الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن ساحب بردا من العلم والتقى
…
عليه ذيول الداوديّة تسحب
له صبغة في العلم جاءت بأصبغ
…
وشهبان فهم لم يشمهنّ أشهب
فيا عسكرا قد ضمّ أعلام عالم
…
به طاب في الدنيا لنا متقلّب
هم الفئة العلياء والمعشر الّذي
…
إذا حلّ شعبا [1] فهو للحق مشعب
لك الفضل في الدنيا على كل قاطن
…
ومرتحل أنّى يجيء ويذهب
ويا مالكا [2] عدلا رضى متورّعا
…
مناقبه العلياء تتلى وتكتب
شرعت من الإحسان فينا شريعة
…
تساوى بهاناء ومن يتقرّب
وأسميت أهل النسك إذ كنت منهم
…
فمنك أخو التقوى قريب مقرّب
وأعليت قدر العلم إذ كنت عالما
…
فقيها وفي طلّابه لك مأرب
فمدحك محتوم على كلّ قائل
…
ومن ذا الّذي يحصي الرمال ويحسب
فلله كم تعطي وتمطي وتجتبي
…
فللبحر من كفيك قد صحّ منسب
فلا برحت كفّاك في الأرض مزنة
…
يطيب بها للخلق مرعى ومشرب
ولا زلت في علياء مجدك راقيا
…
وشانئك المدحوض ينكى وينكب
توافي على أقصى أمانيك آمنا
…
فلا برّ يستعصى ولا يتعصّب
الخبر عن واقعة العرب مع السلطان أبي الحسن بالقيروان وما تخللها من الأحداث
كان هؤلاء الكعوب من بني سليم رؤساء البدو بإفريقية، وكان لهم اعتزاز على الدولة لا يعرفون غيره مذ أوّلها بل وما قبله، إذ كان سليم هؤلاء منذ تغلّب العرب من مضر على الدول والممالك أوّل الإسلام انتبذوا إلى الضواحي والقفار، وأعطوا من صدقاتهم عن عزّة، وارتاب الخلفاء بهم لذلك حتى لقد أوصى المنصور ابنه المهدي أن لا يستعين بأحد منهم كما ذكر الطبري. فلما انثالت الدولة العبّاسية واستبدّ الموالي من العجم عليهم، اعتز بنو سليم هؤلاء بالقفر من أرض نجد، وأجلبوا على الحاج بالحرمين، ونالتهم منهم معرّات، ولما انقسم ملك الإسلام بين العبّاسية والشيعة
[1] وفي نسخة ثانية: صعبا.
[2]
وفي نسخة ثانية: يا ملكا.
واختطّوا القاهرة، نفقت لهم أسواق الفتنة والتعزز، وساموا الدولتين بالهضيمة وقطع السابلة. ثم أغراهم العبيديّون بالمغرب وأجازوا إلى برقة على أثر الهلاليّين فخرّبوا عمرانها وأجروا في خلائها، حتى إذا خرج ابن غانية على الموحّدين وانتزى بالثغور الشرقيّة طرابلس وقابس، واجتمع معه قراقش الغزيّ مولى بني أيوب ملوك مصر والشام، وانضاف إليهم أفاريق العرب من بني سليم هؤلاء وغيرهم، أجلبوا معه على الضواحي والأمصار، وصاروا في جملتهم من ناعق فتنتهم. ولمّا هلك قراقش وابن غانية واستبدّ آل أبي حفص بإفريقية وأعزّ الزواودة على الأمير أبي زكريا يحيى ابن عبد الواحد بن أبي حفص، استظهر عليهم ببني سليم هؤلاء، وزاحمهم بظواعنهم وأقطعهم بإفريقية ونقلهم عن مجالاتهم بطرابلس وأنزلهم بالقيروان، فكان لهم من الدولة مكان وعليها اعتزاز، ولما افترق سلطان بني أبي حفص، واستبدّ الكعوب برياسة البدو، وضربوا