الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن ابْنِ إِسْحَاقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: "حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ"(1). زَادَ (2): "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ، وَمَنْ كَاَنَ يؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ". [انظر تخريج الحديث السابق]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْحَيْضَةُ لَيْسَتْ (3) بِمَحْفُوظَةٍ.
(45) بَابٌ: في جَامِعِ النِّكَاح
2160 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ
===
عن ابن إسحاق بهذا الحديث) المتقدم (قال) أي أبو معاوية، عن ابن إسحاق:(حتى يستبرئها بحيضة) فزاد لفظ: "بحيضة"، (زاد: ومن كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين) أي: غنيمتهم (حتى إذا أعجفها) أي أهزلها (ردها) أي الدابة (فيه) أي في الفيء. ووجهه أن الفيء قبل أن يقسم فيه حق لجميع الغانمين، فالتصرف فيه واستعماله قبل القسمة إتلاف لحقهم، (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه) أي أبلاه (رده فيه) أي في الفيء.
(قال أبو داود: والحيضة) أي لفظة: الحيضة (ليست بمحفوظة) أي في هذا الحديث. وفي نسخة: الوهم من أبي معاوية.
(45)
(بابٌ: فِى جَامِعِ النِّكَاحِ)
أي: باب جامع لأحاديث شتى في النكاح
2160 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن سعيد) بن حصين
(1) زاد هناك في نسخة: "زاد فيه: بحيضة، وهو وهم من أبي معاوية وهو صحيح في حديث أبي سعيد".
(2)
في نسخة: "فيه".
(3)
في نسخة: "ليس".
قَالَا: نَا أَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً و (1) اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ". [جه 1918، السنن الكبرى للنسائي 10093]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زَادَ أَبُو سَعِيدٍ: "ثُمَّ لِيَأخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ (2) بِالْبَرَكَةِ في الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ".
2161 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا جَرِيرٌ، عن مَنْصُورٍ،
===
(قالا: نا أبو خالد) الأحمر، (عن ابن عجلان) محمد، (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تزوج أحدكم امرأة واشترى خادمًا) أي عبدًا، أو أمةً (فليقل: اللَّهُمَّ إني أسألك خيرَها) تأنيث الضمير باعتبار تغليب الأكثر (وخير ما جَبَلْتَها) أي خلقتَها (عليه) من الخصال، (وأعوذ بك من شرِّها، وشرِّ ما) أي خصال (جبلتَها عليه، وإذا اشترى بعيرًا فليأخذ بِذِرْوةِ) في "القاموس": وذروة الشيء: بالضم والكسر أعلاه (سَنامِه) أي أعلاه (وليقل مثل ذلك).
(قال أبو داود: زاد أبو سعيد) أي عبد الله بن سعيد شيخ المصنف: (ثم ليأخذ بناصيتها) الناصية: الشعر الكائن في مقدم الرأس، والظاهر أن المراد مقدم رأسها، والضمير راجع إلى المرأة والجارية، والعبد تغليبًا للأكثر، أو إلى النفس الشامله للثلاث (وليدع بالبركة في المرأة والخادم).
2161 -
(حدثنا محمد بن عيسى، نا جرير) بن عبد الحميد، (عن منصور،
(1) في نسخة: "أو".
(2)
في نسخة: "وليدعوا".
عن سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عن كُرَيْبٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَن يَأتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّب الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، ثُمَّ قُدِّرَ أَنْ يَكُون بَيْنَهُمَا وَلَدٌ في ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا". [خ 5165، م 1434، ت 1092، جه 1919، حم 1/ 216، دي 2212]
===
عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدَكُم إذا أراد أن يأتي أهله) أي أراد الجماع (قال: بسم الله، اللَّهُمَّ جنِّبْنا الشيطانَ وجنِّب الشيطان ما رزقتَنا) أي من الولد (ثم قُدِّر أن يكون بينهما ولدٌ في ذلك) أي في ذَلك الجماع (لم يضرَّه شيطانٌ أبدًا).
قال الحافظ (1): واختلف في الضرر المنفي بعد الاتفاق على ما نقل عياض على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر، وإن كان ظاهرًا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأبيد، وكان سبب ذلك ما تقدم في بدء الخلق:"أن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد، إلا من استثني"، فإن في هذا الطعن نوع ضرر في الجملة، مع أن ذلك سبب صراخه.
