المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(27) باب: في اللعان - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٨

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(26) بَابٌ في الاكْفَاءِ

- ‌(27) بَابٌ: في تَزْوِيجِ مَنْ لَمْ يُولَدْ

- ‌(28) بَابُ الصَّدَاقِ

- ‌(29) بَابُ قِلَّةِ الْمَهْرِ

- ‌(30) بَابٌ: في التَّزْوِيجِ عَلَى الْعَمَلِ يُعْمَلُ

- ‌(31) بابٌ: فِيمَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يُسَمِّ صَدَاقًا حَتَّى مَاتَ

- ‌(32) بَابٌ: في خُطْبَةِ النِّكَاحِ

- ‌(33) بابٌ: فِى تَزْوِيجِ الصِّغَارِ

- ‌(34) بابٌ: فِى الْمَقَامِ عِنْدَ الْبِكْرِ

- ‌(35) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَدْخُلُ بِامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهَا

- ‌(36) بَابٌ: في مَا يُقَالُ لِلْمُتَزَوِّج

- ‌(37) بَابُ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَة فيَجِدُهَا حُبْلَى

- ‌(38) بَابٌ: في الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ

- ‌(39) (بَابٌ: في الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا)

- ‌(40) بَابٌ: في حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ

- ‌(41) بَابٌ: في حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا

- ‌(42) بَابٌ: في ضَرْبِ النِّسَاءِ

- ‌(43) بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ

- ‌(44) بَابٌ: في وَطْءِ السَّبَايَا

- ‌(45) بَابٌ: في جَامِعِ النِّكَاح

- ‌(46) بَابٌ: في إِتْيَانِ الْحَائِضِ وَمُبَاشَرَتِهَا

- ‌(47) بَابٌ: في كفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا

- ‌(48) بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ

- ‌(49) بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ ذِكْرِ الرَّجُل مَا يَكُونُ مِنْ إِصَابَتِهِ أَهْلَهُ

- ‌(7) أَوَّلُ كِتاَبِ الطَّلَاق

- ‌(1) بَابٌ: فِيمَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا

- ‌(2) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَسْاَلُ زَوْجَهَا طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ

- ‌(3) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ الطَّلَاقِ

- ‌(4) بَابٌ: في طَلَاقِ السُّنَّةِ

- ‌(5) بَابٌ: في نَسْخِ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلاثِ

- ‌(6) بَابٌ: في سُنَّةِ طَلَاقِ الْعَبْدِ

- ‌(7) بَابٌ: في الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ

- ‌(8) بَابٌ: في الطَّلَاقِ عَلَى غَلَطٍ

- ‌(9) بَابٌ: في الطَّلَاقِ عَلَى الْهَزْلِ

- ‌(10) بَابُ بَقِيَّة نَسْخِ الْمُرَاجَعَة بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ

- ‌(11) بَابٌ: فِيمَا عُنِيَ بِهِ الطَّلَاقُ، وَالنِّيَّاتُ

- ‌(12) بَابٌ: في الْخَيَارِ

- ‌(13) بَابٌ: في "أَمْرُكِ بِيَدِكِ

- ‌(14) بَابٌ: في الْبَتَّةِ

- ‌(15) بَابٌ: في الْوَسْوَسَةِ بِالطَّلَاقِ

- ‌(16) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ: "يَا أُخْتِي

- ‌(17) بَابٌ: في الظِّهَارِ

- ‌(18) بَابٌ: في الْخُلْعِ

- ‌(19) بَابٌ: في الْمَمْلُوكَةِ تُعْتَقُ وَهِيَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ

- ‌(20) بَابُ مَنْ قَالَ: كَانَ حُرًّا

- ‌(21) (بَابٌ: حَتَّى مَتَى يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ

- ‌(22) بَاب: في المَمْلُوكيْن يُعْتَقَانِ مَعًا، هَلْ تُخَيَّرُ امْرَأَتُهُ

- ‌(23) بَابٌ: إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَينِ

- ‌(24) بَابٌ: إِلَى مَتَى تُرَدُّ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهَا

- ‌(25) بَابٌ: في مَنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ أَكثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ

- ‌(27) بَابٌ: في اللِّعَانِ

- ‌(28) بَابٌ: إِذَا شَكَّ في الْوَلَدِ

- ‌(29) بَابُ التَّغْلِيظِ في الانْتِفَاءِ

- ‌(30) بَابٌ: في ادِّعَاءِ وَلَدِ الزِّنَا

- ‌(31) بَابٌ: في الْقَافَةِ

- ‌(32) بَابُ مَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ إِذَا تَنَازَعُوا في الْوَلَدِ

- ‌(33) بَابٌ: في وُجُوهِ النِّكَاحِ الَّتِي كَانَ يَتَنَاكَحُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌(34) بَابٌ "الْوَلَدُ لِلفِرَاش

- ‌(35) بَابُ مَنْ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ

- ‌(36) بَابٌ: في عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ

- ‌(37) بَابٌ: في نَسْخِ مَا اسْتُثْنِي بِهِ مِنْ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَاتِ

- ‌(38) بَابٌ: في الْمُرَاجَعَةِ

- ‌(39) بَابٌ: في نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ

- ‌(40) بَابُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَة

- ‌(41) بَابٌ: في الْمَبْتُوتَة تَخْرُجُ بِالنَّهارِ

- ‌(42) (بَابُ نَسْخِ مَتَاعِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِمَا فُرِضَ لَهَا مِنَ الْمِيرَاثِ)

- ‌(43) بَابُ إِحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌(44) بَابٌ: في الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَنْتقِل

- ‌(45) بَابُ مَنْ رَأَى التَّحَوُّلَ

- ‌(46) بَابٌ: فِيمَا تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّة في عِدَّتِهَا

- ‌(47) بَابٌ: في عِدَّةِ الْحَامِلِ

- ‌(48) بَابٌ: في عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ

- ‌(49) بَابُ الْمَبْتُوتَةِ لَا يَرْجِع إِلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَنْكِحَ غَيْرَهُ

- ‌(50) بَابٌ: في تَعْظِيمِ الزِّنا

- ‌(8) أَوَّلُ كتَابِ الصِّيَامِ

- ‌(1) مَبْدَأُ فَرْضِ الصِّيَامِ

- ‌(2) بَابُ نَسْخِ قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌(3) بَابُ مَنْ قَالَ: هِيَ مُثْبَتَةٌ للشَّيْخِ وَالْحُبْلَى

- ‌(4) بَابُ الشَّهْرِ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ

- ‌(5) بَابٌ: إِذَا أَخْطَأَ القَوْمُ الْهِلَال

- ‌(6) بَاب: إِذَا أُغْمِيَ الشَّهْرُ

- ‌(7) (بَابُ مَنْ قَالَ: فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثينَ)

- ‌(8) بَابٌ: في التَّقَدُّم

- ‌(9) بَابٌ: إِذا رُؤي الْهِلَالُ في بَلَدٍ قَبْلَ الآخَرِينَ بِلَيْلَةٍ

- ‌(10) (بَابٌ كَرَاهِيَّةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ)

- ‌(11) بَابٌ: فِيمَنْ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ

- ‌(12) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ ذَلِكَ

- ‌(13) بَابُ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّال

- ‌(15) بَابٌ فِى تَوْكِيدِ السُّحُورِ

- ‌(16) (بَابٌ مَنْ سَمَّى السَّحُورَ غَدَاءً)

- ‌(17) بَابُ وَقْتِ السَّحُورِ

- ‌(19) (بَابُ وَقْتِ فِطْرِ الصَّائِمِ)

- ‌(20) بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ تَعْجِيلِ الفِطْرِ

- ‌(21) بَابٌ مَا يُفْطَرُ عَلَيْهِ

- ‌(22) (بَابُ الْقَوْلِ عِنْدَ الإفْطَارِ)

