الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن حركة السلطان عبد العزيز على تلمسان واستيلائه عليها ونكبة أبي حمو وبني عامر بالدوس من بلاد الزاب وخروج أبي زيان من تيطري الى أحياء رياح)
لما تقبّض أبو حمو على محمد بن عريف وفرق شمل قومه سويد، وعاث في بلادهم أجمع، رأى أخيه الأكبر الصريخ بملك المغرب. فارتحل إليه بناجعته من بني مالك أجمع من أحياء سويد والديالم والعطاف حتى احتل بسائط ملوية من تخوم المغرب.
وسار إلى أخيه الأكبر ونزمار بمقرّه من قصر مرادة الّذي اختطّه بإرجاع وادي ملوية في ظل دولة بني مرين وتحت جوارهم لما كان ملاك أمرهم بيده، ومصادرهم عن آرائه خطّة ورثها عن أبيه عريف بن يحيى مع السلطان أبي سعيد وابنه أبي الحسن وابنه أبي عنان. فتقبّل ملوك المغرب مذاهب سلفهم فيه، وتيمنوا برأيه واستأمنوا إلى نصيحته. فلمّا قدم عليه أخوه أبو بكر مستحفيا بملك المغرب، وأخبر باعتقال أخيه الآخر محمد، قدح عزائمه، وأوفد أخاه أبا بكر ومشيخة قومهم من بني مالك على السلطان عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن منصرفه من افتتاح جبل هنتاتة، وظفر بعامر بن محمد بن عليّ النازع إلى الشقاق في معتصمه، فلقوه في طريقه ولقاهم مبرة وتكرمة واستصرخوه لاستنقاذ أخيهم فأجاب صريخهم، ورغبوه في ملك تلمسان وما وراءها، فوافق صاغيته لذلك بما كان في نفسه من الموجدة على السلطان أبي حمو لقبوله كل من ينزع إليه من عربان المعقل أشياع الدولة وبدوها، وما كان بعث إليه في ذلك، وصرف عن استماعه، فاعتزم على الحركة إلى تلمسان، وألقى زمامه بيد ونزمار وعسكر بساحة فاس. وبعث الحاشدين في الثغور والنواحي من المغرب، فتواقف الحاشدون ببابه، وارتحل بعد قضاء النسك من الأضحى سنة إحدى وسبعين وسبعمائة واتصل الخبر بالسلطان أبي حمو وكان معسكرا بالبطحاء، فانكفأ راجعا إلى تلمسان، وبعث في أوليائه عبيد الله والأحلاف من عرب المعقل، فصموا عن إجابته ونزعوا إلى ملك المغرب، فأجمع رأيه إلى التحيّز إلى بني عامر وأجفل غرّة المحرم سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة واحتلّ السلطان عبد العزيز تلمسان في يوم عاشوراء بعدها.
وأشار ونزمار بن عريف بتسريح العساكر في اتباعه، فسرّح السلطان وزيره أبا بكر بن
غازي بن السكّاء [1] حتى انتهى إلى البطحاء. ثم لحق به هنالك ونزمار وقد حشد العرب كافة، وأغذّ السير في اتباع السلطان أبي حمو وبني عامر، وكانوا قد أبعدوا المذهب، ونزلوا على الزواودة وسرّح إليهم السلطان يومئذ عبد العزيز يحملهم على طاعته، والعدول بهم عن صحابة بني عامر وسلطانهم. وسرّح فرج بن عيسى بن عريف إلى حصين لاقتضاء طاعتهم واستدعاء أبي زيان إلى حضرته، ونبذهم عهده، وانتهيا جميعا إلى أبي زيّان مقدمة أوليائه [2] ، ولحق بأولاد يحيى بن عليّ ابن سبّاع من الزواودة، وانتهيت أنا إليهم فخفظت عليهم الشأن في جواره لما كانت مرضاة السلطان، وحذّرتهم شأن أبي حمو وبني عامر، وأوفدت مشيختهم على ونزمار والوزير أبي بكر بن غازي فدلّوهما على طريقه، فأغذّوا السير وبيّتوهم بمنزلهم على الدوس آخر عمل الزاب من جانب المغرب ففضوا جموعهم، وانتهبوا جميع معسكر السلطان أبي حمو بأموالهم وأمتعته وظهره. ولحق فلّهم بمصاب ورجعت العساكر من هنالك، فسلكت على قصور بني عامر بالصحراء قبلة جبل راشد التي منها ربا ولون ساعون [3] إليها فأنتهبوها وخرّبوها وعاثوا فيها وانكفؤا راجعين إلى تلمسان. وفرّق السلطان عمّاله في بلاد المغرب الأوسط من وهران ومليانة والجزائر والمرية وجبل وانشريس. واستوسق به ملكه ونزع عنه عدوّه، ولم يبق به يومئذ إلّا ضرمة من نار الفتنة ببلاد مغراوة بوعد من ولد عليّ بن راشد، سخط خالد في الديوان ولحق بجبل بني سعيد. واعتصم به فجهّز السلطان الكتائب لحصاره، وسرّح وزيره عمر بن مسعود لذلك كما ذكرناه في أخبار مغراوة. واحتقر شأنه. وأوفدت أنا عليه يومئذ مشيخة الزواودة، فأوسعهم حباء وكرامة، وصدروا مملوءة حقائبهم خالصة قلوبهم منطلقة بالشكر ألسنتهم. واستمرّ الحال إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم.
[1] وفي نسخة ثانية: بن الكاس.
[2]
وفي نسخة ثانية: ففارقه أولياؤه.
[3]
وفي نسخة أخرى: التي منها ربا ولون سمعون، وفي نسخة ثانية: التي منها ريا بن سمعون.
ابن خلدون م 12 ج 7