الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبنو يفرن أصحابه بمواطنهم من تلمسان بعد أن قتل صاحبه أبو حاتم الكندي رأس الخوارج، واستلحم بني يفرن وتوغّل يزيد بن حاتم في المغرب ونواحيه وأثخن في أهله إلى أن استكانوا واستقاموا. ولم يكن لبني يفرن من بعدها انتقاض حتى كان شأن أبي يزيد بإفريقية في بني واركوا ومر نجيصة منهم حسبما نذكره إن شاء الله تعالى الكريم. وبعض المؤرّخين ينسب أبا قرّة هذا إلى مغيلة، ولم أظفر بصحيح في ذلك، والطرائق متساوية في الجانبين، فإنّ نواحي تلمسان وإن كانت موطنا لبني يفرن فهي أيضا موطن لمغيلة، والقبيلتان متجاورتان. لكن بنو يفرن كانوا أشدّ قوّة وأكثر جمعا، ومغيلة أيضا كانوا أشهر بالخارجيّة من بني يفرن لأنهم كانوا صفريّة. وكثير من الناس يقولون: إنّ بني يفرن كانوا على مذهب أهل السنّة كما ذكره ابن حزم وغيره والله أعلم.
(الخبر عن أبي يزيد الخارجي صاحب الحمار من بني يفرن ومبدإ أمره مع الشيعة ومصائره)
هذا الرجل من بني واركوا إخوة مرنجيصة، وكلهم من بطون بني يفرن، وكنيته أبو يزيد، واسمه مخلّد بن كيداد لا يعلم من نسبه فيهم غير هذا. وقال أبو محمد بن حزم: ذكر لي أبو يوسف الورّاق عن أيوب بن أبي يزيد أنّ اسمه مخلّد بن كيداد [1] بن سعد الله بن مغيث بن كرمان بن مخلّد بن عثمان بن ورنمت بن حونيفر [2] بن سميران بن يفرن بن جانا وهو زناتة. قال: وقد أخبرني بعض البربر بأسماء زائدة بين يفرن وجانا، انتهى. كلام ابن حزم. ونسبه ابن الرقيق أيضا في بني واسين بن ورسيك بن جانا، وقد تقدّم نسبهم أوّل الفصل. وكان كيداد أبوه يختلف إلى بلاد السودان في التجارة، فولد له أبو يزيد بكركوا من بلادهم، وأمّه أم ولد اسمها سيكة [3] ورجع به إلى قيطون زناتة ببلاد قصطيلة. ونزل توزر مترددا بينها وبين تقيّوس، وتعلّم القرآن وتأدّب، وخالط النكارية فمال إلى مذاهبهم وأخذها عنهم، ورأس فيها
[1] وفي النسخة الباريسية: كنداك.
[2]
وفي النسخة الباريسية: ورينت بن جوسفر وفي نسخة أخرى: جونفر.
[3]
وفي نسخة ثانية: سبيكة.
ورحل إلى مشيختهم بتيهرت، وأخذ عن أبي عبيدة منهم أيام اعتقال عبيد الله المهدي بسجلماسة.
ومات أبوه كيداد وتركه على حال الخصاصة والفقر، فكان أهل القيطون يصلونه بفضل أموالهم، وكان يعلّم صبيانهم القرآن ومذاهب النكارية. واشتهر عنه تكفير أهل الملّة وسبّ عليّ فخاف وانتقل إلى تقيّوس. وكان يختلف بينها وبين توزر، وأخذ نفسه بالتغيير على الولاة، ونمي عنه اعتقاد الخروج عن السلطان فنذر الولاة بقصطيلة دمه، فخرج إلى الحجّ سنة عشر وثلاثمائة وأرهقه الطلب فرجع من نواحي طرابلس إلى تقيّوس. ولمّا هلك عبد الله أوعز القائم إلى أهل قصطيلة في القبض عليه، فلحق بالمشرق وقضى الفرض وانصرف إلى موطنه، ودخل توزر سنة خمس وعشرين وثلاثمائة مستترا. وسعى به ابن فرقان عند والي البلد فتقبّض عليه واعتقله، وأقبل سرعان [1] زناتة إلى البلد ومعهم أبو عمّار الأعمى رأس النكارية واسمه كما سبق عبد الحميد، وكان ممن أخذ عنه أبو يزيد فتعرّضوا للوالي في إطلاقه، فتعلّل عليهم بطلبه في الخراج، فاجتمعوا إلى فضل ويزيد ابني أبي يزيد، وعمدوا إلى السجن فقتلوا الحرس وأخرجوه، فلحق ببلد بني واركلا، وأقام بها سنة يختلف إلى جبل أوراس وإلى بني برزال في مواطنهم بالجبال قبلة المسيلة، وإلى بني زنداك من مغراوة إلى أن أجابوه، فوصل إلى أوراس ومعه أبو عمّار الأعمى في اثني عشر من الراحلة، ونزلوا على النكارية بالنوالات [2] . واجتمع إليه القرابة وسائر الخوارج، وأخذ له البيعة عليهم أبو عمّار صاحبه على قتال الشيعة وعلى استباحة الغنائم والسبي، وعلى أنهم إن ظفروا بالمهديّة والقيروان صار الأمر شورى، وذلك سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة.