- ‌(23) (الفِطْر قَبْلَ غُرُوبِ الشَمْسِ)

- ‌(24) (فِي الْوِصَالِ)

- ‌(26) بابُ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ

- ‌(27) بَابُ الصَّائِمِ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاء مِنَ الْعَطَشِ وَيُبَالِغُ في الاسْتِنْشَاقِ

- ‌(28) (في الصائِمِ يَحْتَجِمُ)

- ‌(29) (في الرُّخْصَةِ)

- ‌(31) بَابٌ: في الكُحْلِ عِنْدَ النَّوْمِ

- ‌(32) (بَابُ الصَّائِمِ يَسْتَقِيءُ عَامِدًا)

- ‌(33) بَابُ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ

- ‌(34) بَابُ الصَّائِمُ يَبْلَعُ الرِّيقَ

- ‌(38) بَابُ التَّغْلِيظِ فِيمَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا

- ‌(39) بَابُ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا

- ‌(40) بَابُ تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَان

- ‌(41) بَابٌ: فِيمَنْ مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَامٌ

- ‌(42) بَابُ الصَّوْمِ في السَّفَرِ

- ‌(43) بَابُ اخْتِيَارِ الْفِطْرِ

- ‌(44) بَابٌ: فِيمَنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ

- ‌(45) بَابٌ: مَتَى يُفْطِر الْمُسَافِر إِذَا خَرَجَ

- ‌(46) (بَابُ مَسِيرَةِ مَا يُفْطِرُ فِيهِ)

- ‌(47) بَابٌ: فِيمَنْ يَقُولُ: صُمْتُ رَمَضَان كلَّهُ

- ‌(48) (بَابٌ: في صَوْمِ العِيدَيْنِ)

- ‌(49) بَابُ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ

- ‌(50) بَابُ النَّهْي أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ

- ‌(51) (بَابُ النَّهْي أَنْ يُخَصّ يَوْمُ السَّبْتِ بِصَوْمٍ)

- ‌(52) الرُّخْصَةُ في ذَلِكَ

- ‌(53) بَابٌ: في صَوْمِ الدَّهْرِ

- ‌(54) بَابٌ: في صَوْمِ أَشْهُرِ الْحُرُمِ

- ‌(55) بَابٌ: في صَوْمِ الْمُحَرَّمِ

- ‌(56) (بَابٌ: في صَوْمِ شَعْبَانَ)

- ‌(57) بَابٌ: في صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّال

- ‌(58) بَابٌ: كَيْفَ كَانَ يَصُومُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(59) بَابٌ: في صَوْمِ الاثْنينِ وَالْخَمِيس

- ‌(60) بَابٌ: في صَوْمِ الْعَشْرِ

- ‌(61) (في فِطْرِهِ)

- ‌(62) (في صَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ)

- ‌(63) بَابٌ: في صَوْمِ يَوْم عَاشُورَاء

- ‌(64) (مَا رُوِيَ أَنَّ عَاشُورَاءَ اليَوْمُ التَّاسِعُ)

- ‌(65) بَابٌ: في فَضْلِ صَوْمِهِ

- ‌(66) (في صَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرِ يَوْمٍ)

- ‌(67) (بَابٌ: في صَوْمِ الثَّلاثِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ)

- ‌(68) بَابُ مَنْ قَالَ: الاثْنين وَالْخَمِيس

- ‌(69) بَابُ مَنْ قَالَ: لَا يُبَالِي مِنْ أَيّ الشَّهْرِ

- ‌(70) بَابٌ: في النِّيَّةِ في الصَّوْمِ

- ‌(71) بَابٌ: في الرُّخْصَةِ فِيهِ

- ‌(72) بَابُ مَنْ رَأَى عَلَيْهِ الْقَضَاء

- ‌(73) بَابُ الْمَرْأَةِ تَصُومُ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا

- ‌(74) في الصَّائِمِ يُدْعَى إِلَى وَليمَةٍ

- ‌(75) الاعْتِكَافِ

- ‌(76) بَاب: أَيْنَ يَكُونُ الاعْتِكَاف

- ‌(77) الْمُعْتَكِفُ يَدْخُلُ البَيْتَ لِحَاجَتِهِ

- ‌(78) الْمُعْتَكِفُ يَعُودُ الْمَرِيضَ

- ‌(79) بَابٌ: فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَعْتَكِفُ

الفصل: ‌(27) باب: في اللعان

(27) بَابٌ: في اللِّعَانِ

===

والدليل عليه ما روي عن عمارة بن ربيعة المخزومي أنه قال: "غزا أبي نحو البحرين، فقتل، فجاء عمي ليذهب بي، فخاصمته أمي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعي أخ لي صغير، فخيرني علي رضي الله عنه ثلاثًا، فاخترت أمي، فأبى عمي أن يرضى، فوكزه علي رضي الله عنه بيده وضربه بدِرَّته، وقال: لو بلغ هذا الصبي أيضًا خيِّر"، فهذا يدل على أن التخيير لا يكون إلَّا بعد البلوغ.

وقال في محل آخر: روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: "طلق عمرُ رضي الله عنه أمَّ ابنه عاصم رضي الله عنه، فلقيها ومعها الصبي فنازعها، وارتفعا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقضى أبو بكر رضي الله عنه بعاصم بن عمر رضي الله عنه لأمه ما لم يَشِبَّ أو تتزوجَ، وقال: إن ريحها وفراشها خير له حتى يشب أو تتزوج"، وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم.

(27)

(بَابٌ: في اللِّعَانِ)(1)

أي باب في بيان أحكام اللعان، وهو مصدر الملاعنة، مشتق من اللعن، وهو الطرد والإبعاد، لبعدهما عن الرحمة، أو لبعد كل منهما عن الآخر، ولا يجتمعان أبدًا. واللعان، والالتعان والملاعنة بمعنى، والرجل ملاعن، والمرأة ملاعنة، وسمي به لما فيه من لعن نفسه في الخامسة، وهي من تسمية كل (2) باسم البعض، كالصلاة تسمى ركوعًا وسجودًا،

(1) وكان في سنة 9 هـ، كما في "الخميس"(2/ 133). يشكل عليه بأن اللعن علي اللعن لا يجوز، وأجيب بأنه مقيد بقوله: إن كان، كذا في "الشامي"(5/ 159)، وسيأتي في باب اللعن، انتهى. (ش).

(2)

وقال الحافظ (9/ 440): اختير هذا اللفظ دون الغضب؛ لأنه قول الرجل، وهو الذي بدئ به في الآية، وهو أيضًا يبدأ به، وله أن يرجع، فيسقط عن المرأة بغير عكس، وقيل: سمي لعانًا؛ لأن اللعان: الطرد، وهو مشترك فيهما، وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم =

ص: 284

2245 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، عن مَالِكٍ، عن ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدِ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُوَيْمِرَ بْنَ أَشْقَرَ الْعَجْلَانِيَّ

===

ومعناه الشرعي: شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن (1)، وهو مذكور في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ، إلى قوله:{مِنَ الصَّادِقِينَ} (2)

2245 -

(حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي) هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد، الأنصاري الخزرجي، الساعدي، أبو العباس، له ولأبيه صحبة، مات سنة ثمان وثمانين، وقيل: بعدها وقد جاوز المائة.

(أخبره أن عويمر بن الأشقر (3) العجلاني) الأنصاري البدري صحابي جليل، وعويمر بن أبيض، قال الطبري: هو عويمر بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد، وهو الذي رمى زوجته بشريك بن سحماء، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وذلك في شعبان سنة تسع لما قدم من تبوك، قيل: عويمر بن أبيض، وقيل: عويمر بن أشقر، قال الزرقاني (4): قال الحافظ: فلعل أباه كان يلقب

= الذنب بالنسبة إليها؛ لأن الرجل إذا كان كاذبًا ليس فيه أكثر من القذف، وإن كانت كاذبة، ففيه تلويث الفراش والنسب، وتنتشر المحرمية والميراث والولاية

إلخ. (ش).

