الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومراسمه، ومحيت منها كلمة الكفر وطواغيته. وكتب الله أجرها لمن أخلص في معاملته وكان ذلك سنة سبعين وسبعمائة وولّى ابن الأحمر عليها من قبله. ولم تزل لنظره إلى أن تمحّض النظر عن هدمها خشية استيلاء النصرانية عليها، فهدمت أعوام ثمانين وسبعمائة وأصبحت خاوية كأن لم تغن بالأمس. والبقاء للَّه وحده.
(الخبر عن حركة السلطان الى تلمسان واستيلائه عليها وعلى سائر بلادها وفرار أبي حمو عنها)
كان عرب المعقل موطنين بصحراء المغرب من لدن السوس ودرعة وتافيلالت وملويّة وصا [1] . وكان بنو منصور منهم أولاد حسين والأحلاف مختصين بطاعة بني مرين وفي وطنهم. وكانوا مغلوبين للدولة تحت قهر من سلطانها. ولما ارتجع بنو عبد الواد ملكهم بتلمسان على يد أبي حمّو، وكان الاحلاف بالمغرب، عاث هؤلاء المعقل وأكثروا في الوطن الفساد. ولما استقالت الدولة من عثارها تحيّزوا إلى بني عبد الواد وأقطعوهم في أوطانهم. واستقرّوا هنالك من لدن نزوع عبد الله بن مسلم العامل بدرعة إلى أبي حمّو ووزارته له. وفسد ما بين سلطان المغرب وأبي حمّو من جرّاء ذلك. ونهض أبو حمّو سنة ست وستين وسبعمائة إلى المغرب، وعاث في نواحي دبدو ثغر المغرب فنشأت [2] لذلك نار العداوة بينه وبين صاحب الثغر محمد بن زكراز [3] فكان داعية لعداء صاحب المغرب على الأيام. ولما استبدّ السلطان عبد العزيز وهلك صاحبهم عبد الله بن مسلم، وتردّدت الرسل بين أبي حمّو وبين السلطان عبد العزيز، كان فيما اشترط عليه التجافي عن قبول عرب المعقل عرب وطنه، لما فيه من الاستكثار بهم عليه.
وأبي عليهم أبو حمّو منها لاستظهاره بهم على زغبة من أهل وطنه وغيرهم. وكثر التلاحي في ذلك وأحفظ السلطان وهمّ بالنهوض إليه سنة سبعين وسبعمائة وأقصر لما أخذ بحجزته من خلاف عامر. وصاحب الثغر محمد بن زكراز أثناء ذلك يحرّضه على الحركة إلى أبي حمّو ويرغّبه في ملك تلمسان. ولما قضى السلطان حركة مراكش
[1] هي قلعة (زا) وال (ز) تلفظ (صاد) عند البربر، لذلك كتبها ابن خلدون بالصاد.
[2]
وفي نسخة ثانية: نشبت.
[3]
وفي نسخة ثانية: زكدان.
وفرغ من شأن عامر ورجع إلى فاس، ولقي [1] بها أبو بكر بن عريف أمير سويد في قومه من بني مالك بحللهم وناجعتهم، صريخا على أبي حمّو لما نال منهم. وتقبّض على أخيهم محمد ورؤساء بني مالك جزاء بما يعرف لهم ولسلفهم من ولاية صاحب المغرب. ووفد عليه رسل أهل الجزائر ببيعتهم يستحثّون السلطان لاستنقاذهم من لهواته. وأمر السلطان بذلك وليه ونزمار ومحمد بن زكراز صاحب دبدو فزعموا له بالغناء في ذلك واعتزم على النهوض إلى تلمسان وبعث الحاشدين إلى مراكش للاحتشاد، وتوافي الناس ببابه على طبقاتهم أيام منى من سنة إحدى وسبعين وسبعمائة وأفاض العطاء وأزاح العلل، ولما قضى منسك الأضحى اعترض العساكر ورحل إلى تلمسان، واحتل بتازى. وبلغ خبر نهوضه إلى أبي حمّو، فجمع من إليه من زناتة الشرق وبني عامر من عرب المعقل وزغبة. وتوافت جموعه بساحة تلمسان واضطرب هنالك معسكره واعترض جنوده واعتزم على الزحف للقاء بني مرين ثقة بمكان المعقل. وتحيّز من كان معه من عرب المعقل الأحلاف وعبيد الله إلى السلطان عبد العزيز بمداخلة وليّهم ونزمار. واجتمعوا إليه وسرّح معهم صنائعه فارتحلوا بين يديه وسلكوا طريق الصحراء. وبلغ خبر تحيّزهم وإقبالهم إلى أبي حمّو فأجفل هو وجنوده وأشياعه من بني عامر وسلكوا على البطحاء. ثم ارتحلوا عنها وعاجوا على منداس، وخرجوا إلى بلاد الديالم. ثم لحقوا بوطن رياح فنزلوا على أولاد سبّاع بن علي بن يحيى.