وترصّدوا غيبة صاحب باغاية في بعض وجوهه فضربوا على بسيطها، واستباح بعض القصور بها سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وغمس بذلك أيدي البربر في الفتنة. ثم زحف بهم إلى باغاية واستولت عليه وعلى أصحابه الهزيمة فلحقوا بالجبل. وزحف إليهم صاحب باغية فانهزم ورجع إلى بلده، فحاصره أبو يزيد وأوعز أبو القاسم القائم إلى كتامة في إمداد كنون صاحب باغاية، فتلاحقت به العساكر فبيّتهم أبو يزيد وأصحابه
[1] سرعان زناتة: أي اوائلهم السابقون (قاموس) .
[2]
اسم موضع كان يتردد إليه هؤلاء النكادية.
ففلّوهم، وامتنعت عليه باغاية وكاتب أبو يزيد البربر الذين حول قصطيلة من بني واسين وغيرهم، فحاصروا توزر سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ورحل إلى تبسة فدخلها صلحا، ثم إلى بجاية كذلك، ثم إلى مرماجنّة. كذلك، وأهدوا له حمارا أشهب فلزم ركوبه حتى اشتهر به. وبلغ خبره عساكر كتامة بالاربص [1] فانفضوا وملك الأربص وقتل إمام الصلاة بها. وبعث عسكرا إلى تبسة فملكوها وقتلوا عاملها. وبلغ الخبر القائم وهو بالمهديّة فهاله. وسرّح العساكر لضبط المدن والثغور، وسرّح مولاه بشرى الصقلّي إلى باجة، وعقد لميسور على الجيوش فعسكر بناحية المهدية، وسرّح خليل بن إسحاق إلى القيروان فعسكر بها. وزحف أبو يزيد إلى بشرى بباجة، واشتدّت الحرب بينهم، وركب أبو يزيد حماره وأمسك عصاه فاستمالت النكارية، وخالفوا بشرى إلى معسكره فانهزم إلى تونس، واقتحم أبو يزيد باجة واستباحها، ودخل بشرى إلى تونس وارتدت البرابر من كل ناحية فأسلم تونس ولحق بسوسة.
واستأمن أهل تونس إلى أبي يزيد فأمّنهم وولّى عليهم، وانتهى إلى وادي مجدرة [2] فعسكر بها. ووافته الحشود هنالك. ورعب الناس منه فأجفلوا إلى القيروان، وكثرت الأراجيف وسرّب أبو يزيد جيوشه في نواحي إفريقية، فشنّوا الغارات وأكثروا السبي والقتل والأسر. ثم زحف إلى رقادة فانفضّ كتامة الذين كانوا بها ولحقوا بالمهديّة.
ونزل أبو يزيد رقادة في مائة ألف.
ثم زحف إلى القيروان فانحصر بها خليل بن إسحاق ثم أخذه بعد مراوضة في الصلح، وهمّ بقتله فأشار عليه أبو عمّار باستبقائه فلم يطعه وقتله. ودخلوا القيروان فاستباحوها ولقيه مشيخة الفقهاء فأمّنهم بعد التقريع والعتب، وعلى أن يقتلوا أولياء الشيعة، وبعث رسله في وفد من أهل القيروان إلى الناصر الأموي صاحب قرطبة ملتزما لطاعته والقيام لدعوته وطالبا لمدده، فرجعوا إليه بالقبول والوعد. ولم يزل يردّد ذلك سائر أيام الفتنة حتى أوفد ابنه أيوب في آخرها سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، فكان له اتصال بالناصر سائر أيامه. وزحف ميسور من المهديّة بالعساكر وفرّ عنه بنو كملان من هوّارة ولحقوا بأبي يزيد وحرّضوه على لقاء ميسور، فزحف إليه واستوى اللقاء.
واستمات أبو يزيد والنكارية فانهزم ميسور وقتله أبو كملان وبعث برأسه إلى القيروان،
[1] وفي نسخة ثانية: الأربس وكذلك في معجم البلدان.