(1)

وهذا عندنا، وأما عند الثلاثة: أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة، فيشترط عندهم أهلية اليمين، فيجري بين المسلم وامرأته الكافرة، وبين الكافر والكافرة، وبين العبد وامرأته، وعندنا يشترطُ أهلية الشهادة، فلا يجري إلَّا بين المسلمين الحرمين العاقلين البالغين غير محدودين في قذف. (ش).

(2)

سورة النور: الآية 6.

(3)

ظاهر "الإصابة"(6116)، و"التهذيب" (8/ 175): أن هذا غلط، والصحيح عويمر بن أبيض. وأما ابن أشقر، فهو رجل آخر، راوي حديث الأضاحي عند "ابن ماجه"(3153) و"الموطأ"(2/ 484) رقم (1070) في الذبح قبل الصلاة، والبسط في "الأوجز"(10/ 237). (ش).

(4)

"شرح الزرقاني"(3/ 186، 187).

ص: 285

جَاءَ إِلَى عَاصِم بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ (1) فَيَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟

===

أشقر أو أبيض، وفي "الصحابة": عويمر بن أشقر آخر مازني، روى له ابن ماجه حديثًا في الأضاحي.

(جاء إلى عاصم بن عدي) بن الجد بن العجلان، وكان سيد بني العجلان، شهد بدرًا وأُحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: لم يشهد بدرًا بنفسه، بل ردَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء، واستخلفه على العالية من المدينة، وضرب له سهمه وأجره، وهو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعويمر العجلاني، فنزلت قصة اللعان، وهو ابن عم والد عويمر.

(فقال له) أي: عويمر: (يا عاصم أرأيت) أي: أخبرني لو أن (رجلًا وجد مع امرأته رجلًا) أي أجنبيًا منها (أيقتله) بهمزة الاستفهام (فيقتلونه) أي قصاصًا (2)، وعند مسلم عن ابن مسعود:"إن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ".

(أمْ كيف) يحتمل أن تكون متصلة، والتقدير أمْ يصبر على ما به من المضض، ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى الإضراب، أي بل هناك حكم آخر لا نعرفه، ويريد أن يطلع عليه، فلذلك قال: سل لي يا عاصم؟ وإنما خصَّ عاصمًا بذلك لما تقدم من أنه كان كبير قومه وصهره على ابنته أو ابنة أخيه (يفعل؟ ).

واختلفوا فيمن قتل رجلًا وجده مع امرأته قد زنا، قال الجمهور: يقتل، إلَّا أن يقوم بذلك بينة، أو يعترف له ورثة القتيل، وأما فيما بينه وبين الله تعالى إن كان صادقًا فلا شيء عليه.

(1) في نسخة: "يقتله فتقتلونه".

(2)

أشكل عليه ما في "الدر المختار"(10/ 211، 212) في آخر الجنايات: دخل رجل بيته فرأى رجلًا على امرأته أو جاريته، فقتله، حلَّ له ذلك، ولا قصاص عليه، كذا في "الشامي"، والجمهور على القصاص كما في "الفتح"(9/ 449)، و"المغني"(12/ 535). (ش).

ص: 286

سَلْ لِي يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلمَّا رَجَعَ عَاصِم إِلَى أَهْلِهِ، جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عَاصِمٌ: لَمْ تَأتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا. فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: واللهِ لا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِر حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ

===

(سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل) المذكورة (وعابها)، قال عياض (1): يحتمل أنه كره قذف الرجل امرأته بلا بينة لاعتقاده الحد، لأن ذلك كان قبل نزول حكم اللعان، ويحتمل أنه كره السؤال لقبح النازلة وهتك ستر المسلم، أو لما كان نهى عنه من كثرة السؤال، أو لما في كثرته من التضييق في الأحكام التي لو سكتوا عنها لم تلزمهم.

(حتى كبر) بضم الموحدة أي عظم (على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من الكراهة، وكأنه صلى الله عليه وسلم لم يطلع على وقوع الحادثة، فكره حملًا لسؤاله على سؤال من يسأل عن شيء ليس له فيه حاجة.

(فلما رجع عاصم إلى أهله، جاءه عويمر فقال: يا عاصم، ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ) أي في الجواب عن سؤالي (فقال) له (عاصم: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر: والله لا أنتهي) أي أمتنع عن السؤال (حتى أسأله) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنها) أي عن المسألة.

(فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وسط الناس) بفتح السين وسكونها (فقال: يا رسول الله، أرأيت) أي أعلمت فأعلمني، فعبَّر بالإبصار

(1)"إكمال المعلم بفوائد مسلم"(5/ 77، 78).

ص: 287

رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ أُنْزِل فَيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ قُرْآنٌ، فَاذْهَبْ فَأتِ بِهَا". قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلمَّا فَرَغَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا عُوَيْمِرٌ ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

===

عن الإخبار؛ لأن الرؤية سبب العلم، فلهذا صار معناه أخبرني (رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله) فإن قتله (فتقتلونه) بصيغة الخطاب، أي قصاصًا، وفي رواية: بصيغة الغيبة، أي: يقتله أولياء المقتول (أم كيف يفعل؟ ).

زاد في حديث ابن عمر عند مسلم (1): "فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه، فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (2) (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل) بصيغة المجهول، وفي نسخة: "أنزل الله" (فيك وفي صاحبتك) أي زوجتك خولة بنت قيس على المشهور، أو بنت عاصم بن عدي المذكور، أو بنت أخيه (قرآنٌ، فاذهب فأت بها) وزاد في رواية الأوزاعي: "فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة".

(قال سهل: فتلاعنا)، وفي رواية ابن شهاب عند ابن إسحاق:"بعد العصر"، وفي رواية ابن جريج:"فتلاعنا في المسجد"(وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) فتلا عليهما الآيات، ووعظهما، وذكَرهما، وأخبرهما، فتلاعنا.

(فلما فرغا) أي عويمر وزوجته من تلاعنهما (قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها) أي في نكاحي (فطلقها عويمر (3) ثلاثًا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم)

(1)"صحيح مسلم"(1493).

(2)

سورة النور: الآية 6.

(3)

اختلفت الروايات في القاذف هل هو عويمر أو هلال؟ والمقذوف به واحد وهو =

ص: 288

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ. [خ 5259، م 1492، جه 2066، ن 3402، دي 2229]

===

(قال ابن شهاب) أي الزهري: (فكانت تلك) أي الفرقة بينهما، أو الطلقة من الزوج (سُنَّةُ المتلاعِنَين).

قال في "البدائع"(1): اختلف العلماء في حكم اللعان، قال أصحابنا الثلاثة: هو وجوب التفريق ما داما على حال اللعان، لا وقوع الفرقة بنفس اللعان من غير تفريق الحاكم، حتى يجوز طلاق الزوج وظهاره وإيلاؤه، ويجري التوارث بينهما قبل التفريق.

وقال زفر والشافعي: هو وقوع الفرقة بنفس اللعان، إلَّا أن عند زفر لا تقع الفرقة ما لم يلتعنا.

وعند الشافعي تقع الفرقة بلعان الزوج قبل أن تلتعن المرأة، وجه قول الشافعي: أن الفرقة أمر يختص بالزوج، ألا ترى أنه هو المختص بسبب الفرقة، فلا يقف وقوعها على فعل المرأة كالطلاق.

واحتج زفر بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا"، وفي بقاء النكاح اجتماعهما وهو خلاف النص.

