الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن شأن يغمراسن مع مغراوة وبني توجين وما كان بينهم من الأحداث)
كانت مغراوة في مواطنهم الأولى من نواحي شلف قد سالمتهم الدول عند تلاشي ملكهم، وساموهم الجباية فرضوا بها مثل: بني ورسفين وبني يلنث وبني ورتزمير، وكان فيهم سلطان لبني منديل بن عبد الرحمن من أعقاب آل خزر ملوكهم الأولى منذ عهد الفتح وما بعده على ما ذكرناه في خبرهم. فلما انتثر عقد الخلافة بمراكش وتشظّت عصاها وكثر الثّوار والخوارج بالجهات، استقل منديل بن عبد الرحمن وبنوه بتلك الناحية وملكوا مليانة وتنس وشرشال وما إليها، وتطاولوا إلى متيجة فتغلّبوا عليها. ثم مدّوا أيديهم إلى جبل وانشريش وما إليه، فتناولوا الكثير من بلاده ثم أزاحهم عنها بنو عطيّة الحيو وقومه من بني توجين المجاورون لهم في مواطنهم بأعالي شلف شرقي أرض السوس [1] وكان ذلك لأوّل دخول أحياء زناتة الناجعة بأرض القبلة إلى التلول، فتغلّب بنو عبد الواد على نواحي تلمسان إلى وادي صا. وتغلّب بنو توجين على ما بين الصحراء والتل من بلد المريّة إلى جبل وانشريس، إلى مرات الجعبات، وصار التخم لملك بني عبد الواد سبك والبطحاء، فمن قبليها مواطن بني توجين ومن شرقيها مواطن مغراوة. وكانت الفتنة بين بني عبد الواد وبين هذين الحيّين من أوّل دخولهم إلى التلول.
(وكان المولى) الأمير أبو زكريا بن أبي حفص يستظهر بهذين الحيّين على بني عبد الواد ويراغمهم بهم، حتى كان من فتح تلمسان ما قدّمناه، وألبس جميعهم شارة الملك على ما ذكرناه ونذكره في أخبارهم، فزاحموا يغمراسن بعدها بالمناكب وصرف هو إليهم وجه النقمة والحروب. ولم يزل الشأن ذلك حتى انقرض ملك هذين الحيّين لعهد ابنه عثمان بن يغمراسن وعلى يده، ثم على يد بني مرين من بعدهم كما يأتي ذكره.
(ولما رجع) يغمراسن بن زيّان من لقاء بني مرين بايسلي من نواحي وجدة التي كانت سنة سبع وأربعين وستمائة، وكان معه فيها عبد القوي بن عطية بقومه من بني
[1] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: السرسو.
توجين، وهلك مرجعه منها، أنفذ [1] يغمراسن العهد لابنه محمد الأمير بعده، وزحف إلى بلاده فجاس خلالها، ونازل حصونها فامتنعت عليه. وأحسن محمد بن عبد القوي في دفاعه، ثم زحف ثانية سنة خمسين وستمائة إليهم فنازل حصن تافركينت من حصونهم. وكان به علي بن أبي زيّان حافد محمد بن عبد القوي فامتنع به في طائفة من قومه. ورحل يغمراسن كظيما، ولم يزل يغمراسن بعدها يثير الغارات على بلادهم، ويجمع الكتائب على حصونهم. وكان بتافركينت صنيعة من صنائع بني عبد القوي ونسبه في صنهاجة أهل ضاحية بجاية، اختصّ بهذا الحصن ورسخت قدمه فيه، واعتزّ بكثرة ماله وولده فأحسن الدفاع عنه، وكان له مع يغمراسن في الامتناع عليه أخبار مذكورة حتى سطا به بنو محمد بن عبد القوي حين شرهوا إلى نعمته، وأنفوا من استبداده فأتلفوا نفسه وتخطفوا نعمته، فكان حتف ذلك الحصن في حتفه كما يأتي ذكره.
(وعند) ما شبّت نار الفتنة بين يغمراسن ومحمد بن عبد القوي وصل محمد يده بيعقوب بن عبد الحق. فلمّا نازل يعقوب تلمسان سنة سبعين وستمائة بعد أن هدم وجدة، وهزم يغمراسن بايسلي، جاءه محمد بن عبد القوي بقومه من بني توجين، وأقام معه على حصارها ورحلوا بعد الامتناع عليهم، فرجع محمد إلى مكانه. ثم عاود يعقوب بن عبد الحق منازلة تلمسان سنة ثمانين وستمائة بعد إيقاعه بيغمراسن في خرزوزة، فلقيه محمد بن عبد القوي بالقصبات واتصلت أيديهم على تخريب بلاد يغمراسن مليا، ونازلوا تلمسان أياما ثم افترقوا ورجع كل إلى بلده.
(ولما) خلص يغمراسن بن زيّان من حصاره زحف إلى بلادهم وأوطأ عسكره أرضهم، فغلب على الضاحية وخرّب عمرانها إلى أن تملكها بعده ابنه عثمان كما نذكره.
(وأمّا) خبره مع مغراوة فكان عماد رأيه فيهم التغريب [2] بين بني منديل بن عبد الرحمن للمنافسة التي كانت بينهم في رياسة قومهم. ولما رجع من واقعة تلاغ سنة ست وستين وستمائة وهي الواقعة التي هلك فيها ولده عمر زحف بعدها إلى بلاد مغراوة، فتوغّل فيها وتجاوزها إلى من وراءهم من مليكش والثعالبة، وأمكنه عمر
[1] وفي نسخة ثانية: فنبد.
[2]
وفي نسخة ثانية: التضريب.