب الإنفاق على غير الحامل لبطل التخصيص.

وروي عن فاطمة بنت قيس، أنها قالت:"طلقني زوجي ثلاثًا، فلم يجعل لي النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى"؛ ولأن النفقة تجب بالملك، وقد زال الملك بالثلاث والبائن، إلَّا أن الشافعي يقول: عرفت وجوب السكنى في الحامل بالنص بخلاف البائن.

ولنا قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (2). وفي قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أسكنوهن من حيث سكنتم، وأنفقوا عليهن من وجدكم"، ولا اختلاف بين القراءتين، لكن إحداهما تفسير للأخرى كقوله عز وجل:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (3)، وقراءة ابن مسعود رضي الله عنه "أيمانهما"، وليس ذلك اختلاف القراءة، بل قراءته تفسير للقراءة الظاهرة، كذا هذا.

ولأن الأمر بالإسكان أمر بالإنفاق؛ لأنها إذا كانت محبوسة ممنوعة عن الخروج لا تقدر على اكتساب النفقة، فلو لم تكن نفقتها على الزوج، ولا مال لها لهلكت، أو ضاق الأمر عليها وعسر، وهذا لا يجوز.

وقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} ، من غير فصل بين ما قبل الطلاق وبعده في العدة؛ ولأن النفقة إنما وجبت قبل الطلاق لكونها محبوسة عن الخروج والبروز لحق الزوج، وقد بقي

(1) سورة الطلاق: الآية 6.

(2)

سورة الطلاق: الآية 6.

(3)

سورة المائدة: الآية 38.

ص: 363

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ذلك الاحتباس بعد الطلاق في حالة العدة، وتأيد بانضمام حق الشرع إليه؛ لأن الحبس قبل الطلاق كان حقًا للزوج على الخلوص، وبعد الطلاق تعلق به حق الشرع حتى لا يباح لها الخروج، وإن أذن لها الزوج بالخروج، فلما وجبت به النفقة قبل التأكد فلأن تجب بعد التأكد أولى.

وأما الآية: ففيها أمر بالإنفاق على الحامل، وأنه لا ينفي وجوب الإنفاق على غير الحامل ولا يوجبه أيضًا، فيكون مسكوتًا موقوفًا على قيام الدليل، وقد قام دليل الوجوب وهو ما ذكرنا.

وأما حديث فاطمة بنت قيس فقد رده عمر رضي الله عنه، فإنه روي: أنها لما روت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة"، قال عمر رضي الله عنه:"لا ندع كتاب ربنا ولا سنَّة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت".

وفي بعض الروايات قال: "لا ندع كتاب ربنا وسنَّة نبينا، ونأخذ بقول امرأة لعلها نسيت أو شبه لها"، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لها السكنى والنفقة".

وقول عمر رضي الله عنه: "لا ندع كتاب ربنا" يحتمل: أنه أراد به قوله عز وجل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} ، ويكون قراءته كقراءة ابن مسعود.

ويحتمل: أنه أراد قوله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (1).

ويحتمل: أنه أراد بقوله: "لا ندع كتاب ربنا" في السكنى خاصة، وهو قوله عز وجل:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (2)، كما

(1) سورة الطلاق: الآية 7.

(2)

سورة الطلاق: الآية 6.

ص: 364

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

هو القراءة الظاهرة. وأراد بقوله رضي الله عنه: "بسنَّة نبينا" ما روي عنه رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لها النفقة والسكنى".

ويحتمل: أن يكون عند عمر رضي الله عنه في هذا تلاوة رفعت عينها، وبقي حكمها، فأراد بقوله:"لا ندع كتاب ربنا" تلك الآية، كما روي عنه أنه قال في باب الزنا: كنا نتلو في سورة الأحزاب: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالًا من الله والله عزيز حكيم"، ثم رفعت التلاوة وبقي حكمها، كذا ها هنا.

وروي: "أن زوجها أسامة بن زيد كان إذا سمعها تتحدث بذلك، حصبها بكل شيء في يده"، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لها:"لقد فتنت الناس بهذا الحديث"، وأقل أحوال إنكار الصحابة على راوي الحديث أن يوجب طعنًا فيه.

