الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن انتقاض العزفي بسبتة ومنازلته ثم مصيرها الى طاعة السلطان بعد مهلكه)
كان بنو العز في لما تغلب عليهم الرئيس أبو سعيد ونقلهم إلى غرناطة سنة خمس وسبعمائة استقرّوا بها في إيالة المخلوع ثالث ملوك بني الأحمر، حتى إذا استولى السلطان أبو الربيع على سبتة سنة تسع وسبعمائة أذنوه في الإجازة إلى المغرب، فأجازوا إلى فاس، فاستقروا بها. وكان يحيى وعبد الرحمن ابنا أبي طالب من سراتهم وكبارهم، وكانوا يغشون مجالس أهل العلم، لما كانوا عليه من انتحال الطلب [1] .
وكان أبو سعيد أيام إمارة بني أبيه يجالس بالمسجد الجامع القرويين شيخ الفتيا أبا الحسن الصغير. وكان يحيى بن أبي طالب يلازمه، فاتصل به وصارت له وسيلة يحتسبها عنده. فلمّا ولي الأمر واستقلّ به، رعى لهم زمام صحابتهم، ووفّى لهم مقاصدهم. وعقد ليحيى على سبتة، ورجّعهم إلى مقرّ إمارتهم منها ومحل رياستهم، فارتحلوا إليها سنة عشر وسبعمائة وأقاموا دعوة السلطان أبي سعيد والتزموا طاعته. ثم تغلّب الأمير أبو علي على أمر أبيه، واستبدّ عليه فعقد على سبتة لأبي زكريا حيّون بن أبي العلاء القرشي، وعزل يحيى بن أبي طالب عنها. واستقدمه إلى فاس فقدمها هو وأبوه أبو طالب وعمّه حاتم، واستقرّوا في جملة السلطان. وهلك أبو طالب بفاس خلال ذلك حتى إذا كان من خروج الأمير أبي علي على أبيه ما قدّمناه، لحق يحيى بن أبي طالب وأخوه بالسلطان نازعين من جملة الأمير أبي علي. فلما اعتلّ بالبلد الجديد ونازلة السلطان بها فحينئذ عقد السلطان ليحيى بن أبي طالب على سبتة، وبعثه إليها ليقيم دعوته بتلك الجهات. وتمسّك بابنه محمد رهنا على طاعته، فاستقلّ بإمارتها، وأقام دعوة السلطان وطاعته بها. وأخذ بيعته على الناس، واتصل ذلك سنتين [2] . وهلك عمّه أبو حاتم هنالك بعد مرجعه معه من المغرب سنة ست عشرة وسبعمائة. ثم انتقض على طاعة السلطان ونبذ طاعة الأمراء، ورجع إلى حال سلفه من أمر الشورى في البلد. واستقدم من الأندلس عبد الحق بن
[1] وفي النسخة المصرية: الطب.
[2]
وفي نسخة ثانية: سنين.
عثمان فقدم عليه وعقد له على الحرب ليفرّق الكلمة به، ويوهن ببأسه عزائم السلطان في مطالبته. وجهّز السلطان إليه العساكر من بني مرين وعقد علي حربه للوزير إبراهيم بن عيسى، فزحف إليه وحاصره، وتعلّل عليهم بطلب ابنه، فبعث به السلطان إلى وزيره إبراهيم ليعطي طاعته، فيسلمه، وجاءه الخبر من عيون كانت بالعسكر وأن ابنه كائن بفسطاط الوزير بساحة البحر، بحيث تتأتى الفرصة في أخذه، فبيّت المعسكر، وهجم عبد الحق بن عثمان بحشمه وذويه على فسطاط الوزير، فاحتمله إلى أبيه وركبت العساكر للهيعة، فلم يقفوا على خبر حتى تفقّد الوزير ابن العز في.
واتهموا قائدهم إبراهيم بن عيسى الوزير بممالأة العدوّ على ذلك، فاجتمعت مشيختهم وتقبّضوا عليه، وحملوه إلى السلطان ابتلاء للطاعة واستبصارا في نصح السلطان، فشكر لهم وأطلق وزيره لابتلاء نصيحته. ورغب يحيى بن العزفي بعدها في رضى السلطان وولايته. ونهض السلطان سنة تسع عشرة وسبعمائة إلى طنجة لاختبار طاعته، فعقد له على سبتة واشترط هو على نفسه الوفاء لجباية السلطان، وأسنى هديته في كل سنة. واستمرّت الحال على ذلك إلى أن هلك يحيى العزفي سنة عشرين وسبعمائة. وقام بالأمر بعده ابنه محمد إلى نظر عمّه محمد بن عليّ بن الفقيه أبي القاسم شيخ قرابتهم. وكان قائد الأساطيل بسبتة ووليّ النظر فيها بعد أن نزع القائد يحيى الرنداحي إلى الأندلس، واختلف الغوغاء بسبتة، وانتهز السلطان الفرصة فأجمع على النهوض إليها سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وبادروا بإيتاء طاعتهم. وعجز محمد ابن يحيى عن المناهضة، وظنّها محمد بن عيسى من نفسه، فتعرّض للأمر في أوغاد من اللفيف، فاجتمعوا إليه وادفعهم الملأ عن ذلك، وحملوهم على الطاعة، واقتادوا بني العز في إلى السلطان فانقادوا، واحتل السلطان بقصبة سبتة، وثقف جهاتها ورمّ منثلمها وأصلح خللها. واستعمل كبار رجالاته وخواصّ مجلسه في أعمالها، فعقد لحاجبه عامر بن فتح الله الصدراتي على حاميتها، وعقد لأبي القاسم بن أبي مدين على جبايتها والنظر في مبانيها، وإخراج الأموال للنفقات فيها. وأسنى جوائز الملأ من مشيختها، ووفر أقطاعاتهم وجراياتهم. وأوعز ببناء البلد المسمّى أفراك على سبتة، فشرعوا في بنائها سنة تسع وعشرين وسبعمائة وانكفأ راجعا إلى حضرته، والله تعالى أعلم
.