الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى السلطان فطوى على ذلك حتى استقام أمره. وملك البلد الجديد فتقبّض عليه وامتحنه، إلى أن هلك، والله وارث الأرض ومن عليها.
(خلاف علي بن زكريا بجبل الهساكرة ونكبته)
لما ملك السلطان البلد الجديد واستولى على ملكه، وفد عليه علي بن زكريا شيخ هسكورة مستصفيا [1] بما قدم من سوابقه. وقد كان حضر معه حصار البلد الجديد واستدعاه، فجاء بقومه وعساكر المصامدة وأبلى في حصارها، فرعى السلطان سوابقه وولّاه الولاية الكبرى على المصامدة على عادة الدولة في ذلك. ثم وفد معه محمد بن إبراهيم الميراري [2] من شيوخ المصامدة وكانت له ذمّة صهر مع الوزير محمد ابن يوسف بن علّال على أخته، فولّاه السلطان مكان علي بن زكريا فغضب لها واستشاط وبادر إلى الانتقاض والخلاف. ونصب بعض القرابة من بني عبد الحق، فجهّز إليه السلطان العساكر مع محمد بن يوسف بن علّال وصالح بن حمّو الياباني وأمر صاحب درعة وهو يومئذ عمر بن عبد المؤمن بن عمر أن ينهض إليه بعساكر درعة من جهة القبلة، فساروا إليه وحاصروه في جبله. وجاولوه مرّات ينهزم في جميعها حتى غلبوه على جبله. وسار إلى إبراهيم بن عمران الصناكي المجاور له في جبله فاستذمّ به. وخشي إبراهيم معرّة الخلاف والغلب، ورغّبه الوزير محمد بن يوسف بما بذل له، فأمكنه منه، وقبض على الوزير وجاء به إلى فاس، فأدخله في يوم مشهود وشهّره، واعتقل فلم يزل في الاعتقال إلى أن هلك السلطان أبو العبّاس.
وارتاب به أهل الدولة بعده فقتلوه، كما نذكره إن شاء الله تعالى.
وفادة أبي تاشفين على السلطان أبي العباس صريخا على أبيه ومسيره بالعساكر ومقتل أبيه السلطان أبي حمو
كان أبو تاشفين ابن السلطان أبي حمو قد وثب على أبيه آخر ثمان وثمانين وسبعمائة
[1] وفي النسخة المصرية: مستصبا.
[2]
وفي نسخة ثانية: المبرازي.
بممالئته لغيره من إخوته واعتقله بوهران. وخرج بالعساكر لطلب إخوته المنتصر وأبي زيّان وعمر [1] فامتنعوا عند حصين بجبل تيطرى فحاصرهم أياما. ثم تذكر غائلة أبيه، فبعث ابنه أبا زيّان في جماعة من بطانته منهم ابن الوزير عمران بن موسى وعبد الله بن جابر الخراساني، فقتلوا بعض ولده بتلمسان، ومضوا إليه وهو بمحبسه في وهران. فلمّا شعر بهم أشرف من الحصن ونادى في أهل المدينة متذمّما بهم، فهرعوا إليه. وتدلّى إليهم في عمامته وقد احتزم بها فأنزلوه وأحدقوا به وأجلسوه على سريره. وتولّى كبر ذلك خطيب البلد ابن جذورة [2] ولحق أبو زيّان بن أبي تاشفين ناجيا إلى تلمسان. واتبعه السلطان أبو حمّو ففرّ منها إلى أبيه. ودخل أبو حمّو تلمسان وهي طلل وأسوارها خراب، فأقام فيها رسم دولته. وبلغ الخبر إلى أبي تاشفين فأجفل من تيطرى وأغذّ السير فدخلها. واعتصم أبوه بمئذنة المسجد، فاستنزله منها وتجافى عن قتله. ورغب إليه أبوه في رحلة المشرق لقضاء فرضه، فاسعفه وأركبه السفين مع بعض تجّار النصارى إلى الإسكندرية موكلا به. فلمّا حاذى مرسى بجاية لاطف النصراني في تخلية سبيله فأسعفه وملك أمره. وبعث إلى صاحب الأمر ببجاية يستأذنه في النزول، فأذن له. وسار منها إلى الجزائر، واستخدم العرب، واستصعب عليه أمر تلمسان، فخرج إلى الصحراء. وجاء إلى تلمسان من جهة المغرب فهزم عساكر ابنه أبي تاشفين وملكها. وخرج أبو تاشفين هاربا منها، فلحق بأحياء سويد في مشاتيهم. ودخل أبو حمّو تلمسان في رجب سنة تسعين وسبعمائة. وقد تقدّم شرح هذه الأخبار كلّها مستوعبة. ثم وفد أبو تاشفين مع محمد بن عريف شيخ سويد على السلطان أبي العبّاس صريخا على أبيه، ومؤمّلا الكرّة بإمداده. فبعث له السلطان وأجمل عليه المواعيد. وقام أبو تاشفين في انتظارها والوزير محمد بن يوسف بن علّال يعده ويمنّيه ويحلف له على الوفاء. وبعث السلطان أبو حمّو إلى ابن الأحمر لما يعلم من استطالته على دولة بني مرين كما مرّ، يتوسّل إليه في أن يصدّهم عن صريخ أبي تاشفين وإمداده عليه فجلا ابن الأحمر في ذلك وجعلها من أهمّ حاجاته. وخاطب السلطان أبا العباس في أن يجيز إليه أبا تاشفين، فتعلّل عليه في ذلك بأنه استجار بابنه أبي فارس، واستذمّ به. ولم يزل الوزير ابن علّال يفتل لسلطانه ولابن الأحمر في
[1] وفي النسخة المصرية: وعمير (وهي الأصح) .