بين أعياصها وسعوا في شقاقها، وأصابت منهم وأصابوا منها، وكان بين مولانا الأمير أبي يحيى وبين حمزة بن عمر أخي الأمير منازعة وفتن وحرب سجال أعانه عليها ما كان من زحف بني عبد الواد إلى إفريقية وطمعهم في تملّك ثغورها، فكان يستجرّ جيوشهم لذلك، وينصب الأعياص من بني أبي حفص يزاحم بهم، ثم غلبه مولانا السلطان أبو بكر آخرا واستجرّه إلى الطاعة ما كان من قطع كلمة الزبون [1] عن مولانا السلطان أبي يحيى، وهلاك عدوّه من آل يغمراسن، بسيف وليّه وظهيره السلطان أبي الحسن، فأذعن وسكن غرب اعتزازه. وحمل بني سليم على إعطاء صدقاتهم، فأعطوها بالكراهة. ثم هلك باغتيال الدولة له فيما يزعمون، وقام بالأمر بنوه ولم يعرفوا عواقب الأمور ولا أبلوا باعتساف الدولة، ولم يعهدوا ولا سمعوا لسلفهم غير الاعتزاز فحدّثتهم أنفسهم بالفتنة والاعتزاز على قائد الدولة. وحاربوه فغلبوه، وأجلبوا على السلطان في ملكه، ونازلوه بعقر داره سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ولما سامهم الأمير ابن مولانا السلطان أبي يحيى الهضيمة بعد مهلك أبيه، نزعوا إلى أخيه وليّ العهد، فجاء إلى تونس وملكها سبعا. ثم اقتحم عليه أخوه الأمير أبو حفص فقتله. وتقبّض يوم اقتحامه البلد
[1] الزبن: دفع الشيء عن الشيء، وجرب زبون. تزين الناس، أي تصدعهم وتدفعهم، على التشبيه بالناقة التي تزبن ولدها عن ضرعها وتزبن الحالب أي تدفعه بثفناتها وقال الجوهري: أما الزبون للغبي والحريف فليس من كلام أهل البادية (لسان العرب) .
على أبي الهول بن حمزة أخيهم، فقتله صبرا بباب داره بالقصبة، فأسفهم بها.
ونزعوا الى السلطان أبي الحسن ورغّبوه في ملك إفريقية واستعدّوه إليها.
ولما تغلب السلطان على الوطن وكانت حاله في الاعتزاز على من في طاعته غير حال الموحدين وملكته للبدو غير ملكتهم، وحين رأى اعتزازهم على الدولة وكثرة ما أقطعتهم من الضواحي والأمصار، نكره وأدالهم من الأمصار التي أقطعهم الموحدون بأعطيات فرضها لهم في الديوان. واستكثر جبايتهم، فنقصهم الكثير منها وشكا إليه الرعيّة من البدو وما ينالونهم به من الظلامات والجور بفرض الاتاوة التي يسمونها الخفارة، فقبض أيديهم عنها وأوعز إلى الرعايا بمنعهم منها، فارتابوا لذلك، وفسدت نياتهم وثقلت وطأة الدولة عليهم فترصّدوا لها. وتسامع ذؤبانهم وبواديهم بذلك، فأغاروا على قياطين [1] بني مرين ومسالحهم بثغور إفريقية وفروجها، واستاقوا أموالهم، وكثر شاكيهم [2] وأظلم الجو منهم بينهم وبين السلطان والدولة.
ووفد عليه بتونس بعد مرجعه من المهديّة وفد من مشيختهم، كان فيهم خالد بن حمزة مستحبة [3] إلى إفريقية، وأخوه أحمد وخليفة بن عبد الله بن مسكين، وابن عمه خليفة بن بو زيد من أولاد القوس، فأنزلهم السلطان وأكرمهم.
