الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حصار الجبل وألجئوهم بسوامّهم وظهرهم إلى قنّته، فهلك لهم الخفّ والحافر [1] ، وضاق ذرعهم بالحصار من كل جانب، وراسل بعضهم في الطاعة خفية فارتاب بعضهم من بعض وانفضّوا ليلا من الجبل، وأبو زيان معهم ذاهبين إلى الصحراء، واستولى الوزير على الجبل بما فيه من مخلّفهم، ولما بلغوا مأمنهم من القفر نبذوا إلى أبي زيّان عهده، فلحق بجبال غمرة، ووفد أعيانهم على السلطان عبد العزيز بتلمسان، وفاءوا إلى طاعته فتقبّل طاعتهم، وأعادهم إلى أوطانهم، وتقدّم الوزير عن أمر السلطان بالمسير مع أولاد يحيى بن علي بن سبّاع للقبض على أبي زيّان في جبل غمرة، وفاء بحق الطاعة لأنّ غمرة من رعاياهم، فمضينا لذلك، فلم نجده عندهم، وأخبرونا أنه ارتحل عنهم إلى بلد واركلا من مدن الصحراء، فنزل على صاحبها أبي بكر بن سليمان، فانصرفنا من هنالك، ومضى أولاد يحيى بن علي إلى أحيائهم، ورجعت أنا إلى أهلي ببسكرة، وخاطبت السلطان بما وقع في ذلك، وأقمت منتظرا أوامره حتى جاءني استدعاؤه إلى حضرته فرحلت إليه.
(فضل الوزير ابن الخطيب [2] )
وكان الوزير ابن الخطيب آية من آيات الله في النّظم والنّثر، والمعارف والأدب، لا يساجل مداه [3] ، ولا يهتدى فيها بمثل هداه.
فممّا كتب عن سلطانه إلى سلطان تونس جوابا عن كتاب وصل إليه مصحوبا بهديّة من الخيل والرّقيق، فراجعهم عنه بما نصّه إلى آخره:
الخلافة التي ارتفع في عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف، واستقلّت مباني فخرها الشائع، وعزّها الذائع، على ما أسّسه الأسلاف ووجب لحقّها الجازم، وفرضها اللازم الاعتراف، ووسعت الآملين لها الجوانب الرحيبة والأكناف، فامتزاجنا بعلائها [4] المنيف، وولائها الشريف، كما امتزج الماء والسلاف، وثناؤنا
[1] يعني: الجمال والخيول.
[2]
هذا الفصل غير موجود في نسختنا وقد أضفناه من نسخة بولاق المصرية، طبعة دار الكتاب اللبناني حتى لا يفوت شيء عن القارئ من هذا الكتاب النفيس.
[3]
المدّ: مصدر المدى، يقال بيني وبينه قدر مدّ البصر «أي مداه» .
[4]
العلاء والعلى: الرفعة والشرف.
على مجدها الكريم، وفضلها العميم، كما تأرجت الرياض الأفواف [1] ، لما زارها الغمام الوكاف [2] ، ودعاؤنا بطول بقائها، واتصال علائها، يسمو به إلى قرع أبواب السموات العلا الاستشراف [3] ، وحرصنا على توفية حقوقها العظيمة، وفواضلها [4] العميمة، لا تحصره الحدود، ولا تدركه الأوصاف، وإن عذر في التقصير عن نيل ذلك المرام الكبير الحقّ والإنصاف. خلافة وجهة تعظيمنا إذ توجّهت الوجوه ومن نؤثره إذا أهمّنا ما نرجوه، ونفدّيه ونبدّيه [5] إذا استمنح المحقوب واستدفع المكروه السلطان الكذا [6] بن أبي إسحاق بن السلطان الكذا، أبي يحيى بن أبي بكر بن السلطان الكذا، أبي زكريا بن السلطان الكذا، أبي إسحاق ابن الأمير الكذا، أبي زكريا ابن الشيخ الكذا، أبي محمّد بن عبد الواحد بن أبي حفص، أبقاه الله ومقامه مقام إبراهيم رزقا وأمانا. لا يخص جلب الثمرات إليه وقتا ولا يعيّن زمانا، وكان على من يتخطّف الناس من حوله [7] مؤيدا باللَّه معانا.
معظّم قدره العالي على الأقدار، ومقابل داعي حقّه بالابتدار، المثنى على معاليه المخلدة الآثار، في اصونة [8] النّظام والنّثار [9] ، ثناء الروضة المعطار، على الامطار، الداعي الى الله بطول بقائه في عصمة منسدلة الأستار، وعزة ثابتة المركز مستقيمة المدار، وان يختم له بعد بلوغ غايات الحال، ونهاية الأعمال، بالزلفى وعقبي الدار.
عبد الله الغنيّ باللَّه أمير المسلمين، محمّد بن مولانا أمير المسلمين، أبي الوليد إسماعيل ابن فرج بن نصر.
[1] كذا بالأصول، ولعل أصل الكلام:«الرياض بالافواف» ، والفوف، بالضم: الزهر والجمع أفواف.
[2]
وكف الماء: سال.
[3]
الاستشراف: التطلع الى الشيء.
[4]
الفواضل: الأيادي الجميلة.
[5]
فداه: قال له فداك، ونبديه: نبرزه. ولعل المعنى: نضعه في مكان ممتاز.
[6]
ادخل ابن الخطيب «ل» على «كذا» الموضوعة للكناية عما لم يرد المتكلم ذكره وقد شاع في رسائله هذا الاستعمال.
[7]
إشارته الى الآيات 35- 37 من سورة إبراهيم واضحة.
[8]
جمع صوان، وهو ما صنت به الشيء.
[9]
النثار: النثر.
سلام كريم كما حملت أحاديث الازهار نسمات الأسحار، وروت ثغور الاقاحي والبهار، عن مسلسلات الأنهار، وتجلى على منصة الاشتهار، وجه عروس النّهار، يخص خلافتكم الكريمة النّجار، العزيزة الجار ورحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله الّذي أخفى حكمته البالغة عن أذهان البشر، فعجزت عن قياسها، وجعل الأرواح «اجنادا مجنّدة» - كما ورد في الخبر [1]- تحنّ الى أجناسها، منجد هذه الملّة من أوليائه الجلّة بمن يروض الآمال بعد شماسها [2] ، وييسّر الأغراض قبل التماسها، ويعنى بتجديد المودّات في ذاته وابتغاء مرضاته على حين أخلاف لباسها، الملك الحقّ، وأصل الأسباب بحوله بعد انتكاث امراسها [3] ومغني النفوس بطوله، بعد إفلاسها- حمدا يدرّ أخلاف [4] النّعم بعد إبساسها [5] ، وينشر رمم الأموال من أرماسها [6] ، ويقدس النّفوس بصفات ملائكة السموات بعد إبلاسها [7] .
والصلاة والسّلام على سيّدنا ومولانا محمد رسوله سراج الهداية ونبراسها [8] عند اقتناء الأنوار واقتباسها، مطهّر الأرض من أوضارها [9] وأدناسها، ومصطفى الله من بين ناسها، وسيّد الرّسل الكرام ما بين شيثها وإلياسها، الآتي مهيمنا على آثارها، في حين فترتها [10] ومن بعد نصرتها واستيئاسها [11] ، مرغم الضّراغم في أخياسها [12] ، بعد افترارها وافتراسها [13] ، ومعفّر أجرام الأصنام ومصّمت أجراسها.
[1] يشير الى الحديث: «الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» .
[2]
شمست الدابة شماسا. شردت وجمحت.
[3]
جمع مرس، وهو الحبل. وانتكث الحبل. انتقض بعد ان كان مبرما.
[4]
الأخلاف، جمع خلف (بالكسر) ، وهو الضرع.
[5]
أبس بالناقة. دعا ولدها لتدر على حالبها.
[6]
جمع رمس، وهو القبر.
[7]
الإبلاس: القنوط، وقطع الرجاء.
[8]
النبراس (بالكسر) : المصباح.
[9]
أو ضارها: ج وضر: وسخ.
[10]
الفترة: ما بين كل نبيين، أو رسولين من زمان انقطعت فيه الرسالة.
[11]
استيأس: يئس، وابن الخطيب ينظر الى الآية: «حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا 12: 110
…
إلخ» .
[12]
جمع خيس، وهو موضع الأسد.
[13]
افتر الأسد: أبدى أسنانه، يريد بعد أن كانت تفتر عن أسنانها وتفترس.
ابن خلدون م 38 ج 7
والرّضا عن آله وأصحابه وعثرته وأحزابه، حماة شرعته البيضاء وحرّاسها، وملقحي غراسها، ليوث الوغى عند احتدام [1] مراسها [2] ، ورهبان الدّجى تتكفّل مناجاة السّميع العليم، في وحشة الليل البهيم بإيناسها، وتفاوح نسيم الأسحار، عند الاستغفار، بطيب أنفاسها.
والدّعاء لخلافتكم العليّة المستنصريّة بالصّنائع التي تشعشع أيدي العزّة القعساء [3] من أكواسها، ولا زالت العصمة الإلهية كفيلة باحترامها واحتراسها، وأنباء الفتوح، المؤيّدة بالملائكة والرّوح، ريحان جلّاسها وآيات المفاخر التي ترك الأول للآخر، مكتتبة الأسطار بأطراسها، وميادين الوجود مجالا لجياد جودها وبأسها، والعز والعدل منسوبين لفسطاطها [4] وقسطاسها، وصفيحة [5] النّصر العزيز تقبض كفّها، المؤيّدة باللَّه، على رياسها [6] ، عند اهتياج أضدادها، وشره [7] أنكاسها [8] ، لانتهاب البلاد وانتهاسها [9] وهبوب رياح رياحها وتمرّد مرداسها [10] .
فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم من كتائب نصره أمدادا تذعن أعناق الأنام، لطاعة ملككم المنصور الأعلام، عند إحساسها [11] ، وآتاكم من آيات العنايات، آية تضرب الصّخرة الصّماء، ممّن عصاها بعصاها، فتبادر بانبجاسها [12] ،- من
[1] الاحتدام: شدة الحر، واحتدمت النار: التهبت.
[2]
المراس: الممارس.
[3]
عزة قعساء: ثابتة.
[4]
الفسطاط: المدينة، ومجتمع أهل المصر حول جامعهم.
[5]
الصفيحة: السيف العريض.
[6]
رئاس السيف، ورياسه: مقبضه، وقائمه.
[7]
الشرة: شدة الحرص، وأسوؤه.
[8]
الأنكاس: جمع نكس، وهو الرجل الضعيف.
[9]
انتهس اللحم: أخذه بمقدم أسنانه. والمراد الاستيلاء على الأراضي وانتقاصها من الأطراف، فعل من يتنقص قطعة اللحم بالأكل.
[10]
رياح من أكثر القبائل الهلالية جمعا، وأوفرهم عددا. وأبوهم: رياح بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر. والرئاسة على رياح في عهد ابن خلدون لأبناء داود بن مرداس بن رياح، وإلى داود هذا تنتسب «الدواودة» .
[11]
الإحساس: الرؤية والعلم.
[12]
انبجس الماء: تفجر، وفي الكلام معنى الآية:
«
…
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ، فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً 7: 160 إلخ» آية 160 من سورة الأعراف.
حمراء غرناطة، حرسها الله، وأيام الإسلام، بعناية الملك العلّام تحتفل وفود الملائكة الكرام، لولائمها وأعراسها، وطّاعين الطّعان، في عدوّ الدّين المعان، تجدّد عهدها بعام عمواسها [1] .
والحمد للَّه حمدا معادا يقيّد شوارد النّعم، ويستدرّ مواهب الجود والكرم ويؤمّن من انتكاث الجدود [2] وانتكاسها [3] ، وليّ الآمال ومكاسها [4] ، وخلافتكم هي المثابة التي يزهى الوجود بمحاسن مجدها، زهو الرياض بوردها وآسها، وتستمدّ أضواء الفضائل من مقباسها [5] ، وتروي رواة الإفادة، والإجادة غريب الوجادة [6] ، عن ضحّاكها وعبّاسها [7] . وإلى هذا أعلى الله معارج قدركم، وقد فعل، وأنطق بحجج فخركم من احتفى وانتعل، فإنّه وصلنا كتابكم الّذي حسبناه، على صنائع الله لنا، تميمة [8] لا تلقع [9] بعدها عين، وجعلناه- على حلل مواهبه- قلادة لا يحتاج معها زين، ودعوناه من جيب الكنانة [10] آية بيضاء الكتابة، لم يبق معها شكّ ولا مين، وقرأنا منه وثيقة ودّ هضم فيها عن غريم الزّمان دين، ورأينا منه إنشاء، خدم اليراع بين يديه وشّاء، واحتزم بهميان [11] عقدته مشّاء، وسئل عن معانيه الاختراع فقال:«إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً» 56: 35
[1] عمواس، بفتح العين والميم، وبسكون الميم مع فتح العين أو كسرها: قرية بفلسطين بين الرملة وبيت المقدس. وفيها وقع الطاعون الّذي كان في سنة 18 هـ، مات فيه كثير من الناس، ويقال انه أول طاعون كان في الإسلام. تاريخ الطبري 4/ 201- 203، معجم البلدان، تاج العروس (عمس) .
[2]
انتكث: انصرف. والجد: الحظ والبخت، والجمع: الجدود.
[3]
انتكس: انقلب على رأسه، وخاب وخسر.
[4]
المكاس: المشاحة، والمشاكسة.
[5]
أقبس فلان: أعطى نارا، والمقباس: ما قبست به النار.
[6]
الوجادة (بالكسر) : أن تجد بخط غيرك شيئا، فتقول عند الرواية: وجدت بخط فلان كذا، وحينذاك يقال:«هذه رواية بالوجادة» .
وللمحدثين في كيفية التحديث عن طريق الوجادة، ودرجة الثقة بها، وشروطها، تفصيل تجده في «فتح المغيث» للعراقي 3/ 15 وما بعدها.
[7]
المسمون ب «الضحاك» ، و «عباس» من المحدثين كثير، وليس يريد ابن الخطيب أحدا منهم بعينه، وانما يقصد الى «الطباق» بين ضحاك، وعباس.
[8]
التميمة: عوذة تعلق على الإنسان يتعود بها.
[9]
لقعه بعينه: أصابه بها، ويقول أبو عبيدة: ان اللقع لم يسمع الا في الإصابة بالعين.
[10]
الكنانة: جعبة الشهام تتخذ من جلود لا خشب فيها.
[11]
الهميان (بالكسر) : المنطقة، والكلام على تشبيه القلم المتخذ من القصب، وفي وسطه عقدة، بالرجل قد اتخذ منطقة في وسطه.
، فأهلا به من عربيّ أبيّ يصف السّانح والبانة [1] ، ويبين فيحسن الإبانة، أدّى الأمانة، وسئل عن حيّه فانتمى إلى كنانة [2] ، وأفصح وهو لا ينبس [3] ، وتهلّلت قسماته وليل حبره يعبس، وكأنّ خاتمه المقفل على صوانه [4] ، المتحف بباكر الورد في غير أوانه، رعف من مسك عنوانه، وللَّه من قلم دبّج تلك الحلل، ونقع بمجاج [5] الدوّاة المستمدّة من عين الحياة الغلل [6] ، فلقد تخارق في الجود، مقتديا بالخلافة التي خلد فخرها في الوجود، فجاد بسرّ البيان ولبابة، وسمح في سبيل الكرم حتّى بماء شبابه، وجمع لفرط بشاشته وفهامته، بعد شهادة السّيف بشهامته، فمشى من التّرحيب، في الطّرس الرّحيب، على أم هامته.
وأكرم به من حكيم، أفصح بملغوز [7] الإكسير [8] ، في اللّفظ اليسير، وشرح بلسان الخبير، سرّ صناعة التّدبير [9] ، كأنما خدم الملكة السّاحرة [10] بتلك البلاد، قبل اشتجار الجلاد [11] ، فآثرته بالطّارف من سحرها والتّلاد، أو عثر بالمعلّقة، وتيك القديمة المطلّقة، بدفية دار، أو كنز تحت جدار، أو ظفر لباني
[1] السانح: ما أتاك من عن يمينك من ظبي أو طير، وهو مما يتيمنون به. والبانة واحدة البان، وهو شجر يسمو ويطول في استواء مثل نبات الأثل، ويتخذ منه دهن.
