الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أوّل غزوات السلطان أبي ثابت غزاته إلى كومية، وذلك أن كبيرهم إبراهيم بن عبد الملك كان شيخا عليهم منذ حين من الدهر، وكان ينتسب في بني عابد، وهم قوم عبد المؤمن بن عليّ من بطون كومية. فلما وقع الهرج بتلمسان حسب أنه لا ينجلي غمامه [1] وحدّثته نفسه بالانتزاء فدعا لنفسه، وأضرم بلاد كومية وما إليها من السواحل نارا وفتنة. فجمع له السلطان أبو ثابت ونهض إلى كومية فاستباحهم قتلا وسبيا واقتحم هنين، ثم ندرومة بعدها. وتقبّض على إبراهيم بن عبد الملك الخارج فجاء به معتقلا إلى تلمسان وأودعه السجن، فلم يزل به إلى أن قتل بعد أشهر.
وكانت أمصار المغرب الأوسط وثغوره لم تزل على طاعة السلطان أبي الحسن والقيام بدعوته، وبها حاميته وعمّاله وأقربها إلى تلمسان مدينة وهران، كان بها القائد عبد بن سعيد بن جانا من صنائع بني مرين، وقد ضبطها وثقفها وملأها أقواتا ورجلا وسلاحا، وملأ مرساها أساطيل، فكان أوّل ما قدّموه من أعمالهم النهوض إليه فنهض السلطان أبو ثابت بعد أن جمع قبائل زناتة والعرب ونزل على وهران وحاصرها أياما.
وكان في قلوب بني راشد أحلافهم مرض فداخلوا قائد البلد في الانقضاض على السلطان أبي ثابت ووعدوه الوفاء بذلك عند المناجزة، فبرز وناجزهم الحرب فانهزم بنو راشد وجرّوا الهزيمة على من معهم وقتل محمد بن يوسف بن عنّان بن فارس أخي يغمراسن بن زيّان من أكابر القرابة، وانتهب المعسكر ونجا السلطان أبو ثابت إلى تلمسان إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن لقاء أبي ثابت مع الناصر ابن السلطان أبي الحسن وفتح وهران بعدها)
كان السلطان أبو الحسن بعد وقعة القيروان قد لحق بتونس، فأقام بها والعرب محاصرون له ينصبون الأعياص من الموحّدين لطلب تونس واحدا بعد آخر كما ذكرناه في أخبارهم. وبينما هو مؤمّل الكرّة ووصول المدد من المغرب الأقصى إذ بلغه الخبر بانتثار السكك أجمع، وبانتقاض ابنه وحافده، ثم استيلاء بني عنّان على المغرب
[1] وفي نسخة ثانية: لا تتجلّى غيابته.
كلّه، ورجوع بني عبد الواد ومغراوة وتوجين إلى ملكهم بالمغرب الأوسط ووفد عليه يعقوب بن علي أمير الزواودة، فاتفق مع عريف بن يحيى، أمير سويد وكبير مجلس السلطان، على أن يغرياه ببعث ابنه الناصر إلى المغرب الأوسط. للدعوة التي كانت قائمة بأمصاره في الجزائر ووهران وجبل وانشريس، وكان به نصر بن عمر بن عثمان ابن عطيّة قائما بدعوته، وأن يكون عريف بن يحيى في جملة الناصر لمكانه من السلطان ومكان قومه من الولاية. وكان ذلك من عريف تفاديا من المقام بتونس فأجاب إليه السلطان وبعثهم جميعا، ولحق الناصر ببلاد حصين فأعطوه الطاعة وارتحلوا معه، ولقيه العطاف والديالم وسويد فاجتمعوا إليه وتألّبوا معه، وارتحلوا يريدون منداس. وبينما الأمير أبو ثابت يريد معاودة الغزو إلى وهران إذ فجأه الخبر بذلك، فطيّر به إلى السلطان أبي عنّان وجاءه العسكر من بني مرين مددا صحبة أبي زيان ابن أخيه أبي سعيد، كان مستقرّا [1] بالمغرب منذ نهوضهم إلى القيروان وبعث عنه أبوه فجاء مع المدد من العساكر والمال، ونهض أبو ثابت من تلمسان أوّل المحرّم سنة خمسين وسبعمائة وبعث إلى مغراوة بالخبر فقعدوا عن مناصرته، ولحق ببلاد العطاف فلقيه الناصر هنالك في جموعه بوادي ورك آخر شهر ربيع الأوّل، فانكشفت جموع العرب وانهزموا، ولحق الناصر بالزاب فنزل على أبي مزني ببسكرة إلى أن أصحبه من رجالات سليم من أوصله إلى أبيه بتونس. ولحق عريف بن يحيى بالمغرب الأقصى، واحتل عند السلطان أبي عنّان بمكانه من مجلسهم، فحصل على البغية ورجع العرب كلّهم إلى طاعة أبي ثابت وخدمته، واستراب بصغير بن عامر بن إبراهيم فتقبّض عليه وأشخصه معتقلا مع البريد إلى تلمسان، فاعتقل بها إلى أن أطلق بعد حين. وقفل أبو ثابت إلى تلمسان فتلوم بها أياما، ثم نهض إلى وهران في جمادى من سنته، فحاصرها أياما، ثم افتتحها عنوة وعفا عن عليّ بن جانا [2] القائم بعد مهلك أخيه عبو وعلى من معه، وأطلق سبيلهم واستولى على ضواحي وهران وما إليها، ورجع إلى تلمسان وقد استحكمت العداوة بينه وبين مغراوة، وكان قد استجرّها ما قدّمناه من قعودهم عن نصره، فنهض إليهم في شوّال
[1] وفي نسخة ثانية: مستنفرا.
[2]
وفي نسخة ثانية: علي بن أجانا.