ثم رفع إليه الأمير عبد الرحمن ابن السلطان أبي يحيى زكريا بن اللحياني كان في جملته، وكان من خبره أنه رجع من المشرق بعد مهلك أبيه بمصر كما قدّمناه سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة فدعا لنفسه بجهات طرابلس. وتابعه أعراب ذباب، وبايع له عبد الملك بن مكي صاحب قابس. ونهض معه إلى تونس في غيبة السلطان لتخريب تامزيزدكت كما ذكرناه، فملكها أياما وأحس بمرجع السلطان فأجفل عنها. ولحق عبد الواحد بن اللحياني إلى تلمسان، إلى أن دلف إليها السلطان أبو الحسن بعساكره، ففارقهم وخرج إليه، فأحلّه محل التّكرمة والمبرة واستقرّ في جملته إلى أن ملك تونس. ورفع إليه عند مقدم هذا الوفد أنّهم دسّوا إليه مع بعض حشمه، وطلبوه في الخروج معهم لينصّبوه للأمر بإفريقية وتبرّأ إلى السلطان من
[1] القيطون: المخدع، أعجمي، وقيل: بلغة أهل مصر وبربر: قال ابن بري: القيطون بيت في بيت (لسان العرب) .
[2]
وفي نسخة ثانية: كثر شكاتهم.
[3]
كذا في النسخة الباريسية ولا معنى لها هنا وفي نسخة ثانية: مستحثه.
ذلك، فأحضروا بالقصر ووبخهم الحاجب علال بن محمد بن المصمود، وأمر بهم، فسحبوا إلى السجن.
وفتح السلطان ديوان العطاء وعسكر بسيجوم من ساحة البلد بعد قضائه منسك الفطر من سنته. وبعث في المسالح والعساكر فتوافت إليه واتصل الخبر بأولاد أبي اليل وأولاد القوس باعتقال وفدهم وعسكرة السلطان لهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت وتعاقدوا على الموت، وبعثوا إلى أقتالهم أولاد مهلهل بن قاسم بن أحمد.
وكانوا بعد مهلك سلطانهم أبي حفص قد لحقوا بالقفر وانتبذوا عن إفريقية فرارا من مطالبة السلطان بما كانوا شيعة لعدوّهم. فأغذّ السير إليهم أبو الليل بن حمزة متطارحا عليهم بنفسه في الاجتماع على الخروج على السلطان، فأجابوه وارتحلوا معه. وتوافت أحياء بني كعب وحكيم جميعا بتوزر من بلاد الجريد، فهدروا الدماء بينهم وتدامروا وتبايعوا على الموت، والتمسوا من أعياص الملك من ينصبونه للأمر، فدلّهم بعض سماسرة الفتن على رجل من أعقاب أبي دبّوس فريسة بني مرين من خلفاء بني عبد المؤمن بمراكش، عند ما استولى عليها. وكان من خبره أنّ أباه عثمان بن إدريس بن أبي دبّوس لحق بمهلك أبيه بالأندلس، وصحب هنالك مرغم بن صابر شيخ بني ذباب وهو أسير ببرشلونة. فلما انطلق من أسره صحبه إلى وطن ذباب بعد أن عقد قمص برشلونة بينهما حلفا، وأمدّهما بأسطول على مال التزماه له. ونزل بضواحي طرابلس وجبال البربر بها، ودعا لنفسه هنالك وقام بدعوته كافة العرب من ذباب، وقاتل طرابلس، فامتنعت عليه. ثم بايعه أحمد بن أبي الليل شيخ الكعوب بإفريقية، وأجلب به على تونس، فلم يتم أمره لرسوخ دعوة الحفصيّين بإفريقية وانقطاع أمر بني عبد المؤمن منها، وآثارهم منذ الأحوال العديدة والآماد المتقادمة فنسي أمرهم.