ثم اختلفوا فقيل: المعنى لم يسلط عليه من أجْل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (2)، وقيل: المراد لم يطعن في بطنه، وهو بعيد لمنابذته ظاهر الحديث المتقدم، وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا، وقيل: المراد [لم يصرعه، وقيل: ] لم يضره في بدنه.
وقال ابن دقيق العيد: يحتمل أن لا يضره في دينه أيضًا، ولكن يبعده انتفاء العصمة. وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب، لا بطريق الجواز، فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدًا، وإن لم يكن ذلك واجبًا له.
(1)"فتح الباري"(9/ 229).
(2)
سورة الحجر: الآية 42.
2162 -
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، عن وَكِيعٍ، عن سُفْيَانَ، عن سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عن الْحَارِثِ بْنِ مُخَلَّدٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَة (1) في دُبُرِهَا". [جه 1923]
===
قلت: ويتعقب أيضًا بأن انتفاء الضرر في دينه لا يستلزم العصمة، بل انتفاء الضرر في الدين يتحقق بعد صدور الذنب منه؛ بأن يوفقه الله للتوبة والإنابة، وهو الأقرب.
وقال الداودي: معنى "لم يضره" أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر، وليس المراد عصمته منه عن المعصية. وقيل: لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه، كما جاء عن مجاهد:"أن الذي يجامع، ولا يسمي، يلتفت الشيطان إلى إحليله فيجامع معه"، ولعل هذا أقرب الأجوبة.
قال الحافظ (2): وأفاد الكرماني أنه رأى في نسخة قرأت على الفربري: قيل للبخاري: من لا يحسن العربية يقولها بالفارسية؟ قال: نعم.
2162 -
(حدثنا هناد، عن وكيع، عن سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن الحارث بن مخلد) بفتح المعجمة وتشديد اللام، الزرقي الأنصاري، أخرجوا له حديثًا واحدًا في إتيان المرأة في دبرها. قلت: وقال البزار: ليس بمشهور، وقال ابن القطان: مجهول الحال، وذكره ابن حبان في "الثقات". (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملعون من أتى امرأة في دبرها) أي جامعها في دبرها.
وهذا الحديث يستدل به، وبالأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الباب على أنه يحرم إتيان النساء في أدبارهن. وتعقب بأن الأحاديث الواردة في هذا الباب كلها ضعيفة. ويجاب عنه: بأن الأحاديث وإن كان كل واحد منها تكلم فيه، إلَّا أنه يقوي بعضها بعضًا، فيصير مجموعها حجةً في ذلك.
(1) في نسخة: "امرأته".
(2)
"فتح الباري"(1/ 242).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ويستدل بقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1)، فإن محل الحرث ليس إلَّا القبل.
وأما ما وقع من المناظرة بين الإِمام الشافعي، وبين الإِمام محمد بن الحسن، وقد ذكره الشوكاني (2) والحافظ ابن حجر (3)، فالذي أظن أن ما ينسب إلى الإِمام الشافعي من الاعتراض على الاستدلال بالآية فيبعد عن جنابه؛ بأن الإِمام محمد بن الحسن لما استدل بالآية على تحريم الوطء في الدبر، قال له الإِمام الشافعي: لو وطئها بين ساقيها، أو في أعكانها، أو تحت إبطها، أو أخذت ذكره بيدها، أفيحرم ذلك؟ قال محمد بن الحسن: لا. قال الشافعي: فلم تحتج بما لا حجة فيه؟ ! .
فهذا الكلام الذي دار بينهما لا يليق بصغار الطلبة، فضلًا عن الإمامين الهُمامين؛ لأنه ظاهر أن هذه الأفعال ليس بوطء، ولا إدخال، بل هو إلصاق البشرة بالبشرة.
نعم لو اعترض عليه بأن الرجل لو أدخل في فمها لكان له ذلك. ولكننا نقول: إن الإدخال في الفم يحرم، كما يحرم الوطء في الدبر، ولا قائل بجوازه (4) أحد، فظني أن قصة المناظرة غلط.
وأما إنكار بعض أهل الحديث ثبوت الحرمة بالأحاديث الواردة فيه، فمبني على اعتبار أنه لم يثبت في هذا الباب كل واحد واحد من الأحاديث، لا باعتبار مجموعها، فإن مجموعها مثبت لها.
(1) سورة البقرة: الآية 223.
