الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من قومه، فأخفق سعيهم واستلحموا. وأطالت أمم النصرانية بغرناطة، وطمعوا في التهامها. ثم إنّ الله نفّس مخنقهم، ودافع قدرته عنهم، وكيّف لعثمان بن أبي العلاء وعصبته واقعة فيهم كانت أغرب الوقائع. صمدوا إلى موقف الطاغية بجملتهم، وكانوا زهاء مائتين أو أكثر، وصابروهم حتى خالطوهم في مراكزهم، فصرعوا بطرة وجوان، وولوهم الأدبار. واعترضتهم من ورائهم مسارب الماء للشرب من شقيل [1] فتطارحوا فيها. وهلك أكثرهم، واكتسحت أموالهم، وأعزّ الله دينه، وأهلك عدوّه. ونصب رأس بطرة بسور البلد عبرة لمن يذكر، وهو باق هنالك لهذا العهد.
والله تعالى أعلم.
(الخبر عن صهر الموحدين والحركة الى تلمسان على اثره وما تخلل ذلك من الاحداث)
لما انفرج الحصار عن ولد يغمراسن بن زيّان أحد ملوك بني عبد الواد سنة ست وسبعمائة وتجافى أبو ثابت عن بلادهم، ونزل لهم عما كان بنو مرين ملكوه منها بسيوفهم. واستقل أبو حمّو بملك بني عبد الواد على رأس الحول منها، صرف نظره واهتمامه إلى بلاد المشرق، فتغلّب على بلاد مغراوة، ثم على بلاد بني توجين، ومحا منها أثر سلطانهم. ولحق أعياصهم من ولد عبد القوي بن عطيّة ولد منديل بن عبد الرحمن بالموحّدين بني أبي حفص مع من تبعهم من رءوس قبائلهم، وصاروا في جملة عساكرهم. واستلحق مولانا السلطان أبو يحيى وحاجبه يعقوب بن عمر منهم جندا كثيفا أثبتهم في الديوان، وغالب بهم الخوارج والمنازعين للدولة. ثم زحف أبو حمّو إلى الجزائر وغلب ابن علّان عليها سنة [2] ونقله إلى تلمسان ووفى له.
وفرّ بنو منصور أمراء ملكيش أهل بسيط متيجة من صنهاجة، فلحقوا بالموحّدين واصطنعوهم. وتملّك قاصية المغرب الأوسط وتاخم عمل الموحدين بعمله. ثم تغلّب على تدلس سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وتجنى على مولانا السلطان أبي يحيى بما وقع بينهم من المراسلة أيام انتزى ابن مخلوف ببجاية كما ذكرناه في أخباره. فحثّ عزائمه
[1] وفي نسخة ثانية: شنيل.
[2]
بياض بالأصل ولم نستطع تحديد هذه السنة في المراجع التي بين أيدينا.
لمنزلتها وطلب بلاد الموحّدين، وأوطأ عساكره أرضهم، ونازل أمصارهم بجاية وقسنطينة. واختصّ بجاية بشوكته من ذلك، وجهّز العساكر مع مسعود ابن عمّه أبي عامر إبراهيم لمضايقتها. وكان خلال ذلك ما قدّمناه من خروج محمد بن يوسف ابن يغمراسن عليه سنة [1] وقيام بني توجين بأمره، واقتطاع جبل وانشريس من عمالة ملكه.
واستمرّت الحال على ذلك حتى هلك السلطان أبو حمّو سنة ثمان عشرة وسبعمائة وقام بأمرهم ابنه أبو تاشفين عبد الرحمن فصنع له في ابن عمه محمد بن يوسف. ونهض إليه بعساكر بني عبد الواد حتى نازلة بمعتصمه من جبل وانشريش وداخله عمر بن عثمان كبير بني تيغرين في المكر به، فتقبّض عليه وقتله سنة تسع عشرة وسبعمائة وارتحل إلى بجاية حتى احتل بساحتها، وامتنع عليه الحاجب ابن عمر فأقام يوما أو بعضه. ثم انكفأ راجعا إلى تلمسان، وردّد البعوث إلى أوطان بجاية، وابتنى الحصون لتجمير الكتائب، فابتنى بوادي بجاية من أعلاه حصن بكر، ثم حصن تامزردكت. ثم اختط بتيكلات على مرحلة منها بلدا سمّاها تامزيزدكت على اسم المعقل الّذي كان لأوليهم بالجبل قبالة وجدة. وامتنع يغمراسن به على السعيد كما قدّمناه، فاختطّ بلد تيكلات هذه، وشحنها بالأقوات والعساكر، وصيّرها ثغرا لملكه، وأنزل بها جنده.