[2]
وفي نسخة ثانية: مجردة.
ثم إلى المغرب واستبيح معسكره.
وسرّح أبو يزيد عساكره إلى مدينة سوسة فاقتحموها عنوة وأكثروا من القتل والمثلة.
وعظم القتل بضواحي إفريقية، وخلت القرى والمنازل ومن أفلته السيف أهلكه الجوع. واستخفّ أبو يزيد بالناس بعد قتل ميسور فلبس الحرير وركب الفاره. ونكر عليه أصحابه ذلك، وكاتبه به رؤساؤهم من البلاد، والقائم خلال ذلك بالمهديّة يخندق على نفسه ويستنفر كتامة وصنهاجة للحصار معه. وزحف أبو يزيد حتى نزل المهديّة وناوش عساكرها الحرب، فلم يزل الظهور عليهم، وملك زويلة. ولما وقف بالمصلّى قال القائم لأصحابه من هاهنا يرجع، واتصل حصاره للمهديّة، واجتمع إليه البربر من قابس وطرابلس ونفوسة.
وزحف إليهم ثلاث مرّات فانهزم في الثالثة ولم يقلع، وكذلك في الرابعة، واشتدّ الحصار على المهديّة ونزل الجوع بهم. واجتمعت كتامة بقسنطينة وعسكروا بها لإمداد القائم، فسرّح إليهم أبو يزيد يكموس [1] المزاتي من ورفجومة، فانفضّ معسكر كتامة من قسنطينة. ويئس القائم من مددهم وتفرّقت عساكر أبي يزيد في الغارات والنهب فخفّ المعسكر، ولم يبق به إلّا هوّارة ورأس بني كملان [2] وكثرت مراسلات القائم للبربر.
واستراب بهم أبو يزيد وهرب بعضهم إلى المهديّة، ورحل آخرون إلى مواطنهم، فأشار عليه أصحابه بالإفراج عن المهديّة فأسلموا معسكرهم، ولحقوا بالقيروان سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. ودبّر أهل القيروان في القبض عليه فلم يتهيّأ لهم، وعذله أبو عمّار فيما أتاه من الاستكثار من الدنيا فتاب وأقلع، وعاود لبس الصوف والتقشّف.
وشاع خبر إجفاله عن المهديّة فقتل النكارية في كل بلد، وبعث عساكره فعاثوا في النواحي وأوقعوا بأهل الأمصار وخرّبوا كثيرا منها. وبعث ابنه أيوب إلى باجة فعسكر بها ينتظر وصول المدد من البربر وسائر النواحي فلم يفجأه إلّا وصول عليّ بن حمدون الأندلسي صاحب المسيلة في حشد كتامة وزواودة، وقد مرّ بقسنطينة والأربص وشقنبارية، واستصحب منها العساكر فبيّته أيوب وانفضّ معسكره، وتردّى به فرسه في بعض الأوعار فهلك.
[1] وفي نسخة ثانية: زكوا.
[2]
وفي نسخة ثانية: هوارة وراس وبنو كملان.
ثم زحف أيوب في عسكره إلى تونس وقائدها حسن بن علي من دعاة الشيعة فانهزم، ثم أتيحت له الكرّة ولحق حسن بن عليّ بلد كتامة فعسكر بهم على قسنطينة. وسرّح أبو يزيد جموع البربر لحربه. ثم اجتمعت لأبي يزيد حشود البربر من كل ناحية وثابت إليه قوّته. وارتحل إلى سوسة فحاصرها ونصب عليها المجانيق. وهلك القائم سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة في شوّال وصارت الخلافة لابنه إسماعيل المنصور فبعث بالمدد إلى سوسة بعد أن اعتزم على الخروج إليها بنفسه فمنعه أصحابه. ووصل المدد إلى سوسة فقاتلوا أبا يزيد فانهزم ولحق بالقيروان، فامتنعت عليه فاستخلص صاحبه أبا عمّار من أيديهم وارتحل عنهم.
