الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(46) بَابٌ: في إِتْيَانِ الْحَائِضِ وَمُبَاشَرَتِهَا
2165 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، أَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُشَارِبُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا في الْبَيْتِ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ
…
}
===
فحاصل قول ابن عباس: أن الذي بلغني عن ابن عمر إن صح، فهو غلط منه، فإن قوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} إلى آخر الآية، لا يدل على إباحة الوطء في الدبر، بل يدل على حرمته. فإنها نزلتْ في إتيان النساء في محل الحرث في إباحة الكيفيات المختلفة، مقبلاتٍ ومدبراتٍ ومستلقياتٍ في عموم الأحوال، لا في عموم المواضع.
(46)
(بَابٌ: في إِتيَان الْحَائِضِ)، أي: جماعها (وَمُبَاشَرَتِهَا)
أي: إلصاق البشرة بالبشرة من غير جماع
2165 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، أنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك: أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة، أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها) بالهمزة، ويبدل واوًا، أي: لم يأكلوا معها (ولم يشاربوها) أي لا يشربون معها (ولم يجامعوها) أي لم يساكنوهن (في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي سأله أصحابه كما في رواية مسلم.
قال الحافظ (1): وروى الطبري عن السدي: أن الذي سأل أولًا عن ذلك هو: ثابت بن الدحداح. (عن ذلك، فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ})
(1)"فتح الباري"(1/ 399).
إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"جَامِعُوهُنَّ في الْبُيُوتِ، وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيءٍ غَيْرَ النِّكَاحِ"، فَقَالَتِ اليَهُودُ: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ
===
أي حكم زمان الحيض {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (1)(إلى آخر الآية).
قال في "الأزهار": المحيض الأول في الآية: هو الدم بالاتفاق، لقوله تعالى:{قُلْ هُوَ أَذًى} . وفي الثاني ثلاثة أقوال: أحدها: الدم، كالأول. والثاني: زمان الحيض. والثالث: مكانه، وهو الفرج، وهو قول جمهور المفسرين وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم الأذى: ما يتأذى به الإنسان، قيل: سمي بذلك؛ لأن له لونًا كريهًا، ورائحة منتنة، ونجاسة مؤذية، مانعة عن العبادة، يعني الحيض أذى يتأذى معه الزوج من مجامعتها فقط، دون المؤاكلة، والمجالسة، والافتراش، أي: فابعدوا عنهن بالمحيض، أي في مكان الحيض، وهو الفرج، أو حوله مما بين السرة والركبة احتياطًا.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) مبيِّنًا ومفسِّرًا للاعتزال المذكور في الآية بقصره على بعض أفراده: (جامعوهن في البيوت) أي ساكنوهن، وخالطوهن (واصنعوا كل شيء) من المؤاكلة والملامسة والمضاجعة (غير النكاح) أي الجماع.
والحديث بظاهره يدل على جواز الاستمتاع بما تحت الإزار، وهو قول أحمد، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، والشافعي في قوله القديم، وبعض المالكية، وقال الجمهور بجواز الاستمتاع بما فوق الإزار دون ما تحته، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في قوله الجديد، قاله القاري (2).
(فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل) يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وعبَّروا بلفظ يوهم
(1) سورة البقرة: الآية 222.
(2)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 244).
أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْيرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ في الْمَحِيضِ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ (1) قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا،
===
التحقير، لإنكارهم نبوَّته، ولمخالفته إياهم (أن يدعَ) أي يترك (شيئًا من أمرنا) أي من أمور ديننا (إلَّا خالفنا) بفتح الفاء (فيه) أي إلَّا حال مخالفته إيانا فيه، يعني لا يترك أمرًا من أمورنا إلا مقرونًا بالمخالفة.
(فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا)، والظاهر أنه إشارة إلى الكلام السابق الذي صدر من اليهود (أفلا ننكحهن في المحيض).
كتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه: أنه فيه توجيهان: أحدهما: أن يكون المقصود استجازة الجماع، واستباحته، تقصيًا في الخلاف، أي ليكون المخالفة تامة. وثانيهما: أن يكون المقصود ترك معاملة النكاح، وأن يصيروا كما كانوا عليه من المتاركة الكاملة، تقصيًا عن الخلاف؛ والاستفهام على الأول إنكار على عدم النكاح بمعنى الجماع، فإنكار عدم النكاح إقرار له، فيثبت الجماع، وعلى الثاني: استفهام تقرير، بمعنى عدم تلبس لوازمه، يعني به ما يكون بين الزوجين من الانبساط والملامسة، حتى تبقى المتاركة التامة بينهما والمباعدة المحضة.