وهلك عثمان بن إدريس هذا بجربة، ثم ابنه عبد السلام بعده، وترك من الولد ثلاثة: أصغرهم أحمد، وكان صناع اليدين. ولحقوا بتونس بعد ما طوّحت بهم طوائح الاغتراب، وظنّوا أن قد تنوسي شأن أبيهم، فتقبّض عليهم مولانا السلطان أبو يحيى وأودعهم السجن إلى أن غرّبهم إلى الاسكندرية سنة أربع وأربعين وسبعمائة ورجع أحمد إلى إفريقية، واحتل بتوزر محترفا بالخياطة يتعيّش منها، فاستدعاه بنو كعب هؤلاء حين اتفقت أهواؤهم ومن اتبعهم من أحلافهم أولاد القوس، وسائر
شعوب علاق. وخرج إليهم من توزر فنصّبوه للأمر وجمعوا له شيئا. من الفساطيط والآلة والكسوة الفاخرة والمقربات. وأقاموا له رسم السلطان، وعسكروا عليه بحللهم وقياطينهم، وارتحلوا لمناجزة السلطان، ولما قضى منسك الأضحى من سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ارتحل من ساحة تونس يريدهم، فوافاهم في الفرح بين بسيط تونس وبسيط القيروان المسمى بالثنيّة، فأجفلوا أمامه وصدقوه القتال منهزمين، وهو في اتباعهم إلى أن احتلّ بالقيروان، ورأوا أن لا ملجأ منه، فتذامروا واتفقوا على الاستماتة، ودسّ إليهم من عسكر السلطان بنو عبد الواد ومغراوة وبنو توجين فغلبوا بني مرين، ووعدوهم بالمناجزة صبيحة يومهم ليتحيّزوا إليهم براياتهم، وصبحوا معسكر السلطان، وركب إليهم في الآلة والتعبية، فاختلّ المصاف، وتحيّز إليهم الكثير، ونجا السلطان إلى القيروان فدخلها في الفلّ من عساكره ثامن المحرم سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وتدافعت ساقات العرب في أثره وتسابقوا إلى المعسكر، فانتهبوه ودخلوا فسطاط السلطان، فاستولوا على ذخيرته والكثير من حرمه، وأحاطوا بالقيروان، وأحاطت [1] حللهم بها سياجا، وتعاوت ذئابهم بأطراف البقاع، وأجلب ناعق الفتنة من كل مكان. وبلغ الخبر إلى تونس فاستحصن بالقصبة أولياء السلطان وحرمه، ونزع ابن تافراكين من جملة السلطان بالقيروان إليهم، فعقدوا له على حجابة سلطانهم أحمد بن أبي دبّوس ودفعوه إلى محاربة من كان بالقصبة بتونس، وأغذّ إليها السير واجتمع إليه أشياخ الموحّدين وزعانف الغوغاء والجند، وأحاطوا بالقصبة، وعاودها [2] القتال، ونصب المنجنيق لحصارها. ووصل سلطانه أحمد على أثره، فامتنعت عليهم، ولم يغنوا فيها غناء، وافترق أمر الكعوب وخالف بعضهم بعضا إلى السلطان، وتساقطوا إليه، فتنفّس مخنق الحصار عن القيروان، واختلفت إليه رسل أولاد مهلهل، وأحسن بهم أولاد أبي الليل بن حمزة بنفسه، وعاهد السلطان على الإفراج، ولم يفوا بعهده. وداخل السلطان أولاد مهلهل في الخروج إلى سوسة، فعاهدوه على ذلك. وأوعز أسطوله بمرساها وخرج معهم ليلا على تعبية، فلحق بسوسة وبلغ الخبر إلى ابن تافراكين بمكانه من حصار القصبة، فركب السفين ليلا إلى الإسكندرية. وارتاب سلطانهم ابن أبي دبّوس، لما وقف
[1] وفي نسخة ثانية: وأحدقت.
[2]
وفي نسخة ثانية: وغاداها.