[2]
كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، أبو القبيلة، وهو الجد الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم.
[3]
التبس: أقل الكلام، وما نبس بكلمة: أي ما تكلم.
[4]
الصوان: ما تصون به الشيء.
[5]
مجاج الدواة: ما تمجه.
[6]
نقع الماء غلته: أروي عطشه.
[7]
كذا في الأصول. والصواب «ملغز» ، لأن فعله رباعي.
[8]
الإكسير: الكيمياء وهي كلمة مولدة. ولأهل الصنعة في الإكسير كلام مغلق طويل فيه العجب.
ويطلقون الإكسير أيضا على «الحجر المكرم» ، وهو المادة التي تلقى على المواد حال ذوبانها، فتحولها الى ذهب أو فضة بزعمهم. وانظر تاج العروس (كسر) .
[9]
صناعة التدبير: يعني بها تحويل المعادن الى الذهب أو الفضة، وتلك كانت، ولا تزال، مشكلة المشتغلين بعلم الكيمياء القديم.
[10]
يعني بالملكة الساحرة الكاهنة البربرية، من قبيلة جراوة إحدى قبائل زناتة.
[11]
اشتجر القوم: تشابكوا، وتشاجروا بالرماح: تطاعنوا. والجلاد: الضرب بالسيف.
الحنايا [1] ، قبل أن تقطع به عن أمانيه المنايا، ببديعة، أو خلف جرجير [2] الرّوم، قبل منازلة القروم، على وديعة، أو أسلمه ابن أبي سرح [3] ، في نشب للفتح وسرح [4] ، أو حتم له روح بن حاتم [5] ببلوغ المطلب، أو غلب الحظوظ بخدمة آل الأغلب [6] ، أو خصّه زيادة الله بمزيد [7] ، أو شارك الشّيعة في أمر أبي يزيد [8] ، أو سار على منهاج، في مناصحة بني صنهاج، وفضح بتخليد أمداحهم كلّ هاج.
وأعجب به، وقد عزّز منه مثنى البيان بثالث، فجلب سحر الأسماع، واسترقاق الطّباع، بين مثان للإبداع ومثالث، كيف اقتدر على هذا المحيد، وناصح مع التثليث مقام التوحيد، نستغفر الله وليّ العون، على الصّمت والصّون، فالقلم هو الموحّد قبل الكون، والمتّصف من صفات السّادة، أولي العبادة، بضمور الجسم
[1] الحنايا: جمع حنية، وهي القوس. ويريد بها: مجرى الماء الّذي اجتلب الى «قرطاجنة» ووضع على أعمدة عالية، عقدت بأقواس وصلت بين عدة جبال منحازة من بعض، ثم أجرى الماء فوق هذه «الحنايا» العالية. وكانت المسافة بين قرطاجنة، وبين منبع الماء ثلاثة أيام، ولا تزال بقايا هذه موضع العبرة من مشاهديها. انظر ياقوت- (معجم البلدان) .
[2]
هو الطريق الّذي كانت له الولاية على المغرب من قبل الإمبراطور البيزنطي. وقد انفصل عن بيزنطة، واستقل بالمغرب عند الفتح الإسلامي، والعرب يسمونه جرجير. وابن الخطيب يشير اليّ ما كان من الحوادث بين الجيش الإسلامي، وبين جرجير أيام الفتح.
[3]
هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان كتاب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد، وأهدر دمه يوم فتح مكة، وكان محمد بن أبي بكر الصديق يقول عنه حين ولي مصر: انه لم يعد الى الإسلام بعد ردته. ابن الأثير 3/ 57، 82.
[4]
النشب: المال والعقار، والسرح: المال يسأم في المرعى، يغدى به ويراح. وقد صالح أهل افريقية عبد الله بن أبي سرح على مليونين وخمسمائة ألف دينارا، وبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار، وسهم الراجل ألفا، وقد أصبح هذا المبلغ مضرب المثل، وإلى ذلك ينظر ابن الخطيب. انظر العبرم 2.
[5]
هو روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة، كان من الكرماء الأجواد. ولي الكوفة، ثم السند، ثم البصرة أيام المهدي، وولي إفريقية أيام الرشيد، وبها توفي سنة 174. وفيات الأعيان 1/ 235.
[6]
هو الأغلب بن سالم، أحد الذين قاموا مع أبي مسلم الخراساني بالدعوة العباسية، وتولى الأغلب أيام المنصور ولاية القيروان، وابنه إبراهيم بن الأغلب، هو رأس دولة الأغالبة بتونس، التي تبتدئ سنة 184 هـ، وتنتهي سنة 296 هـ.
[7]
زيادة الله هو ثاني ملوك بني الأغلب، (201- 223) قلده الخليفة المأمون العباسي.
[8]
هو أبو يزيد: مخلد بن كيداد (أو كتداد) بن سعد الله بن مغيث اليفرني، وقد عرف أيضا بصاحب الحمار.
وصفرة اللّون، إنّما هي كرامة فاروقيّة، وأثارة [1] من حديث سارية [2] وبقيّة، سفر وجهها في الأعقاب، بعد طول الانتقاب، وتداول الأحقاب، ولسان مناب، عن كريم جناب، وإصابة السّهم لسواه محسوبة، وإلى الرّامي الّذي سدّده منسوبة، ولا تنكر على الغمام بارقة، ولا على المتحقّقين بمقام التّوحيد كرامة خارقة، فما شاءه الفضل من غرائب برّ وجد، ومحاريب خلق كريم ركع الشّكر فيها وسجد، حديقة بيان استثارت نواسم الإبداع من مهبّها، واستزارت غمائم الطباع من مصبّها، فآتت أكلها مرّتين بإذن ربّها، لا. بل كتيبة عزّ طاعنت بقنا [3] الألفات سطورها، فلا يرونها النّقد ولا يطورها [4] ، ونزعت عن قسيّ النّونات خطوطها، واصطفّت من بياض الطّرس [5] ، وسواد النّفس، بلق [5] تحوطها.
فما كأس المدير، على الغدير [6] ، بين الخورنق [7] والسّدير [8] ، تقامر بنرد [9] الحباب، عقول ذوي الألباب، وتغرق كسرى في العباب [10] ، وتهدي،- وهي الشّمطاء [11]- نشاط الشّباب، وقد أسرج ابن سريج [12] وألجم، وأفصح
[1] الأثارة البقية.
[2]
يشير الى قصة سارية بن زنيم بن عمر بن عبد الله بن جابر الكناني أمير الجيش الإسلامي في وقعة «نهاوند» ، فقد كمن له العدو في جبل، ولم يكن قد علم به، فناداه عمر رضي الله عنه من فوق المنبر بالمدينة يحذره «يا سارية! الجبل!» فسمع سارية صوت عمر. وهي كرامة ذكروها للفاروق رضي الله عنه. تاج العروس (سري) .
[3]
جمع قناة، وهي الرمح.
[4]
لا يطورها: لا يقرب اليها.
[5]
الطرس: الصحيفة التي محيت ثم كتبت. والنقس: الحبر. وبلق: جمع أبلق، أو بلقاء، وهي الخيول التي في لونها سواد وبياض.
[6]
يشير إلى قصة امرئ القيس يوم الغدير، وهو يوم دارة جلجل.
[7]
الخورنق: قصر النعمان بن المنذر بظاهر الحيرة.
[8]
السدير قصر للنعمان أيضا بالحيرة، قريب من الخورنق.
[9]
النرد: أعجمي معرب، وورد في الحديث:«نردشير» ، وهو نوع مما يقامر به.
[10]
بنى كسرى أبرويز- فوق دجلة- بناء اتخذه لمجالس أنسه، ففاضت دجلة وأغرقته مرات، أنقذ كسرى فيها من الغرق- والى ذلك يشير ابن الخطيب. انظر الطبري 2/ 144- 145.
[11]
امرأة شمطاء: بيضاء الشعر، ويكنى بذلك عن قدم الخمر.
[12]
أبو يحيى عبيد الله بن سريج المغني المعروف.
الغريض [1] بعد ما جمجم، وأعرب النّاي [2] الأعجم، ووقّع معبد [3] بالقضيب، وشرعت في حساب العقد [4] بنان الكفّ الخضيب، وكأنّ الأنامل فوق مثالث العود ومثانيه، وعند إغراء الثّقيل بثانية [5] ، وإجابة صدى الغناء بين مغانيه، المراود تشرع في الوشي، أو العناكب تسرع في المشي، وما المخبر بنيل الرّغائب، أو قدوم الحبيب الغائب، لا. بل إشارة البشير، بكمّ المشير، على العشير، بأجلب للسرور، من زائره المتلقّى بالبرور، وأدعى للحبور، من سفيره المبهج السفور، فلم نر مثله من كتيبة كتاب تجنب [6] الجرد، تمرح في الأرسان [7] ، وتتشوّف مجالي ظهورها إلى عرائس الفرسان، وتهزّ معاطف [8] الارتياح، من صهيلها الصراح، بالنّغمات الحسان، إذا أوجست الصّريخ نازعت أفناء الأعنّة، وكاثرت بأسنّة آذانها مشرعة الأسنّة، فإن ادّعى الظليم [9] أشكالها فهو ظالم، أو نازعها الظّبي هواديها [10] وأكفالها فهو هاذ أو حالم، وإن سئل الأصمعي [11] عن عيوب الغرر والأوضاح [12]، قال مشيرا إلى وجوهها الصّباح [13] :
[1] أبو يزيد، وأبو مروان: عبد الملك. ولقب بالغريض لأنه كان طري الوجه غض الشباب، وهو من مولدي البربر. أخذ الغناء عن ابن سريج، وعارضه في كل أصواته.
[2]
الناي: المزمار.
[3]
هو معبد بن وهب المغني المعروف. غنى في دولة بني أمية، ومات في أيام الوليد بن يزيد بدمشق.
[4]
حساب العقد، ويسمى حساب العقود أيضا: نوع من الحساب يكون بأصابع اليدين، ويقال له حساب اليد، وفي الحديث:«وعقد عقد تسعين» . وقد ألفوا فيه رسائل وأراجيز، منها أرجوزة أبي الحسن علي الشهير بابن المغربي، وشرحها عبد القادر بن علي بن شعبان العوفيّ.
[5]
كذا في الأصول، ومقتضى السياق:«الثقيل الأول بثانيه» .
[6]
من الجنب: وهو أن تجنب فرسا عريا عند الرهان الى الفرس الّذي تسابق عليه، فإذا فتر المركوب، تحولت الى المجنوب. ويريد أن هذه الرسالة بمنزلة خيول احتياطية.
[7]
جمع رسن، وهو الحبل يتخذ زماما للدابة وغيرها.
[8]
المعاطف: الأردية، والعرب تضع الرداء موضع البهجة، والحسن، والبهاء، والنعمة.
[9]
الظليم: فرس فضالة بن هند بن شريك الأسدي. والظليم ذكر النعام.
[10]
هوادي الخيل: أعناقها.
[11]
عبد الملك بن قريب، اللغوي المشهور (122- 216) ، على خلاف في المولد والوفاة. وابن الخطيب يشير الى ما عرف عن الأصمعي من خبرته الواسعة بالخيل، وله في ذلك مع أبي عبيدة معمر بن المثنى قصة طريفة. انظرها في ترجمة الأصمعي في وفيات ابن خلكان 1/ 362.
[12]
جمع غرة: وهي البياض، والوضح: البياض أيضا. ويكنى به في الفرس عن البرص، والجمع أوضاح.
[13]
وجه صبيح: جميل، والجمع صباح.
«جلدة بين العين والأنف سالم» [1]
من كلّ عبل الشّوى [2] ، مسابق للنّجم إذا هوى، سامي التّليل [3] ، عريض ما تحت الشّليل [4] ، ممسوحة أعطافه بمنديل النّسيم البليل.
من أحمر كالمدام، تجلى على النّدام [5] ، عقب الفدام [6] ، أتحف لونه بالورد، في زمن البرد، وحيّي أفق محيّاه بكوكب السّعد، وتشوّف الواصفون إلى عدّ محاسنه فأعيت على العد، بحر يساجل البحر عند المدّ، وريح تباري الرّيح عند الشّدّ [7] ، بالذّراع الأشدّ [8] ، حكم له مدير فلك الكفل باعتدال فصل القدّ، وميّزه قدره المميّز عند الاستباق، بقصب السّباق [9] ، عند اعتبار الحدّ، وولّد مختطّ غرّته أشكال الجمال، على الكمال، بين البياض والحمرة ونقاء الخد، وحفظ رواية الخلق الوجيه [10] ، عن جدّه الوجيه [11] ، ولا تنكر الرواية على الحافظ ابن الجدّ [12] .
[1] شطر بيت قاله عبد الله بن عمر لما لامه الناس في حب ابنه سالم، وأوله:
يديرونني عن سالم وأريغهم
…
وجلدة إلخ
وجعله لمحبته بمنزلة جلدة بين عينه وأنفه. وفي الحديث: «لا تؤذوا عمارا، فإنما عمار جلدة ما بين عيني» . وسالم هذا، يكنى أبا عمر، وأبا المنذر، من خيار الناس، وفقهائهم. مات بالمدينة سنة 106.
لسان العرب (سلم) .
[2]
شوى الفرس: قوائمه، وعبل الشوى: غليظ القوائم.
[3]
التليل العنق.
[4]
الشليل الحلس، والكساء الّذي يجعل تحت الرحل.
[5]
جمع نديم وهو الشريب الّذي ينادمك.
[6]
الفدام الخرقة التي يضعها الساقي من الأعاجم، والمجوس على فمه عند السقي. وكانت عادتهم، إذا سقوا، ان يفدموا أفواههم. وفدام الإبريق، والكوز: المصفاة التي توضع عليه.
[7]
الشد: العدو.
[8]
الأشد الأقوى، يقال حلبتها بالساعد الأشد، أي حين لم اقدر على الرّفق، أخذت الأمر بالشدة والقوة.
[9]
كانت الغاية التي يحددونها للسباق تذرع بالقصب، ثم تركز القصبة في منتهى الغاية، فمن سبق اقتلعها وأخذها، ليعلم الناس أنه السابق من غير نزاع، ويقال حاز أو أحرز قصبة السبق. تاج (قصب) .
[10]
الوجيه: ذو الجاه.
[11]
الوجيه: فرس من خيل العرب نجيب.
[12]
يومي ابن الخطيب الى أبي بكر محمد بن عبد الله بن فرج الفهري المعروف بابن الجد (496- 586) . أصله من «لبلة» ، واستوطن إشبيلية، وعاصر ابن رشد الفقيه، وابا بكر بن العربيّ.
وأشقر، أبي الخلق، والوجه الطّلق أن يحفر، كأنّما صيغ من العسجد، وطرف بالدّر وأنعل بالزبرجد، ووسم في الحديث بسمة اليمن والبركة [1] ، واختصّ بفلج [2] الخصام، عند اشتجار المعركة، وانفرد بمضاعف السّهام، المنكسرة على الهام، في الفرائض المشتركة [3] ، واتّصف فلك كفله بحركتي الإرادة والطّبع من أصناف الحركة، أصغى إلى السّماء بأذن ملهم، وأغرى لسان الصّهيل- عند التباس معاني الهمز والتّسهيل- ببيان المبهم، وفتنت العيون من ذهب جسمه، ولجين نجمه، بالدّينار والدّرهم، فإن انقضّ فرجم، أو ريح لها حجم، وإن اعترض فشفق لاح به للنّجم نجم.
وأصفر قيّد الأوابد الحرّة، وأمسك المحاسن وأطلق الغرّة، وسئل من أنت في قوّاد الكتائب، وأولي الأخبار العجائب؟ فقال: أنا المهلّب بن أبي صفرة [4] ، نرجس هذه الألوان، في رياض الأكوان، تحثى به وجوه الحرب العوان [5] ، أغار بنخوة الصّائل [6] ، على معصفرات الأصائل [7] ، فارتداها، وعمد إلي خيوط شعاع الشّمس، عند جانحة الأمس، فألحم منها حلّته وأسداها، واستعدت عليه تلك المحاسن فما أعداها، فهو أصيل تمسّك بذيل اللّيل عرفه وذيله، وكوكب يطلعه من الفتام ليله، فيحسده فرقد [8] الأفق وسهيله [9] .
[1] يشير الى حديث: «ان يمن الخيل في شقرتها» ، رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 272.
[2]
الفلج: الظفر والفوز.