وعقد عليها لموسى بن علي الكردي كبير دولته، ودولة أبيه [2] . واستحثّه أمراء الكعوب من بني سليم لملك إفريقية حين مغاضبتهم لمولانا السلطان أبي يحيى اللحياني، وأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أبي عمران، وأبي إسحاق بن أبي يحيى الشهيد، مرّة بعد أخرى كما ذكرناه في أخبارهم جميعا. وكانت حروبهم سجالا إلى أن كان بين جيوش زناتة والموحدين الزحف المشهور بالرياش من نواحي مرماجنّة سنة تسع وعشرين وسبعمائة زحفت فيه إلى السلطان أبي يحيى عساكر زناتة مع حمزة بن عمر أمير بني كعب. ومن إليه من البدو، وعليهم يحيى بن موسى من صنائع دولة آل يغمراسن. وقد نصبوا للملك محمد بن أبي عمران بن أبي حفص، ومعهم عبد الحق بن عثمان من أعياض بني عبد الحق في بنيه وذويه. وكان نزع إليهم من عند الموحّدين كما ذكرناه، فاختلّ مصاف مولانا السلطان أبي يحيى
[1] بياض بالأصل ولم نستطع تحديد هذه السنة في المراجع التي بين أيدينا.
[2]
وفي نسخة ثانية: لموسى بن علي العزفي كبير دولته ودولة ابنه.
وانهزم، واستولوا على فساطيطه بما فيها من الذخيرة والحرم، وانتهبوا معسكره وتقبّضوا على ولديه الموليين أحمد وعمر، وأشخصوهما إلى تلمسان. وأصيب السلطان في بدنه بجراحات أوهنته، وخلص إلى بونة ناجيا برمقه. وركب السفين منها إلى بجاية، فأقام بها يدمل جراحة، واستولت زناتة على تونس. ودخلها محمد بن أبي عمران وسمّوه باسم السلطان ومقادته في يد يحيى بن موسى أمير زناتة. واعتزم مولانا السلطان أبو يحيى على الوفادة على ملك المغرب السلطان أبي سعيد صريخا على آل يغمراسن. وأشار حاجبه محمد بن سيّد الناس بإنفاذ ابنه الأمير أبي زكريا صاحب الثغر استنكافا له عن مثلها، فتقبّل إشارته وأركب ابنه البحر لذلك. وبعث إليه معه أبا محمد عبد الله بن تاشفين من مشيخة الموحّدين نافضا أمامه طرف المقاصد والمحاورات، ونزلوا بغسّاسة من سواحل المغرب، وقدموا على السلطان أبي سعيد بحضرته، وأبلغوه صريخ مولانا السلطان أبي يحيى، فاهتزّ لذلك هو وابنه الأمير أبو الحسن، وقال لابنه الأمير في ذلك المحفل: يا بني لقد قصدك أكبر أقوامنا وموصلك، وو الله لأبذلنّ في مظاهرتكم مالي وقومي ونفسي، ولأسيرنّ بعساكري إلى تلمسان فأنزلها مع أبيك، فانصرفوا إلى منازلهم مسرورين. وكان فيما شرطه عليهم السلطان أبو سعيد مسير مولانا السلطان أبي يحيى بعساكره إلى منازلة تلمسان معه فقبلوا. ونهض السلطان أبو سعيد إلى تلمسان سنة ثلاثين وسبعمائة ولما انتهوا إلى وادي ملويّة وعسكر بضره، جاءهم الخبر اليقين باستيلاء السلطان أبي يحيى على حضرة تونس وإجهاضه زناتة وسلطانهم عنها. فاستدعى مولانا السلطان الأمير أبا زكريا يحيى ابنه ووزيره أبا محمد عبد الله بن تافراكين وأمرهم بالانصراف إلى صاحبهم وأسنى جوائزهم وحاجاتهم [1] . وركبوا أساطيلهم من غسّاسة وأرسل معهم للخطبة الصهر إبراهيم بن أبي حاتم العزفي والقاضي بحضرته أبي عبد الله بن عبد الرزاق، وانكفأ على عقبه راجعا إلى حضرته. ولما انعقد الصهر بين الأمير أبي الحسن، والسلطان أبي يحيى في ابنته شقيقة الأمير يحيى، زفّها إليهم في أساطيله مع مشيخة من الموحدين، كبيرهم أبو القاسم بن عبّو [2] . ووصلوا بها إلى موسى غسّاسة سنة إحدى وثلاثين بين يدي مهلك السلطان أبي سعيد، فقاموا لها على أقدام البرّ
[1] وفي النسخة المصرية: وحباءهم.
[2]
وفي النسخة المصرية: بن عقّور.