ثم قد قيل في تأويله: إنها كانت تبذو على أحمائها، فنقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت ابن أم مكتوم، ولم يجعل لها نفقة ولا سكنى؛ لأنها صارت كالناشزة إذ كان سبب الخروج منها.

وهكذا نقول فيمن خرجت من بيت زوجها في عدتها أو كان منها سبب أوجب الخروج: إنها لا تستحق النفقة ما دامت في بيت غير الزوج، وقيل: إن زوجها كان غائبًا فلم يقض لها بالنفقة والسكنى على الزوج لغيبته، إذ لا يجوز القضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر.

فإن قيل: روي أن زوجها خرج إلى اليمن، وقد كان وكَّل أخاه.

فالجواب: أنه إنما وكله بطلاقها أو بإيصال النفقة، ولم يوكله بالخصومة، "بدائع"(1) ملخصًا.

(1)"بدائع الصنائع"(3/ 417 - 419، 429).

ص: 365

2285 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل، نَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي (1) أَبُو سلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَسَاقَ الْحَدِيثَ فِيهِ: وَأَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَنَفَرًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَتَوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَإِنَّهُ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً يَسِيرَةً، فَقَالَ:"لَا نَفَقَةَ لَهَا". وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَتَمُّ. [م 1480، ن 3551]

2286 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، نَا الْوَلِيدُ، نَا أَبُو عَمْرٍو، عن يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ،

===

2285 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا أبان بن يزيد العطار، حدثنا يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن فاطمة بنت قيس حدثته، أن أبا حفص بن المغيرة)، وقد تقدم أنه اختلف في اسم زوج فاطمة بنت قيس، فالأكثر على أن اسمه أبو عمرو بن حفص بن المغيرة، وقيل: اسمه أبو حفص بن المغيرة.

(طلقها ثلاثًا، وساق) أي يحيى بن أبي كثير (الحديث فيه) أي وفي الحديث: (وأن خالد بن الوليد ونفرًا) أي: جماعة، وهو ما دون العشرة من الرجال (من بني مخزوم) قبيلة من قريش (أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله، إن أبا حفص بن المغيرة طلق امرأته ثلاثًا)، وفي الرواية المتقدمة:"طلقها البتة"(وإنه ترك لها نفقة يسيرة) أي قليلة (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نفقة لها، وساق) أي يحيى بن أبي كثير (الحديث، وحديث مالك أتم) أي من حديث يحيى بن أبي كثير.

2286 -

(حدثنا محمود بن خالد، نا الوليد) بن مسلم القرشي، (نا أبو عمرو) الأوزاعي، (عن يحيى) بن أبي كثير، (حدثني أبو سلمة،

(1) في نسخة: "أخبرني".

ص: 366

حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ الْمَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَخَبَرَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ وَلَا مَسْكَنٌ". قَالَ فِيهِ: وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنْ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ"[انظر الحديث السابق]

2287 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عن يَحْيَى، عن أَبِي سَلَمَةَ،

===

حدثتني فاطمة بنت قيس، أن أبا عمرو بن حفص المخزومي طلقها ثلاثًا، وساق) أي الأوزاعي (الحديث، وخبر خالد بن الوليد) بالنصب عطفًا على الحديث، أي وساق خبر خالد بن الوليد، وهو الذي تقدم أن خالد بن الوليد ونفرًا من بني مخزوم، الحديث.

(قال) أي الأوزاعي في هذا الحديث: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليست لها نفقة ولا مسكن) فزاد: "ولا سكن"(قال) أي الأوزاعي (فيه) أي في الحديث: (وأرسل إليها) أي فاطمة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) رسالة وهي (أن لا تسبقيني بنفسك) أي لا تَعِدِي أحدًا بالنكاح قبل مشورتي، وهو من باب التعريض للخطبة، ولا بأس بذلك، كما ورد في التنزيل من قوله تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (1) الآية.