[3]
يومئ الى المعاني التي تعارفها الفقهاء بينهم في باب «التوارث» من الفقه الإسلامي، فالسهم: النصيب الّذي فرضه الشارع للوارث، وانكسار السهام يكون حيث تضيق التركة عن استيفاء الفرائض كاملة، وبتقرر العول.
[4]
أبو سعيد المهلب بن أبي صفرة الأزدي. له مع الخوارج حروب ومواقع ظهرت فيها شجاعته. وفيات الأعيان 2/ 191- 195.
[5]
الحرب العوان: الحرب التي سبقتها حرب أخرى.
[6]
النخوة: العظمة، والكبر، والصائل: المستطيل المتوثب.
[7]
الأصيل: العشي، والجمع الأصائل.
[8]
الفرقد: واحد الفرقدين، وهما كوكبان من صورة بنات نعش الصغرى، ويقال الفرقد على الكوكبين معا.
[9]
سهيل: كوكب من الكواكب الجنوبية، ولذلك لا يراه سكان البلدان الشمالية مثل خراسان، وأرمينية.
وأشهب تغشّى من لونه مفاضة، وتسربل منه لأمة فضفاضة، قد احتفل زينه، لمّا رقم بالنّبال لجينه، فهو الأشمط، الّذي حقه لا يغمط، والدّارع [1] المسارع، والأعزل الذّارع [2] ، وراقي الهضاب الفارع، ومكتوب الكتيبة البارع [3] . وأكرم به من مرتاض سالك، ومجتهد على غايات السّابقين الأولين متهالك، وأشهب [4] يروي من الخليفة، ذي الشّيم المنيفة، عن مالك.
وحبارى [5] كلّما سابق وبارى، استعار جناح الحبارى، فإذا أعملت الحسبة، قيل من هنا جاءت النّسبة، طرد النّمر، لما عظم أمره وأمر [6] ، فنسخ وجوده بعدمه، وابتزّه الفروة ملطّخة بدمه، وكأنّ مضاعف الورد نثر عليه من طبقة، أو الفلك، لمّا ذهب الحلك، مزج فيه بياض صبحه بحمرة شفقه....
وقرطاسي حقّه لا يجهل
، «متى ما ترقّى العين فيه تسفّل» [7] ،
إن نزع عنه جلّة [8] ، فهو نجم كلّه، انفرد بمادّة الألوان، قبل أن تشوبها يد الأكوان، أو تمزجها أقلام الملوان [9] ، يتقدّم الكتيبة منه لواء ناصع، أو أبيض مناصع [10] ، لبس وقار المشيب، في ريعان العمر القشيب، وأنصتت الآذان من صهيلة المطيل المطيب، لمّا ارتدى بالبياض إلى نغمة الخطيب، وإن تعتّب منه للتأخير متعتّب، قلنا: الواو لا ترتب [11] ، ما بين فحل وحرّة، وبهرمانة [12] ودرّة، ويا لله
[1] رجل دارع: ذو درع.
[2]
ذرع: أسرع، كأنه لسرعته يقيس المسافات بالذراع.
[3]
الفارع: المرتفع، الحسن، والبارع: التام في كل فضيلة.
[4]
يوري بأشهب بن عبد العزيز المالكي أبو عمر المصري. وقد تقدم ذكره.
[5]
الحباري: لونه لون الحباري. والحباري بضم الحاء، وفتح الباء المخففة، وراء مفتوحة بعد ألف: طائر رمادي اللون، وهو أشد الطير طيرانا، وأبعدها شوطا. ولذلك يقول: ان سرعة هذا الفرس تأتي من شبهه بالحبارى الّذي له هذه الصفة. حياة الحيوان للدميري 1/ 196.
[6]
أمر: كثر.
[7]
عجز بيت لامرئ القيس وصدره:
ورحنا يكاد الطرف بقشر دونه متى إلخ.
وفي الأصول: «..... فيه تسهل» . والمثبت رواية الديوان، وشرحه للبطليوسي ص 34 طبع التقدم سنة 1223 هـ.
[8]
جل الفرس، وجاله: الغطاء الّذي تلبسه إياه لتصونه.
[9]
الملوان: الليل والنهار.
[10]
الناصع: الخالص من كل شيء، والمناصع: المجالس. جمع منصع.
[11]
يشير الى قول النحاة: ان العطف بالواو لا يفيد ترتيبا بين معطوفاتها.
[12]
البهرمان: نبات بأرض العرب يصبغ به، يقال له العصفر، ولونه دون الأرجوان في الحمرة.
من ابتسام غرّة، ووضوح يمن في طرّة [1] ، وبهجة للعين وقرّة، وإن ولع الناس بامتداح القديم، وخصّوا الحديث بفري الأديم [2] ، وأوجف المتعصّب، وإن أبى المنصب، مرتبة التّقديم، وطمح الى رتبة المخدوم طرف الخديم، وقورن المثري بالعديم، وبخس في سوق الكسد الكيل، ودجا الليل، وظهره في فلك الأنصاف الميل، لمّا تذوكرت الخيل، فجيء بالوجيه [3] والخطّار [4] ، والذائد [5] وذي الخمار [6] وداحس [7] والسّكب [8] ، والأبجر [9] وزاد الرّكب [10] ، والجموح [11] واليحموم [12] ، والكميت [13] ومكتوم [14] ، والأعوج [15] وحلوان، ولاحق والغضبان، وعفزر، والزّعفران والمحبّر واللّعّاب، والأغرّ والغراب، وشعلة والعقاب، والفياض واليعبوب، والمذهب واليعسوب، والصّموت والقطيب، وهيدب والصّبيب، وأهلوب وهدّاج،
[1] الطرة: الناصية، اشارة الى الحديث:«الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة» .
[2]
الأديم: الجلد، وفريه: قطعه. وهو يشير إلى قول ابن شرف القيرواني:
أغرى الناس بامتداح القديم
…
وبذم الحديث غير الذميم
ليس إلا لأنهم حسدوا
…
الحي ورقوا على العظام الرميم
[3]
الوجيه: فرس لغني بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان. وهو مما سمي من جياد الفحول، والإناث المنجبات. تاج العروس (وجه) ، مخصص 6/ 195.
[4]
الخطار: فرس حذيفة بن بدر الفزاري. وله ذكر في حرب داحس والغبراء. المخصص 6/ 196، تاج (خطر، دحس) .
[5]
الذائذ: فرس نجيب من نسل الحرون، ومن أبنائه أشقر مروان. تاج (ذاد) .
[6]
ذو الخمار: فرس للزبير بن العوام، ولمالك بن نويرة الشاعر. المخصص 6/ 194 تاج (خمر) .
[7]
داحس: فرس قيس بن زهير بن جذيمة العبسيّ. له ذكر في حرب داحس والغبراء المخصص 6/ 196، تاج (دحس)، وانظر مجمع الأمثال:«أشأم من داحس» 1/ 256.
[8]
السكب: من أفراس النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول فرس ملكه. المخصص 6/ 193، تاج (سكب) .
[9]
الأبجر: من خيل غطفان بن سعد، وهو فرس عنترة بن شداد العبسيّ. تاج (بجر) .
[10]
زاد الركب: فرس للأزد، وهو من أقدم فرسان العرب.
[11]
الجموح (كصبور) : فرس مسلم بن عمرو الباهلي، وفرس للحكم بن عرعرة النميري تاج (جمع) .
[12]
اليحموم: فرس النعمان بن المنذر، ولذلك كان يقال للنعمان فارس اليحموم. وسمي باليحموم عدة أفراس. تاج 8/ 261.
[13]
الكميت: ذكر في تاج العروس في (كمت) عشرة أفراس باسم الكميت، مع أسماء أصحابها.
[14]
مكتوم: فرس لغني بن أعصر، من جياد الفحول. تاج (كتم) .
[15]
أعوج (بلا لام) : فرس لبني هلال، تنسب إليه الأعوجيات، كان لكندة فأخذته سليم، ثم صار إلى بني هلال، بعد أن كان لبني آكل المرار. تاج (عوج) .
والحرون وخراج، وعلوي والجناح، والأحوى ومجاح، والعصا والنّعامة، والبلقاء والحمامة، وسكاب والجرادة، وخوصاء والعرادة [1] ، فكم بين الشّاهد والغائب، والفروش والرّغائب [2] ، وفرق ما بين الأثر والعيان، غنيّ عن البيان، وشتّان بين الصّريح والمشتبه، وللَّه درّ القائل:
«خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به [3] »
والنّاسخ [4] يختلف به الحكم، وشرّ الدواب عند التفضيل بين هذه الدّوابّ الصّمّ البكم [5] إلّا ما ركبه نبيّ، أو كان له يوم الافتخار وبرهان خفي [6] ومفضّل ما سمع على ما رأى غبيّ، فلو أنصفت محاسنها التي وصفت، لأقضمت [7] حبّ القلوب علفا، وأوردت ماء الشّبيبة نطفا [8] ، واتخذت لها من عذر [9] الخدود الملاح عذر موشيّة [10] ، وعلّلت بصفير الحان القيان كلّ عشيّة، وأنعلت بالأهلّة، وغطيت بالرياض بدل الأجلّة [11] .
إلى الرقيق [12] ، الخليق بالحسن الحقيق، يسوقه إلى مثوى الرعاية روقة [13] الفتيان رعاته، ويهدي عقيقها من سبحه [14] أشكالا تشهد للمخترع سبحانه بإحكام مخترعاته، وقفت ناظر الاستحسان لا يريم [15] ، لما بهره منظرها الوسيم، وتخامل
[1] العرادة وما قبلها: أسماء أفراس لرجال مشهورين من رؤساء قبائل العرب القدامى.
[2]
الرغائب: جمع رغيبة، وهي الأمر المرغوب فيه. تاج (رغب) .
[3]
صدر بيت للمتنبي من قصيدة يمدح بها سيف الدولة، وعجزة عن شرح العكبريّ 2/ 68 طبع الشرفية:
«..........
…
في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل» .
[4]
النسخ في مصطلح أهل أصول الفقه: إنهاء حكم شرعي ثبت بنص شرعي، وإحلال حكم آخر بدله بنص شرعي جاء دليلا على انتهاء الحكم الأول والناسخ: هو النص الأخير الّذي بمقتضاه يرتفع الحكم الأول، ويلغي النص السابق.
[5]
الإشارة الى الآية 22 من سورة الأنفال.
[6]
خفي: خاف، مستور.
[7]
القضم: أكل القضيم، وهو شعير الدابة، وأقضم الدابة: قدم لها القضيم.
[8]
النطفة: الماء الصافي، والجمع نطف.
[9]
العذار: خط لحية الغلام، والجمع عذر.
[10]
العذار من اللجام: السيران اللذان يجتمعان عند قفا الفرس، والجمع عذر.
[11]
جل الدابة: ما تغطى به، والجمع جلال، وجمع جلال: أجلة.
[12]
الرقيق: الضعيف لا صبر له على شدة البرد، ونحوه.
[13]
الروقة من الغلمان الملاح منهم، يقال غلمان روقة: أي حسان، والمفرد رائق.
[14]
السبج: خرز أسود.
[15]
لا يريم: لا يبرح.
الظّليم [1] ، وتضاؤل الريّم [2] وأخرس مفوّه [3] اللسان، وهو بملكات البيان، الحفيظ العليم، وناب لسان الحال، عن لسان المقال، عند الاعتقال [4] ، فقال يخاطب المقام الّذي أطلعت أزهارها غمائم جوده، واقتضت اختيارها بركات وجوده: لو علمنا أيّها الملك الأصيل، الّذي كرم منه الاجمال والتفصيل، أنّ الثناء يوازيها، لكلنا لك بكيلك، أو الشّكر يعادلها ويجازيها، لتعرّضنا بالوشل [5] إلى نيل نيلك [6]، أو قلنا هي التي أشار إليها مستصرخ سلفك المستنصر بقوله:
«أدرك بخيلك» ، حين شرق بدمعه الشّرق [7] ، وانهزم الجمع واستولى الفرق، واتسع فيه- والحكم للَّه- الخرق [8] ورأى أن مقام التّوحيد بالمظاهرة على التّثليث، وحزبه الخبيث، الأولى والأحق.
والآن قد أغنى الله بتلك النيّة، عن اتخاذ الطوال الردينيّة [9] ، وبالدّعاء من تلك المثابة الدينيّة إلى ربّ المنيّة [10] ، وعن الجرد العربيّة، في مقاود اللّيوث الأبية، وجدّد برسم هذه الهديّة، مراسيم العهود الوديّة، والذّمم الموحّديّة، لتكون علامة على الأصل، ومكذّبة لدعوى الوقف والفصل، وإشعارا بالألفة التي لا تزال ألفها ألف الوصل، ولأمها حراما على النّصل [11] .
وحضر بين يدينا رسولكم، فقرّر من فضلكم ما لا ينكره من عرف علوّ مقداركم، وأصالة داركم، وفلك إبداركم، وقطب مداركم، وأجبناه عنه بجهد [12] ما كنّا
[1] الظليم: ذكر النعام، وفرس فضالة بن شريك الأسدي.
[2]
الريم: الظبي الخالص البياض.
[3]
رجل مفوه: يجيد القول.
[4]
اعتقل لسانه: حبس، ولم يقدر على الكلام.
[5]
الوشل: الماء القليل.
[6]
النيل: نهر مصر. والنيل (بالفتح) : العطاء.
[7]
يريد شرق الأندلس.
[8]
يشير الى المثل: «اتسع الخرق على الرافع» الّذي يقال عند استفحال الأمر، والعجز عن إصلاحه. تاج (خرق) .
[9]
الردينية: منسوبة إلى ردينة، وهي امرأة السمهري، وكانا يقومان الرماح والقنا بخط هجر، فيقال:
الرماح الردينية، والحطية، نسبة الى الشخص تارة، وإلى الموضع أخرى.
[10]
البنية: الكعبة، وكانت تسمى بنية إبراهيم، وكثر قسمهم بها فيقولون:«لا ورب هذه البنية» .
[11]
اللام: جمع لأمة، وهي الدرع. والنصل: حديدة السهم والرمح. اللسان (نصل) .
[12]
الجهد (بالفتح) المشقة.
لنقنع من جناه [1] المهتصر [2] ، بالمقتضب المختصر، ولا لنقابل طول طوله [3] بالقصر، لولا طروّ الحصر [4] .
وقد كان بين الأسلاف- رحمة الله عليهم ورضوانه- ودّ أبرمت من أجل الله معاقده [5] ، ووثرت للخلوص [6] ، الجليّ النّصوص، مضاجعه القارّة ومراقده، وتعاهد بالجميل يوجع لفقده فاقده، أبى الله إلا أن يكون لكم الفضل في تجديده، والعطف بتوكيده، فنحن الآن لا ندري أيّ مكارمكم نذكر، أو أيّ فواضلكم نشرح أو نشكر، أمفاتحتكم التي هي في الحقيقة عندنا فتح، أم هديّتكم، وفي وصفها للأقلام سبح [7] ، ولعدوّ الإسلام بحكمة حكمتها كبح [8] ، إنّما نكل الشّكر لمن يوفّي في جزاء الأعمال البرّة، ولا يبخس مثقال الذّرّة ولا أدنى من مثقال الذّرّة، ذي الرّحمة الثّرّة [9] ، والألطاف المتّصلة المستمرّة، لا إله إلّا هو.
وإن تشوّفتم إلى الأحوال الرّاهنة، وأسباب الكفر الواهية بقدرة الله- الواهنة [10] ، فنحن نطرفكم بطرفها [11] ، ونطلعكم على سبيل الإجمال بطرفيها، وهو أننا لمّا أعادنا الله من التّمحيص، إلى مثابة التّخصيص، من بعد المرام العويص، كحلنا بتوفيق الله بصر البصيرة، ووقفنا على سبيله مساعي الحياة القصيرة، ورأينا كما نقل إلينا، وكرّر على من قبلنا وعلينا- أن الدّنيا- وإن غرّ الغرور [12] وأنام على سرر الغفلة السّرور، فلم ينفع الخطور [13] على أجداث [14] الأحباب والمرور،-
[1] الجنى: ما يجتنى من الشجر وغيره.
[2]
المهتصرة الممال، يقال هصرت الغصن: إذا أملته إليك.
[3]
الطول (بالضم) : خلاف العرض. والطول (بالفتح) : المن، يقال طال عليه: إذا امتن.
