الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(33) بَابٌ: في وُجُوهِ النِّكَاحِ الَّتِي كَانَ يَتَنَاكَحُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ
(1)
2272 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا عَنْبَسَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَاب: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: "أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ في الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءَ:
===
(33)
(بَابٌ: في وُجُوهِ النِّكَاحِ) أي طرقه وأنواعه (الَّتِي كَانَ يَتَنَاكَحُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ)
2272 -
(حدثنا أحمد بن صالح، نا عنبسة بن خالد، حدثني يونس بن يزيد قال: قال محمد بن مسلم بن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة (2) رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء) جمع نحو، أي: ضرب، وزنًا ومعنى، ويطلق النحو أيضًا على الجهة والنوع، وعلى العلم المعروف اصطلاحًا.
قال الداودي وغيره: بقي عليها أنحاء لم تذكرها.
الأول: نكاح الخدن، وهو في قوله تعالى:{وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (3) يقولون: ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لوم.
الثاني: نكاح المتعة.
الثالث: نكاح البدل. وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة: "كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: أنزل لي عن امرأتك، وأنزل لك
(1) في نسخة: "باب وجوه النكاح الذي يلحق به أولاد البغايا في الجاهلية".
(2)
الحديث أخرجه البخاري، والدارقطني (3/ 216 - 319) ذكر الاختلاف فيه، وبعضهم ذكروا فيه الاسترضاع محل الاستبضاع. (ش).
(3)
سورة النساء: الآية 25.
فَنِكَاحٌ مِنْهَا: نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ، يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَليَّتَهُ، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يُنْكِحُهَا.
وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِنْ أَحَبَّ، وإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً
===
عن امرأتي وأزيدك"، ولكن إسناده ضعيف جدًا، قاله الحافظ (1).
(فنكاح منها: نكاح الناس اليوم) أي كما ينكح في هذا الوقت، كذلك ينكح في الجاهلية، وتفسيره:(يخطب الرجل إلى الرجل) الولي (وليته، فيصدقها) أي يعين الولي صداقها (ثم ينكحها) أي يعقد عليها.
(ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته: إذا طهرت) بصيغة الغائبة (من طمثها) بفتح المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة، أي حيضها، وكان السِرُّ في ذلك أن يسرع علوقها منه (أرسلي إلى فلان) أي: أرسلي إليه رسالة للاستبضاع (فاستبضعي منه) بموحدة بعدها ضاد معجمة، أي اطلبي منه المباضعة، وهو الجماع لتحملي منه. والمباضعة: المجامعة، مشتقة من البضع وهو الفرج.
(ويعتزلها زوجها) بعد الاستبضاع (ولا يمسها) أي: لا يجامعها (أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه) وإنما لا يمسها إلى تبين الحمل، لئلا يشك في نسب الولد أنه من الزوج أو من الرجل المستبضع منه؛ فإذا تبين حملها من الرجل المستبضع منه، لم يبق ريب في أن الولد من المستبضع منه.
(فإذا تبين حملها أصابها) أي جامعها (زوجها إن أحب، وإنما يفعل) بصيغة المعلوم، أي: الزوج، أو بصيغة المجهول (ذلك) أي: الاستبضاع (رغبةً
(1)"فتح الباري"(9/ 184).
في نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ يُسَمَّى: نِكَاحَ الاسْتِبْضَاعِ.
وَنكَاحٌ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ دُونَ الْعَشَرَةِ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ، وَمَرَّ لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِع حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، فَتَقُولُ لَهُم: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ، وَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ، فتُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ، فيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا.
وَنِكَاح رَابِعٌ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ
===
في نجابة الولد) لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة والكرم أو غير ذلك، (فكان هذا النكاح يُسمَّى: نكاح الاستبضاع) بالنصب والتقدير يسمى، وبالرفع أي هو.
(ونكاح آخر: يجتمع الرهْط) أي الجماعة (دون العشرة) ولما كان هذا النكاح يجتمع عليه أكثر من واحد، كان لا بد من الضبط العدد الزائد لئلا ينتشر (فيدخلون على المرأة) أي واحد بعد واحد (كلهم يصيبها) أي يطأها في نوبته؛ والظاهر أن ذلك إنما يكون رضًا منها، وتواطؤ بينهم وبينها.
(فإذا حملت ووضعت) أي الحمل، (ومر ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم) أي رسالة تدعوهم، (فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع) عن المجيء إليها، فيحضرونها (حتى يجتمعوا) أي كلهم (عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت) بصيغة المتكلم (وهو ابنك يا فلان) أي لواحد منهم هذا إن كان ذكرًا، فلو كانت أنثى لقالت: هي ابنتك، (فتُسمِّي من أحبَّتْ منهم باسمه، فيلحق به) أي بالرجل الذي سمته (ولدها).
(ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها، وهن البغايا) أي الزواني (كن يَنصبن علي أبوابهن رايات
تَكُنْ (1) عَلَمًا لَمِنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا (2) لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَة، ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَهُ، وَدُعِيَ ابْنَهُ، لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ.
فَلَمَّا بَعَثَ الله مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم هدَمَ نِكَاحَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ أَهْلِ الإِسْلَامِ الْيَوْمَ". [خ 5127]
===
تكن) أي تلك الرايات (علمًا) أي علامة (لمن أرادهن)، وفي رواية:"فمن أرادهن".
قال الحافظ (3): وقد ساق هشام بن الكلبي في "كتاب المثالب" أسامي صواحبات الرايات في الجاهلية، فسمَّى منهن أكثر من عشر نسوة مشهورات.
(دخل عليهن، فإذا حملت فوضعت حملها، جمعوا) أي: اجتمعوا (لها، ودعوا لهم القافة) جمع قائف، بقاف ثم فاء، وقد تقدَّم تفسيره (ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون) أي على لسان القائف (فالتاطه) أي استلحقه به، وأصل اللَّوْط بفتح اللام: اللصوق، (ودُعي ابنه، لا يمتنع من ذلك).
(فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم هدَم نكاح أهل الجاهلية كله)، وفيه نزل قوله تعالى:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (4)، أي: حرم ذلك النكاح الذي ينكح الزناة والزواني على رسم الجاهلية (إلَّا نكاح أهل الإسلام اليوم) وهو أن يخطب الرجل إلى الرجل فيزوجه، احتج بهذا على اشتراط الولي، والجواب عنه: أنه ليس في الحديث لفظ يدل على اشتراطه، بل فيه بيان العادة على الأغلب.
(1) في نسخة: "يكن".
(2)
في نسخة: "أجمعوا".
(3)
"فتح الباري"(9/ 185).
(4)
سورة النور: الآية 3.