الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودوّخ جبلهم. ثم رحل إلى فاس، وقد أجمع أمره على انتزاعها من ملكة بني عبد المؤمن، وإقامة الدعوة لابن أبي حفص بها وبسائر نواحيها. والعامل بها يومئذ السيد أبو العبّاس، فأناخ عليها بركابه. وتلطّف في مداخلة أهلها، وضمن لهم جميل النظر وحميد السياسة. وكفّ الأيدي عنهم، والحماية لهم بحسن المغبّة، وصالح العائدة، فأجابوه ووثقوا بعهده وعنائه. وآووا إلى ظلّه وركنوا إلى طاعته، وانتحال الدعوة الحفصيّة بأمره. ونبذوا طاعة بني عبد المؤمن يأسا من صريخهم وكثرتهم. وحضر أبو محمد القشتالي، وأشهده الله على الوفاء بما اشترط على نفسه من النظر لهم والذبّ عنهم، وحسن الملكة والكفالة. وتقبّل مذاهب العدل فيهم، فكان حضوره ملاك تلك العقدة والبركة التي يعرف أثرها خلفهم في تلك البيعة. وكانت البيعة بالرابطة خارج باب الفتوح. ودخل إلى قصبة فاس لشهرين اثنين من مهلك السعيد، فاتح ست وأربعين وستمائة. وأخرج السيد أبا العبّاس من القصبة، وبعث معه خمسين فارسا أجازوه أم ربيع ورجعوا. ثم نهض إلى منازلة تازى، وبها السيد أبو علي، فنازلها أربعة أشهر. ثم نزلوا على حكمه، فقتلهم ومن على آخرين منهم. وسدّ ثغرها، وثقف أطرافها، وأقطع رباط تازى وحصون ملويّة لأخيه يعقوب بن عبد الحق. ورجع إلى فاس، فوفد عليه بها مشيخة أهل مكناسة، وجددوا بيعتهم وعاودوا طاعتهم. ولحق بهم على أثرهم أهل سلا ورباط الفتح، فتملّك الأمير أبو يحيى هذه البلاد الأربعة أمّهات أمصار المغرب. واستولى على نواحيها إلى وادي أم ربيع، فأقام فيها دعوة ابن أبي حفص، وبعث بها إليه. واستبدّ بنو مرين بملك المغرب الأقصى، وبنو عبد الواد بملك المغرب الأوسط، وبنو أبي حفص بإفريقية. وخمد ذبال آل عبد المؤمن، وركدت ريحهم، وآذنت بالانقراض دولتهم، وأشرف على الفناء أمرهم. وإلى الله عاقبة الأمور.
الخبر عن انتقاض أهل فاس على أبي يحيى بن عبد الحق وظفره بهم بعد إيقاعه بيغمراسن وقومه بايسلى
لما ملك الأمر أبو يحيى بن عبد الحق بمدينة فاس سنة ست وأربعين وستمائة، استولى على بلاد المغرب بعد مهلك السعيد. وقام بأمر الموحّدين بمراكش أبو حفص عمر
المرتضى ابن السيّد أبي إبراهيم إسحاق الّذي كان قائد عسكر الموحدين في حربهم مع بني مرين عام المشغلة، ابن أمير المؤمنين أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن. كان السعيد تركه واليا بقصبة رباط الفتح من سلا، فاستدعاه الموحدون وبايعوه بيعة الخلافة. وقام بأمرهم، فلما تغلّب الأمير أبو يحيى على بلاد المغرب وملك مدينة فاس كما ذكرناه، خرج إلى بلاد فازاز والمعدن لفتح بلاد زناتة وتدويخ نواحيها.
واستعمل على فاس مولاه السعود بن خرباش، من جماعة الحشم أخلاف بني مرين وصنائعهم. وكان الأمير أبي يحيى استبقى بها من كان فيها من عسكر الموحدين من غير عيصهم في السبيل التي كانوا عليها من الخدمة. وكان فيهم طائفة من الروم، استخدمهم إلى نظر قائدهم شأنه، وكانوا من حصّة السعود هنالك. ووقعت بينهم وبين شيع الموحدين من أهل البلد مداخلة، وفكوا بالسعود عاملهم وقلبوا الدعوة للمرتضى الخليفة بمراكش سكيت الحلبة ومخلف المضمار. وكان المتولي لكبر تلك الثورة ابن حشّار المشرف وأخوه وابن أبي طاهر [1] وابنه، اجتمعوا إلى القاضي أبي عبد الرحمن المغيلي، زعيم فئة الشورى بينهم يومئذ وتوامروا فيها. وأغروا قائد الروم بقتل السعود، وعدوا عليه بمقعد حكمه من القصبة، وهاجوه ببعض المحاورات فغضب. ووثب عليه الرومي، فقتله وطاف برأسه الهاتف بسكك المدينة في شوال سنة سبع وأربعين وستمائة. وانتهبت داره، واستبيحت حرمه. ونصبوا قائد الروم لضبط البلد، وبعثوا بيعتهم إلى المرتضى. واتصل الخبر بالأمير أبي يحيى، وهو منازل بلد فازاز، فأفرج عنها. وأغذّ السير إلى فاس، فأناخ بعساكره عليها. وشمّر لحصارها، وقطع السابلة عنها. وبعثوا إلى المرتضى بالصريخ، فلم يرجع إليهم قولا، ولا ملك لهم ضرّا ولا نفعا، ولا وجّه لما نزل بهم وجها. حاشا إنّه استجاش بالأمير أبي يحيى يغمراسن بن زيان على أمره، وأغراه بعدوه، وأمّله لكشف هذه النازلة عمن انحاش إلى طاعته.
وتعلّقت أطماع يغمراسن بطروق بلاد المغرب، فاحتشد لحركته. ونهض من تلمسان للأخذ بحجزة الأمير أبي يحيى عن فاس، وإجابة صريخ الخليفة لذلك. وبلغ الأمير أبا يحيى خبر نهوضه إليه لتسعة أشهر من منازلته البلد، فجمّر الكتائب عليها.
[1] كذا، في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: طاطو.