(2)
"نيل الأوطار"(4/ 290 - 291).
(3)
"فتح الباري"(8/ 191).
(4)
فيه أن المسألة خلافية عند الحنفية، ذكر في "الفتاوى الهندية" فيه قولان: الكراهة وغيرها. (ش).
2163 -
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، نَا سُفْيَانُ، عن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا (1) يقُولُ: "إِنَّ الْيَهُودَ يقُولُون: إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ في فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا
===
ويستدل أيضًا بقوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (2)، حرم وطء الحائض بعلة الأذى، وهذه العلة المصرحة مع ما فيه مفاسد كثيرة تدل على تحريم الوطء في الدبر بدلالة النص.
قال الشوكاني: وقد ذكر ابن القيم لذلك مفاسد دينية، ودنيوية فليراجع (3). وكفى مناديًا على خساسته أنه لا يرضى أحد أن ينسب إليه، ولا إلى إمامه تجويز ذلك، إلَّا ما كان من الرافضة، مع أنه مكروه عندهم. وأوجبوا للزوجة فيه عشرة دنانير عوض النطفة، وهذه المسألة هي إحدى مسائلهم التي شَذُّوا بها.
وحكى الإِمام المهدي في "البحر" عن العترة جميعًا، وأكثر الفقهاء أنه حرام. قال الحاكم بعد أن حكى عن الشافعي ما سلف: لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم، فأما الجديد فالمشهور أنه حرَّمه. وقد روى الماوردي في "الحاوي"، وأبو نصر الصباغ في "الشامل" وغيرهما عن الربيع أنه قال: كذب والله يعني ابن عبد الحكم، فقد نصَّ الشافعي على تحريمه في ستة كتب.
وقد رُوي الجواز أيضًا عن مالك، روى ذلك عنه أهل مصر وأهل المغرب، وأصحاب مالك العراقيون لم يثبتوا هذه الرواية عنه، وقد رجع متأخرو أصحابه عن ذلك، وأفتوا بتحريمه، انتهى.
2163 -
(حدثنا ابن بشار، نا عبد الرحمن، نا سفيان، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابرًا يقول: إن اليهود يقولون: إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها)، قال ابن الملك: كان يقف خلفها، ويولج في قُبُلها،
(1) في نسخة: "يعني ابن عبد الله".
(2)
سورة البقرة: الآية 222.
(3)
انظر: "زاد المعاد"(4/ 240).
كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1)[خ 4528، م 1435، ت 2982، جه 1925، دي 2214]
2164 -
حَدَّثَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الأَصبَغِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ - يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ-، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عن أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عن مُجَاهِدٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "إِنَّ ابْنَ عُمَرَ- والله يَغْفِرُ لَهُ- أَوْهَمَ،
===
فإن الوطء في الدبر محرم في جميع الأديان (كان ولده) أي: المتولد بذلك الجماع (أحولَ) لتحول الوطء عن الجماع المتعارف، وهو الإتيان من جهة القدام في القبل.
(فأنزل الله عز وجل ردًا عليهم ({نِسَاؤُكُمْ}) أي: منكوحاتكم ومملوكاتكم ({حَرْثٌ لَكُمْ}) أي: مواضع زراعة أولادكم، يعني هن لكم بمنزلة الأرض المعدة للزراعة، ومحله القبل، فإن الدبر موضع الفرث، لا محل الحرث ({فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}) أي: كيف شئتم من قيام، أو قعود، أو اضطجاع، أو من الدبر في فرجها. والمعنى على أيِّ هيئة كانت، فهي مباحة لكم، ولا يترتب منها ضرر عليكم، شبَّههن بالمحارث، لما يلقى في أرحامهن من النطف، التي منها النسل المشبهة بالبذور، فلفظ "أنى" بمعنى كيف، أو بمعنى من أين، أي فأتوا حرثكم من أي جهة شئتم.
2164 -
(حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ، حدثني محمد -يعني ابن سلمة-، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: إن ابن عمر- والله يغفر له -) جملة دعائية معترضة بين اسم إن وخبرها (أوهم) هكذا في جميع النسخ الموجودة. قال السيوطي: قال الخطابي (2): هكذا وقع في الرواية، والصواب "وهم" بغير ألف، يقال:
(1) سورة البقرة: الآية 223.
(2)
"معالم السنن"(3/ 227).
إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ - وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ - مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ - وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ - وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُم فَضْلًا عَلَيْهِمْ في الْعِلْم، فَكَانُوا (1) يَقْتَدُونَ بكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَان مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَاب أنْ لَا يأتُوا النِّسَاءَ إلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ،
===
وهم الرجل بالكسر، إذا غلط في الشيء، ووهم بالفتح، إذا ذهب وهمه إلى الشيء، وأوهم بالألف، إذا أسقط من قراءته أو كلامه شيئًا.
قلت: لكن قال في "القاموس": ووهم. في الحساب، كوَجِلَ: غَلِط، وفي الشيء كوعد: ذهب وهمه إليه، وأوهم كذا من الحساب: أسقط، أو وهم كوَعَدَ ووَرِثَ، وأوهم بمعنى.
ولعل الحامل لابن عباس على هذه التخطئة ما روي عن ابن عمر عند الدارقطني: أن قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} نزلت في الوطء في الدبر، فأنكر عليه ذلك. وقال:
(إنما كان هذا الحي من الأنصار، وهُم أهلُ وثنٍ) أي يعبدون الأوثان في الجاهلية يسكنون (مع هذا الحي من يهود، وهم) أي اليهود (أهل كتاب، وكانوا) أي الأنصار (يرون لهم) أي لليهود (فضلًا) أي فضيلة (عليهم) أي على الأنصار (في العلم، فكانوا) أي الأنصار (يقتدُون) أي يتبعونهم (بكثير من فعلهم، وكان من أمر) أي حال (أهل الكتاب أن) أي أنهم (لا يأتوا النساء) أي: لا يجامعونهن (إلَّا على حرْف) أي: على هيئة واحدة وهي الاستلقاء (2).
(وذلك) أي الطريق الواحد (أسترُ ما تكون المرأةُ) أي في هذه الحالة،
(1) في نسخة: "وكانوا".
(2)
كما في "الدر المنثور"(1/ 627) برواية ابن عساكر عن جابر، ويظهر من كلام الزرقاني (3/ 177): أنهم يأتونها على ظهورها، إذ قال: إن عادة كثير من العرب وغيرهم إتيان النساء من قبل ظهورهن، ولم تكن الأنصار تفعل غير ذلك، استبقاءً للحياء وطلبًا للستر، وكراهة لاجتماع الوجوه حينئذ، والاطلاع على العورات، والمهاجرون يأتونهن من قبل الوجه، انتهى. ويؤيد ذلك لفظ حديث الباب:"وذلك أستر ما يكون للمرأة"، =
فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ وَقَالَتْ: إِنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ فَاصْنَعْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، أَيْ: مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، يَعْني بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ".
===
(فكان هذا الحيُّ من الأنصار قد أخذوا) أي اختاروا وتعلموا (بذلك من فعلهم، وكان هذ الحي من قريش يشرحُون (1)) بالحاء المهملة، قال في "المجمع": شرح جاريته إذا وطئها نائمة على قفاها (النساءَ شرحًا منكرًا، ويتلذذون منهن مقبلاتٍ ومدبراتٍ ومستلقياتٍ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم) أي من المهاجرين (امرأة من الأنصار، فذهب) أي المهاجري (يصنع بها) أي بزوجه من الأنصار (ذلك) أي الشرح المتعارف بينهم (فأنكرتْه عليه) ولم ترض بهذا الفعل؛ لأنه خلاف المتعارف بينهن.
(وقالت: إنما كنا نُؤتى على حرْف) أي نجامع على حالة واحدة (فاصنعْ ذلك، وإلَّا) وإن لا ترض بذلك (فاجْتَنِبْني، حتى شرِيَ) أي: عظم وتفاقم (أمرهما، فبلغ ذلك) أي الأمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع) الحرث (الولد)، أي: وهو الفرج.
= ولكن ما تقدم من الحديث السابق: أن اليهود يزعمون أن الولد بذلك يكون أحول، وهم يقتدون باليهود يأبى ذلك، فتأمل. (ش).
(1)
وقال ابن عمر: الأولى أن ينظر إلى فرج امرأته وقت الوقاع ليكون أبلغ في اللذة، وسئل أبو حنيفة: هل يمسّ فرجها وتمسّ ذكره؟ قال: أرجو أن يعطى الأجر، كذا في "الفتاوى العالمكَيرية"(5/ 328). (ش).