ولنا ما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رجلًا لاعن امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتفى من ولدها، ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، وألحق الولد بالمرأة"، وعن ابن عباس- رضي الله عنهما:"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين عاصم بن عدي وبين امرأته فَرَّق بينهما"، وروي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن

= شريك، فقيل بالتعدد كما بسطه الحافظ (8/ 450 - 9/ 446)، وقال القاري (6/ 464): يجمع بينهما بأنهما واقعتان، وفي النفس منه شيء، انتهى، وقال الزرقاني (3/ 188): لا مانع أن يُتّهم شريك بكل من امرأتي عويمر وهلال إلى آخر ما بسط في "الأوجز"(11/ 208 - 211). (ش).

(1)

"بدائع الصنائع"(3/ 388 - 390).

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

بين العجلاني وبين امرأته، فلما فرغا من اللعان فرَّق بينهما"، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "الله يعلم أن أحدكما لكاذب، فهل منكما تائب؟ قال ذلك ثلاثًا، فأبيا ففرق بينهما".

فدلت الأحاديث على أن الفرقة لا تقع بلعان الزوج ولا بلعانها، إذ لو وقعت لما احتمل التفريق من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقوع الفرقة بينهما بنفس اللعان.

ثم قال: واختلف (1) العلماء فيه أيضًا، قال أبو حنيفة ومحمد: الفرقة في اللعان فرقة بتطليقة بائنة، فيزول ملك النكاح، وتثبت حرمة الاجتماع والتزوج ما داما على حالة اللعان، فإن أكذب الزوج نفسه فجلد الحد، أو أكذبت المرأة نفسها بأن صدقته، جاز النكاح بينهما ويجتمعان.

وقال أبو يوسف وزفر والحسن بن زياد: هي فرقة بغير طلاق، وإنها توجب حرمة مؤبدة كحرمة الرضاع والمصاهرة، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا"، وهو نص في الباب. وكذا روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم مثل عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم رضي الله عنهم، أنهم قالوا:"المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا".

ولأبي حنيفة ومحمد ما روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين عويمر العجلاني وبين امرأته، فقال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فهي طالق ثلاثًا"، وفي بعض الروايات:"كذبت عليها إن لم أفارقها، فهي طالق ثلاثًا"، فصار طلاق الزوج عقيب اللعان سنة المتلاعنين؛ لأن عويمرًا طلَّق زوجته ثلاثًا بعد اللعان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنفذها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل ملاعن أن يطلق، فإذا امتنع ينوب القاضي منابه في التفريق، فيكون طلاقًا كما في العنِّين.

(1) قال الموفق (11/ 147): فرقة لعان فسخ، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: هي طلاق، ولنا أنه فرقة توجب تحريمًا مؤبدًا، فكانت فسخًا كفرقة الرضاع. (ش).

ص: 290

2246 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى (1)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ-، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَني عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ، عن أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ:"أَمْسِكِ الْمَرْأَةَ عِنْدَكَ حَتَّى تَلِدَ". [حم 5/ 335]

2247 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي

===

ولأن سبب هذه الفرقة قذف الزوج؛ لأنه يوجب اللعان، واللعان يوجب التفريق، والتفريق يوجب الفرقة، فكانت الفرقة بهذه الوسائط مضافة إلى القذف السابق، وكل فرقة تكون من الزوج أو يكون فعل الزوج سببها تكون طلاقًا، كما في العنِّين، والخلع، والإيلاء، ونحو ذلك، وهو قول السلف: إن كل فرقة وقعت من قبل الزوج فهي طلاق، من نحو إبراهيم، والحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة وغيرهم رضي الله عنهم.

وأما الحديث فلا يمكن العمل بحقيقته لما ذكرنا أن حقيقة المتفاعل هو المتشاغل بالفعل، وكما فرغا من اللعان ما بقيا متلاعنين حقيقة، فانصرف المراد إلى الحكم، وهو أن يكون حكم اللعان فيهما ثابتًا.

فإذا أكذب الزوج نفسه، وحدَّ حد القذف، بطل حكم اللعان، فلم يبق متلاعنًا حقيقة وحكمًا، فجاز اجتماعهما.

2246 -

(أخبرنا عبد العزيز بن يحيى، حدثنا محمد -يعني ابن سلمة-، عن محمد بن إسحاق، حدثني عباس بن سهل، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعاصم بن عدي: أمسِك المرأة) أي زوجة عويمر التي لاعنت (عندك حتى تلد) وإنما أمره بذلك؛ لأنه كان كبير قومه، وكانت المرأة ابنته، أو ابنة أخيه كما تقدم.

2247 -

(حدثنا أحمد بن صالح، نا ابن وهب، أخبرني

(1) زاد في نسخة: "أبو الأصبغ".

ص: 291

يُونُسُ، عَن ابْنِ شهَاب، عَن سَهْل بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:"حَضَرْتُ لِعَانَهُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، قَالَ فِيهِ: ثُمَّ خَرَجَتْ حَامِلًا، فَكَانَ الْوَلَدُ يُدْعَى إِلَى أمِّهِ". [خ 4746، م 1492]

2248 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ- يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ-، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ في خَبَرِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ فَلَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أُرَاهُ

===

يونس، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد الساعدي قال: حضرت لعانهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن خمس عشرة سنة، وساق) أي يونس (الحديث، قال) أي زاد يونس (فيه: ثم خرجت حاملًا) ظهر حملها (فكان الولد) أي الذي ولدته بعد اللعان (يُدعى) أي ينسب (إلي أمه) أي ولا ينسب إلى أبيه.

2248 -

(حدثنا محمد بن جعفر الوركاني، أنا إبراهيم -يعني ابن سعد-، عن الزهري، عن سهل بن سعد في خبر المتلاعنين) أي في قصتهما (قال) أي سهل: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها) أي المرأة المتلاعنة (فإن جاءت به) أي بولدها (أدعج) أي أسود (العينين عظيم الأليتين) بفتح الهمزة، وهي اللحمة المشرفة على الظهر والفخذ، وقال في "القاموس": الألْيَةُ: العَجِيزَةُ، أو ما رَكِبَ العَجُزَ من شَحْمٍ ولَحْمٍ، جمعه أَلَيَاتُ وألايا، لا تَقل: إلْيَةٌ ولا لِيَّةٌ.

(فلا أراه) أي عويمرًا (إلَّا قد صدق، وإن جاءت به) أي بالولد (أحيمر) تصغير أحمر، أي مائلًا إلى الحمرة (كأنه وحرة) أي وزغة (1)(فلا أراه)

(1) ونقل في ما بين سطور أبي داود المطبوعة بالهند عن مولانا معناه: "بهامني"[هو باللغة الأردية]. (ش).

ص: 292

إِلَّا كَاذِبًا"، قَالَ: فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ. [خ 5309، جه 2066]

2249 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ (1)، نَا الْفِرْيَابِيُّ، عن الأَوْزَاعِيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَهْل بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ بِهَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَكَانَ يُدْعَى- يَعْنِي الْوَلَدَ- لأمِّهِ. [انظر سابقه]

===

أي عويمرًا (إلَّا كاذبًا، قال) أي سهل بن سعد: (فجاءت به) أي بالولد (على النعت المكروه) أي الوصف الذي يصدق عويمرًا.

2249 -

(حدثنا محمود بن خالد، نا الفريابي، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي بهذا الخبر، قال) أي الزهري: (فكان يدعى -يعني الولد- لأمه). قال في "البدائع"(2): وأما الحكم الذي ليس بأصلي للعان فهو وجوب قطع النسب في أحد نوعي القذف، وهو القذف بالولد، لما روي:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين هلال بن أمية وبين زوجته، وفرق بينهما، نفى الولد عنه وألحقه بالمرأة"، فصار النفي أحد حكمي اللعان.

وعلى هذا قلنا: إن القذف إذا لم ينعقد موجبًا للعان، أو سقط بعد الوجوب، ووجب الحد، أو لم يجب، أو لم يسقط، لكنهما لم يتلاعنا بعد، لا ينقطع نسب الولد، إلى آخر ما قال.