[4]
الحصر: العي، وعدم القدرة على الابانة.
[5]
المعاقد: العقد.
[6]
وثر الفراش (بالضم) : وطؤ ولان.
[7]
السبح: الجري.
[8]
كبح الفرس: جذبه إليه باللجام يمنعه عن الجري.
[9]
الرحمة الثرة: الغزيرة الكثيرة.
[10]
وهي، وهن: ضعف.
[11]
جمع طرفة (بالضم) : الشيطان،
[12]
وفي القرآن: «ولا يغرنكم باللَّه الغرور» .
[13]
الخطور: التبختر في المشي.
[14]
جمع جدث: وهو القبر.
جسر يعبر، ومتاع لا يغبط من حبي ولا يحبر [1] ، إنّما هو خبر يخبر، وأن الحسرة بمقدار ما على تركه يجبر، وأنّ الأعمار أحلام، وأنّ النّاس نيام، وربما رحل الرّاحل عن الخان [2] ، وقد جلّله بالأذى والدّخان، أو ترك به طيبا، وثناء يقوم بعد للآتي خطيبا، فجعلنا العدل في الأمور ملاكا [3] ، والتفقّد للثّغور مسواكا، وضجيع المهاد، حديث الجهاد، وأحكامه مناط الاجتهاد، وقوله:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ» 61: 10 [4] من حجج الاستشهاد، وبادرنا رمق [5] الحصون المضاعة وجنح [6] التّقيّة [7] دامس [8] ، وعواريها [9] لا تردّ يد لامس [10] ، وساكنها بائس، والأعصم [11] في شعفاتها [12] من العصمة يائس، فزيّنّا ببيض الشّرفات ثناياها، وأفعمنا بالعذب الفرات ركاياها [13] وغشّينا بالصّفيح المضاعف أبوابها، واحتسبنا عند موفي الأجور ثوابها، وبيّضنا بناصع الكلس أثوابها، فهي اليوم توهم حسّ العيان، أنها قطع من بيض العنان [14] ، وتكاد تناول قرص البدر بالبنان، متكفّلة للمؤمنين من فزع الدّنيا والآخرة بالأمان، وأقرضنا الله قرضا، وأوسعنا مدوّنة الجيش [15] عرضا، وفرضنا إنصافه مع الاهلّة فرضا، واستندنا من التّوكل على الله الغنيّ الحميد إلى ظلّ لواء، ونبذنا إلى الطّاغية
[1] يخبر ينعم ويسر ويكرم.
[2]
الخان المكان الّذي ينزله المسافرون، وهو الفندق.
[3]
ملاك الأمر: ما يقوم به ذلك الأمر.
[4]
يشير الى الآيات (10- 13) من سورة الصف.
[5]
الرمق: بقية الحياة والروح. وفي الكلام تجوز.
[6]
جنح الطريق: جانبه، وجنح القوم: ناحيتهم.
[7]
التقية: التحفظ.
[8]
ليل دامس: مظلم.
[9]
جمع عارية، وهي المتجردة من الثياب. والعورات: الخلل في الثغر وغيره، يتخوف منه في الحروب.
[10]
يقال للمرأة التي تزني: لا ترديد لامس، أي لا ترد من يريدها عن نفسها.
[11]
الأعصم: الوعل، وعصمته: بياض في رجله.
[12]
الشعفات، جمع شعفة، وهي رءوس الجبال.
[13]
جمع ركية وهي البئر.
[14]
العنان: السحاب.
[15]
يريد الجيش الرسمي الّذي كان مدونا في سجلات الدولة. وفي مقدمة الإحاطة 1/ 19، 36 وصف للجيش الأندلسي، وسلاحه، وأقسامه، وذكر لمقدار ما كان يأخذه كل شهر.
عهده على سواء [1] وقلنا: ربّنا أنت العزيز، وكلّ جبّار لعزّك ذليل، وحزبك هو الكثير، وما سواه قليل، أنت الكافي، ووعدك الوعد الوافي، فأفض [2] علينا مدارع [3] الصّابرين، واكتبنا من الفائزين بحظوظ رضاك الظّافرين، وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
فتحرّكنا أول الحركات، وفاتحة مصحف البركات، في خفّ من الحشود، واقتصار على ما بحضرتنا من العساكر المظفّرة والجنود، إلى حصن آشر [4] البازي المطلّ، وركاب العدوّ الضالّ المضلّ، ومهدي نفثات [5] الصّلّ [6] ، على امتناعه وارتفاعه، وسمو يفاعه [7] ، وما بذل العدوّ فيه من استعداده، وتوفير أسلحته وأزواده، وانتخاب أنجاده، فصلينا بنفسنا ناره، وزاحمنا عليه الشهداء نصابر أواره [8] ونلقى بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة، وجلا مده الملمومة [9] وأحجاره، حتى فرعنا [10] بحول من لا حول ولا قوة إلا به- أبراجه المنيعة وأسواره، وكففنا عن البلاد والعباد أضراره، بعد أن استضفنا إليه حصن السّهلة جاره، ورحلنا عنه بعد أن شحنّاه رابطة وحامية، وأزوادا نامية، وعملنا بيدنا في رمّ ما ثلم القتال، وبقر من بطون مسابقة الرّجال، واقتدينا بنبيّنا- صلوات الله عليه وسلامه- في الخندق [11] لمّا حمى ذلك المجال، ووقع الارتجاز المنقول حديثه والارتجال [12] ، وما كان ليقرّ للإسلام مع تركه القرار، وقد كثب الجوار،
[1] نبذ العهد: نقضه، وألقاه الى من كان بينه وبينه. والتعبير مقتبس من الآية 58 من سورة الأنفال.
[2]
أفض: أفرغ.
[3]
جمع مدرع: وهو ضرب من الثياب.
[4]
حصن آشر: يقع الى الجنوب الشرقي لحصن ورطة، على ضفة رافد من روافد نهر شنيل.
[5]
نفثت الحية السم: إذا لسعت بأنفها، فإذا عضت بابها قيل: نشطت.
[6]
الصل (بالكسر) : الحية التي لا تنفع فيها الرقية.
[7]
اليفاع: ما ارتفع من الأرض.
[8]
الأوار (بالضم) : حرارة النار، والشمس، والعطش.
[9]
جلامدة، جمع جلمد، وهو الصخر. والملمومة: المستديرة الصلبة.
[10]
فرعنا: علونا.
[11]
كانت غزوة الخندق في السنة الخامسة من الهجرة. الطبري 3/ 43.
[12]
نقل السهيليّ في الروض الأنف عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مل الهدي: أن النّبي صلى الله عليه وسلم كان يرتجز يوم الخندق فيقول:
بسم الإله وبه بدنيا
وتداعى الدّعرة [1] وتعاوى الشّرار [2] .
وقد كنا أغرينا من بالجهة الغربية من المسلمين بمدينة برغه التي سدت بين القاعدتين رندة ومالقة الطريق، وألبست ذلّ الفراق ذلك الفريق، ومنعتهما أن يسيغا الريق، فلا سبيل الى الإلمام، لطيف المنام، إلا في الأحلام، ولا رسالة إلا في أجنحة هدل [3] الحمام، فيسّر الله فتحها، وعجّل منحها، بعد حرب انبتّت فيها النّحور، وتزيّنت الحور. وتبع هذه الأمّ بنات شهيرة، وبقع للزّرع والضّرع خيرة [4] ، فشفي الثّغر من بوسه، وتهلّل وجه الإسلام بتلك النّاحية النّاجية بعد عبوسة.
ثم أعملنا الحركة إلى مدينة إطريرة [5] ، على بعد المدى، وتغلغلها في بلاد العدا، واقتحام هول الفلا وغول الرّدى، مدينة تبنّتها حمص [6] فأوسعت الدّار، وأغلت الشّوار [7] ، وراعت الاستكثار، وبسطت الاعتمار [8] ، رجّح لدينا قصدها على البعد، والطّريق الجعد، ما أسفت [9] به المسلمين من استئصال طائفة من أسراهم، مرّوا بها آمنين، وبطائرها المشئوم متيمنين، قد أنهكهم [10]
[ () ] ولو عبدنا غيره شقينا فحبذا ربا وحب دينا سيرة ابن هشام 3/ 227، 228.
[1]
رجل داعر (بالمهملة) : يسرق، يزني، ويؤذي الناس، والجمع دعرة.
[2]
تعاوت الشرار: تجمعت للفتنة، وتعاووا عليه: تعاونوا وتساعدوا.
[3]
الهديل: ذكر الحمام. والجمع هدل، كسرير وسرر.
[4]
الخيرة: المختار من كل شيء، يريد: بقاع مختارة للزرع والضرع.
[5]
اطريرة (Ultrera) :تقع الجنوب الشرقي من إشبيلية على بعد 39 كلم، وقد ضبطت بكسر الهمزة وسكون الطاء.
[6]
يريد إشبيلية، سماها حمص جند بني أمية الّذي نزل بها حين جاء من حمص الشام. وقد فعلوا ذلك في كثير من مدن الأندلس. ياقوت (معجم البلدان) .
[7]
الشوار: متاع البيت، ويريد به ما تعارف عليه الفقهاء، مما يشترى من الصداق الّذي يدفعه الزوج، وتجهز به الزوجة من حلى، وغطاء، ووطاء إلخ، ذلك لأنه جعل «حمص» أما لا طريرة قد زوجتها وجهزتها، فتغالت- لما في الأم من حب لابنتها- في هذا الجهاز إلخ. فجاء بالألفاظ الفقهية بمعانيها التي اصطلحوا عليها.
[8]
يريد بالاعتمار: الاستعمار، والاستغلال.
[9]
أسفاه: أطاشه حلمه، وحمله على الطيش.
[10]
أنهكهم: أجهدهم، وأضناهم.
ابن خلدون م 39 ج 7
الاعتقال، والقيود الثقال، وأضرعهم الإسار وجلّلهم الإنكسار، فجدّلوهم [1] في مصرع واحد، وتركوهم عبرة للرّائي والمشاهد، وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواجد [2] ، وترة الماجد [3] ، فكبسناها كبسا، وفجأناها بإلهام من لا يضلّ ولا ينسى وصبّحتها الخيل، ثم تلاحق الرّجل لمّا جنّ الليل، وحاق بها الويل، فأبيح منها الذّمار [4] ، وأخذها الدّمار، ومحقت [5] من مصانعها البيض الأهلّة وخسفت الأقمار، وشفيت من دماء أهلها الضّلوع الحرار [6] ، وسلّطت على هياكلها النّار، واستولى على الآلاف العديدة من سبيها، وانتهى إلى إشبيلية الثّكلى المغار [7] فجلّل وجوه من بها من كبار النّصرانية الصّغار [8] ، واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقله [9] الأوقار [10] .
وعدنا والأرض تموج سبيا، لم نترك بعفرين شبلا [11] ولا بوجرة ظبيا [12] ، والعقائل [13] حسرى، والعيون يبهرها الصّنع الأسرى [14] وصبح السّرى قد حمد من بعد المسرى [15] ، فسبحان الّذي أسرى [16] ، ولسان الحميّة ينادي، في تلك الكنائس المخرّبة والنّوادي: يا لثارات الأسرى!
[1] فجدلوهم: صرعوهم.
[2]
الثكل: فقد المرأة ولدها، وفقد الرجل ولده أيضا، والواجد: الغضبان.
[3]
الترة: الذحل والثأر. والماجد: الكريم، ومن له آباء متقدمون في الشرف.
[4]
الذمار: ما وراء الرجل مما يحق له ان يحميه. والدمار (بالمهملة) : الهلاك.
[5]
المحق: النقصان وذهاب البركة. لسان العرب (محق) .
[6]
الضلوع الحرار: العطشى.
[7]
المغار: مصدر ميمي بمعنى الإغارة.
[8]
جلل وجوههم: عم وجوههم. والصغار: الذل.
[9]
أقل الشيء: أطاق حمله.
[10]
الأوقار: جمع وقر، وهو الجمل. وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار.
[11]
عفرين بلد تكثر فيه الأسود. والشبل: ولد الأسود.
[12]
وجرة: فلاة بوسط نجد، لا تخلو من شجر، ومياه، ومرعى. والوحش فيها كثير. (تاج- وجر) .
[13]
جمع عقيلة، وهي المرأة الكريمة، النفيسة.
[14]
الصنع الأسرى: الأشراف، والأرفع.
[15]
ينظر الى المثل: «عند الصباح يحمد القوم السري» ، الّذي يضرب للرجل يحتمل الشقة رجاء الراحة.
انظر الميدان 2/ 304.
[16]
اقتباس من الآية 1 من سورة الإسراء. وأسرى: سار ليلا.
ولم يكن إلا أن نفلت الأنفال [1] ، ووسمت بالأوضاح الأغفال [2] ، وتميّزت الهوادي والأكفال [3] ، وكان إلى غزو مدينة جيّان الاحتفال، قدنا إليها الجرد [4] تلاعب الظلال نشاطا، والأبطال تقتحم الأخطار رضى بما عند الله واغتباطا، والمهنّدة الدّلق [5] تسبق إلى الرقاب استلالا واختراطا، واستكثرنا من عدد القتال احتياطا، وأزحنا العلل عمّن أراد جهادا منجيا غباره من دخان جهنّم ورباطا، ونادينا الجهاد! الجهاد! يا أمّة الجهاد! راية النّبيّ الهادي! الجنّة تحت ظلال السّيوف الحداد!، فهزّ النداء إلى الله تعالى كلّ عارم وغامر [6] ، وائتمر الجمّ من دعوى الحق إلى أمر آمر، وأتى النّاس من الفجوج [7] العميقة رجالا وعلى كل ضامر [8] ، وكاثرت الرّايات أزهار البطاح لونا وعدا، وسدّت الحشود مسالك الطّريق العريضة سدّا، ومدّ بحرها الزّاخر مدّا، فلا يجد لها النّاظر ولا المناظر حدّا.
وهذه المدينة هي الأمّ الولود، والجنّة التي في النّار لسكّانها من الكفّار الخلود، وكرسيّ الملك، ومجنبة [9] الوسطى من السّلك، باءت بالمزايا العديدة ونجحت، وعند الوزان بغيرها من أمّات [10] البلدان، رجحت، غاب الأسود، وجحر الحيّات السّود، ومنصّب [11] التّماثيل الهائلة، ومعلّق النّواقيس المصلصلة.
[1] الأنفال: جمع نفل، وهو الغنيمة: ونفلت: أعطيت.
[2]
الأوضاح، جمع وضح، وهو البياض. والاغفال: الاراضي الموات، يقال ارض عفل: لا علم بها، ولا سمه.
[3]
هو ادى كل شيء: أوائله. يريد: تميز الشجعان الذين كانوا يتصدرون المعركة، من الاكفال (جمع كفل) : وهم الذين يكونون في مؤخر الموقعة همتهم التأخر، والفرار.
[4]
جمع أجرد، وهو الفرس القصير الشعر، وذلك في علامات العتق والكرم.
[5]
سيف دلق: سهل الخروج من غمده، والجمع: دلق.
[6]
العامر من الأرض: المستغل. والغامر: الّذي يغمره الماء، ويراد به الأرض التي لم تستثمر. يريد:
أقبل الناس من كل جانب.
[7]
جمع فج، وهو الطريق البعيد، والواسع، والّذي بين جبلين.
[8]
الجمل الضامر: الخفيف الجسم.
[9]
المجنبة: التي تأخذ مكانها جانب الجوهرة الوسطى من العقد. يريد ان مدينة جيان تحتل المرتبة الثانية بالقياس الى حضرة الملك.
[10]
أمات، جمع أم، ويغلب أن تأتي جمعا لام ما لا يعقل. وانظر اللسان «أم» ، «أمه» .
[11]
منصب اسم مكان، بمعنى الموضع الّذي أقيمت فيه هذه التماثيل.
فأدنينا إليها المراحل، وعنينا ببحار المحلّات المستقلّات منها السّاحل [1] ، ولما أكثبنا [2] جوارها، وكدنا نلتمح [3] نارها، تحرّكنا إليها ووشاح [4] الأفق المرقوم، بزهر النّجوم، قد دار دائره، واللّيل من خوف الصّباح، على سطحه المستباح، قد شابت غدائره، والنّسر [5] يرفرف باليمن طائره، والسّماك الرّامح [6] يثأر بعز الإسلام ثائره، والنّعائم راعدة [7] فرائص [8] الجسد، من خوف الأسد [9] ، والقوس [10] يرسل سهم السّعادة [11] ، بوتر العادة، إلى أهداف النعم المعادة، والجوزاء [12] عابرة نهر المجرّة [13] ، والزهرة [14] تغار من الشّعري العبور [15]
[1] أحل فلان أهله بمكان كذا: جعلهم يحلونه. واستقل القوم: ذهبوا وارتحلوا.