2287 -

(حدثنا قتيبة بن سعيد، أن محمد بن جعفر حدثهم، نا محمد بن عمرو، عن يحيى، عن أبي سلمة)، هكذا في النسخة المجتبائية، والقادرية، ونسخة "العون"، والكانفورية، وأما في النسخة المكتوبة:"نا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة"، ثم كتب على الحاشية بين "محمد بن عمرو" وبين لفظ "عن أبي سلمة" لفظ:"عن يحيى".

وأخرج مسلم هذا الحديث من طريق محمد بن بشر قال: نا محمد بن عمرو قال: نا أبو سلمة، ولم يذكر "يحيى" بينهما.

(1) سورة البقرة: الآية 235.

ص: 367

عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَطَلَّقَنِي الْبَتَّةَ، ثُمَّ سَاقَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، قَالَ فِيهِ:"وَلَا تُفَوِّتِينِي بِنَفْسِكِ". [انظر الحديث السابق]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ، وَالْبَهِيُّ، وَعَطَاءٌ

===

وكذا أخرج الإِمام أحمد (1) هذا الحديث بهذا السند: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، ولم يذكر بينهما يحيى، والذي أظن أن ما في النسخ من ذكر يحيى بين محمد بن عمرو وبين أبي سلمة غلط من الكاتب، فإن محمد بن عمرو بن علقمة يروي عن أبي سلمة بغير واسطة، فإن الحافظ ذكر في "تهذيب التهذيب"(2) في ترجمة محمد بن عمرو في شيوخه أبا سلمة، ولم يذكر في شيوخه يحيى بن أبي كثير، وكذلك في ترجمة يحيى بن أبي كثير (3)، لم يذكر في تلاميذه محمد بن عمرو بن علقمة.

(عن فاطمة بنت قيس قالت: كنت عند رجل) وهو أبو عمرو بن حفص المتقدم (من بني مخزوم) أي في نكاحه، (فطلقني البتة، ثم ساق) أي محمد بن عمرو (نحو حديث مالك، قال) أي محمد بن عمرو (فيه) أي في الحديث: (ولا تفوتيني) أي بعد تمام العدة (بنفسك) بل شاوريني في نكاحك إذا أردت النكاح بعد العدة.

(قال أبو داود: وكذلك رواه الشعبي)، وسيخرج المصنف روايته بعد هذه الرواية متصلًا (4)، (والبهي) هو عبد الله بن يسار، وهو يعرف بالبهي لبهائه وجماله، أخرج حديثه مسلم في "صحيحه"(5)، (وعطاء) بن أبي رباح

(1)"مسند أحمد"(6/ 413).

(2)

"تهذيب التهذيب"(9/ 375).

(3)

"تهذيب التهذيب"(11/ 268).

(4)

برقم (2288).

(5)

برقم (1480)، وأيضًا أخرجه أحمد في "مسنده"(6/ 412)، والبيهقي (7/ 474).

ص: 368

عن عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَاصِم، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ، كُلُّهُمْ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ:"أَنَّ زَوْجَهَا طَلقهَا ثَلَاثًا".

2288 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثيرٍ، أَنَا سُفْيَانُ، نَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عن الشَّعْبِيِّ، عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ:"أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى". [م 1480، ت 1180، جه 2024، حم 6/ 373]

2289 -

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ، نَا اللَّيْثُ، عن عُقَيْلٍ، عن ابْنِ شِهَابٍ، عن أَبي سَلَمَةَ، عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ أبِي حَفْصِ بْنِ الْمُغِيْرَةِ، وَأَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ

===

(عن عبد الرحمن بن عاصم) بن ثابت، وأخرج حديثه النسائي في "المجتبى"(1)، (وأبو بكر بن أبي الجهم) هو أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم العدوي، وقد ينسب إلى جده، كان قليل الحديث، وكان فقيهًا ثقة، أخرج حديثه مسلم في "صحيحه" (2) (كلهم عن فاطمة بنت قيس) قالوا:(إن زوجها طلقها ثلاثًا) أي ولم يقولوا لفظ: "البتة".

2288 -

(حدثنا محمد بن كثير، أنا سفيان، نا سلمة بن كهيل، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس: أن زوجها طلقها ثلاثًا، فلم يجعل لها) أي لفاطمة (النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى).

