الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبلوغ وطره، والإشراف على إذعان المغرب لطاعته وانقياده وحكمه، وإدالة عبد المؤمن فيه بدعوته. ودخل يغمراسن بن زيّان ووفّى للأمير أبي زكريا بعهده، وأقام بها الدعوة له على سائر منابره، وصرف إلى مشاقيه من زناتة وجوه عزائمه، فأذاق عبد القويّ وأولاد عبّاس وأولاد منديل نكال الحرب، وسامهم سوء العذاب والفتنة، وجاس خلال ديارهم وتوغّل في بلادهم وغلبهم على الكثير من ممالكهم، وشرّد عن الأمصار والقواعد ولاتهم وأشياعهم ودعاتهم، ورفع عن الرعيّة ما نالهم من عدوانهم وسوء ملكتهم وثقيل عسفهم وجورهم. ولم يزل على تلك الحال إلى أن كان من حركة صاحب مراكش بسبب أخذ يغمراسن بالدعوة الحفصيّة ما نذكره إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن نهوض السعيد صاحب مراكش ومنازلته يغمراسن بجبل تامزردكت ومهلكه هنالك)
لما انقضت دولة بني عبد المؤمن. وانتزى الثوّار والدعاة بقاصية أعمالهم. وقطعوها عن ممالكهم، فاقتطع ابن هود ما وراء البحر من جزيرة الأندلس واستبدّ بها، وورّى بالدعاء للمستنصر بن الظاهر خليفة بغداد من العبّاسيين لعهده، ودعا الأمير أبو زكريا بن أبي حفص بإفريقية لنفسه، وسما إلى جمع كلمة زناتة والتغلّب على كرسي الدعوة بمراكش، فنازل تلمسان وغلب سنة أربعين وستمائة وقارن ذلك ولاية السعيد علي بن المأمون إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، وكان شهما حازما يقظا بعيد الهمّة، فنظر في أعطاف دولته، وفاوض الملأ في تثقيف أطرافها وتقويم مائلها، وأثار حفائظهم ما وقع من بني مرين في ضواحي المغرب. ثم في أمصاره واستيلائهم على مكناسة، وإقامتهم الدعوة الحفصيّة فيها كما نذكره. فجهّز الملوك والعساكر وأزاح عللهم، واستنفر عرب المغرب وما يليه [1] ، واحتشد كافة المصامدة. ونهض من مراكش آخر سنة خمس وأربعين وستمائة يريد القاصية، ويشرّد بني مرين عن الأمصار الدانية. واعترض العساكر والحشود بوادي بهت،
[1] وفي نسخة ثانية: وقبائله.
وأغدّ السير إلى تازى، فوصلته هناك طاعة بني مرين كما نذكره. ونفر معه عسكر منهم، ونهض إلى تلمسان وما وراءها ونجا يغمراسن بن زيّان وبنو عبد الواد بأهليهم وأولادهم إلى قلعة تامزردكت قبلة وجدة، فاعتصموا بها.
ووفد على السعيد الفقيه عبدون وزير يغمراسن مؤدّيا للطاعة ثابتا في مذاهب الخدمة، ومتوليا من حاجات الخليفة بتلمسان ما يدعوه إليه ويصرفه في سبيله، ومعتذرا عن وصول يغمراسن، فلجّ الخليفة في شأنه ولم يعذره. وأبي إلّا مباشرة طاعته بنفسه، وساعده في ذلك كانون بن جرمون السفياني صاحب الشورى بمجلسه ومن حضر من الملأ [1] ورجعوا عبدونا لاستقدامه، فتثاقل خشية على نفسه. واعتمد السعيد الجبل في عساكره وأناخ بها في ساحة [2] وأخذ بمخنقهم ثلاثا، ولرابعها ركب مهجرا على حين غفلة من الناس في قائلة ليتطوّف على المعتصم، ويتقرّى مكامنه، فبصر به فارس من القوم يعرف بيوسف بن عبد المؤمن الشيطان، كان أسفل الجبل للاحتراس وقريبا منه يغمراسن بن زيّان وابن عمّه يعقوب بن جابر فانقضوا عليه من بعض الشعاب، وطعنه يوسف فأكبّه عن فرسه، وقتل يعقوب بن جابر وزيره يحيى بن عطوش. ثم استلحموا لوقتهم مواليه ناصحا من العلوج وعنبرا من الخصيان، وقائد جند النصارى أخو القمط، ووليدا يافعا من ولد السعيد.
(ويقال) إنما كان ذلك يوم عبّى العساكر وصعد الجبل للقتال، وتقدّم أمام الناس فاقتطعه بعض الشعاب المتوعّرة في طريقه، فتواثب به هؤلاء الفرسان وكان ما ذكرناه، وذلك في صفر سنة ست وأربعين وستمائة. ووقعت النفرة في العساكر لطائر الخبر فأجفلوا، وبادر يغمراسن إلى السعيد وهو صريع بالأرض فنزل إليه وحيّاه وفدّاه وأقسم له على البراءة من هلكته، والخليفة وأجم بمصرعه يجود بنفسه إلى أن فاض وانتهب المعسكر بجملته، وأخذ بنو عبد الواد ما كان به من الأخبية والغازات.
واختصّ يغمراسن بفسطاط السلطان فكان له خالصة دون قومه، واستولى على الذخيرة التي كانت فيه، منها مصحف عثمان بن عفّان رضي الله عنه يزعمون أنه أخذ المصاحف التي انتسخت لعهد خلافته، وأنه كان في خزائن قرطبة عند ولد عبد
[1] وفي نسخة ثانية: الجلة.
[2]
بياض بالأصل ولم نستطع معرفة اسم هذه الساحة في المراجع التي بين أيدينا.