الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكن لآل جرار، واستبدّ أشهرا قلائل إلى أن خلص إليه من آل زيان من ولد عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن من طمس معالمه، وخسف به وبداره، وأعاد أمر بني عبد الواد في نصابه حسبما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.
(الخبر عن دولة أبي سعيد وأبي ثابت من آل يغمراسن وما فيها من الأحداث)
كان الأمير أبو يحيى جدّهما من أكبر ولد يغمراسن بن زيّان، وكان ولي عهده بعد مهلك أخيه عمر الأكبر. ولما تغلّب يغمراسن على سجلماسة سنة إحدى وستين وستمائة استعمله عليها، فأقام بها حولا وولد له هناك ابنه عبد الرحمن. ثم رجع إلى تلمسان فهلك بها ونشأ عبد الرحمن بسجلماسة، ولحق بتلمسان بعد أمه [1] ، فأقام مع بني أبيه إلى أن غصّ السلطان بمكانه وغرّبه إلى الأندلس، فمكث بها حينا، وهلك في مرابطته بثغر قرمونة في بعض أيام الجهاد. وكان له بنون أربعة يوسف وعثمان والزعيم وإبراهيم، فرجعوا إلى تلمسان وأوطنوها أعواما حتى إذا استولى السلطان أبو الحسن على ملكهم، وأضاف إلى دولته دولتهم نقلهم من تلمسان إلى المغرب في جملة أعياصهم. ثم سألوا إذنه في المرابطة بثغور الأندلس التي في عمله، فأذن لهم وفرض لهم العطاء وأنزلهم بالجزيرة فكانت لهم بالجهاد مواقف مذكورة ومواطن معروفة. ولما استنفر السلطان أبو الحسن زناتة لغزو إفريقية سنة ثمان وأربعين وسبعمائة كانوا في جملته مع قومهم بني عبد الواد وفي رايتهم، ومكانهم معلوم بينهم. فلما اضطرب أمر السلطان أبي الحسن وتألّب عليه الكعوب من بني سليم أعراب إفريقية، وواضعوه الحرب بالقيروان، كان بنو عبد الواد أوّل النازعين عنه إليهم. فكانت النكبة وانحجز بالقيروان وانطلقت أيدي الأعراب على الضواحي وانتقض المغرب من سائر أعماله، أذنوا لبني عبد الواد في اللحاق بقطرهم ومكان عملهم، فمروا بتونس وأقاموا بها أياما، وخلص الملاء منهم نجيا في شأن أمرهم ومن يقدّمون عليهم فأصفقوا بعد الشورى على عثمان بن عبد الرحمن واجتمعوا إليه لعهده بهم يومئذ، وقد خرجوا به
[1] وفي نسخة ثانية: بعد أبيه.
إلى الصحراء وأجلسوه بباب مصلى العيد من تونس على درقة. ثم ازدحموا عليه بحيث توارى شخصه عن الناس، يسلّمون عليه بالإمارة ويعطونه الصفقة على الطاعة والبيعة حتى استهلوا [1] جميعا. ثم انطلقوا به إلى رحالهم. واجتمع مغراوة أيضا إلى أميرهم عليّ بن راشد بن محمد بن ثابت بن منديل الّذي ذكرناه من قبل، وتعاهدوا على الصحابة إلى أعمالهم والمهادنة آخر الأيام واستئثار كل بسلطانه وتراث سلفه، وارتحلوا على تفيئة ذلك الى المغرب. وشنّت البوادي عليهم الغارات في كل وجه، فلم يظفروا منهم بقلامة ظفر: مثل ونيفن ونونة وأهل جبل بني ثابت. ولما مرّوا ببجاية وكان بها فلّ من مغراوة وتوجين، نزلوا بها منذ غلبوا على أعمالهم، وصاروا في جند السلطان فارتحلوا معهم. واعترضهم بجبل الزاب برابرة زواوة، فأوقعوا بهم وظهر من نجدتهم وبلائهم في الحروب ما هو معروف لأوليهم. ثم لحقوا بشلف فتلقّتهم قبائل مغراوة، وبايعوا لسلطانهم عليّ بن راشد فاستوسق ملكه.
وانصرف بنو عبد الواد والأميران أبو سعيد وأبو ثابت بعد أن أحكموا العقد [2] وأبرموا الوثاق مع عليّ بن راشد وقومه. وكان في طريقهم بالبطحاء أحياء سويد ومن معهم من أحلافهم قد نزلوا هناك مع شيخهم وترمار بن عريف، منهزمهم من تاسالت أمام جيوش السلطان أبي عنّان فأجفلوا من هنالك، ونزل بنو عبد الواد مكانهم، وكان في جملتهم جماعة من بني جرار بن نيدوكسن كبيرهم عمران بن موسى، ففرّ ابن عثمان بن يحيى بن جرار إلى تلمسان فعقد له على حرب أبي سعيد وأصحابه، فنزل الجند الذين خرجوا معه إلى السلطان أبي سعيد. وانقلب هو الى تلمسان والقوم في أثره، فأدرك بطريقة وقتل. ومرّ السلطان إلى البلد فثارت العامة بعثمان بن جرار فاستأمن لنفسه من السلطان فأمّنه ودخل إلى قصر الملك آخر جمادى الأخيرة من سنة تسع وأربعين وستمائة فاقتعد أريكته وأصدر أوامره واستوزر واستكتب، وعقد لأخيه أبي ثابت الزعيم على ما وراء بابه من متون [3] ملكهما، وعلى القبيل والحروب، واقتصر هو على ألقاب الملك وأسمائه ولزم الدعة. وتقبّض لأوّل دخوله على عثمان بن يحيى بن جرار فأودعه المطبق إلى أن مات في رمضان من سنته، ويقال قتيلا. وكان
[1] وفي نسخة ثانية: حتى استكملوا جميعا.
[2]
وفي نسخة ثانية: العهد.
[3]
وفي نسخة ثانية: شئون.