[2]
اكثب: قارب، ودنا من الشيء.
[3]
التمحه: أبصره بنظر خفيف.
[4]
الوشاح: شيء ينسج عريضا من أديم، ويرصع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقها وكشحها.
[5]
النسران: كوكبان شآميان، أحدهما واقع، والأخر طائر. فالواقع كوكب نير، خلفه كوكبان أصغر منه، يكونان معه صورة الاتافي، ويقولون: هما جناحاه وقد ضمهما إليه حين وقع. أما الطائر، فهو إزاء النسر الواقع في ناحية الشمال، وتفصل بينهما المجرة، وهو كوكب منير بين كوكبين تخيلوهما جناحيه قد نشرهما. وانظر كتاب «الأنواء» لابن قتيبة ص 133 لسان (نسر) .
[6]
السماء الرامح: نجم نير شمالي، خلفه كوكبان بمنزلة الرمح له. وهو نجم لا نوء له ويقابله السماك الأعزل، وهو من منازل القمر.
[7]
النعائم: منزلة من منازل القمر، وهي أربعة كواكب مربعة على طرف المجرة. وهناك نعائم واردة، ونعائم صادرة، فالواردة منها هي التي ترد في نهر المجرة، والصادرة قد وردت وصدرت، أي رجعت عنها. لسان العرب (نعم) .
[8]
راعدة الفرائص: فزعة، مرتجفة، والفرائص، جمع فريصة، وهي مرجع الكتف الى الخاصرة في وسط الجنب.
[9]
الأسد: أحد البروج الشمالية الاثني عشر. وكواكبه 34 كوكبا.
[10]
القوس، ويسمى الرامي: أحد البروج الاثني عشر من البروج الجنوبية، وهو كوكبة على صورة شخص نصفه الأعلى إنسان، بيده قوس يرمي به، والنصف الأسفل منه على صورة فرس. وكواكبه 31 كوكبا، ويقع خلف كوكبة العقرب.
[11]
السهم- في مصطلح المنجمين: عبارة عن موضع في دائرة فلك البروج، يقع بين طولي كوكبين من الكواكب السيارة. ولهم في استخراجه طرق حسابية معروفة، ولهذا الموضع المعين دلالة خاصة. وأقوى السهام: سهم السعادة، وسهم الغيب.
[12]
الجوزاء، وتسمى التوأمين: برج من بروج الشمس الشمالية، وهي صورة إنسانين رأسهما، وسائر كواكبهما في الشمال والمشرق عن اجرة، وأرجلهما الى الجنوب والمغرب في نفس المجرة، وهما كالمتعانقين.
كواكبها 25 كوكبا.
[13]
المجرة: البياض الّذي يرى في السماء، وتسمى عند العوام بسبيل التبانين، وهي كواكب صغار، متقاربة، متشابكة لا تتمايز حسا، بل هي لشدة تكاثفها وصغرها صارت كأنها لطخات سحابية، والعرب تسميها أم النجوم لاجتماع النجوم فيها. عجائب المخلوقات للقزويني 1/ 32 وما بعدها.
[14]
الزهرة، كتؤدة: نجم أبيض مضيء من الكواكب السبعة السيارة، ويسميها المنجمون السعد الأصغر، لأنها في السعادة دون المشتري. تاج العروس (زهر) .
[15]
الشعري العبور (بكسر الشين) : كوكب نير من كوكبة الجوزاء، في حجم الزهرة ونورها تقريبا، يقال لها الشعرى العبور، ومرزم الشعرى، ذكرت في القرآن:«وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى» 53: 49 (49 من سورة النجم) .
وقد عبدها قوم من العرب في الجاهلية. وسميت العبور لأنها- فيما يزعمون- عبرت السماء عرضا، ولم يعبرها غيرها، فلذلك عبدوها. تاج العروس (شعر) .
بالضّرّة، وعطارد [4] يسدي في حبل الحروب، على البلد المحروب [5] ويلحمه، ويناظر على أشكالها الهندسيّة فيفحمه، والأحمر [6] يبهر، وبعلمه الأبيض يغري وينهر، والمشتري يبدئ في فضل الجهاد ويعيد، ويزاحم في الحلقات، على ما للسّعادة من الصّفقات، ويزيد [7] ، وزحل [8] عن الطّالع [9] منزحل [10] ، وعن العاشر [11] مرتحل، وفي زلق السّعود وحل، والبدر يطالع حجر المنجنيق [12] ، كيف يهوي إلى النّيق [13] ، ومطلع الشّمس يرقب، وجدار الأفق يكاد بالعيون عنها ينقب.
ولما فشا سرّ الصباح، واهتزت أعطاف الرّايات بتحيّات مبشّرات الرّياح أطللنا [14] عليها إطلال الأسود على الفرائس، والفحول على العرائس، فنظرنا منظرا يروع بأسا ومنعة [15] ، ويروق وضعا وصنعة، تلفّعت [16] معاقلة الشّم للسّحاب ببرود،
[4] عطارد، ويسمى- في عرف أهل المغرب- الكاتب: كوكب من السبعة السيارة. واقترانه بزحل يدل على الخسف والزلزال، وبالمريخ يدل على الشدائد.
[5]
المحروب: المسلوب المال، المنهوب.
[6]
الأحمر وهو المريخ: دليل على الحروب وأصحابها، فإذا كان في البرج الرابع من الطالع، دل ذلك على كثرة القتل في الحروب، وشدة الهول.
[7]
زحل، والمشتري، والمريخ، إذا اقترنت بعضها ببعض، أو تناظرت، بأن كانت ناظرة بعضها إلى بعض نظر عداوة، وذلك عند التربيع والمقابلة- إذا حصل ذلك عند حلول الشمس برأس الحمل، فان ذلك يدل على وقوع حرب.
[8]
رحل، وهو كيوان: إذا اتصل به القمر اتصال عداوة، فان ذلك يدل على البلايا والرزايا.
[9]
الطالع: هو البرج الّذي على الأفق الشرقي.
[10]
زحل عن مكانه: زل، وحاد.
[11]
العاشر: هو البرج الّذي يقع فوق سمت الرأس.
[12]
المنجنيق (بفتح الميم وكسرها) : آلة لرمي الحجارة على العدو في الحرب. شفاء الغليل ص 133.
[13]
النيق: أرفع موضع في الجبل.
[14]
أطللنا عليها: أشرفنا عليها.
[15]
منعة: قوة تمنع من يريده بسوء.
[16]
تلفع: تلحق.
ووردت من غدر المزن في برود [1] ، وأشرعت لاقتطاف أزهار النجوم والذراع بين النطاق معاصم رود [2] ، وبلدا يحيي الماسح والذارع [3] ، وينظم المحاني والأجارع [4]، فقلنا: اللَّهمّ نفّله أيدي عبادك، وأرنا فيه آية من آيات جهادك، ونزلنا بساحتها العريضة المتون، نزول الغيث الهتون، وتيمّنّا من فحصها بسورة «التين والزّيتون» ، متبرئة من أمان الرحمان للبلد المفتون، وأعجلنا الناس بحميّة نفوسهم النفيسة، وسجيّة شجاعتهم البئيسة [5] ، عن أن تبوّأ [6] للقتال المقاعد [7] ، وتدني بأسماع شهير النفير منهم الأباعد، وقبل أن يلتقي الخديم بالمخدوم، ويركع المنجنيق ركعتي القدوم، فدفعوا من أصحر إليهم من الفرسان.
وسبق إلى حومة الميدان [8] ، حتى أحجروهم في البلد، وسلبوهم لباس الجلد [9] ، في موقف يذهل الوالد عن الولد، صابت السّهام فيه غماما [10] ، وطارت كأسراب الحمام تهدى حماما [11] ، وأضحت القنا قصدا [12] ، بعد أن كانت شهابا رصدا، وماج بحر القتام [13] بأمواج النّصول، وأخذ الأرض الرجفان لزلزال الصّياح الموصول، فلا ترى إلّا شهيدا تظلّل مصرعه الحور [14] ، وصريعا تقذف به الى الساحل تلك البحور، ونواشب [15] تبأى [16] بها الوجوه الوجيهة عند الله والنّحور،
[1] البرود من الشراب: ما يبرد الغلة.
[2]
رخصة ناعمة.
[3]
مسح الأرض: قاس مساحتها. وذرعها: قاسها بالذراع.
[4]
المحاني، جمع محنية، وهي منعرج الوادي، وما انحنى من الأرض. والاجارع، جمع أجرع، وهي الأرض الطيبة المنبت، والأرض فيها حزونة.
[5]
الشديدة البأس.
[6]
تبوأ: تهيأ.
[7]
المقاعد: مواقف للقتال تعين لكل واحد من المقاتلين، يعني عجلنا بالهجوم قبل ان يتخذ كل مقاتل مكانا معينا، اشارة الى الآية «وَإِذْ غَدَوْتَ من أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ» 3: 121 (121 من سورة آل عمران) .
[8]
حومة الميدان: أسد موضع فيه وقت القتال.
[9]
الجلد: القوة، والصبر.
[10]
صابت السهام غماما: نزلت كالغمام لكثرتها.
[11]
الحمام (بالكسر) : قضاء الموت وقدره.
[12]
قصدا: قطعا، يقال: القنا قصد أي مكسورة.
[13]
القتام: الغبار.
[14]
جمع حوراء، وهي التي اشتد بياض عينها، وسواد سوادها.
[15]
نواشب: سهام ناشبة في وجوه المحاربين، أو في أعناقهم.
[16]
تبأى بها: تنشق.
فالمقضب [1] ، فوده [2] يخضب، والأسمر، غصنه يستثمر، والمغفر [3] ، حماه يخفر، وظهور القسيّ تقصم [4] ، وعصم الجند الكوافر تفصم [5] ، وورق اليلب [6] في المنقلب يسقط، والبيض تكتب والسّمر تنقط [7] ، فاقتحم الربض الأعظم لحينه، وأظهر الله لعيون المبصرين والمستبصرين عزّة دينه، وتبرّأ الشيطان من خدينه [8] ، ونهب الكفّار وخذلوا، وبكلّ مرصد جدّلوا، ثمّ دخل البلد بعده غلابا، وجلّل [9] قتلا واستلابا، فلا تسل إلا الظّبا [10] والأسل [11] عن قيام ساعته، وهول يومها وشناعته، وتخريب المبائت [12] والمباني، وغنى الأيدي من خزائن تلك المغاني، ونقل الوجود الأول الى الوجود الثّاني [13] ، وتخارق السّيف فجاء بغير المعتاد، ونهلت القنا الرّدينيّة من الدّماء، حتى كادت تورق كالأغصان المغترسة والأوتاد، وهمت أفلاك القسيّ وسحّت، وأرنّت حتى بحّت، ونفدت موادّها فشحّت، مما ألحّت، وسدّت المسالك جثث القتلى فمنعت العابر، واستأصل الله من عدوه الشّأفة وقطع الدّابر [14] ، وأزلف الشّهيد وأحسب الصّابر [15] ، وسبقت رسل الفتح الّذي لم يسمع بمثله في
[1] سيف مقضب: قطاع.
[2]
الفود: معظم شعر اللمة مما يلي الاذن. واسناد ذلك للسيف على جهة التوسع.
[3]
المغفر: ما يلبسه الدارع على رأسه من الزرد ونحوه.
[4]
تقصم: تكسر.
[5]
عصم الكوافر: جمع عصمة، وأصل العصمة الجبل، وكل ما أمسك شيئا فقد عصمه. والكوافر جمع كافرة وهو يريد هنا أن الجند جماعات، فصح له جمع فاعل على فواعل. تفصم: تقطع وتنفصل. مقتبس من الآية: «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» . 60: 10
[6]
اليلب: الدروع، والدرق.
[7]
البيض: السيوف. والسمر: الرماح.
[8]
الخدين: الصديق.
[9]
جلل قتلا: عمه القتل.
[10]
الظبا، جمع ظبة، وهي حد السيف، والسنان، والنصل، والحنجر، ونحوها.
[11]
الأسل: عيدان طوال دقاق مستوية لا ورق لها، وتسمى الرماح والقنا أسلا، على التشبيه بها في الطول، والاستواء، والدقة.
[12]
المبائت، جمع مبيت، مكان البيتوتة.
[13]
يعني بالوجود الأول: الوجود الخارجي، وهو المرئي بالعين الملموس. أما الوجود الثاني فهو الوجود الذهني، والمعنى أن هذه المدينة قد أصبحت موجودة في الأذهان صورتها بعد أن كانت موجودة العين.
وانظر معيار العلم للغزالي ص 37. وشرح المقاصد للسعد 1/ 57 (طبع إستانبول سنة 1277 هـ) .
[14]
الشأفة: الأصل، واستأصل شأفته أي أصله. وقطع الدابر: استأصل آخرهم.
[15]
أزلف الشهيد: قربه اليه. وأحسب الصابر: أعطاه ما يرضي، أو أعطاه حتى قال حسبي.
الزّمن الغابر. تنقل البشرى من أفواه المحابر، إلى آذان المنابر.
أقمنا بها أياما نعقر الأشجار [1] ، ونستأصل بالتّخريب الوجار [2] ، ولسان الانتقام من عبدة الأصنام، ينادي: يا لثارات الإسكندريّة [3] تشفيا من الفجار [4] ، ورعيا لحق الجار، وقفلنا وأجنحة الرّايات، برياح العنايات، خافقة وأوفاق [5] ، التّوفيق، النّاشئة من خطوط الطّريق، موافقة، وأسواق العزّ باللَّه نافقة، وحملاء الرّفق مصاحبة- والحمد للَّه مرافقة، وقد ضاقت ذروع الجبال، عن أعناق الصّهب السّبال [6] ، ورفعت على الأكفال، ردفاء كرائم الأنفال، وقلقلت من النواقيس أجرام الجبال، بالهندام [7] والاحتيال، وهلك بمهلك هذه الأمّ هذه الأمّ بنات كنّ يرتضعن ثديها الحوافل [8] ، ويستوثرن حجرها الكافل، شمل التّخريب أسوارها، وعجّلت النّار بوارها.
[1] نعقر الأشجار: نقطع رءوسها، فتيبس.
[2]
الوجار (بالكسر ويفتح) : جحر الضبع، والأسد، والثعلب، والذئب ونحوها.
[3]
يشير ابن الخطيب الى «الواقعة» التي حدثت بالإسكندرية سنة 767 هـ، ومجملها ان حاكم قبرص، انتهز غيبة حاكم الاسكندرية في الحجاز للحج، فهاجم البلد في اسطول بلغت قطعه نحو 70 فيما قالوا، وقد خرج أهل الاسكندرية للنزهة غير مقدرين للخطر، وكانت الحامية الموجودة قليلة، والأسوار والحصون خالية من المدافعين، فهاجم العدو الأهالي العز الآمنين، ففروا الى المدينة، وأغلقوا عليهم الأبواب، فأحرقها العدو واقتحم البلد عليهم.. فكانت مذابح هتكت فيها حرمات. وانظر تفصيلها في العبرم 5.
[4]
شبّه مهاجمة الاسكندرية الآمنة بحرب «الفجّار» ، التي سميت بذلك لما استحل فيها من حرمات، حيث كانت في الأشهر الحرم.
[5]
أوفاق، جمع وفق، وهي مربعات تحتوي على بيوت مربعة صغيرة، وتوضع في تلك البيوت أرقام، أو حروف، على نظام بحيث لا يتكرر عدد في بيتين، وبحيث يكون مجموع أضلاع المربع، ومجموع أقطارها متساويا، ويسمى الوفق- بعد ذلك- بما في أحد أضلاعه من بيوت، فيقال: المثلث، والمربع، والمخمس إلخ، وقد يحتوي على مائة من البيوت فيقال: الوفق المئيني. ويقول أصحاب الأفق: ان للاعداد- في هذا الوضع- خواص روحانية، وآثارا عجيبة، إذا اختير للعمل بها وقت مناسب، وساعة شريفة. وكلام ابن الخطيب على التشبيه والتجوز.
