الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن انتقاض عيسى بن الحسن بجبل الفتح ومهلكه)
كان عيسى بن الحسن بن علي بن أبي الطلاق هذا من مشيخة بني مرين، وكان صاحب شوراهم لعهده، وقد كنا قصصنا من أخبار أبيه الحسن عند ذكر دولة أبي الربيع. وكان السلطان أبو الحسن قد عقد له على ثغور عمله بالأندلس، وأنزله بجبل الفتح عند ما أكمل بناءه وجعل إليه النظر في مسالح الثغور وتفريق العطاء على مسالحها، فطال عهد ولايته ورسخ فيها قدمه، وكان السلطان أبو الحسن يبعث عنه في الشورى متى عنت. وحضره عند سفره إلى افريقية وأشار عليه بالاقتصار عنها، وأراه ان قبائل بني مرين لا تفي اعدادهم بمسالح الثغور إذا رتبت شرقا وغربا وعدوة البحر وأنّ إفريقية تحتاج من ذلك إلى أوفر الأعداد وأشدّ الشوكة، لتغلّب العرب عليها، وبعد عهدهم بالانقياد، فأعرض السلطان عن نصيحته لما كان شره إلى تملكها، وصرفه إلى مكان عمله بالثغور الأندلسية. ولما كانت نكبة القيروان وانتزى الأبناء بفاس وتلمسان، أجاز البحر لحسم الداء ونزل بغسّاسة ثم انتقل إلى وطنه بتازى وجمع قومه بني عسكر، وألقى السلطان أبا عنان قد هزم عساكر ابن أخيه وأخذ بمخنقه، فأجاب عليه وبيته بمعسكره من ساحة البلد الجديد وعقد السلطان أبو عنان على حربه لصنيعته سعيد بن موسى العجيسي، وأنزله بثغر بلاد بني عسكر على وادي بوحلوا. وتواقفا كذلك أياما حتى تغلّب السلطان أبو عنان على البلد الجديد، ثم أرسل عيسى بن الحسن في الرجوع إلى طاعته وأبطأ عنه صريخ السلطان أبي الحسن بإفريقية فراجعه واشترط عليه، فتقبل وسار إليه فتلقاه السلطان وامتلاء سرورا بمقدمه، وأنزله بصدوره [1] وجعل الشورى إليه في مجلسه، واستمرّت على ذلك حاله.
ولما تمكّنت حال ابن أبي عمرو بعد مهلك السلطان أبي الحسن انفرد بخلة السلطان ومناجاته، وحجبه عن الخاصة والبطانة، أحفظه ذلك ولم يبدها. واستأذن السلطان في الحجّ، فأذن له وقضى فرضه، ورجع إلى محله من بساط السلطان سنة
[1] وفي نسخة ثانية: وأنزله قصوره.
ست وخمسين وسبعمائة ولقي ابن أبي عمرو بجباية، وتطارح عليه في ان يصلح حاله عند سلطانه، فوعده في ذلك، ولما وفد على السلطان وجده قد استبدّ في الشورى، وتنكّر للخاصة والجلساء، فاستأذنه في الرجوع إلى محلّه من الثغر لإقامة رسم الجهاد فأذن له. وأجاز البحر إلى جبل الفتح من سنته، وكان صاحب ديوان العطاء بالجبل يحيى الفرقاجي، وكان مستظهرا على العمّال، وكان ابنه أبو يحيى قدم برم بمكانه.
فلمّا وصل عيسى إلى الجبل اتبعه السلطان بأعطيات المسالح مع مسعود بن كندوس [1] من صنائع دولته، فسرّب الفرقاجي إلى الضرب على يده شأنه مع ابنه أيام مغيبه، وأنف عيسى من ذلك فتقبّض عليه، وأودعه المطبق، وردّ ابن كندوس على عقبه، وأركبه السفين من ليلته إلى سبتة، وجاهر بالخلعان، وبلغ الخبر إلى السلطان أبي عنان فقلق لذلك، وقام في ركائبه وقعد، وأوعز بتجهيز الأساطيل، وظنّ أنه قد تدبّر من الطاغية وابن الأحمر. وبعث أحمد بن الخطيب قائد البحر بطنجة عينا على شأنهم، فوصل إلى مرسى الجبل. وكان عيسى بن الحسن لما جاهر بالخلعان تمشّت رجالات الثغر وعرفاء الرجل من غمارة الغزاة الموطنون بالجبل، وتحدّثوا في شأنه، وامتنعوا من الخروج على السلطان، وتآمروا في إسلامه برمته.
وخلا به سليمان بن داود من عرفاء العسكر [2] ، كان من خواصه وأهل شوراه، وكان عيسى قد مكن قومه عند السلطان واستعمله على رنده، فلما جاهر عيسى بالخلعان، وركب ظهر الغدر، خالفه سليمان هذا إلى طاعة السلطان، وأنفذ كتبه وطاعته، واشتبه عليه الأمر فندم إذ لم يكن بني أمره على أساس من الرأي، فلما احتلّ أسطول أحمد بن الخطيب بمرسى الجبل، خرج إليه وناشده الله والعهد أن يبلغ السلطان طاعته، والبراءة مما صنع أهل الجبل، ونسبها إليهم. فعند ذلك خشي غمارة على أنفسهم، فثاروا به، ولجأ إلى الحصن فاقتحموه عليه وشدّوه وابنه وثاقا، وألقوه في أسطول ابن الخطيب، وأنزله بسبتة وطيّر للسلطان بالخبر، فخلع عليه وأمر خاصّته فخلعوا عليه. وبعث عمر ابن وزيره عبد الله بن علي وعمر بن العجوز قائد جند النصارى، فأحضروهما بدار السلطان يوم منى من سنة ست وخمسين وسبعمائة وجلس لهما السلطان ووقفا بين يديه وتنصّلا واعتذرا، فلم يقبل منهما وأودعهما السجن وشدد
[1] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة ثانية: ابن كندوز
[2]
وفي نسخة ثانية: سليمان بن داود بن أعراب العسكري.