وقال الحافظ في "الفتح"(3): وعن أحمد: ينتفي الولد بمجرد اللعان، ولو لم يتعرض الرجل لذكره في اللعان، وفيه نظر؛ لأنه لو استلحقه لحقه، وإنما يؤثر لعان الرجل دفع حد القذف عنه وثبوت زنا المرأة، ثم يرتفع عنها الحد بالتعانها. وقال الشافعي: إن نفى الولد في الملاعنة انتفى، وإن لم يتعرض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه، ولا إعادة على المرأة.

(1) في نسخة: "خالد الدمشقي".

(2)

"بدائع الصنائع"(3/ 391).

(3)

"فتح الباري"(9/ 460).

ص: 293

2250 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، عن عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْفِهْرِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عن سَهْلِ بْن سَعْدٍ (1) في هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ:"فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطلِيقَاتٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْفَذَهُ (2) رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مَا صُنِعَ عِنْدَ النَّبِيِّ (3) عمرو سُنَّةً".

قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَمَضَتِ السُّنَّةُ بَعْدُ في الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمّ (4) لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا. [خ 7304]

===

2250 -

(حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، نا ابن وهب، عن عياض بن عبد الله الفهري وغيره، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد في هذا الخبر) أي المتقدم (قال) أي عياض بن عبد الله، عن ابن شهاب (فطلقها) أي عويمر زوجته (ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه) أي أمضى الطلاق (رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ما صنع عند النبي صلى الله عليه وسلم سنَّة) أي: إذ لم ينكر عليه.

(قال سهل: حضرت هذا) أي اللعان (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضت السنَّة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما) بأن يطلق الزوج، فإن لم يطلق الزوج ينوب القاضي منابه فيفرق بينهما، (ثم لا يجتمعان أبدًا) أي ما داما (5) على لعانهما، فإن أكذب أحدهما نفسه، يجوز اجتماعهما عندنا.

(1) زاد في نسخة: "الساعدي".

(2)

في نسخة: "وأنفذه".

(3)

في نسخة: "رسول الله".

(4)

في نسخة: "ولا يجتمعان".

(5)

قال في "الهداية"(2/ 271): وهو خاطب إذا أكذب نفسه عندهما، وقال أبو يوسف: هو تحريم مؤبد لهذا الحديث، ولهما: إن الإكذاب رجوع، والشهادة بعد الرجوع لا حكم لها، ولا يجتمعان ما داما متلاعنين، ولم يبق التلاعن بعد الإكذاب

إلخ. (ش).

ص: 294

2251 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَوَهْبُ بْنُ بَيَانٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو ابْن السَّرْحِ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَهْل بْن سَعْدٍ، قَالَ مُسَدَّدٌ: قَالَ "شَهِدْتُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (1) صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ (2)، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ تَلَاعَنَا، وَتَمَّ حَدِيثُ مُسَدَّدٍ، وَقَالَ الآخَرُونَ: إِنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا". [خ 6854]

(3)

وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَقُلْ "عَلَيْهَا".

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يُتابِعْ ابْنَ عُيَيْنَةَ أَحَدٌ عَلَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ.

===

2251 -

(حدثنا مسدد ووهب بن بيان وأحمد بن عمرو بن السرح وعمرو بن عثمان قالوا: حدثنا سفيان) أي ابن عيينة، (عن الزهري، عن سهل بن سعد، قال مسدد) في حديثه: (قال) سهل: (شهدت المتلاعنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن خمس عشرة، ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تلاعنا) أي: فرغا من تلاعنهما. (وتم حديث مسدد).

(وقال الآخرون: إنه) أي: سهل (شهد النبي صلى الله عليه وسلم، فرق بين المتلاعنين) فالاختلاف بين لفظ مسدد وبين غيره أن مسددًا عبَّره بضمير المتكلم، وغيره جعله غائبًا، وزاد الآخرون:(فقال الرجل) أي عويمر: (كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، وبعضهم) أي بعض شيوخ المصنف (لم يقلْ "عليها") أي لفظ "عليها".

(قال أبو داود: لم يتابع ابن عينية أحدٌ على أنه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرق بين المتلاعنين) فكان ما قال ابن عيينة: أنه فرق بينهما شاذًا.

(1) في نسخة: "النبي".

(2)

زاد في نسخة: "سنة".

(3)

زاد في نسخة: "قال أبو داود".

ص: 295

2252 -

حَدَّثنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ (1) الْعَتَكِيُّ، نَا فُلَيْحٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ في هَذَا الْحَدِيثِ:"وَكَانَتْ حَامِلًا، فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا فَكَانَ (2) ابْنُهَا يُدْعَى إِلَيْهَا، ثُمَّ جَرَتِ السّنَّةُ في الْمِيرَاثِ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ الله عز وجل لَهَا". [خ 4746]

===

2252 -

(حدثنا سليمان بن داود العتكي، نا فليح، عن الزهري، عن سهل بن سعد في هذا الحديث: وكانت) أي المرأة (حاملًا، فأنكر حملها) أي من نفسه (فكان ابنها) أي المرأة (يُدعى إليها) أي إلى المرأة.

قال في "الهداية"(3): إذا قال الزوج: ليس حملك مني، فلا لعان، وهذا قول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله-، لأنه لا يتيقن بقيام الحمل فلم يصر قاذفًا، وقال (4) أبو يوسف ومحمد: اللعان يجب بنفي الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، لأنا تيقنًا بقيام الحمل عنده، أي تحقق القذف.

قلنا: إذا لم يكن قذفًا في الحال يصير كالمعلق بالشرط، فيصير كأنه قال: إن كان بك حمل فليس مني، والقذف لا يصح تعليقه بالشرط.

قلت: والجواب عن الحديث بأن اللعان فيه كان بالقذف لا بنفي الحمل فقط.

(ثم جرت السنَّة في الميراث أن يرثها) أي الولد من أمه (وترث) أي المرأة (منه) أي من الولد (ما فرض الله عز وجل لها)(5)، وهو الثلث إن لم يكن له ولد، ولا ولد ابن، ولا اثنان من الإخوة والأخوات، فإن كان شيء من ذلك

(1) زاد في نسخة: "أبو الربيع".

(2)

في نسخة: "وكان".

(3)

"الهداية"(2/ 272).

(4)

وبه قال الشافعي، كما في "ابن رسلان" وقال: الحديث حجة لنا على أنها تلاعن بالحمل

إلخ. (ش).

(5)

وسيأتي شيء منه في "باب ميراث ابن الملاعنة". (ش).

ص: 296

2253 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عن الأعْمَشِ، عن إِبْرَاهِيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: أَنَا (1) لَلَيْلَةُ (2) جُمُعَةٍ في الْمَسْجِدِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ في الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ بِهِ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ،

===

فلها السدس، فإن فضل شيء من أصحاب الفروض، فهو لبيت المال عند الزهري والشافعي ومالك وأبي ثور.

وقال الحكم وحماد: ترث ورثة أمه. وقال آخرون: عصبته عصبة أمه، روي هذا عن علي وابن مسعود وعطاء وأحمد بن حنبل، قال أحمد: فإن انفردت الأم أخذت جميع ماله بالعصوبة، وقال أبو حنيفة: إذا انفردت أخذت جميع الثلث بالفرض، والباقي بالرد على قاعدته.

قلت: ونقل في "البحر"(3) عن "الذخيرة": ثم إذا قطع النسب عن الأب وألحق الولد بالأم، يبقى النسب في حق سائر الأحكام من الشهادة والزكاة وعدم القصاص على الأب بقتله، ونحو ذلك من الأحكام، إلَّا أنه لا يجري التوارث بينهما ولا نفقة على الأب؛ لأن النفي باللعان ثبت شرعًا بخلاف الأصل، بناء على زعمه وظنه مع كونه مولودًا على فراشه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الولد للفراش"، فلا يظهر في حق سائر الأحكام.