2289 -

(حدثنا يزيد بن خالد الرملي، نا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس، أنها أخبرته) أي أبا سلمة (أنها) أي فاطمة بنت قيس (كانت عند أبي حفص بن المغيرة، وأن أبا حفص بن

(1)"سنن النسائي"(6/ 207)، وأيضًا أخرجه أحمد في "مسنده"(6/ 414).

(2)

برقم (1480)، وأيضًا أخرجه أحمد في "مسنده"(6/ 411)، والترمذي (1135)، والنسائي (6/ 150)، وابن ماجه (2035)، وابن حبان (4254)، والبيهقي (7/ 181).

ص: 369

الْمُغِيرَةِ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَفْتَتْهُ في خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، فَأَبَى مَرْوَانُ أَنْ يُصَدِّقَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ في خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ بَيْتِهَا. قَالَ عُرْوَةُ: أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. [م 1480، ن 3546]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، كُلُّهُمْ عن الزُّهْرِيِّ.

===

المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات) أي طلاقًا آخر ثلاث تطليقات كان باقية لها، وقد كان طلقها تطليقتين قبل.

(فزعمت أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتته في خروجها من بيتها، فأمرها أن تنتقل إلى ابن مكتوم الأعمى)، واختلف في سبب خروجها من بيت زوجها، فقيل: كانت تبذو على أحمائها، وقيل: تخوَّفت عن الاقتحام عليها (فأبى مروان أن يصدق حديث فاطمة في خروج المطلقة من بيتها)؛ لأنه ورد في التنزيل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} (1)، فسكونها في بيتها كان واجبًا عليها بهذه الآية، (قال عروة: أنكرت عائشة على فاطمة بنت قيس)، هذا التعليق (2) وصله مسلم في "صحيحه"(3).

(قال أبو داود: وكذلك) أي كما رواه عقيل (رواه صالح بن كيسان (4)، وابن جريج (5)، وشعيب بن أبي حمزة، كلهم عن الزهري،

(1) سورة الطلاق: الآية 1.

(2)

قوله: "هذا التعليق" كذا في الأصل، والظاهر أن قول عروة موصول بالإسناد السابق عن الزهري، فليتأمل.

(3)

برقم (40/ 1480).

(4)

أخرج روايته مسلم في "صحيحه"(1480).

(5)

أخرج روايته عبد الرزاق في "مصنفه"(7/ 20) رقم (12022، 12023).

ص: 370

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَاسْمُ أَبِي حَمْزَةَ دِينَارٌ، وَهُوَ مَوْلَى زِيادٍ.

2290 -

حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: أَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى فَاطِمَةَ، فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ أَبِي حَفْصٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَّرَ عَليَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- يَعْنِي عَلَى بَعْضِ الْيَمَنِ- فَخَرَجَ مَعَهُ زَوْجُهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا، وَأَمَرَ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ

===

قال أبو داود: شعيب بن أبي حمزة، واسم أبي حمزة دينار، وهو مولى زياد).

2290 -

(حدثنا مخلد بن خالد، نا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله قال: أرسل مروان) أي: قبيصة بن ذؤيب (إلى فاطمة، فسألها) أي مروان فاطمة، (فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص) بن المغيرة (وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمَّر) من باب التفعيل (علي بن أبي طالب، يعني على بعض اليمن).

قال أهل التاريخ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل خالد بن الوليد قبل حجة الوداع في ربيع الأول، أو الآخر، أو جمادى الأولى سنة عشر إلى عبد المدان قبيلة بنجران، ثم كتب إليه أن ارجع إلى المدينة، ثم بعث عليًا بعد ذلك مكانه، وعقد له لواء، وعمَّمه بيده، فخرج علي في ثلاث مائة فارس، ثم قفل فوافى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، قد قدمها للحج سنة عشر.

