الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لجمادى من سنة خمس وخمسين وسبعمائة واكتسح أموالهم ونازل قسنطينة حتى تفادوا منه بتمكينه من تاشفين ابن السلطان أبي الحسن المنصوب للأمر، فاقتادوه إليه وأشخصه إلى أخيه السلطان. وأوفد المولى أبو زيد ابنه على السلطان أبي عنان، فتقبّل وفادته وشكر مراجعته، وانكفأ الحاجب ابن أبي عمرو إلى بجاية، وأقام بها إلى أن هلك في المحرم سنة ست وخمسين وسبعمائة فذهب حميد السيرة عند أهل البلد، وتفجّعوا لمهلكه، وبعث السلطان دوابه لارتحال عياله وولده، ونقل شلوه إلى مقبرة أبيه بتلمسان. وسرّح ابنه أبا زيّان في عساكر بني مرين لمواراته بها. وعقد على بجاية لعبد الله بن علي بن سعيد وزيره، فنهض إليها في شهر ربيع من سنة ست وخمسين وسبعمائة واستقرّ بها وتقبّل ما حمده الناس من مذاهب الحاجب وسيرته فيها على ما نذكره، وجهّز العساكر إلى حصار قسنطينة إلى أن كان من فتحها ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.
الخبر عن خروج أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن بجبل السكسيوي ومكر عامل درعة به ومهلكه
كان السلطان أبو عنان بعد مهلك أبيه لحق به في جملته أخواه أبو الفضل محمد وأبو سالم إبراهيم، وتدبّر في ترشيحهما وحذر عليهما مغبته، فأشخصهما إلى الأندلس، واستقرّا بها في إيالة أبي الحجّاج ابن السلطان أبي الوليد ابن الرئيس أبي سعيد. ثم ندم على ما أتاه من ذلك، فلما استولى على تلمسان والمغرب الأوسط، ورأى أن قد استفحل أمره واعتز بسلطانه، أوعز إلى أبي الحجّاج أن يشخصهما إليه ليكون مقامهما لديه أحوط للكلمة من أن يعتمد على تفريقهما سماسرة الفتن. وخشي أبو الحجّاج عليهما غائلته فأبى من إسلامهما إليه، وأجاب الرسل بأنه لا يخفر ذمّته وجوار المسلمين المجاهدين، فأحفظ السلطان كلمته، وأوعز إلى حاجبه محمد بن أبي عمرو بأن يخاطبه في ذلك بالتوبيخ واللائمة، فكتب له كتابا قرّعه فيه وقفني عليه الحاجب ببجاية أيام كوني معه، فقضيت عجبا من فصوله وأغراضه، ولما قرأه أبو الحجّاج دسّ إلى كبيرهما أبي الفضل باللحاق بالطاغية، وكانت بينهما ولاية ومخالصة منذ مهلك أبيه الهنشة على جبل الفتح سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، فنزع إليه أبو
الفضل وأجاره، وجهز به أسطولا إلى مراسي المغرب. وأنزله بساحة السوس، فلحق بالسكسيوي عبد الله ودعا لنفسه. وبلغ الخبر إلى السلطان بين مقدم حاجبه ابن أبي عمرو من فتح بجاية سنة أربع وخمسين وسبعمائة فجهّز عساكره إلى المغرب، وعقد على حرب السكسيوي لوزيره فارس بن ميمون بن وردار وسرّحه إليه، فنهض من تلمسان لربيع سنة أربع وخمسين وسبعمائة وأغذّ السير إلى السكسيوي ونزل بمخنقه، وأحاط به، واختطّ مدينة لمعسكره وتجهيز كتائبه بسفح جبله، سماها القاهرة.
واستبدّ الحصار على السكسيوي وأرسل إلى الوزير في الرجوع إلى طاعته المعروفة، وأن ينبذ العهد إلى أبي الفضل، ففارقه وانتقل إلى جبال المصامدة.
ودخل الوزير فارس إلى أرض السوس فدوّخ أقطارها، ومهّد الحال [1] ، وسارت الألوية والجيوش في جهاته، ورتّب المسالح في ثغوره وأمصاره مثل ايغري وفوريان وتارودانت، وثقف أطرافه وسدّ فروجه. وسار أبو الفضل في جبال المصامدة إلى أن انتهى إلى صناكة، وألقى بنفسه على ابن حميدي منهم مما يلي بلاد درعة، فأجاره وقام بأمره. ونازلة عامل درعة يومئذ عبد الله بن مسلم الزردالي من مشيخة دولة بني عبد الواد، كان اصطنعه السلطان أبو الحسن منذ تغلّبه عليهم، وفتحه لتلمسان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فاستقرّ في دولتهم، ومن جملة صنائعهم، فأخذ بمخنق ابن حميدي وأرهبه بوصول العساكر والوزراء إليه، وداخله في التقبّض على أبي الفضل، وأن يبذل له في ذلك ما أحبّ من المال، فأجاب ولاطف عبد الله بن مسلم الأمير أبا الفضل ووعده من نفسه الدخول في الأمر، وطلب لقاءه، فركب إليه أبو الفضل. ولما استمكن منه عبد الله بن مسلم تقبّض عليه، ودفع لابن الحميدي ما اشترط له من المال، وأشخصه معتقلا إلى أخيه السلطان أبي عنان سنة خمس وخمسين وسبعمائة فأودعه السجن، وكتب بالفتح إلى القاصية. ثم قتله لليال من اعتقاله خنقا بمحبسه. وانقضى أمر الخوارج، وتمهّدت الدولة إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
[1] وفي نسخة ثانية: ومهّد انحاءه.