[6]
الصهب: جمع أصهب، وهو الأبيض تخالطه حمرة. والسبال: جمع سبلة، وهي اللحية، أو ما على الشارب من شعر، ويقال للاعداء عامة هم صهب السبال، ذلك لأن الصهوبة في الروم، وقد كانوا أعداء العرب، ثم قالوا لكل الأعداء: هم صهب السبال.
[7]
الهندام آلة يحتال بها على رفع أو تحريك الأشياء الثقيلة التي لا تستطيع قوى الإنسان المجردة ان ترفعها، أو تحركها. وقد وصف هذه الآلة ابن خلدون في آخر فصل البناء من مقدمته.
[8]
الحوافل: جمع حافلة، الضرع الممتلئ لبنا.
ثم تحرّكنا بعدها حركة الفتح، وأرسلنا دلاء الأدلاء [1] قبل المتح [2] ، فبشّرت بالمنح، وقصدنا مدينة أبّدة، وهي ثانية الجناحين، وكبرى الأختين، ومساهمة جيّان في حين الحين [3] ، مدينة أخذت عرض الفضاء الأخرق [4] ، وتمشّت فيه أرباضها تمشّي الكتابة الجامحة في المهرق [5] ، المشتملة على المتاجر والمكاسب، والوضع المتناسب، والفلح المعيي ريعه [6] عمل الحاسب وكوارة [7] الدّبر [8] اللّاسب [9] المتعدّدة اليعاسب [10] ، فأناخ العفاء [11] بربوعها العامرة، ودارت كؤوس عقار [12] الحتوف [13] ، ببنان السّيوف، على متديريها المعاقرة [14] ، وصبّحتها طلائع الفاقرة [15] ، وأغريت ببطون أسوارها عوج المعاول [16] ، الباقرة [17] ، ودخلت مدينتها عنوة السّيف، في أسرع من خطرة الطّيف، ولا تسأل عن الكيف، فلم يبلغ العفاء من مدينة حافلة، وعقيلة في حلل المحاسن رافلة [18] ، ما بلغ من هذه البائسة [19] التي سجدت لآلهة النّيران أبراجها،
[1] جمع دلو، وهي ما يستقى به. والأدلاء: جمع دليل، وهو المرشد. ويريد: قدمنا قبل بدء القتال- طلائع لنكشف ما عند العدو من استعداد.
[2]
المتح: الاستقاء.
[3]
الحين: الهلاك.
[4]
الأخرق: البعيد الواسع.
[5]
المهرق: الصحيفة البيضاء يكتب فيها.
[6]
الريع: النماء، والزيادة، وارض مربعة: مخصبة، وهذا هو المراد هنا.
[7]
الكوار، والكوارة: شيء يتخذ للنحل من القضبان.
[8]
الدبر: النحل.
[9]
لسبته النحلة، لسعته.
[10]
اليعسوب: أمير النحل. والجمع الصحيح يعاسيب.
[11]
أناخ الجمل: برك. والعفاء: المحو، والإزالة.
[12]
العقار: الخمر.
[13]
الحتوف: جمع حتف، وهو الموت.
[14]
معاقر الخمر: مدمنها، والجمع: معاقرة: ولعله يريد بمتديريها، دياريها.
[15]
الفاقرة: الداهية الكاسرة.
[16]
جمع معول، وهو الحديدة تنقر بها الجبال. أو هو الفأس.
[17]
بقر الشيء بقرا: فتحه، ووسعه، وشقه.
[18]
امرأة رافلة: تجر ذيلها جرا حسنا إذا مشت.
[19]
البائسة: الفقيرة. والتي نزلت بها بلية ترحم من أجلها.
وتضاءل [1] بالرّغام [2] معراجها، وضفت [3] على أعطافها [4] ملابس الخذلان، وأقفر من كنائسها كناس [5] الغزلان.
ثم تأهّبنا لغزو أمّ القرى الكافرة، وخزائن المزاين [6] الوافرة، وربّة الشّهرة السافرة [7] ، والأنباء المسافرة، قرطبة، وما أدراك ماهية! ذات الأرجاء الحالية [8] الكاسية [9] ، والأطواد الرّاسخة الرّاسية، والمباني الماهية، والزّهراء [10] الزّاهية، والمحاسن غير المتناهية، حيث هالة بدر السّماء قد استدارت من السّور المشيد البناء دارا، ونهر المجرّة من نهرها الفياض، المسلول حسامه من غمود الغياض [11] ، قد لصق بها جارا، وفلك الدّولاب، المعتدل الانقلاب، قد استقام مدارا، ورجّع الحنين اشتياقا إلى الحبيب الأول وادّكارا [12] حيث الطّود كالتّاج، يزدان بلجين العذب المجاج [13] ، فيزري بتاج كسرى ودارا، حيث قسيّ الجسور [14] المديدة، كأنّها عوج [15] المطيّ العديدة، تعبر النّهر قطارا،
[1] تضاءل: تصاغر وذل.
[2]
الرغام (بالفتح) : التراب.
[3]
ثوب ضاف: سابغ طويل.
[4]
عطفا كل شيء: جانباه، والجمع أعطاف.
[5]
الكناس: موضع في الشجر يستكن فيه الظبي ويستقر، إذا اشتد الحر.
[6]
المزاين: ما يتزين به.
[7]
السافرة: الذاهبة كل مذهب.
[8]
الحالية: التي لبست حليا.
[9]
الكاسية: المكتسية.
[10]
الزهراء: مدينة في شمال قرطبة على بعد ثلاثة أميال منها، تحت جبل العروس، بنها الناصر المرواني أبو المظفر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله أول سنة 325 هـ، وسماها باسم جارية كان يحبها، اشتهت أن يبني لها مدينة في جبل العروس، ويسميها باسمها. وقد وصفها المقري في نفح الطيب 1/ 344- 374 صنع ليدن.
[11]
الغيضة: مغيض ماء يجتمع، فينبت فيه الشجر، وجمعها غياض.
[12]
يريد ان قرطبة دائمة الحنين الى الحكم الإسلامي الّذي انتظمها منذ الفتح حتى سنة 633 هـ، حيث سقطت في أيدي الاسبان.
[13]
المجاج: العسل، ومجاج المزن: مطرها.
[14]
الّذي نعرف ان على نهر قرطبة جسرين، بني الأعظم منهما- بأمر عمر بن عبد العزيز- السمح بن مالك الخولانيّ. أو عبد الرحمن بن عبيد الله الغامقي، وكانوا يسمونه قنطرة الوادي، وكانت اقواسه سبع عشرة قوسا، سعة الواحدة منها خمسون شبرا. نفح الطيب 1/ 226، 246 بولاق.
[15]
جمع عوجاء، وهي الضامرة من الإبل. والمطي: جمع مطية، وهي البعير يمتطى ظهره.
حيث آثار [1] العامري [2] المجاهد [3] ، تعبق [4] بين تلك المعاهد، شذّي معطارا، حيث كرائم السّحائب، تزور عرائس الرياض الحبائب، فتحمل لها من الدرّ نثارا، حيث شمول الشّمال [5] تدار على الأدواح [6] ، بالغدوّ والرّواح، فترى الغصون سكارى، وما هي بسكارى، حيث أيدي الافتتاح، تفتضّ من شقائق [7] البطاح، أبكارا، حيث ثغور الأقاح [8] الباسم، تقبّلها بالسّحر زوار النّواسم، فتخفق قلوب النّجوم الغيارى، حيث المصلّى [9] العتيق، قد رحب مجالا وطال منارا [10] ، وأزرى ببلاط الوليد [11] احتقارا،
[1] من آثاره: المنية المعروفة بالعامرية، والمدينة «الزاهرة» التي اتخذها مقرا لحكمه، والزيادة التي أضافها لمسجد قرطبة في الناحية الشرقية منه. نفح الطيب 2601- 274- 277 بولاق.
[2]
هو محمد بن عبد الله بن أبي عامر بن محمد بن عبد الله بن عامر المعافري، دخل جده الأندلس مع طارق بن زياد. واستوزره الحكم المستنصر لابنه هشام، فلما مات حجبه ابن أبي عامر، واستولى على الدولة، وأمر بأن يحيى بتحية الملوك، وتسمى بالحاجب المنصور. توفي مبطونا بمدينة سالم، بأقصى ثغور المسلمين سنة 393 أو 394. العبر لابن خلدون م 4.
[3]
كان المنصور بن أبي عامر محبا للجهاد، غزا بنفسه- مدة ملكه- نيفا وخمسين غزوة، لم تنتكس له فيها راية، ولا فل له فيها جيش. ومن شعره في ذلك.
ألم ترني بعت المقامة بالسرى
…
ولين الحشايا بالخيول الضوامر
وبدلت بعد الزعفران وطيبه
…
صدى الدرع من مستحكمات المسامر
فلا تحسبوا أني شغلت بلذة
…
ولكن أطعت الله في كل كافر
وكان يأمر أن ينفض غبار ثيابه التي حضر فيها القتال، وان يجمع ويحتفظ به، فلما حضرته الوفاة أمر أن ينشر على كفنه إذا وضع في قبره. رحمه الله. العبرم 4.
[4]
عبق الطيب: فاح وانتشر: (تاج) .
[5]
الشمول: الخمر. والشمال: الريح تهب من القطب، ويقال، خمر مشمولة إذا ضربتها ريح الشمال فأصبحت باردة الطعم.
[6]
جمع دوحة: وهي الشجرة العظيمة المتسعة.
[7]
يريد شقائق النعمان، وتسمى الشقر أيضا، وهي نور أحمر، والنعمان اسم الدم، فشبهت حمرتها بحمرة الدم، وسميت شقائق النعمان، وغلب عليها الشقائق.
[8]
جمع اقحوان، وهو نبت طيب الريح، له نور أصفر، وحواليه ورق أبيض، كأنه ثغر جارية حدثة السن، وانظر مفردات ابن البيطار 1/ 48. والصواب:«الاقاح البواسم» .
[9]
يريد جامع قرطبة، وقد وصفه الحميري في الروض المعطار وصفا مفصلا ص 153- 155، وانظر نفح الطيب 1/ 358- 360 طبع ليدن.
[10]
وصف منارة جامع قرطبة وصفا دقيقا، وقاسها كذلك، الحميري في الروض المعطار ص 155- 156.
[11]
كان الوليد بن عبد الملك من أفضل خلفاء بني أمية، أعطى المجذمين، وقال لهم لا تسألوا الناس،
حيث الظّهور [1] المثارة بسلاح [2] الفلاح، تجبّ عن مثل أسنمة [3] المهارى [4] ، والبطون [5] كأنها لتدميث [6] الغمائم، بطون العذارى، والأدواح العالية، تخترق أعلامها الهادية، بالجداول الحيارى [7] . فما شئت من جو بقيل [8] ، ومعرّس للحسن ومقيل، وما لك للعقل وعقيل [9] ، وخمائل، كم فيها للبلابل، من قال وقيل، وخفيف يجاور بثقيل، وسنابل تكي من فوق سوقها، وقصب بسوقها، الهمزات على الألفات، والعصافير البديعة الصّفات، فوق القضب المؤتلفات، تميل لهبوب الصّبا والجنوب، مالئة الجيوب، بدرّ الحبوب، وبطاح لا تعرف عين المحل [10] ، فتطلبه بالذّحل [11] ، ولا تصرف في خدمة بيض قباب الأزهار، عند افتتاح السّوسن والبهار [12] ، غير العبدان من سودان النّحل، وبحر الفلاحة
[ () ] وأعطى كل مقعد خادما، وكل ضرير قائدا، وكان صاحب بناء واتخذ المصانع والضياع، وكان الناس في زمانه، يسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانع، وبنى المساجد: مسجد المدينة، ومسجد دمشق، الّذي أنفق عليه أموالا عظيمة، وأحضر له الصناع من بلاد الروم ومن سائر بلاد الإسلام، وكانت العرب تسميه بلاط الوليد. وانظر تاريخ الطبري 8/ 58- 97 وتاريخ أبي الفداء 1/ 210، مقدمة ابن خلدون ص 640 طبع دار الكتاب اللبناني- بيروت.
[1]
الظهر من الأرض: ما غلظ وارتفع.
[2]
أثار الأرض بالسن- وهي الحديدة التي تحرث بها الأرض- إذا قلبها على الحب بعد ما فتحت مرة، وفي القرآن:«وَأَثارُوا الْأَرْضَ» 30: 9: حرثوها وزرعوها، واستخرجوا منها بركاتها.
[3]
جب السنام: قطعه. وسنام الناقة: أعلى ظهرها والجمع أسنمة.
[4]
إبل مهرية: منسوبة الى مهرة بن حيدان أبي قبيلة، وهم جي عظيم والجمع مهارى.
[5]
جمع بطن والبطن من الأرض: ما لان وسهل واطمأن.
[6]
دمث الشيء: مرسه حتى لان.
[7]
الحيارى: جمع حيران وهو المتردد في الأمر، لا يدري وجهة يهتدي إليها. ويريد ان الجداول لالتوائها، وكثرة منعطفاتها، تشبه في سيرها شخصا حيران قد التبست عليه السبل.
[8]
الجو: المنخفض من الأرض. والبقيل: المكان ذو البقل، وكل نبات أخضرت به الأرض فهو بقل.
[9]
يوري بمالك وعقيل ابني فارج بن مالك، نديمي جذيمة الأبرش، ولهما مع عمرو بن عدي خبر تجد تفصيله في تاريخ الطبري 2/ 30- 31.
[10]
المحل: الجدب، وهو انقطاع المطر.
[11]
الذحل: الثأر.
[12]
البهار- عند أهل المغرب-: نبات طيب الريح، له قضبان خضر، في رءوسها أقماع يخرج منها نور ينبسط منه ورق أبيض، وفي وسط البياض دائرة صفراء من ورق صغير. وهذه هي الصفة التي أثبتها أهل المشرق للنرجس، حيث قالوا: هو ياقوت أصفر بين در أبيض على زمرد أخضر، فالبهار عند أهل المغرب هو النرجس عند أهل المشرق.
الّذي لا يدرك ساحله، ولا يبلغ الطّية [1] البعيدة راحله، إلى الوادي، وسمر النّوادي [2] ، وقرار دموع الغوادي [3] ، للتّجاسر على تخطّيه، عند تمطّيه [4] ، الجسر العادي، والوطن الّذي ليس من عمرو ولا زيد، والفرا الّذي في جوفه كلّ صيد [5] ، أقلّ كرسيّه خلافة الإسلام، وأغار بالرّصافة [6] والجسر دار السّلام [7] ، وما عسى أن تطنب في وصفه ألسنة الأقلام أو تعبّر به عن ذلك الكمال فنون الكلام.
فأعملنا إليها السّرى والسّير، وقدنا إليها الخيل قد عقد الله في نواصيها الخير [8] . ولما وقفنا بظاهرها المبهت المعجب، واصطففنا بخارجها المنبت المنجب، والقلوب تلتمس الإعانة من منعم مجزل، وتستنزل مدد الملائكة من منجد منزل، والرّكائب واقفة من خلفنا بمعزل، تتناشد في معاهد الإسلام:
«قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل [9]
برز من حاميتها المحامية، ووقود النّار الحامية، وبقية السّيف الوافرة على الحصاد النّامية، قطع الغمائم الهامية، وأمواج البحور الطّامية، واستجنّت [10] بظلال أبطال المجال، أعداد الرجال، الناشبة [11] والرامية، وتصدّى للنّزال، من
[1] الطية: الناحية.
[2]
السمر: الحديث بالليل. والنادي: المجلس، والجمع الصحيح: أندية.
[3]
الغاد: السحابة تنشأ فتمطر غدوة، والجمع غواد.
[4]
تمطية: امتداده. كنى به عن امتلاء النهر بالمياه أيام الشتاء.
[5]
الفرا: الحمار الوحشي، وهو من أعظم ما يصطاده الناس، وفي الكلام إشارة إلى المثل:«كل الصيد في جوف الفرا» الّذي يضرب لما يفضل على غيره. ميداني 2/ 55.
[6]
الرصافة: قصر بناه عبد الرحمن الداخل، في الشمال الغربي لقرطبة، واتخذه لسكناه، نقل إليه من الشام كثيرا من أشجار الفاكهة والأزهار، وسماه باسم رصافة جده هشام بن عبد الملك. معجم البلدان 4/ 257.