(فخرج معه) أي علي بن أبي طالب (زوجها) أي زوج فاطمة بنت قيس أبو عمرو بن حفص (فبعث إليها) أي إلى فاطمة بنت قيس (بتطليقة) أي ثالثة كانت) أي التطليقة (بقيت لها) من ثلاث تطليقات، فإنه طلقها تطليقتين قبل ذلك (وأمر) زوج فاطمة أبو عمرو بن حفص (عياش بن أبي ربيعة) واسمه عمرو ذو الرمحين، ابن المغيرة بن عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن المخزومي، كان أحد المستضعفين، وهاجر الهجرتين، وهو أحد من كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له

ص: 371

وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ أَنْ يُنْفِقَا عَلَيْهَا، فَقَالَا (1): وَاللهِ مَا لَهَا نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فأَتَتِ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"لَا نَفَقَةَ لَكِ إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا"

===

بالنجاة من المستضعفين في القنوت، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم مكة، وأرَّخ ابن قانع والقراب وغيرهما وفاته سنة خمس عشرة.

(والحارث بن هشام) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو عبد الرحمن المكي، أخو أبي جهل، أسلم يوم الفتح، وخرج إلى الشام مجاهدًا، فقتل يوم اليرموك، وذكر ابن سعد (2) وغيره أنه توفي في طاعون عمواس سنة 18 هـ.

(أن ينفقا عليها) أي فاطمة بنت قيس، فنازعتهما وتقالَّتْها، (فقالا: والله ما لها نفقة إلَّا أن تكون حاملًا) ولعل قولهما هذا كان اجتهادًا منهما مستنبطًا من قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} (3)، (فأتت) أي فاطمة بنت قيس (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا نفقة لك إلَّا أن تكوني حاملًا).

وقد تقدم من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن فاطمة بنت قيس حدثته: أن خالد بن الوليد ونفرًا من بني مخزوم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله، إن أبا حفص بن المغيرة طلق امرأته ثلاثًا، وإنه ترك لها نفقة يسيرة، فقال:"لا نفقة لها".

والعجب كل العجب أن جماعة المخزوميين سمعوا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا نفقة لها"، ولم يرو أحد منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بذلك، مع أن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وافق اجتهادهم، فلا يظن بهم أنهم نسوا ذلك.

(1) في نسخة: "فقالا: لا والله".

(2)

"طبقات ابن سعد"(5/ 5).

(3)

سورة الطلاق: الآية 6.

ص: 372

وَاسْتَأْذَنَتْهُ (1) في الاِنْتِقَالِ، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: أَيْنَ أَنْتَقِلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ (2) رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ" وَكَانَ أَعْمَى، تَضَعُ ثِيَابَهَا عِنْدَهُ وَلَا يُبْصِرُهَا، فَلَمْ تَزَلْ هُنَاكَ (3) حَتَّى مَضَتْ عِدَّتُهَا، فَأَنْكَحَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ، فَرَجَعَ قَبِيصَةُ إِلَى مَرْوَانَ، فَأَخْبَرَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ نسْمَعْ (4) هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ امْرَأَةٍ

===

(واستأذنته) أي فاطمة بنت قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم (في الانتقال) أي من بيت زوجها (فأذن لها، فقالت) أي فاطمة: (أين أنتقل يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عند ابن أم مكتوم، وكان أعمى، تضع ثيابها عنده ولا يبصرها، فلم تزل هناك) أي عند ابن أم مكتوم (حتى مضت عدتها، فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة) بن زيد.

(فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره ذلك) أي الخبر، (فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلَّا من امرأة) أي واحدة.

فإن قلت: كثير من الأحاديث روي عن النساء، عن عائشة رضي الله عنها وغيرها، وتلقتها الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بالقبول، فكيف جاز لمروان أن يرد الحديث الذي بلغته فاطمة بنت قيس؟

فالجواب عنه: أن مروان لما علم أن الحديث ورد في قصة شاعت في ذلك العصر، وقضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يروه إلَّا امرأة واحدة منهم، وقد سمعوا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم علم أن الناس كلهم قالوا بخلاف ذلك، فظن أن الإجماع خالف ذلك الحديث، فلم يقبله.

(1) في نسخة: "فاستأذنته".

(2)

في نسخة: "قال".

(3)

في نسخة: "هنالك".

(4)

في نسخة: "لم أسمع".

