الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العباس أحمد إلى البلد الجديد سابع المحرم. وارتحل الأمير عبد الرحمن يومئذ إلى مراكش واستولى عليها، وارتحل معه علي بن عمر بن ويغلان شيخ بني مرين والوزير ابن ماسي، ثم نزع عنه ابن ماسي إلى فاس لعهد كان قد اقتضاه من السلطان أبي العبّاس، وأجاز البحر إلى الأندلس فاستقرّ بها في إيالة ابن الأحمر، واستقلّ السلطان أبو العبّاس ابن السلطان أبي سالم بملك المغرب ووزيره محمد بن عثمان، وفوض إليه شئونه وغلب على هواه. وصار أمر الشورى إلى سليمان بن داود، كان نزع إليه من البلد الجديد من جملة أبي بكر بن غازي بعد أن كان أطلقه من محبسه، واستخلصه. وجعل إليه مرجع أمره فتركه أحوج ما كان إليه، ولحق بالسلطان أبي العباس بمكانه من حصار البلد الجديد. فلمّا استوسق ملكه ألقى الوزير محمد بن عثمان مقاد الدولة له، وصار إليه أمر الشورى ورياسة المشيخة. واستحكمت المودّة بينه وبين ابن الأحمر وتأكّدت المداخلة. وجعلوا إليه المرجع في نقضهم وإبرامهم لمكان الأبناء المرشحين من إيالته. ولمّا ارتحل الأمير عبد الرحمن إلى مراكش نبذوا إليه العهد وتعللوا عليه بأنّ العقد الأوّل له، إنّما كان على ملك سلفه ومراكش إنما ألجأهم إلى العقد عليها إلجاء، واعتزموا على النهوض إليه ثم أقصروا وانعقدت بينهما السلم سنة ست وسبعين وسبعمائة وجعلوا التخم بينهما أزمور وعقدوا على ثغرها لحسّان الصبيحي فلم يزل عليها إلى أن هلك كما نذكره إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن مقتل ابن الخطيب)
ولما استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد دار ملكه فاتح ست وسبعين وسبعمائة واستقلّ بسلطانه والوزير محمد بن عثمان مستبد عليه، وسليمان بن داود رديف له، وقد كان الشرط وقع بينه وبين السلطان ابن الأحمر عند ما بويع بطنجة على نكبة ابن الخطيب وإسلامه إليه لما نمي إليه عنه أنه كان يغري السلطان عبد العزيز لملك الأندلس. فلما زحف السلطان أبو العباس من طنجة ولقي الوزير أبا بكر بن غازي بساحة البلد الجديد، فهزمه السلطان ولاذ منه بالحصار، آوى معه ابن الخطيب إلى البلد الجديد خوفا على نفسه، فلما استولى السلطان على البلد الجديد أقام أياما، ثم أغراه سليمان بن داود بالقبض عليه فقبضوا عليه وأودعوه السجن، وطيّروا بالخبر إلى
السلطان ابن الأحمر وكان سليمان بن داود شديد العداوة لابن الخطيب لما كان سليمان قد تابع السلطان ابن الأحمر على مشيخة الغزاة بالأندلس، حتى أعاده الله إلى ملكه. فلما استقرّ له سلطانه أجاز إليه سليمان سفيرا عن عمر بن عبد الله ومقتضيا عهده من السلطان. فصدّه ابن الخطيب عن ذلك بأنّ تلك الرئاسة إنّما هي لأعياص الملك من آل عبد الحق، لأنهم يعسوب زناتة. فرجع سليمان آيسا [1] وحقد ذلك لابن الخطيب. ثم جاور الأندلس بمحل إمارته من جبل الفتح، فكانت تقع بينه وبين ابن الخطيب مكاتبات ينفّس كل منهما لصاحبه بما يحفظه لما كمن في صدورهما. وحين بلغ الخبر بالقبض على ابن الخطيب إلى السلطان بعث كاتبه ووزيره بعد ابن الخطيب، وهو أبو عبد الله بن زمرك، فقدم على السلطان أبي العبّاس وأحضر ابن الخطيب بالشورى في مجلس الخاصّة وأهل الشورى، وعرض عليه بعض كلمات وقعت له في كتابه، فعظم عليه النكرير فيها، فوبّخ ونكل وامتحن بالعذاب بمشهد ذلك الملاثم تل إلى محبسه. واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجّلة عليه، وأفتى بعض الفقهاء فيه ودسّ سليمان بن داود إليه لبعض الأوغاد من حاشيته بقتله، فطرقوا السجن ليلا ومعهم زعانفة جاءوا في لفيف الخدم مع سفراء السلطان ابن الأحمر، وقتلوه خنقا في محبسه، وأخرجوا شلوه من الغد فدفن في مقبرة باب المحروق، ثم أصبح من الغد على شأفة قبّره طريحا وقد جمعت له أعواد وأضرمت عليه نارا، فاحترق شعره واسودّ بشره، وأعيد إلى حفرته، وكان في ذلك انتهاء محنته وعجب الناس من هذه السفاهة التي جاء بها سليمان واعتدّوها من هناته، وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته، والله الفعال لما يريد وكان عفى الله عنه أيام امتحانه بالسجن يتوقع مصيبة الموت، فيتجيش هو أتقه بالشعر يبكي نفسه (ومما قال في ذلك) :
بعدنا وإن جاورتنا البيوت
…
وجئنا بوعظ [2] ونحن صموت
وأنفاسنا سكنت دفعة
…
كجهر الصلات تلاه القنوت
[1] وفي نسخة ثانية: يائسا.
[2]
وفي نسخة ثانية: لوعد.