الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن محو الدعوة الحفصية من منابر تلمسان)
كانت الدعوة الحفصية بإفريقية قد انقسمت بين أعياصهم في تونس وبجاية وأعمالها، وكان التخم بينهما بلد عجيسة ووشتاتة. وكان الخليفة بتونس الأمير أبو حفص ابن الأمير أبي زكريا الأوّل منهم، وله الشفوف على صاحب بجاية والثغور الغربية بالحضرة. فكانت بيعة بني زيان له والدعاء على منابرهم باسمه، وكانت لهم مع المولى الأمير أبي زكريا الأوسط صاحب بجاية وصلة لمكان الصهر بينهم وبينه، وكانت الوحشة قد اعترضت ذلك عند ما نزل عثمان بجاية كما قدّمناه. ثم تراجعوا إلى وصلتهم واستمرّوا عليها إلى أن نازل يوسف بن يعقوب تلمسان، والبيعة يومئذ للخليفة بتونس السلطان أبي عصيدة بن الواثق، والدعوة على منابر تلمسان باسمه، وهو حاقد عليهم ولايتهم للأمير أبي زكريا الأوسط صاحب الثغر، فلما نزل يوسف بن يعقوب بأعلى تلمسان وبعث عساكره في قاصية الشرق استجاش عثمان بن يغمراسن بصاحب بجاية، فسرّح عسكرا من الموحدين لمدافعتهم عن تلك القاصية، والتقوا معهم بجبل الزاب فانكشف الموحّدون بعد معترك صعب واستلحمهم بنو مرين، ويسمى المعترك لهذا العهد بمرسى الرءوس لكثرة ما تساقط في ذلك المجال من الرءوس. واستحكمت المنافرة بين يوسف بن يعقوب وصاحب بجاية فأوفد الخليفة بتونس على يوسف بن يعقوب مشيخة من الموحّدين تجديدا لوصلة سلفهم مع سلفه وإغراء بصاحب بجاية وعمله، فجاء موقع ذلك من عثمان بن يغمراسن وأحفظه ممالأة [1] خليفته لعدوّه، فعطّل منابره من ذكره، وأخرج قومه وإيالته عن دعوته، وكان ذلك آخر المائة السابعة. والله تعالى أعلم.
(الخبر عن دولة أبي حمو الأوسط وما كان فيها من الاحداث)
لما هلك الأمير أبو زيان قام بالأمر بعده أخوه أبو حمّو في أخريات سنة سبع كما
[1] وفي نسخة ثانية: موالاة الخليفة لعدوه.
قدّمناه، وكان صارما يقظا حازما داهية، قويّ الشكيمة صعب العريكة، شرس الأخلاق مفرط الدهاء [1] والحدة. وهو أوّل ملوك زناتة، رتّب مراسم الملك وهذّب قواعده، وأرهف في ذلك لأهل ملكه حدّه، وقلب لهم مجنّ بأسه حتى ذلّوا لعزّ ملكه وتأدّبوا بآداب السلطان.
(سمعت) عريف بن يحيى أمير سويد من زغبة وشيخ المجالس الملوكية يقول ويعنيه:
موسى بن عثمان هو معلّم السياسة الملوكية لزناتة، وإنما كانوا رؤساء بادية حتى قام فيهم موسى بن عثمان، فحدّ حدودها، وهذّب مراسمها ونقل عنه ذلك أمثاله وأنظاره، فتقبّلوا مذهبه واقتدوا بتعليمه انتهى كلامه.
(ولما استقلّ) بالأمر افتتح شأنه بعقد السلم مع سلطان بني مرين لأوّل دولته فأوفد كبراء دولته على السلطان أبي ثابت، وعقد له السلم كما رضي. ثم صرف وجهه إلى بني توجين ومغراوة، فردّد إليهم العساكر حتى دوّخ بلادهم وذلّل صعابهم، وشرّد محمد بن عطية الأصمّ عن نواحي وانشريس، وراشد بن محمد عن نواحي شلف، وكان قد لحق بها بعد مهلك يوسف بن يعقوب فأزاحه عنها، واستولى على العملين، واستعمل عليهما، وقفل إلى تلمسان، ثم خرج سنة عشر وسبعمائة في عساكره إلى بلاد بني توجين، ونزل تافركينت وسط بلادهم فشرّد الفلّ من أعقاب محمد بن عبد القوي عن وانشريس، واحتاز رياستهم في بني توجين دونهم. وأدام منهم بالحشم وبني تيغزين [2] . وعقد لكبيرهم يحيى بن عطية على رياسة قومه في جبل وانشريس، وعقد ليوسف بن حسن من أولاد عزيز على المدية وأعمالها، وعقد لسعد من بني سلامة على قومه من بني يد لتين إحدى بطون بني توجين وأهل الناحية الغربية من عملهم. وأخذ من سائر بطون بني توجين الرهن على الطاعة والجباية، واستعمال عليهم جميعا من صنائعه قائده يوسف بن حيون الهواري، وأذن له في اتخاذ الآلة.
وعقد لمولاه مسامح على بلاد مغراوة وأذن له أيضا في اتخاذ الآلة. وعقد لمحمد بن عمه يوسف على مليانة، وأنزله بها وقفل إلى تلمسان. والله أعلم.
[1] وفي نسخة ثانية: مفرط الذكاء.
[2]
وفي نسخة ثانية: بني تيغرين.