2253 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله) بن مسعود (قال: أنا لليلة جمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار في المسجد) الظاهر هو عويمر المتقدم، أو هلال بن أمية الآتي، (فقال) للناس:(لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا) أي أجنبيًا يزني بها (فتكلم به) أي بزناها (جلدتموه) أي بحد القذف، (أو قتل قتلتموه)

(1) في نسخة: "إنَّا".

(2)

في نسخة: "ليلة".

(3)

"البحر الرائق"(4/ 129).

ص: 297

فَإِنْ (1) سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، وَاللهِ لأسْأَلَنَّ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم (2)، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ بِهِ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، فَقَالَ:"اللهُمَّ افْتَحْ" وَجَعَلَ يَدْعُو، فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} هَذ الآيَة

===

قصاصًا (3)، (فإن سكت سكت على غيظ، والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا فتكلم به جلدتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ، فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ افتح) أي احكم في هذه المسألة حكمًا بينًا (وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} (4) هذه الآية).

واختلفت الروايات في نزولها، فبعضها تقتضي أنها نزلت في قصة العجلاني، وبعضها تدل في قصة هلال بن أمية، قال الحافظ (5) في كيفية الجمع بينهما: بأن يكون هلال سأل أولًا، ثم سأل عويمر، فنزلت في شأنهما معًا.

وظهر لي الآن احتمال أن يكون عاصم سأل قبل النزول، ثم جاء هلال بعده، فنزلت عند سؤاله، فجاء عويمر في المرة الثانية التي قال فيها:"إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به"، فوجد الآية نزلت في شأن هلال فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بأنها نزلت فيه، يعني أنها نزلت في كل من وقع له ذلك، بأن ذلك لا يختص بهلال.

(1) في نسخة: "وإن".

(2)

زاد في نسخة: "قال".

(3)

هذا مشكل لما في "الشامي"(10/ 211 - 212): من رأى زانيًا بامرأته، فقتله فلا قصاص، وكذلك عند أحمد كما جزم به الموفق (11/ 533)، واستدل بأثر عمر، ولم يذكر الجواب عن حديث الباب، وسيعيده المصنف في "الديات". (ش).

(4)

سورة النور: الآية 6.

(5)

"فتح الباري"(9/ 450).

ص: 298

فَابْتُلِيَ بهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْن النَّاسِ، فَجَاءَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَلَاعَنَا، فَشَهِدَ الرَّجُلُ أَرْبَعَ شَهادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ لَعَنَ الْخَامِسَةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِين.

قَالَ: فَذهَبَتْ لِتَلْتَعِنَ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَهْ"، فَأَبَتْ فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا أَدْبَرَا قَالَ:"لَعَلَّهَا أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا"، فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا". [م 1495، جه 2068]

===

وكذا يجاب على سياق حديث ابن مسعود، يحتمل أنه لما شرع يدعو بعد توجه العجلاني، جاء هلال فذكر قصته فنزلت فجاء عويمر، فقال: قد نزلت فيك وفي صاحبتك.

(فابتلي به ذلك الرجلُ من بين الناس، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنلاعنا، فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، ثم لعن) أي أوقع اللعنة (الخامسة)، أي في المرة الخامسة (عليه) أي على نفسه (إن كان من الكاذبين. قال) أي عبد الله:(فذهبت) أي شرعت المرأة (لتلتعن، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: مه) أي: اكففي، كلمة زجر وردع، (فأبت) عن أن تكف وترتدع عن التلاعن (ففعلت) أي: الالتعان.

(فلما أدبرا قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلها) أي المرأة (أن تجيء به) أي بالولد (أسودَ جعدًا). الجعد: إما جعودة الجسم، وهو اجتماعه واكتنازه، أي شديد الأسر والخلق، أو جعودة الشعر، وهو ضد السبوطة، والمراد ها هنا: جعودة الشعر، يدل عليه حديث ابن عباس عند البخاري (1)، ولفظه:"وكان ذلك الرجل مصْفَرًا قليلَ اللحم سبْطَ الشعر، وكان الذي وجده عند أهله آدمَ خَدْلًا كثير اللحْم جَعْدًا قَططًا"(فجاءت به) أي بالولد (أسود جعدًا) أي على الصفة المكروهة، على صفةِ الذي رُميت به.

(1)"صحيح البخاري"(5316).

ص: 299

2254 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَني عِكْرِمَةُ، عن ابْن عَبَّاسٍ: أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ بْن سحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا رَجُلًا عَلَى امْرَأَتِهِ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَحَدٌّ في ظَهْرِكَ"، فَقَالَ هِلَالٌ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللهُ في أَمْرِي مَا يُبَرِّئُ (1) ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فَنَزَلَتْ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} ، قَرَأَ (2)

===

2254 -

(حدثنا محمد بن بشار، نا ابن أبي عدي، أنبأنا هشام بن حسان، حدثني عكرمة، عن ابن عباس، أن هلال بن أمية) الواقفي، شهد بدرًا وأحدًا، وكان قديم الإسلام، وكانت معه رايتهم يوم الفتح، وهو الذي لاعن امرأته ورماها بشريك بن سحماء، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فعُوتِبُوا بترك الكلام، ثم تيب عليهم (قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة) بالنصب والرفع، أي أحضرها على ثبوت زناها (أوحد) أي يجب (في ظهرك)(3) وهو حد القذف.

(فقال) أي هلال: (يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلًا على امرأته) يزني بها (يلتمس البينة؟ ) بتقدير حرف الاستفهام (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا فحد في ظهرك)، وهذا يدل على أن آية حد القذف نزلت قبل ذلك (فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق) فيما رميتها به (ولينزلن الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد، فنزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} (4)، قرأ) لعل

(1) زاد في نسخة: "به".

(2)

في نسخة: "فقرأ".

(3)

وهو حجة لمالك في أن الحد يجلد في الظهر، خلافًا للجمهور إذ قالوا: يفرق على الأعضاء ما خلا الوجه والرأس، كما سيأتي. (ش).

(4)

سورة النور: الآية 6.

ص: 300

حَتَّى بَلَغَ {مِنَ الصَّادِقِينَ} ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَجَاءَا، فَقَامَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"الله يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا مِنْ تَائِبٍ؟ "، ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} ، وَقَالُوا لَهَا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا سَتَرْجِعُ، فَقَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَبْصِرُوهَا (1) فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابغَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ

===

الضمير يرجع إلى ابن عباس أو غيره من رواة السند (حتى بلغ {مِنَ الصَّادِقِينَ}، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل) أي رسولًا (إليهما) يدعوهما (فجاءا) بلفظ التثنية.

(فقام هلال بن أمية، فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما مِن تائب؟ ثم قامت) أي المرأة (فشهدت) أي الشهادات الأربعة (فلما كان عند الخامسة) وفي نسخة: "كانت" وهو الأوفق {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ} أي: زوجها ({مِنَ الصَّادِقِينَ}) أي فيما رماها به.

(وقالوا) أي الصحابة رضي الله عنهم (لها: إنها) أي الشهادة الخامسة (موجبة) أي لغضب الله، (قال ابن عباس: فتلكأت) أي توقفت وتبطأت (ونكصت) أي رجعت القهقرى (حتى ظننا أنها سترجع) أي عن الإقدام على الشهادة (فقالت: لا أفضح قومي (2)) أي بالرجوع عن الشهادة (سائر اليوم) أي سائر الزمان، (فمضت) أي في الشهادات، (فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبصروها) من الإفعال أو من المجرد، وحرف الصلة مقدر، أي بها (فإن جاءت به) أي بالولد (أكحل العينين) أي أسود أجفان العين خلقة من غير كحل (سابغ) أي عظيم (الأليتين خدلج) بمعجمة ومهملة ولام مشددة مفتوحات، أي عظيم (الساقين

(1) في نسخة: "انظروها".