[7]
يريد بغداد، وسماها مدينة السلام أبو جعفر المنصور، وكان ذلك سنة 146 هـ. انظر تاريخ بغداد 1/ 66- 67.
[8]
اشارة الى حديث البخاري: «الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة» . الجامع الصحيح 4/ 187 طبع الاستانة.
[9]
مطلع المعلقة المشهورة لامرئ القيس.
[10]
استجنت: استترت.
[11]
الناشبة: قوم يرمون بالنشاب، وهي السهام.
صناديدها [1] الصّهب السّبال، أمثال الهضاب الراسية، تجنّها [2] جنن [3] السوابغ الكاسية، وقواميسها [4] المفادية للصّلبان يوم بؤسها بنفوسها المواسية [5] ، وخنازيرها التي عدتها [6] عن قبول حجج الله ورسوله، ستور الظّلم الغاشية، وصخور القلوب القاسية، فكان بين الفريقين أمام جسرها الّذي فرق البحر، وحلّى بلجينه، ولآلئ زينه، منها النّحر، حرب لم تنسج الأزمان على منوالها [7] ، ولا أتت الأيام الحبالي بمثل أجنّة [8] أهوالها، من قاسها بالفجار [9] أفك وفجر [10] ، أو مثّلها بجفر الهباءة [11] خرف وهجر [12] ، ومن شبّهها بحرب داحس والغبراء [13] ، فما عرف الخبر، فليسأل من جرّب وخبر، ومن نظّرها بيوم شعب جبلة [14] فهو ذو بله [15] ، أو عادلها ببطن عاقل [16] ، فغير عاقل، أو احتجّ بيوم ذي قار [17] ، فهو إلى
[1] الصنديد: السيد الشجاع. والجمع صناديد.
[2]
تجنها: تسترها.
[3]
الجنن: جمع جنة، وهي السترة.
[4]
القواميس، جمع قومس (بوزن جوهر) ، وهو مرافق الملك، ونديمه، والأمير.
[5]
المواسي: المعين.
[6]
عديته فتعدى: أي تجاوز الحد الّذي حد له.
[7]
المنوال: المنسج تنسج عليه الثياب. يريد لم تأت الأيام بمثل هذه الحروب.
[8]
حبالي: جمع حبلى. والاجنة جمع جنين.
[9]
حروب الفجار عدة، واشهرها- وهي آخرها- تلك التي كانت بين قريش وكنانة، وبين هوازن.
وقد شهدها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: كنت أنبل على أعمامي يوم الفجار، وسميت فجارا لما استحلوا فيها من حرمة الأشهر الحرم. العقد الفريد 3/ 368- 371.
[10]
أفك: كذب. وفجر: مال عن الحق.
[11]
جفر الهباءة: يوم كان لعبس على ذبيان، سمي بالموضع الّذي كانت فيه موقعتهم، وهو مستنقع في ارض غطفان. العقد الفريد 3/ 316- 317، ياقوت (معجم البلدان) ، الميداني 2/ 269.
[12]
خرف: فسد عقله. هجر: خلط في كلامه وهذي.
[13]
داحس والغبراء: يوم من أشهر أيامهم، بلغ من بعد اثره ان اتخذوه مبدأ من مبادئ تواريخهم في الجاهلية، ويقال انه دام أربعين سنة. وكان بين عبس وذبيان.
وداحس والغبراء: فرسان، وسمي اليوم بهما لما انه كان يسببهما، انظر العقد الفريد 3/ 313- 314.
[14]
كان يوم شعب جبلة لعامر وعبس على دبيان، وكان- فيما يقول أبو عبيدة- قبل الإسلام بأربعين سنة (وشعب جبلة: هضبة حمراء بنجد) . العقد الفريد 3/ 307- 310، ياقوت (معجم البلدان) .
[15]
البله: الغفلة.
[16]
بطن عاقل: يوم كان لذبيان على بني عامر، (أو كان بين بني خثعم، وبني حنظلة) ، ذكر سببه في العقد الفريد 3/ 305- 306، وانظر مجمع الأمثال 2/ 264.
[17]
يوم ذي طار: يوم مشهور كان أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وأثر عنه انه قال: «انه أول يوم
المعرفة ذو افتقار، أو ناضل بيوم الكديد [1] ، فسهمه غير السديد، انما كان مقاما غير معتاد، ومرعى نفوس لم يف بوصفه لسان مرتاد [2] وزلزال جبال أوتاد [3] ، ومتلف [4] مذخور لسلطان الشيطان وعتاد [5] ، أعلم [6] فيه البطل الباسل [7] ، وتورّد الأبيض الباتر [8] ، وتأوّد الأسمر [9] العاسل [10] ، ودوّم الجلمد [11] المتكاسل، وانبعث من حدب [12] الحنيّة [13] ، إلى هدف الرّميّة [14] ، الناشر الناسل [15] ، ورويت لمرسلات السّهام المراسل، ثم أفضى أمر الرّماح إلى التّشاجر والارتباك، ونشبت الأسنّة في الدّروع نشب السمك في الشّباك، ثم اختلط المرعيّ بالهمل [16] ، وعزل الرّدينيّ عن العمل، وعادت السّيوف من فوق المفارق تيجانا، بعد أن شقّت غدر السّوابغ خلجانا، واتّحدت جداول الدّروع، فصارت بحرا، وكان التّعانق، فلا ترى إلّا نحرا يلازم نحرا، عناق وداع، وموقف شمل ذي انصداع، وإجابة مناد إلى فراق الأبد وداع، واستكشفت مآل الصّبر الأنفس الشّفافة [17] ، وهبّت بريح النّصر الطّلائع المبشّرة الهفّافة [18] ، ثم أمدّ السّيل ذلك
[ () ] انتصفت فيه العرب من العجم» . وتفصيل اخباره، وأسبابه، مذكورة في العقد 3/ 374- 378.
[1]
كان يوم الكديد لسليم على كنانة، وفيه قتل ربيعة بن مكدم، فارس كنانة. وانظر العقد الفريد 3/ 326.
[2]
المرتاد والرائد: الّذي يتقدم القوم في التماس النجمة واختيار المرعى الحسن.
[3]
أوتاد الأرض: جبالها.
[4]
المتلف: المفازة، والقفر، سمي بذلك لانه يتلف سالكه.
[5]
العتاد: العدة تعدها لأمر ما.
[6]
أعلم الفارس: جعل لنفسه علامة الشجعان، وأعلم نفسه: وسمها بسيما الحرب.
[7]
الباسل: الشجاع.
[8]
تورد: احمر. الأبيض الباتر: السيف القاطع.
[9]
تأود: أعوج وانثنى. الأسمر: الرمح.
[10]
عسل الرمح: اضطرب واحتز، ورمح عاسل: مضطرب لدن.
[11]
دوم: تحرك ودار. والجلد: الصخر.
[12]
حدب الحنية: تقوسها وانعطافها.
[13]
الحنية: القوس، فعيلة بمعنى مفعولة، وأكثر ما تكون حنية عند توتيرها، والرمي بها.
[14]
الرمية: الطريدة التي يرميها الصائد.
[15]
الناشر: المهتز. والناسل: المسرع.
[16]
هو مثل والمرعى: الإبل التي لها راع، والهمل: الضوال من النعم لا راعي لها.
[17]
أنفس شفافة: فاضلة.
[18]
الهفافة: السريعة المرور في هبوبها.
العباب، وصقل الاستبصار الألباب، واستخلص العزم صفوة اللّباب، وقال لسان النّصر:«ادخلوا عليهم الباب» ، فأصبحت طوائف الكفّار، حصائد مناجل الشّفار، فمغافرهم قد رضيت حرماتها بالإخفار [1] ، ورءوسهم محطوطة في غير مقام الاستغفار، وعلت الرّايات من فوق تلك الأبراج المستطرقة والأسوار، ورفرف على المدينة جناح البوار، لولا الانتهاء إلى الحدّ والمقدار، والوقوف عند اختفاء سرّ الأقدار.
ثم عبرنا نهرها، وشددنا بأيدي الله قهرها، وضيّقنا حصرها، وأدرنا بلآليء القباب البيض خصرها، وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما [2] ، وترمي الأدواح ببوارها، وتسلّط النّيران على أقطارها، فلولا عائق المطر، لحصلنا من فتح ذلك الوطن على الوطر، فرأينا أن نروضها بالاجتثاث [3] والانتساف [4] ، ونوالي على زروعها وربوعها كرّات رياح الاعتساف، حتّى يتهيأ للإسلام لوك طعمتها، ويتهنّا بفضل الله إرث نعمتها، ثم كانت من موقفها الإفاضة من [5] بعد نحر النّحور، وقذف جمار الدّمار على العدوّ المدحور، وتدافعت خلفنا السّيّقات [6] المتّسقات تدافع أمواج البحور.
وبعد أن ألححنا على جنّاتها المصحرة [7] ، وكرومها المستبحرة إلحاح الغريم [8] ، وعوّضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم، وطاف عليها طائف من ربّنا فأصبحت كالصّريم [9] ، وأغرينا حلاق [10] النّار بجمم الجميم [11] ، وراكمنا في أحواف
[1] أخفرت الرجل: إذا نقضت عهده، وذمامه، والهمزة فيه للازالة، أي أزلت خفارته.
[2]
حام الطائر حول الماء حياما: دوم ودار.
[3]
الاجتثاث: انتزاع الشجر من أصوله.
[4]
انتساف الزرع: اقتلاعه.
[5]
الافاضة: الدفع في السير بكثرة، ولا يكون الا عن تفرق جمع. وفي «الافاضة» و «البحر» ، و «رمي الجمار» ثورية واضحة بالمعاني الإسلامية المتعارفة في باب «الحج» .
[6]
السيقات: ما استاقه العدو من الدواب، ويقال لما سيق من النهب فطرد، سيقة.
[7]
المتسعة، يقال أصحر المكان: أي اتسع.
[8]
الغريم: الّذي له الدين.
[9]
الصريم: الليل، وأصبحت كالصريم: احترقت وصارت في مثل سواده، والإشارة إلى الآية:
«فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ من رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ» 68: 19- 20.
[10]
حلاق الشعر: إزالته بالموسى. والكلام على تشبيه إحراق النبات بحلق شعر الرأس.
[11]
الجمم: جمع جمة، وهي الشعر الكثير. والجميم نبت يطول حتى يصير مثل جمة الشعر.
أجرافها [1] غمائم الدّخان، يذكّر طيبه البان بيوم الغميم [2] ، وأرسلنا رياح الغارات «لا تذر من شيء أتت عليه إلّا جعلته كالرّميم» [3] ، واستقبلنا الوادي يهول مدّا، ويروع سيفه الصّقيل حدا، فيسّره الله من بعد الإعواز، وانطلقت على الفرصة بتلك الفرضة أيدي الانتهاز، وسألنا من سائله أسد بن الفرات [4] فأفتى برجحان الجواز، فعمّ الاكتساح والاستباح جميع الأحواز [5] فأديل [6] المصون، وانتهبت القرى، وهدّت الحصون، واجتثت الأصول، وحطّمت الغصون، ولم نرفع عنها إلى اليوم غارة تصابحها بالبوس، وتطلع عليها غررها الضّاحكة باليوم العبوس، فهي الآن مجرى السوابق ومجرّ العوالي [7] ، على التوالي، والحسرات تتجدّد في أطلالها البوالي، وكأن بها قد ضرعت، وإلى الدعوة المحمّدية أسرعت، بقدرة من لو انزل القرآن على الجبال لخشعت من خشية الله وتصدعت [8] ، وعزة من أذعنت الجبابرة لعزّه وخضعت، وعدنا والبنود لا يعرف اللفّ نشرها، والوجوه المجاهدة لا يخالط التّقطيب بشرها، والأيدي بالعروة الوثقى متعلّقة، والألسن بشكر نعم الله منطلقة، والسّيوف في مضاجع الغمود قلقه، وسرابيل الدّروع [9] خلقه [10] ، والجياد من ردّها إلى المرابط والأواري [11] ، ردّ العواري، حنيقة، وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقة، تنظر إلينا نظر العاتب، وتعود من ميادين الاختيال والمراح،
[1] الأحواف، جمع حوف وهو الناحية. والأجراف جمع جرف، وهو ما أكل السيل من أسفل شق الوادي، وعرض الجبل. ويريد الأمكنة الغائرة، والمطمئنة.
[2]
الغميم: موضع بين مكة والمدينة. ويوم الغميم: من الأيام التي كانت بين كنانة وخزاعة سيرة ابن هشام 4/ 34- 35.
[3]
الرميم: البالي.
[4]
يوري بأسد بن الفرات بن سنان: أبي عبد الله الفقيه المالكي المشهور (145- 213) على خلاف في المولد والوفاة. وانظر ترتيب المدارك. مخطوطة دار الكتب 1/ 118، معالم الإيمان 2/ 2- 17، ديباج 98.
[5]
الأحواز: ضواحي المدينة وأطرافها.
[6]
أديل: أهين.
[7]
أجره الرمح: طعنه به وتركه فيه يجره والعالية: أعلى القناة، والجمع: العوالي. ومجر العوالي: المكان الّذي يقع فيه الإجرار والطعن.
[8]
اقتباس من الآية 21 من سورة الحشر.
[9]
السرابيل: الدروع، وكل ما لبس فهو سربال.
[10]
الخلق: البالي، يقال ثوب خلق، وجبة خلق بالتذكير فيهما. لسان العرب.
[11]
الأواري: جمع آري، وهو مربط الدابة ومحبسها.
ابن خلدون م 40 ج 7
تحت حلل السّلاح، عود الصّبيان إلى المكاتب، والطّبل بلسان العزّ هادر [1] والعزم إلى منادي العود الحميد مبادر [2] ، ووجود نوع الرّماح، من بعد ذلك الكفاح نادر، والقاسم يرتّب بين يديه من السّبي النّوادر، ووارد مناهل الأجور، غير المحلّاء [3] ، ولا المهجور، غير صادر [4] ، ومناظر الفصل الآتي، عقب أخيه الشّاتي، على المطلوب المواتي مصادر [5] والله على تيسير الصّعاب، وتخويل المنن الرّغاب [6] ، قادر، لا إله إلّا هو. فما أجمل لنا صنعه الحفيّ [7] ، وأكرم بنا لطفه الخفيّ، اللَّهمّ لا نحصي ثناء عليك، ولا نلجأ منك إلّا إليك، ولا نلتمس خير الدّنيا والاخرة إلّا لديك، فأعد علينا عوائد نصرك، يا مبدئ يا معيد، وأعنّا من وسائل شكرك، على ما ينثال به المزيد، يا حيّ يا قيّوم يا فعّال لما يريد [8] .
وقارنت رسالتكم الميمونة لدينا حذق فتح [9] بعيد صيته [10] مشرئبّ ليته [11] ، وفخر من فوق النّجوم العواتم [12] مبيته، عجبنا من تأتي أمله الشّارد، وقلنا: البركة في قدم الوارد، وهو أنّ ملك النّصارى لاطفنا بجملة من الحصون كانت من مملكة الإسلام قد غصبت، والتّماثيل [13] فيها ببيوت الله قد نصبت أدالها [14] الله- بمحاولتنا- الطيّب من الخبيث، والتّوحيد من التّثليث، وعاد إليها الإسلام عود الأب الغائب، الى البنات الحبائب، يسأل عن شئونها، ويمسح دموع الرّقّة من
[1] هادر: يردد صوته.
[2]
بادره الأمر: عاجله.
[3]
حلأ الماشية عن الماء: صدها وحبسها عن الورود.
[4]
الوارد الّذي يرد الماء. والصادر: الّذي رجع من الماء بعد الورود.
[5]
مصادر: مراجع، صادرة على كذا: راجعة.
[6]
الرغيبة: العطاء الكثير، والأمر مرغوب فيه، والجمع رغاب.
[7]
الصنع الحفي: اللطيف.
[8]
كذا في الأصل: «يا فعال لما يريد» . والمنادي هنا مما يجب فيه النصب. فلذلك الأصح: يا فعالا.
[9]
حذق الغلام القرآن حذقا: مهر فيه، ويقال لليوم الّذي يختم فيه القرآن: هذا يوم حذاق، والعادة أن يحتفل بهذا اليوم.
[10]
بعيد الصيت، مشتهر الذكر بين الناس.
[11]
اشرأب: ارتفع وعلا. والليت بالكسر: صفحة العنق.