ص: 373

فَسَنَأخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَهَا ذَلِكَ: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، قَالَ الله:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} حَتَّى (1){لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} ، قَالَتْ: فَأَيُّ أَمْرٍ يُحْدِثُ بَعْدَ الثَّلاثِ؟ ". [م 1480، ن 3552]

===

(فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها) هو بكسر العين، أي بالثقة والأمر القوي الصحيح (فقالت فاطمة حين بلغها ذلك) أي قول مروان من رد حديثها:(بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2) حتى) أي إلى قوله تعالى: ({لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} قالت) أي فاطمة: (فأي أمر يحدث بعد الثلاث؟ ).

قد احتجت فاطمة بنت قيس صاحبة القصة على مروان حين بلغها إنكاره بقولها: "بيني وبينكم كتاب الله"، وقرأت أول سورة الطلاق. وحاصل استدلالها أن قوله تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} ورد في المطلقة الرجعية، فإنه تعالى يقول في آخر ذلك:{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} ، فالمراد بإحداث الأمر هو أن يلقي في قلبه الرغبة إليها فيراجعها. وهذا يدل على أن النهي عن الخروج والإخراج كانت في الطلاق الرجعي.

فأما إذا طلقها ثلاثًا، أو أبانها، فما بقي له عليها من شيء حتى يحدث الله بعد الإبانة أمرًا، فقالت: هذا الحكم إذا كانت له عليها مراجعة.

وأما إذا طلقها ثلاثًا، فأي أمر يحدث بعد الثلاث؟ وإذا لم يكن لها نفقة، وليست حاملًا، فعلى ما تحبسونها في بيت الزوج، فيجوز لها الخروج؟ .

وقد وافق فاطمة على أن المراد بقوله تعالى: {يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} المراجعة: قتادة، والحسن، والسُّدِّي، والضحاك، أخرجه الطبري (3) عنهم،

(1) في نسخة: "بلغ".

(2)

سورة الطلاق: الآية 1.

(3)

انظر: "تفسير الطبري"(28/ 152).

ص: 374

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ، عن الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا الزُّبَيْدِيُّ فَرَوَى الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا: حَدِيثَ عُبَيْدِ اللهِ بِمَعْنَى مَعْمَرٍ، وَحَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ بِمَعْنَى عُقَيلٍ.

وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عن الزُّهْرِيٍّ، أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤيبٍ حَدَّثَهُ بِمَعْنَى دَلَّ عَلَى خَبَرِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الله

===

وحكى غيره أن المراد بالأمر ما يأتي من قِبل الله تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك، فلم ينحصر ذلك في المراجعة.

وأما قولها: إذا لم تكن لها نفقة فعلى ما تحبسونها؟ ، فأجاب بعض العلماء عنه: بأن السكنى التي تتبعها النفقة هو حال الزوجية الذي يمكن معه الاستمتاع، ولو كانت رجعية، وأما السكنى بعد البينونة فهو حق لله تعالى، بدليل أن الزوجين لو اتفقا على إسقاط العدة لم تسقط بخلاف الرجعية، فدل على أن لا ملازمة بين السكنى والنفقة، وهذا الجواب على مذهب الشافعي رحمه الله.

وأما على مذهب الحنفية: فالإشكال ليس بوارد عليهم، فإنهم أوجبوا النفقة والسكنى، فلا يرد عليهم ما يرد على الشافعية.

(قال أبو داود: وكذلك) أي كما روى معمر عن الزهري (رواه يونس عن الزهري، وأما الزبيدي)(1) أي محمد بن الوليد (فروى الحديثين جميعًا، حديثَ عبيد الله بمعنى حديث معمر، وحديثَ أبي سلمة بمعنى) حديث (عقيل) ولفظ حديث عبيد الله وحديث أبي سلمة منصوب بدل من لفظ "الحديثين".

(ورواه) أي حديث فاطمة بنت قيس (محمد بن إسحاق، عن الزهري، أن قبيصة بن ذؤيب حدثه) أي الزهري (بمعنى دل على خبر عبيد الله بن عبد الله

(1) رواية الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله، أخرجه النسائي في "سننه"(6/ 62).

ص: 375

حِينَ قَالَ: فَرَجَعَ قَبِيصَةُ إِلَى مَرْوَانَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ (1).