(2)

قال في "الكوكب"(4/ 218): إن الكلام لما لم يكن نصًا في الإقرار لم يكتف به في تصديق الزوج. (ش).

ص: 301

فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاء"، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأنٌ". [خ 2671، ت 3179، جه 2067، حم 1/ 238]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ (1) أَهْلُ الْمَدِينَةِ، حَدِيثُ ابْن بَشَّارٍ حَدِيثَ هِلَالٍ.

2255 -

حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّعِيرِيّ، نَا سُفْيَانُ، عن عَاصِمِ بْنِ كُلَيْب، عن أَبِيهِ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا حِينَ أَمَرَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يَتَلاعَنَا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ عِنْدَ الْخَامِسَةِ يَقُولُ: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ". [ن 3472]

===

فهو) أي الولد (لشريك بن سحماء، فجاءت به) أي بالولد (كذلك) أي أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلَّج الساقين.

(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله) أي ما أنزله في كتابه من الملاعنة أو الشهادات في ثبوت الزنا (لكان لي ولها شأن)، أي: لولا ما سبق من حكم الله أن اللعان يدفع الحد عن المرأة، لأقمت عليها الحد من أجل الشبه الظاهر بالذي رُميت به.

(قال أبو داود: وهذا) أي الحديث (مما تفرد به أهل المدينة، حديث ابن بشار حديث هلال) أي في قصة هلال.

2255 -

(حدثنا مخلد بن خالد الشعيري، نا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه) كليب بن شهاب، (عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا) أي من أصحابه، لم أقف على تسميته (حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه) أي على فم الزوج المتلاعن (عند الخامسة) أي الشهادة الخامسة ليكفَّه عن الإقدام على الشهادة (يقول) أي للزوج:(إنها) أي الشهادة الخامسة (موجبة) أي للعن والعقاب إن كان كاذبًا.

(1) في نسخة: "انفرد".

ص: 302

2256 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عن عِكرِمَةَ، عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَابَ الله عَلَيهمْ؛ فَجَاءَ مِنْ أَرْضِهِ عِشاءً فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَرَأَى بِعَيْنِهِ وَسَمِعَ بِأذُنِيهِ فَلَمْ يُهِجْهُ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنّي جِئْتُ أَهْلِي عِشَاءً، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُمْ رَجُلًا، فَرَأَيْتُ بِعَيْني وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا جَاءَ بِهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} (1) الآيَتَيْنِ كِلتَيْهِمَا، فَسُرِّيَ عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

===

2256 -

(حدثنا الحسن بن علي، نا يزيد بن هارون، نا عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء هلال بن أمية، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم) حين تخلفوا من غزوة تبوك، فعوتبوا بترك الكلام، والاثنان منهم، أحدهما: كعب بن مالك، وثانيهما: مرارة بن الربيع.

(فجاء) أي هلال (من أرضه) أي مزرعته (عِشاءً فوجد عند أهله رجلًا) أي شريك بن سحماء يزني بها، (فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهجه) من هاج يهيج هيجًا وهيجانًا وهياجًا: ثار، كاهتاج وتهيَّج وأثار، قاله في "القاموس"، أي لم يزعجه ولم ينفره.

(حتى أصبح، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاءً، فوجدت عندهم رجلًا، فرأيت) فعله (بعيني، وسمعت) أي صوته (بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه)، ولعل وجه الكراهة والاشتداد عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق هلالاً في ظنه فيما يقول، ومع صدقه مستوجب لحد القذف، لأن آية اللعان لم تنزل بعد.

(فنزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ}) أي: على زناها {إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} الآيتين كلتيهما، فسُرِّي)، أي: كشف وأزيل (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(1) سورة النور: الآية 6.

ص: 303

فَقَالَ: "أَبْشِرْ يَا هِلَالُ، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا". قَالَ هِلَالٌ: قَدْ كُنْتُ أَرْجُو ذَلِكَ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَرْسِلُوا إِلَيْهَا"، فَجَاءَتْ فَتَلَاهَا عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وذَكَّرَهُما، وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَذَابَ الآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا. فَقَالَ هِلَالٌ: وَاللهِ لَقَدْ صَدَقْتُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: قَدْ كَذَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لاعِنُوا بَيْنَهُمَا"، فَقِيلَ لِهِلَالٍ: اشْهَدْ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قِيلَ: يَا هِلَالُ اتَّقِ الله فَإِنَّ عِقَابَ (1) الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكَ الْعَذَابَ،

===

ما كان يجده من الشدة في نزول الوحي، أو ما كان يجده من الكراهة والاشتداد في هذه القصة.

(فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبشر يا هلال، قد جعل الله لك فرجًا) أي راحة من الغم (ومخرجًا) أي من تلك الورطة (قال هلال: قد كنت أرجو ذلك) أي الفرج والمخرج (من ربي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلوا إليها، فجاءت) أي زوجة هلال (فتلاها) أي قرأ الآية (عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرهما) من التذكير أي وعظهما، (وأخبرهما أن عذاب الآخرة) أي على الكذب والزنا من المرأة أو على الكذب والقذف عن الزوج (أشدُّ من عذاب الدنيا) على القذف للرجل أو على الزنا للمرأة.

(فقال هلال: والله لقد صدقت عليها) فيما قذفتها به، (فقالت: قد كذب) أي فيما رماني به، (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاعنوا بينهما، فقيل لهلال: اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فلما كانت) أي الشهادة (الخامسة قيل: يا هلال اتق الله فإن عقاب الدنيا) وهو حد القذف (أهون من عذاب الآخرة) أي في الإقدام على القذف كاذبًا، (وإن هذه) أي الشهادة الخامسة (الموجبة التي توجب عليك العذاب) أي إن كنت كاذبًا.

(1) في نسخة: "عذاب".

ص: 304

فَقَالَ: واللهِ لَا يُعَذِّبُنِي الله عَلَيْهَا كَمَا لَمْ يُجَلِّدْنِي عَلَيْهَا، فَشَهِدَ الْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ قِيلَ لَهَا: اشْهَدِي، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قِيلَ لَهَا: اتَّقِي اللهَ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَاب الآخِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَةَ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكِ الْعَذَابَ، فَتَلَكَّأَتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي، فَشَهِدَتِ الْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَفَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لأَبٍ، وَلَا تُرْمَى وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ.

وَقَضَى أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ،

===

(فقال: والله لا يعذبني الله عليها) أي على الشهادة الخامسة (كما لم يجلدني عليها) أي على مقالتي عليها، (فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم قيل لها) أي للمرأة: (اشهدي، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فلما كانت الخامسة قيل لها: اتقي الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب) أي إن كنت كاذبة.

(فتلكأت) أي توقفتْ وتبطأتْ (ساعة، ثم قالت: والله لا أفضح) من المجرد (قومي، فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما) أي بين هلال بن أمية وزوجته، (وقضى أن لا يُدعى ولدها لأب، ولا تُرمى) أي لا تقذف المرأة بالزنا (ولا يُرمى ولدها، ومن رماها) أي قذف المرأة بالزنا (أو رمى ولدها فعليه) أي الرامي (الحد)(1) أي حد القذف (وقضى أن لا بيت) أي: لا سكنى (لها) أي للمرأة (عليه) أي على

(1) كتبَ عليه الوالد في "التقرير": ومعنى الحد التعزير، لا الحد الشرعي؛ لأنها لم تبق عفيفة، حتى يلزم الحد لقذفها. (ش).

ص: 305

وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفَّى عَنْهَا،

===

هلال بن أمية (ولا قوت) أي لا نفقة لها عليه (من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها) أي لم يتوف عنها زوجها.