وخرج المنصور من المهديّة إلى سوسة، ثم إلى القيروان فملكها وعفا عن أهلها وأمّنهم وأحسن في مخلّف أبي يزيد وعياله. وتوافي المدد إلى أبي يزيد ثالثة فاعتزم على حصار القيروان، وزحف إلى عسكر المنصور بساحتها فبيّتهم، واشتدّ الحرب واستمات الأولياء وافترقوا آخر نهارهم. وعاودوا الزحف مرّات ووصل المدد إلى المنصور من الجهات حتى إذا كان منتصف المحرّم كان الفتح، وانهزم أبو يزيد وعظم القتل في البربر ورحل المنصور في اتباعه فمرّ [1] ثم تبسة حتى انتهى إلى باغاية. ووافاه بها كتاب محمد بن خزر بالطاعة والولاية والاستعداد للمظاهر، فكتب إليه بترصّد أبي يزيد والقبض عليه، ووعده في ذلك بعشرين حملا من المال. ثم رحل إلى طبنة فوافاه بها جعفر بن عليّ عامل المسيلة بالهدايا والأموال. وبلغه أنّ أبا يزيد نزل بسكرة وأنه كاتب محمد بن خزر يسأله النصرة، فلم يجد عنده ما يرضيه، فارتحل المنصور إلى بسكرة فتلقّاه أهلها. وفرّ أبو يزيد إلى بني برزال بجبل سالات، ثم إلى جبل كتامة وهو جبل عياض لهذا العهد. وارتحل المنصور في أثره إلى ومرة [2] وبيّته أبو يزيد هنالك فانهزم ولم يظفر وانحاز إلى جبل سالات. ثم لحق بالرمال ورجع عنه بنو كملان، وأمّنهم المنصور على يد محمد بن خزر.
وسار المنصور في التعبية حتى نزل جبل سالات، وارتحل وراءه إلى الرمال. ثم رجع ودخل بلاد صنهاجة، وبلغه رجوع أبي يزيد إلى جبل كتامة فرجع إليه، ونزل عليه المنصور في كتامة وعجيسة وزواوة وحشد بني زنداك ومزاته ومكناسة ومكلاته.
[1] بياض بالأصل وفي نسخة ثانية: فمرّ بسبيبة ثم بتبسة.
[2]
وفي نسخة أخرى: مغرة.
وتقدّم المنصور إليه فقاتلوا أبا يزيد وجموع النكارية فهزموهم واعتصموا بجبل كتامة، ورحل المنصور إلى المسيلة وانحصر أبو يزيد في قلعة الجبل، وعسكر المنصور إزاءها واشتدّ الحصار، وزحف إليها مرّات، ثم اقتحمها عليهم فاعتصم أبو يزيد بقصر في ذروة القلعة فأحيط به واقتحم، وقتل أبو عمّار الأعمى ويكموس المزاتي ونجا أبو يزيد مثخنا بالجراحة محمولا بين ثلاثة من أصحابه فسقط في مهواة من الأوعار فوهن وسيق من الغداة إلى المنصور فأمر بمداواته. ثم أحضره ووبّخه وأقام الحجّة عليه وتجافى عن دمه، وبعثه إلى المهديّة وفرض له بها الجراية فجزاه خيرا. وحمل في القفص فمات من جراحته سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. وأمر به فسلخ وحشي جلده بالتبن وطيف به في القيروان. وهرب الفلّ من أصحابه إلى ابنه فضل، وكان مع معبد بن خزر فأغاروا على ساقة المنصور، وكمن لهم زيري بن مناد أمير صنهاجة فأوقع بهم. ولم يزل المنصور في اتباعه إلى أن نزل المسيلة وانقطع أثر معبد، ووافاه بمعسكره هنالك انتقاض حميد بن يصل عامل تيهرت [1] من أوليائهم، وأنه ركب البحر من تنس إلى العدوة فارتحل إلى تيهرت وولّى عليها وعلى تنس. ثم قصد لواتة فهربوا إلى الرمال، ورجع إلى إفريقية سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. ثم بلغه أنّ فضل بن أبي يزيد أغار على جهات قصطيلة، فرحل من سنته في طلبه وانتهى إلى قفصة ثم ارتحل إلى [2] من أعمال الزاب، وفتح حصن ماداس مما يليه. وهرب فضل في الرمال فأعجزه ورجع إلى القيروان سنة ست وثلاثين. ومضى فضل إلى جبل أوراس، ثم سار منه إلى باغاية فحاصرها. وغدر به ماطيط [3] بن يعلى من أصحابه، وجاء برأسه إلى المنصور. وانقرض أمر أبي يزيد وبنيه وافترقت جموعهم. واغتال عبد الله ابن بكار من رؤساء مغراوة بعد ذلك أيوب بن أبي يزيد وجاء برأسه إلى المنصور متقرّبا إليه. وتتبّع المنصور قبائل بني يفرن بعدها إلى أن انقطع أثر الدعوة. والبقاء للَّه تعالى وحده.
[1] تاهرت: معجم البلدان.
[2]
بياض بالأصل وفي النسخة الباريسية: مديلية وفي نسخة أخرى ميطلة.
[3]
وفي نسخة ثانية: باطيط.