(فتمعَّر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننا أن) أي أنه (قد وجد) أي غضب (عليهما) وجه التمعر والغضب على الاحتمالين ظاهر، وفي الأول أظهر، فإن فيه مخالفة صريحة للنص، وفي الثاني: موافقة لليهود على خلاف شريعة الإِسلام.
ويحتمل أن سبب التمعُّر والغضب أمر آخر، لم يطلع عليه أنس رضي الله عنه،
(1) في نسخة: "أنه".
فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ في آثَارِهِمَا، فَظَنَنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا". [تقدَّم برقم 258]
2166 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عن جَابِر بْنِ صُبْح (1)، سَمِعْتُ خِلَاسًا الْهَجَريَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقولُ: "كُنْتُ أَنا وَرَسُولُ الِله صلى الله عليه وسلم نَبِيتُ في الشِّعَارِ الْوَاحِدِ، وَأَنَا حَائِضٌ طَامِثٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شيءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ لَمْ (2) يَعْدُهُ، وَإِنْ أَصَابَ
===
والذي عندي أن سبب التمعر والغضب هو قولهما هذا، ولكنهما لما تكلما بهذا الكلام، لم يصدر عنهما هذا الكلام بنية فاسدة ومخالفة، بل صدر عنهما عن نصح، فلم يكن هذا الغضب في حقهما.
(فخرجا) أي أسيد بن خضير وعباد بن بشر من مجلسه صلى الله عليه وسلم (فاستقبلهما) وفي نسخة: "فاستقبلتهما"(هديةٌ من لبن إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم) أي استقبلهما شخص معه هدية من بعض الصحابة، يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فبعث) أي أرسل النبي صلى الله عليه وسلم (في آثارِهِما)، أي عقبهما أحدًا، فدعاهما، فجاءاه، فسقاهما، أي اللبن تلطفًا بهما، ولئلا يظنا أنه وجد عليهما. (فظننا أنه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم يجد) أي لم يغضب (عليهما).
وهذا الحديث بسنده ومتنه مكرر، قد تقدم في كتاب الطهارة في مؤاكلة الحائض ومجامعتها.
2166 -
(حدثنا مسدد، نا يحيى، عن جابر بن صبح، سمعت خلاسًا الهَجَري قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه) أي بدنه (مني شيءٌ) أي من الدم (غسل مكانَه لم يَعْدُه، وإن أصاب
(1) زاد في نسخة: "قال".
(2)
في نسخة: "ولم".
- تَعْنِي ثَوْبَهُ- مِنْهُ شَيءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ لَمْ يَعْدُهُ وَصَلَّى فِيهِ". [تقدَّم برقم 269]
2167 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَمُسَدَّدٌ قَالَا: نَا حَفْصٌ، عن الشَّيْبَانيِّ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عن خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ:"أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا". [تقدَّم برقم 268]
===
- تعني ثوبه- منه) أي من الدم (شيء غسل مكانه لم يعده وصلى فيه) أي في ذلك الثوب.
وهذا الحديث بسنده ومتنه مكرر، وقد تقدم في كتاب الطهارة "في باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع"، وهذا السياق يؤيد ما تقدم في شرح هذا الحديث أن قوله الأول:"ثم صلَّى فيه" تصحيف، فإن أبا داود لم يقله في هذا الحديث ها هنا.
2167 -
(حدثنا محمد بن العلاء، ومسدد قالا: نا حفص، عن الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن خالته) أي لأمه (1)(ميمونة بنت الحارث) فإن أمه سلمى بنت عميس الخثعمية، وخالته أسماء بنت عميس، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يباشر امرأةً) أي يضاجع ويلاصق بشرته ببشرتها (من نسائه، وهي حائض أمرها أن تَتَّزِرَ) أي تشد الإزار عليها (ثم يباشرها)، أي بما فوق الإزار دون ما تحته. وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في قوله الجديد.
ولعل قوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلَّا النكاح" كان رخصة، وفعله صلى الله عليه وسلم محمول على العزيمة تعليمًا للأمة، سدًا لذريعة الفساد، فإن الذي يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
(1) تقدم في الحيض بمعناه عن عائشة، وأما عن ميمونة ففيه: أنه عليه السلام كان يباشر إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين
…
إلخ. (ش).