[2]
وفي النسخة المصرية: خزروت وفي نسخة أخرى: حرزورة.
الذروة والغارب، حتى تمّ أمره وأنجز له السلطان بالنظر موعده. وبعث ابنه الأمير أبا فارس والوزير ابن علّال في العساكر صريخين له، وانتهوا إلى تازى. وبلغ الخبر إلى أبي حمّو فخرج من تلمسان في عساكره، واستألف أولياءه من عبيد الله. ونزل بالغيران من وراء جبل بني راشد المطلّ على تلمسان، وأقام هنالك متحصّنا بالجبل، وجاءت العيون إلى عساكر بني مرين بتازى بمكانه هو وأعرابه من الغيران، فأجمعوا غزوة. وسار الوزير علّال وأبو تاشفين وسلكوا القفر ودليلهم سليمان بن ناجي من الأحلاف. حتى صبّحوا أبا حمّو ومن معه من أحياء الجرّاح [1] في مكانهم بالغيران. فجاولوهم ساعة، ثم ولّوا منهزمين، وكبا بالسلطان أبي حمّو فرسه فسقط، وأدركه بعض أصحاب أبي تاشفين فقتلوه قعصا بالرماح، وجاءوا برأسه إلى ابنه أبي تاشفين والوزير ابن علّال، فبعثوا به إلى السلطان، وجيء بابنه عمير أسيرا، فهمّ أخوه أبو تاشفين بقتله، فمنعه بنو مرين أياما. ثم أمكنوه منه فقتله، ودخل تلمسان آخر إحدى وتسعين وسبعمائة وخيّم الوزير وعساكر بني مرين بظاهر البلد، حتى دفع إليهم ما شارطهم عليه من المال. ثم قفلوا إلى المغرب وأقام أبو تاشفين بتلمسان يقيم دعوة السلطان أبي العبّاس صاحب المغرب ويخطب له على منابر تلمسان وأعمالها، ويبعث إليه بالضريبة كل سنة، كما اشترط على نفسه. وكان أبو حمّو لما ملك تلمسان ولّى ابنه أبا زيّان على الجزائر، فلمّا بلغه مقتل أبيه امتعض ولحق بأحياء حصين ناجيا وصريخا. وجاءه وفد بني عامر من زغبة يدعونه للملك.
فسار إليهم. وقام بدعوته شيخهم المسعود بن صغير، ونهضوا جميعا إلى تلمسان في رجب سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة فحاصرها أياما. ثم سرّب أبو تاشفين المال في العرب فافترقوا عن أبي زيّان، وخرج إليه أبو تاشفين فهزمه في شعبان من السنة.
ولحق بالصحراء واستألف أحياء المعقل، وعاود حصار تلمسان في شوّال. وبعث أبو تاشفين ابنه صريخا إلى المغرب، فجاءه بمدد من العساكر. ولما انتهى إلى تاوريرت، أفرج أبو زيّان عن تلمسان وأجفل إلى الصحراء. ثم أجمع رأيه على الوفادة إلى صاحب المغرب، فوفد عليه صريخا فتلقّاه وبرّ مقدمه ووعده النصر من عدوّه. وأقام هنالك إلى حين مهلك أبي تاشفين، والله أعلم.
[1] وفي نسخة ثانية: الخراج.