قال الشوكاني (1): فيه دليل على أن المرأة المفسوخة باللعان لا تستحق في مدة العدة (2) نفقة ولا سكنى؛ لأن النفقة إنما تستحق في عدة الطلاق، لا في عدة الفسخ، وكذلك السكنى، ولا سيما إذا كان الفسخ بحكم كالملاعنة.

ومن قال: إن اللعان طلاق كأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن محمد، فلعله يقول بوجوب النفقة والسكنى، والحديث حجة عليه.

قلت: والجواب عن الحديث: أن الحديث ضعيف؛ لأن في سنده عباد بن منصور وهو ضعيف، قال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وكان يرمى بالقدر، وقال أبو زرعة: لين، وقال أبو حاتم: كان ضعيف الحديث، يكتب حديثه، ونرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن الحسين، عن عكرمة.

وقال أبو داود: ولي قضاء البصرة خمس مرات وليس بذاك، وعنده أحاديث فيها نكارة، وقالوا: تغير، وقال النسائي: ليس بحجة، وقال في موضع آخر: ليس بقوي، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال مُهنا عن أحمد: كانت أحاديثه منكرة، وكان قدريًا، وكان يدلس، وقال أبو بكر البزار: روى عن عكرمة أحاديث، ولم يسمع منه، وقال ابن سعد: هو ضعيف عندهم، وله أحاديث منكرة، وقال الجرجاني (3): كان سيِّئ الحفظ، وكان تغير أخيرًا.

وقال ابن الهمام (4) في "باب اللعان" من شرحه على "الهداية" مجيبًا

(1)"نيل الأوطار"(4/ 376).

(2)

وعدة الملاعنة ثلاثة قروء عند الجمهور، وخالفهم ابن عباس فقال: تسعة أشهر، كذا في "المغني"(11/ 195). (ش).

(3)

كذا في الأصل، وفي "تهذيب التهذيب" (5/ 105):"الجوزجاني".

(4)

"فتح القدير"(4/ 256 - 257).

ص: 306

وَقَالَ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أُريصِحَ أُثَيْبجَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا

===

عن استدلال البيهقي بهذا الحديث: بأنه لو وقعت الفرقة بمجرد اللعان لأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم تطليقه، فلا يعارضه قول ابن عباس رضي الله عنهما من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق، ثم قال: وأيضًا فحديث ابن عمر فإنه قال فيه: فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني أمضى ذلك الطلاق، وهو حجة على من قال: إن الطلاق الثلاث لا يقع أو تقع واحدة، ثم هو أولى من حديث ابن عباس؛ لأنه رفع إمضاءه صلى الله عليه وسلم الطلاق، وذلك إنما يكون بمفهوم اعتبار ذلك منه صلى الله عليه وسلم.

(وقال)(1) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن جاءت به أصيهب) نقل في الحاشية عن الخطابي: قال: هو تصغير أصهب، وهو الذي تعلوه صهبة، وهو كالشقرة، وقال ابن الأثير: المعروف أن الصهبة مختصة بالشعر وهي حمرة يعلوها سواد (أُرَيْصِح) تصغير أرصح، براءٍ وصادٍ وحاء مهملتين، وهو خفيف الأليتين، ويقال: أرسح بالسين والحاء بدل منها، ويقال: أرصع، بالعين والصاد بدل منها الأليتين، وذكر الهروي: أن الأرصح الناتئ الأليتين، وأنكر عليه، (أثَيْبِجَ) تصغير أثبج، بمثلثة ثم موحدة وجيم، وهو نتوء الثبج، وهو ما بين الكاهل ووسط الظهر (حمش الساقين) بالحاء المهملة والشين المعجمة، أي دقيقهما (فهو لهلال).

(وإن جاءت به) أي بالولد (أورق) أي: أسمر، يقال: جمل أورق وناقة ورقاء، والورق: بضم واو وسكون راء، جمعه، (جعدًا) وهو ضد السبط

(1) قال الموفق (11/ 161): اختلف أصحابنا فيما إذا لاعن امرأته وهي حامل، ونفى حملها في لعانه، فقال الخرقي وجماعة: لا ينتفي الحمل بنفيه قبل الوضع، ولا ينتفي حتى يلاعنها بعد الوضع، وهذا قول أبي حنيفة، وجماعة من أهل الكوفة؛ لأن الحمل غير مستيقن، يجوز أن يكون ريحًا، أو غيرها، وقال مالك والشافعي وجماعة: يصح نفي الحمل، لحديث الباب؛ لأنه نفاه، ثم قال: أبصروها

إلخ، وتقدم شيء من الخلاف في المسألة قبل ذلك. (ش).

ص: 307

جُمَالِيًّا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابغَ الأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ"، فَجَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَاليًّا خَدَلَّجَ السَّاقَيْن سَابغَ الأَلْيَتيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلَا الأَيمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ". [حم 1/ 238، 245]

قَالَ عِكْرِمَةُ: فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى مُضَرَ (1) وَمَا يُدْعَى لأَبٍ.

2257 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعَ عَمْروٌ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: "حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِب لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا"،

===

(جماليًا) بضم الجيم وتشديد مثناة التحتانية: الضخم الأعضاء التام الأوصال، كأنه الجمل، يقال: ناقة جمالية مشبهة بالجمل عظمًا وبدانة (خدلج الساقين) أي: عظيمهما (سابغ الأليتين) أي: تامهما (فهو) أي: الولد للذي رميت به).

(فجاءت به) أي ولدت بالولد (أورق جعدًا جماليًا، خدلج الساقين، سابغ الأليتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا الأيمان) أي: الشهادات، أي: شهادات اللعان، أو شهادات ثبوت الزنا (لكان لي ولها شأن).

(قال عكرمة: فكان) أي ولدها (بعد ذلك) الزمان (أميرًا على مضر) قبيلة (وما يدعى لأب) أي لا ينسب إلى الأب، وفي رواية: أن ذلك الولد عاش سنتين، ثم مات، فالجمع بينهما أنه محمول على تعدد القصة.

2257 -

(حدثنا أحمد بن حنبل، نا سفيان بن عيينة قال: سمع عمرو) أي ابن دينار (سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين) أي للرجل والمرأة: (حسابكما على الله) أي لا نعلم صادقًا منكما عن كاذب، بل الله يعلم أيكما كاذب، ونعلم يقينًا أن (أحدكما) لا على التعيين (كاذب، لا سبيل لك عليها).

(1) في نسخة: "مصر".

ص: 308

قَالَ (1): يَا رَسُولَ الله مَالِي، قَالَ:"لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ (2) أَبْعَدُ لَكَ". [خ 5312، م 1493، ن 3476، حم 2/ 11]

2258 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ، نَا أَيُّوبُ، عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ قَذفَ امْرَأَتَهُ، قَالَ: فَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ، وَقَالَ:

===

تمسك به من قال: إن الفرقة تقع بنفس اللعان، وأجيب: بأن هذا القول هو القضاء بالتفريق؛ أو يقال: إن ذلك وقع جوابًا لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذته منه.

(قال) أي الزوج: (يا رسول الله مالي) أي أطلب المال الذي أعطيتها في مهرها؟ (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مال لك) أي لا تستحق المال (إن كنت صدقت عليها فهو) أي المال (بما استحللت من فرجها) أي فالمهر عوض عن وطئها.

(وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك) أي من مطالبتها؛ لأنه لا تجمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها مالًا قبضته منك قبضًا صحيحًا تستحقه بما استوفيت حقك منها.

2258 -

(حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، نا إسماعيل، نا أيوب، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل قذف امرأته) هل يفرق بينهما؟ (قال) أي ابن عمر: (فرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان) أي عويمر وامرأته، وإنما جعلهما أخوين (3) تغليبًا (وقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله يعلم

(1) في نسخة: "فقال".

(2)

في نسخة: "فذلك".

(3)

في الأصل: "جعله أخوان"، وهو خطأ.

ص: 309