[12]
النجوم العواتم: التي تظلم من الغبرة التي في السماء، ويكون ذلك في زمن الجدب، لأن نجوم الشتاء أشد اضاءة لبقاء السماء.
[13]
التماثيل: الأصنام.
[14]
أدالها الله: أبدلها.
جفونها، وهي للرّوم خطّة خسف [1] قلّما ارتكبوها فيما نعلم من العهود، ونادرة من نوادر الوجود. والى الله علينا وعليكم عوارف [2] الجود، وجعلنا في محاريب الشّكر من الرّكّع السّجود.
عرّفناكم بمجملات أمور تحتها تفسير، ويمن من الله وتيسير، إذ استيفاء الجزئيات عسير لنسرّكم بما منح الله دينكم، ونتوج بعز الملّة الحنيفية جبينكم، ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم، فإنّ دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض، وكفيل بالمواهب المسئولة من المنعم الوهّاب متقاض [3] ، أولى من ساهم في برّ، وعامل الله بخلوص سرّ، وأين يذهب الفضل عن بيتكم، وهو صفة حيّكم، وتراث ميتكم، ولكم مزيّة القدم، ورسوخ القدم، والخلافة مقرّها إيوانكم، وأصحاب الامام مالك- رضي الله عنه مستقرّها قيروانكم، وهجّير المنابر [4] ذكر إمامكم، والتوحيد إعلامكم، والوقائع الشّهيرة في الكفر منسوبة الى أيامكم، والصّحابة الكرام فتحة أوطانكم، وسلالة الفاروق عليه السلام وشائح سلطانكم [5] ، ونحن نستكثر من بركة خطابكم، ووصلة جنابكم، ولولا الأعذار لوالينا بالمتزيّدات تعريف أبوابكم.
والله- عز وجل يتولّى عنا من شكركم المحتوم، ما قصّر المكتوب منه عن المكتوم، ويبقيكم لإقامة الرّسوم، ويحلّ محبّتكم من القلوب محلّ الأرواح من الجسوم، وهو سبحانه يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويوالي نعمه عندكم.
والسّلام الكريم، الطّيب الزكي المبارك البرّ العميم، يخصّكم كثيرا أثيرا، ما أطلع الصّبح وجها منيرا، بعد أن أرسل النّسيم سفيرا، وكان الوميض [6] الباسم لأكواس الغمائم [7] ، على أزهار الكمائم [8] ، مديرا، ورحمة الله وبركاته.
[1] الخطة: الطريقة. والخسف: الذل، وتحميل الإنسان ما يكره.
[2]
العوارف: جمع عارفة، وهي العطية.
[3]
تقاضاه الدين: قبضه منه.
[4]
هجير المنابر: شأنها ودأبها.
[5]
يريد أن الحفصيين من سلالة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد رأى بعض المؤرخين ذلك.
[6]
الوميض: اللامع من البرق لمعا خفيا.
[7]
شبه القطرات من الماء تنثرها الغمائم على الزهور، بكئوس الخمر تدار على الشاربين.
[8]
الكمائم: جمع كمامة، وهي غطاء النور وبرعومته.
وكتب إليّ يهنّئني بمولود، ويعاتب على تأخير الخبر بولادة عنه [1] :
هنيئا أبا الفضل الرضا وأبا زيد
…
وأمّنت من بغي يخاف ومن كيد
بطالع يمن طال في السعد شأوه [2]
…
فما هو من عمره الرجال ولا زيد
وقيّد بشكر الله أنعمه التي
…
أوابدها [3] تأبى سوى الشكر من قيد
أهلا بدري المكاتب [4] ، وصدري المراتب، وعتبى الزّمن [5] العاتب [6] وبكر المشتري والكاتب [7] ، ومرحبا بالطالع، في أسعد المطالع، والثّاقب [8] ، في أجلى المراقب، وسهلا بغنيّ البشير، وعزّة الأهل والعشير، وتاج الفخر الّذي يقصر عنه كسرى وأردشير [9] ، الآن اعتضدت الحلّة الحضرمية [10] بالفارس، وأمن السّارح [11] في حمى الحارس، وسعدت بالمنير الكبير، أفلاك التّدوير [12] ، من حلقات المدارس، وقرّت بالجنى الكريم عين الغارس، واحتقرت أنظار الآبلي وأبحاث ابن الدّارس،
[1] قدم لها ابن الخطيب في ريحانة الكتاب بقوله: ومن ذلك في مخاطبة صاحب قلم الإنشاء أبي زيد بن خلدون.
[2]
الشأو: الشوط والغاية.
[3]
جمع آبدة، وهي في الأصل البهيمة توحشت، ونفرت من الانس.
[4]
كوكب دري: ثاقب شديد الإنارة، عظيم المقدار.
[5]
أعتبه: أزال عتبة، والعتبى: اسم من الإعتاب. وفي المثل: «لك العتبى ولا أعود» . أي لك مني أن أرضيك، بقوله التائب المعتذر مجمع الأمثال 2/ 102.
[6]
الزمن العاتب: الغاضب.
[7]
كان ابن الخطيب شغوفا بأن يوري في كتابته بمصطلحات العلوم، وهو هنا ناظر الى ما اصطلح عليه المنجمون من أن القمر إذا اتصل- وهو في البروج الصاعدة- بالمشتري، وهو كوكب سعد، وبالكاتب- وهو عطارد في عرف أهل المغرب- دل ذلك على أن المولود ذكر، وأن حظه من العلوم العقلية، والنقلية كبير.
[8]
الثاقب: المرتفع.
[9]
هو أردشير بن بابك، أول ملوك الدولة السلسانية (226- 241 م) . وقد ورد في بعض النسخ، وتاريخ أبي الفداء:«أزدشير» بالزاي. وهو تصحيف قديم، فقد قال ابن حجر:«وسمعت من يذكره بالزاي» . تاج العروس 2/ 288، الطبري 2/ 56.
[10]
الحلة: البيت، والجمع الحلال. والحضرمية نسبة الى حضرموت، حيث ينتهي نسب ابن خلدون.
[11]
السارح: الّذي يغدو عليك ويروح.
[12]
فلك التدوير- لكل كوكب- هو فلك صغير لا يحيط بالأرض، وفيه يكون مسير الكوكب.
وقيل للمشكلات: طالما ألفت الخمرة [1] ، وأمضيت على الأذهان الامرة [2] ، فتأهّبي للغارة المبيحة لحماك، وتحيّزي إلى فئة البطل المستأثر برشف لماك. وللَّه من نصبة [3] احتفى فيها المشتري واحتفل، وكفى سنيّ تربيتها وكفل، واختال عطارد في حلل الجذل لها ورفل، واتّضحت الحدود [4] ، وتهلّلت الوجوه [5] ، وتنافست المثلّثات [6] تؤمّل الحظّ وترجوه، ونبّه البيت على [7] واجبه، وأشار لحظ الشّرف [8] بحاجبه، وأسرع نيّر النّوبة [9] في الأوبة [10] ، قائما في الاعتذار مقام التّوبة، واستأثر بالبروج المولّدة بيت البنين [11] ، وتخطّت خطا القمر رأس الجوزهر [12] وذنب التّنّين، وساوق منها حكم الأصل، حذوك النّعل بالنّعل،
[1] الخمرة: الاستتار، والاختفاء.
[2]
الإمرة: الإمارة.
[3]
النصبة الفلكية: هي الهيئة التي يكون عليها الفلك حين طلب دلالته على الحوادث.
[4]
قسم المنجمون درجات كل برج من البروج الاثني عشر، بين الكواكب الخمسة المتحيرة، قسمة غير متساوية، وجعلوا كل قسم منها يحص كوكبا من الكواكب الخمسة، وسموه حد ذلك الكوكب.
[5]
وقسموا كذلك كل برج الى ثلاثة أقسام متساوية، وسموا كل قسم منها وجها، ثم فرقوها على الكواكب المتحيرة، وابتدءوا من برج الحمل، وجعلوا لكل وجه منها كوكبا من السبعة السيارة، سموه صاحب ذلك الوجه.
[6]
البروج الاثنا عشر تنقسم الى أربعة أقسام- بعدد الطبائع الأربع، وكل ثلاثة بروج منها تتفق في طبعة واحدة من الطبائع الأربع تسمى مثلثة، فيقال: مثلثة نارية، أو ترابية، أو هوائية، أو مائية، ويختص بكل مثلثة ثلاثة كواكب من السيارة تسمى أربابها، يكون أحدها صاحب المثلث المقدم بالنهار، والثاني المقنم بالليل، والثالث شريكهما في الليل والنهار. ومعنى ذلك أن الكواكب إذا كان في واحد من هذه البروج التي تكون مثلثة، قيل أنه في مثلثة، أي أنه في وضع له فيه حظ وقوة.
[7]
بيت الكوكب: محل أمنه، وصحته، وسلامته، ولكل من النيرين: الشمس والقمر، بيت واحد.
أما بقية الكواكب الخمسة المتحيرة، فكل واحد منها له بيتان.
[8]
شرف الكوكب: محل عزه، وعلوه، وسعادته، ولكل من الكواكب السبعة برج فيه شرفه، والبرج كله شرف لذلك الكوكب، محل عزه، وعلوه، وسعادته، ولكل من الكواكب السبعة برج فيه شرفه، والبرج كله شرف لذلك الكوكب، الا أن أقوى شرفه درجات معينة من ذلك البرج تنسب الى ذلك الكوكب وتختص به، فيقال حين يحل بها: انه في شرفه.
[9]
نير النوبة يكون في الغالب الهيلاج (دليل العمر) ، وهو بالنهار الشمس، وبالليل القمر.
[10]
الأوبة: الرجوع والعودة.
[11]
البيت الّذي له دلالة على الأولاد: هو البرج الخامس من البيوت الاثني عشر والابتداء في العد من البرج الطالع، وهو الواقع على الأفق الشرقي، ويزعمون أنه كلما كان الخامس أحد البروج الشمالية، دل ذلك على كثرة النسل.
[12]
النقطتان اللتان يتقاطع عليهما فلك البروج مع فلك أي كوكب، تسميان العقدتين، ونقطة التقاطع الشمالية منهما، يسمونها الجو زهر، ونقطة الرأس، والتي نقابلها تسمى النوبهر، ونقطة الذنب. والجو زهر الّذي يقصدونه، والّذي دونوا حركته في التقاويم والأزياج، هو جوزهر القمر خاصة.
تحويل السّنين [1] ، وحقّق هذا المولود بين المواليد نسبة عمر الوالد، فتجاوز درجة المئين، واقترن بعاشره [2] السّعدان [3] اقتران الجسد، وثبت بدقيقة مركزه قلب الأسد، وسرق من بيت أعدائه [4] خرثيّ [5] الغلّ والحسد، ونظّفت طرق التّسيير [6] ، كما نفعل بين يدي السادة عند المسير، وسقط الشيخ الهرم من الدّرج في البير، ودفع المقاتل إلى الوبال [7] الكبير.
لم لا ينال العلا أو يعقد التّاج
…
والمشتري طالع والشّمس هيلاج [8]
والسّعد يركض في ميدانها مرحا
…
جذلان والفلك الدّوّار هملاج [9]
كأن به- والله يهديه- قد انتقل من مهد التنويم، الى النّهج القويم، ومن أريكة الذّراع، الى تصريف اليراع [10] ، ومن كتد [11] الدّاية [12] ، الى مقام الهداية، والغاية المختطفة [13] البداية، جعل الله وقايته عليه عوذة [14] ، وقسم حسدته قسمة محرّم اللّحم، بين منخنقة [15] ونطيحة [16] ومتردّية [17]
[1] هو تحصيل الحركة الوسطى للشمس عند حلولها برأس أحد الفصول الأربعة. ولهم في ذلك طرق حسابية معروفة.
[2]
العاشر: هو بين السلطان.
[3]
السعدان: المشتري والزهرة، وأكبرهما المشتري.
[4]
بيت الأعداء: هو البيت الثاني عشر.
[5]
الخرثيّ (بالضم) : أثاث البيت، أو اردأ المتاع.
[6]
التسيير: ان ينظركم بين الهلاج (دليل العمر) ، وبين السعد أو النحس، فيؤخذ لكل درجة سنة، ويقال تصيبه السعادة أو النحس الى كذا وكذا سنة.
[7]
الوبال: هو البرج المقابل لبيت الكوكب، وهو البرج السابع من كل بيت، ويسمى نظيره، ومقابله، وذلك أن يكون بينهما ستة بروج، وهي نصف الفلك.
[8]
الهيلاج: دليل العمر، والهياليج خمسة: الشمس، والقمر، والطالع، وسهم السعادة، وجزء الاجتماع والاستقبال. وانما كانت ادلة العمر لأنها تسير الى السعود والنحوس.
[9]
الهملاج: المركب الحسن السير، والمسرع. يقول: لم لا ينال العلا، وقد اتخذ الفلك مركبا له.
[10]
يعني بأريكة الذراع عهد الطفولة. واليراع: القصب، ويريد الأقلام.
[11]
الكتد: مجمع الكتفين من الإنسان، وكاهله.
[12]
الداية: القابلة.
[13]
يريد أنه سيبلغ الغاية في الفضل في الزمن القصير.
[14]
العوذة: ما يعلق على الإنسان ليقيه من العين ونحوها.
[15]
المنخنقة: الشاة، وغيرها، تخنق بجبل أو غيره.
[16]
النطيحة: الشاة تنطحها الأخرى بقرونها، فعيلة بمعنى مفعولة.
[17]
المتردية. الساقطة من جبل، أو في بئر.
وموقوذة [1] ، وحفظ هلاله في البدار [2] الى تمّه وبعد تمّه، وأقرّ به عين أبيه وأمّه. غير أنّي- والله يغفر لسيدي- بيد أنّي راكع في سبيل الشّكر وساجد، فأنا عاتب وواجد، إذ كان ظنّي أنّ البريد بهذا الخبر إليّ يعمل، وأنّ إتحافي به لا يهمل، فانعكست القضيّة، ورابت الحال المرضيّة، وفضلت الأمور الذّاتية الأمور العرضيّة، والحكم جازم، وأحد الفرضين لازم، إما عدم السّوية [3] ، ويعارضه اعتناء حبله مغار [4] ، وعهدة سلم لم يدخلها جزية ولا صغار، أو جهل بمقدار الهبة، ويعارضه علم بمقدار الحقوق، ورضى مناف للعقوق، فوقع الأشكال، وربّما لطف عذر كان عليه الاتّكال. وإذا لم يبشّر مثلي بمنحة الله قبل تلك الذّات السرية، الخليقة بالنّعم الحرية، فمن الّذي يبشّر، وعلى من يعرض بزّها [5] أو ينشر، وهي التي واصلت التّفقّد [6] ، وبهرجت [7] المعاملة وأبت أن تنقد، وأنّست الغربة وجرحها غير مندمل [8] ، ونفّست الكربة وجنحها [9] على الجوانح [10] مشتمل، فمتى فرض نسيان الحقوق لم ينلني فرض، ولا شهد به عليّ سماء ولا أرض، وإن قصّر فيما يجب لسيدي عمل، لم يقصّر رجاء ولا أمل، ولي في شرح حمده ناقة وجمل [11] . ومنه جلّ وعلا نسأل أن يريه قرّة العين في نفسه وماله وبنيه، ويجعل أكبر عطايا الهيالج أصغر سنيه، ويقلّد عواتق [12]
[1] الموقوذة. المقتولة ضربا بالخشب أو بالحجر. وكل هذه الأصناف قد حرم اكله القرآن على المسلم. وانظر الآية رقم 3 من سورة المائدة، واحكام القرآن لابن العربيّ 1/ 222، 223.
[2]
يدعو له بأن يصاحبه الحفظ في سائر أطوار نموه الى أن يكتمل.
[3]
السوية. العدل، والنصفة.
[4]
حبل مغار: محكم الفتل.
[5]
البز: الثياب.
[6]
التفقد: التعرف لاحوال الناس، وتعهدها.
[7]
بهرج: عدل عن الطريق المسلوك.
[8]
اندمل الجرح. بريء.
[9]
الجنح: الظلمة.
[10]
الجوانح: الضلوع تحت الترائب مما يلي الصدر.
[11]
هو عكس لمعنى المثل: «لا ناقتي في هذا، ولا جملي» ، الّذي يضرب للتبري من الشيء، الميداني 2/ 113، 114.
[12]
العواتق: جمع عاتق، وهو ما بين المنكب والعنق.