===

حين قال) أي عبيد الله بن عبد الله: (فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك).

حاصل هذا الكلام أن أبا داود أخرج أولًا حديث عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس، أنها ذكرت قصة طلاقها، ثم قالت: فأبى مروان أن يصدق حديث فاطمة في خروج المطلقة من بيت زوجها، وهذا الحديث لا يدل إلَّا على أن مروان أنكر قبول حديثها، وأبى أن يصدقها، ولم يعلم منه أن فاطمة بنت قيس شافهت مروان بالحديث أو بلغه بالواسطة.

ثم أخرج حديث معمر، عن الزهري، عن عبيد الله، وفيه تصريح بأن مروان أرسل قبيصة إلى فاطمة، فسألها قبيصة فأخبرته بقصتها، فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك، أي بما روته من القصة.

ثم قال أبو داود بعد تخريج رواية عقيل عن الزهري، ورواية معمر عن الزهري: بأن يونس روى هذا الحديث عن الزهري، ووافق معمرًا في روايته، ولم يوافق عقيلًا.

وأما الزبيدي وهو من كبار أصحاب الزهري، فروى الحديثين، أي روى عن الزهري موافقًا لما روى معمر عن الزهري، عن عبيد الله، وأيضًا روى موافقًا لما روى عقيل عن الزهري، عن أبي سلمة.

ثم يقول أبو داود: إن هذا الحديث رواه محمد بن إسحاق، عن الزهري من حديث قبيصة بن ذؤيب أن قبيصة حدث الزهري موافقًا بمعنى دل هذا المعنى على صحة خبر عبيد الله بن عبد الله حين قال، أي عبيد الله بن عبد الله:"فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك".

وحديث محمد بن إسحاق عن الزهري، أخرجه الإِمام أحمد في "مسنده" (2): حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يعقوب قال: حدثنا أبي،

(1) في نسخة: "ذلك".

(2)

"مسند أحمد"(6/ 415)، وأيضًا أخرجه الطبراني في "معجمه"(24/ 927).

ص: 376

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عن ابن إسحاق، قال: وذكر محمد بن مسلم الزهري، أنَّ قَبيصَة بن ذؤيب حدثه:"أن بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، وكانت فاطمة بنت قيس خالتها، وكانت عند عبد الله بن عمرو بن عثمان طلَّقها ثلاثًا، فبعثت إليها خالتها فاطمة بنت قيس فَنَقَلَتها إلى بيتها، ومروان بن الحكم على المدينة. قال قَبِيصَة: فبعثني إليها مروان، فسألتها ما حملها على أن تُخْرج امرأة من بيتها قبل أن تنقضي عدتها؟ قال: فقالت: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بذلك، قال: ثم قَصَّت عليَّ حديثها، ثم قالت: وأنا أُخُاصِمُكم بكتاب الله يقول الله عز وجل في كتابه: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} إلى {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (1)، ثم قال عز جل: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}، الثالثة: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِحُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (2)، والله ما ذكر الله بعد الثالثة حبْسًا مَعَ ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فرجعت إلى مروان، فأخبرته خَبَرها، فقال: حديث امْرأة، حديث امرأة، قال: ثم أمَرَ بالمرأة، فرُدَّتْ إلى بيتها حتى انقضت عدتها".

فالحاصل: أن حديث عقيل عن الزهري، وأحد حديثي الزبيدي فيهما اختصار وسقوط؛ لأنه لم يذكر فيهما أن مروان أخذ حديث فاطمة بنت قيس منها بواسطة قبيصة بن ذؤيب، وحديث معمر عن الزهري أتم منهما، فإنه يؤيده حديث يونس عن الزهري، وأحد حديثي الزبيدي، وكذلك يؤيده ما رواه محمد بن إسحاق عن الزهري أن قبيصة بن ذؤيب بنفسه حدث الزهري بمثل ما حدثه عبيد الله بن عبد الله، فهذه الطرق تقوي وترجح حديث معمر عن الزهري عن عبيد الله.

(1) سورة الطلاق: الآية 1.

(2)

سورة البقرة: الآية 231.

ص: 377