الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محلّه من النسب إلى أن هلك، فقام بأمره من بعده ابنه علي بن بدر الدين مزاحما لقومه في الرئاسة، مباهيا في الترشيح. وكان كثيرا ما يعقد له ملوك بني الأحمر على الغزاة من زناتة المرابطين بالثغور فيما بعد عن الحضرة من قواعد الأندلس، مثل مالقة والمرية ووادي آش، سبيل المرشحين من أهل بيته، وكانت إمارة الغزاة بالأندلس مستأثرة بأمر السيف والحرب، مقاسمة للسلطان أكثر الجباية في الأعطية والأرزاق لما كانت الحاجة إليهم في مدافعة العدوّ ومقارعة ملك المغرب إلى ملك الأندلس، يغضّون لهم عن استطالتهم عليهم لمكان حاجتهم إلى دفاع العدوّين، حتى إذا سكن ريح الطاغية بما كان من شغله بفتنة أهل دينه منذ منتصف هذه المائة، وشغل بنو مرين أيضا بعد مهلك السلطان أبي الحسن وتناسوا عهد الغلب على أقتالهم وجيرانهم، وتناسوا عهد ذلك أجمع. فاعتزم صاحب الأندلس على محو هذه الخطّة من دولته. وأغراه بذلك وزيره ابن الخطيب كما ذكرناه حرصا على خلاء الجوّ له، فتقبّض على يحيى بن عمر وبنيه سنة أربع وستين وسبعمائة كما ذكرناه، وعقد على الغزاة المجاهدين لابنه وليّ عهده الأمير يوسف، ومحا رسم الخطة لبني مرين بالجملة إلى أن توهّم فناء الحامية منهم بفناء بيوت العصبيّة الكبرى، فراجع رأيه في ذلك. وكان علي بن بدر الدين خالصة له وكان مقدّما على الغزاة بوادي آش. ولما لحق السلطان به ناجيا من النكبة ليلة مهلك رضوان، مانع دونه وظاهره على أمره حتى إذا ارتحل إلى المغرب ارتحل معه. ونزلوا جميعا على السلطان أبي سالم سنة إحدى وستين وسبعمائة كما ذكرناه. ولما رجع إلى الأندلس رجع في جملته فكان له بذلك عهد وذمّة رعاهما السلطان له، وكان يستخلصه ويناجيه. فلمّا تفقّد مكان الأمير على الغزاة ونظر من يولّيه عثر اختياره على هذا لسابقته ووسائله وما تولّاه من نصحه ووقوفه عند حدّه، فعقد له سنة سبع وستين وسبعمائة على الغزاة كما كان أولوه، فقام بها واضطلع بأمورها، واستمرّت حاله إلى أن هلك حتف أنفه سنة ثمان وستين وسبعمائة، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
الخبر عن إمارة عبد الرحمن بن علي أبي يفلوسن ابن السلطان أبي علي على الغزاة بالأندلس ومصاير أمره
كان أولاد السلطان أبي علي قد استوقروا بالأندلس وأجازوا إلى طلب الأمر بالمغرب.
وكان من أمرهم ما شرحناه، إلى أن أجاز عبد الرحمن هذا مع وزيره المصادر [1] به مسعود بن رحّو بن ماسي سنة ست وستين وسبعمائة من غساسة على سلم عقده لهم وزير المغرب المستبدّ بأمره يومئذ عمر بن عبد الله. ونزل عبد الرحمن هذا بالمنكب، وكان السلطان يومئذ معسكرا بها فتلقّاه من البرّ بما يناسبه. وأكرم مثواه وأسنى الجراية له ولوزيره ولحاشيته. واستقرّوا في جملة الغزاة المجاهدين حتى إذا هلك علي بن بدر الدين سنة ثمان وستين وسبعمائة نظر السلطان فيمن يوليه أمرهم، فعثر اختياره على عبد الرحمن هذا لما عرف به من البسالة والإقدام ولقرب الشرائح [2] بينه وبين ملك المغرب يومئذ، التي هي ملاك الترشيح لهذه الخطة بالأندلس كما قدّمناه، لما كانت رشائح ولد عبد الله بن عبد الحق قد بعدت باتصال الملك في عمود نسب صاحب المغرب دون نسبهم، فآثره صاحب الأندلس بها، وعقد له على الغزاة المجاهدين سنة ثمان وستين وسبعمائة وأضفى عليه لبوس الكرامة والتجلّة وأقعده بمجلس المؤازرة [3] كما كان الأمراء قبله، واتصل الخبر بسلطان المغرب يومئذ عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن، فغصّ بمكانه، وتوهّم أنّ هذه الإمارة زيادة في ترشيحه ووسيلة لملكه، وكانت لوزير الأندلس محمد بن الخطيب مداخلة مع صاحب المغرب، بما أمّل أن يجعله فيئة لاعتصامه، فأوعز إليه بالتحيّل على إفساد ما بينه وبين صاحب الأندلس، فجهد في ذلك جهده.
ونسب عليه وعلى وزيره مسعود بن ماسي إلى عظماء القبيل وبعض البطانة من أهل الدولة التحسّب [4] والدعوة إلى الخروج على صاحب المغرب، فأحضرهم السلطان ابن الأحمر وأعطاهم كتابهم، فشهد عليهم وأمر بهم المغرب، فأحضرهم السلطان ابن الأحمر وأعطاهم كتابهم، فشهد عليهم وأمر بهم فاعتقلوا في المطبق سنة سبعين وسبعمائة واسترضى صاحب المغرب بفعلته فيهم، ونزع الوزير ابن الخطيب بعد ذلك إلى السلطان عبد العزيز، وتبيّن للسلطان مكره واحتياله عليه في شأنهم. ولما هلك عبد العزيز وأظلم الجوّ بين صاحب الأندلس وبين
[1] وفي طبعة بولاق المصرية: المطارد به.
[2]
وفي طبعة بولاق المصرية: الوشائج.
[3]
وفي طبعة بولاق المصرية: الوزارة.
[4]
وفي طبعة بولاق المصرية: بالتحبيب.
القائم بالدولة أبي بكر بن غازي كما قدّمناه، وامتعض ابن الأحمر للمسلمين من الفوضى، أطلق عبد الرحمن بن أبي يفلوسن ووزيره مسعود بن ماسي من الاعتقال وجهّز لهما الأسطول، فأجازوا فيه إلى المغرب ونزلوا بمرسى غساسة على بطوية داعيا لنفسه، فقاموا بأمره وكان من شأنه مع الوزير أبي بكر بن غازي ما قصصناه، واستقرّ آخرا بمراكش وتقاسم ممالك المغرب وأعماله مع السلطان أبي العبّاس أحمد ابن أبي سالم صاحب المغرب لهذا العهد. وصار التخم بينهما وادي ملويّة. ووقف كلّ واحد منهما عند حدّه، وأغفل صاحب الأندلس هذه الخطة من دولته ومحا رسمها من ملكه. وصار أمر الغزاة المجاهدين إليه، وباشر أحوالهم بنفسه، وعمّهم بنظره، وخصّ القرابة المرشّحين منهم بمزيد تكرمته وعنايته. والأمر على ذلك لهذا العهد، وهو سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة والله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء لا ربّ غيره ولا معبود سواه.