وارتحل السلطان عبد العزيز من تازي وقدّم بين يديه وزيره أبا بكر بن غازي، فدخل تلمسان وملكها. ورحل السلطان على أثره واحتل بتلمسان يوم عاشوراء من سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، فدخلها في يوم مشهود واستولى عليها وعقد لوزيره أبي بكر ابن غازي على العساكر من بني مرين والجنود والعرب من المعقل وسويد، وسرّحه في اتباعه وجعل شوراه إلى وليّه ونزمار وفوّض إليه في ذلك. فارتحلوا من تلمسان آخر المحرّم وكنت وافدا على أبي حمّو، فلما أجفل عن تلمسان ودّعته وانصرفت إلى هنين للإجازة إلى الأندلس. ووشى بعض المفسدين إلى السلطان بأني احتملت مالا للأندلس، فبعث جريدة من معسكره للقبض عليّ، ووافوني بوادي الزيتون قبل
[1] وفي نسخة ثانية: وافاه.
مدخلي إلى تلمسان فأحضرني وسألني، وتبين كذب الواشي فأطلقني وخلع عليّ وحملني. ولما ارتحل الوزير في اتباع أبي حمّو استدعاني وأمرني بالنهوض إلى رياح والقيام فيهم بدعوته وطاعته، وصرفهم عن طاعة أبي حمّو وصريخه، فنهضت لذلك، ولحقت بالوزير بالبطحاء، وارتحلت معه إلى وادي ورك من بلاد العطاف، فودّعته وذهبت لوجهي وجمعت رياح على طاعة السلطان ونكبت بهم عن طاعة أبي حمّو فنكبوا عنها. وخرج أبو زيان من محل نزوله بحصين، فلحق بأولاد محمد ابن علي بن سبّاع من الزواودة. وارتحل أبو حمّو من المسيلة فنزل بالدوسن وتلوّم بها.
وأوفدت من الزواودة على الوزير ونزمار فكانوا أدلّاءهم في النهوض إليه. ووافوه بمكانه من الدوسن في معسكره من زناتة وحلل بني عامر، والوزير في التعبية، وأمم زناتة والعرب من المعقل وزغبة ورياح مخيفة [1] به. فأجهضوه عن ماله ومعسكره، فانتهب بأسره. واكتسحت أموال العرب الذين معه، ونجا بدمائه إلى مصاب.
وتلاحق به ولده وقومه متفرّقين على كل مفازة، وتلوّم الوزير بالدوسن أياما. ووافاه بذلك لحاق بني مرين [2] وانقلب إلى المغرب. ومرّ على قصور بني عامر بالصحراء فاستباحها، وشرّدهم عنها إلى قاصية القفر ومفازة العطش. ولحق بتلمسان في ربيع الثاني.
ووفدت أنا بالزواودة على السلطان ورئيسهم أبو دينار بن علي بن أحمد، فبرّ السلطان مقدمه ورعى له سوابقه عند أخيه [3] ، وخلع عليه وحمله وخلع على الوفد كافة وانصرفوا إلى مواطنهم. وبعث السلطان عمّاله على الأمصار، وعقد لصنائعه على النواحي، وجهّز الكتائب مع وزيره عمر بن مسعود بن منديل بن حمامة، لحصار حمزة بن علي بن راشد من آل ثابت بن منديل، كان ربّي في حجر الدولة ونشأ في جوّ نعمتها وسخط حاله لديهم. فنزع إلى وطن سلفه من مغراوة. ونزل بجبل بني بو سعيد فأجاروه وبايعوه على الموت دونه. وسرّح السلطان وزيره إلى الأخذ بمخنقهم، فنزل عليهم وقاتلهم وامتنعوا في رأس شاهقهم، فأوطن الوزير بالخميس من وادي شلف وأحجرهم بمعتصمهم. وتوافت لديه الأمداد من تلمسان، فجهّزها
[1] وفي نسخة ثانية: محدقة به.
[2]
وفي نسخة ثانية: ووافاه هنالك اتحاف ابن مزني.
[3]
وفي نسخة ثانية: عند أبيه.