الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزحفوا إليه في التعبية، فاختلّ مصافه وانهزم ولم يلق أحدا، وعاد إلى منحجره وبادر إلى إمداد الأمير أبي علي بعسكره، فعقد على حصة من جنده وبعث بهم إليه، فتسرّبوا إلى البلد زرافات ووحدانا حتى استكملوا عنده، وطاولهم السلطان الحصار وأنزل بهم أنواع الحرب والنكال حتى تغلّب عليهم، واقتحم البلد عنوة، وتقبّض على الأمير أبي علي عند باب قصره. وسيق إلى السلطان فأمهله واعتقله، واستولى على ملكه. وعقد على سجلماسة واستعمل عليها، ورحل منكفئا إلى الحضرة، فاحتل بها سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة واعتقل أخاه في إحدى حجر القصر إلى أن قتله لأشهر من اعتقاله خنقا بمحبسه. وعدد له هذا الفتح بفتح الجبل واسترجاعه من يد العدّ ودمره الله بأيدي عسكره، وتحت راية ابنه أبي مالك، كما نذكره إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن منازلة جبل الفتح واستئثار الأمير أبي مالك والمسلمين به)
لما هلك السلطان أبو الوليد ابن الرئيس أبي سعيد المتغلّب على ملك الأندلس من يد ابن عمه أبي الجيوش، قام بالأمر بعده ابنه محمد طفلا صغيرا لنظر وزيره محمد بن المحروق من بيوت الأندلس وصنائع الدولة. واستبدّ عليه. فلمّا شب وناهز أنف من الاستبداد عليه، وأغراه المعلوجي من حشمه بالوزير، فاغتاله وقتله سنة تسع وعشرين وسبعمائة وشمّر للاستبداد وشدّ أواخي الملك. وكان الطاغية قد أخذ جبل الفتح سنة تسع، وجاورت النصرانية به ثغور الفرضة، وكان شجى في صدرها، وأهمّ المسلمين شأنه. وشغل عنهم صاحب المغرب بما كان فيه من فتنة ابنه، فرجّعوا الجزيرة وحصونها إلى ابن الأحمر منذ سنة اثنتي عشرة وسبعمائة لأوّل المائة الثامنة.
واستغلظ الطاغية عليهم بعد ذلك فرجّعوا الجزيرة إلى صاحب المغرب سنة تسع وعشرين وسبعمائة وولّي عليها السلطان أبو سعيد من أهل دولته سلطان بن مهلهل من عرب الخلط أخواله. وأسفّ الطاغية إلى حصونها عند مهلك السلطان أبي سعيد فملك أكثرها، ومنع البحر من الإجازة. وقارن ذلك استبداد صاحب الأندلس، وقتله لوزيره ابن المحروق. وأهمّه شأن الطاغية، فبادر لإجازة البحر. ووفد على ابن خلدون م 22 ج 7
السلطان أبي الحسن بدار ملكه من فاس سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة فأكبر موصله وأركب الناس للقائه، وأنزله بروض المصارّة لصق داره، واستبلغ في تكريمه.
وفاوضه ابن الأحمر في شأن المسلمين وراء البحر، وما أهمّهم من عدوّهم، وشكا إليه حال الجبل واعتراضه شجى في صدر الثغور، فأشكاه السلطان. وعامل الله في أسباب الجهاد، وكان مشغوفا به متقبّلا مذهب جدّه يعقوب فيه. وعقد لابنه الأمير أبي مالك على خمسة آلاف من بني مرين، وأنفذه مع السلطان محمد بن إسماعيل لمنازلة الجبل، فاحتل بالجزيرة، وتتابع إليه الأطول بالمدد. وأرسل ابن الأحمر حاشرين في الأندلس، فتسايلوا إليه، وأضربوا معسكرهم جميعا بساحة الجبل.
وأبلوا في حربه ومنازلته البلاء الحسن، إلى أن تغلّبوا عليه سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة واقتحمه المسلمون عنوة، ونفلهم الله من كان به من النصرانيّة بما معهم، ووافاه الطاغية بأمم الكفر لثالثة فتحه، وقد شحنه المسلمون بالأقوات، نقلوها من الجزيرة على خيولهم. وباشر نقلها الأمير أبو مالك وابن الأحمر، فنقلها الناس عامّة. وتحيّز الأمير أبو مالك إلى الجزيرة وترك بالجبل يحيى بن طلحة بن محلى من وزراء أبيه.
ووصل الطاغية بعد ثلاث فأناخ عليه. وبرز أبو مالك بعساكره، فنزل بحذائه [1] وبعث إلى الأمير أبي عبد الله صاحب الأندلس. فوصل بحشد المسلمين بعد أن دوّخ أرض النصرانيّة. وخرج فنزل بإزاء عسكر الطاغية، وتحصّن العدوّ في محلّتهم.
وقاموا كذلك عادية لقرب العهد بارتجاعه، وخفّة ما به من الحامية والسلاح، فبادر السلطان ابن الأحمر إلى لقاء الطاغية. وسبق الناس إلى فسطاطه عجلا بائعا نفسه من الله في رضى المسلمين، وسدّ فرجتهم، فتلقاه الطاغية راجلا حاسرا إعظاما لموصله، وأجابه إلى ما سأل من الإفراج عن هذا المعقل، وأتحفه بذخائر مما لديه، وارتحل لفوره. وأخذ الأمير أبو مالك في تثقيف أطراف الثغر، وسدّ فروجه، وأنزل الحامية به، ونقل الأقوات إليه، وكان فتحا طوّق دولة السلطان أبي الحسن قلادة الفخر إلى آخر الأيام. ثم رجع بعدها إلى شأنه من منازلة تلمسان، والله تعالى أعلم.
[1] وفي النسخة المصرية: قبالته.