الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمان وألحقه بجملته. وانتبذ عامر عن الناس وذهب لوجهه ليخلص إلى السوس فردّه الثلج. وقد كانت السماء أرسلت به منذ أيام بردا وثلجا حتى تراكم بالجبل بعضه على بعض. وسدّ المسالك فاقتحمه عامر وهلك فيه بعض حرمه ونفق مركوبة.
وعاين الهلكة العاجلة فرجع مخفيا أثره إلى غار أوى إليه مع أدلّاء بذل لهم المال يسلكون به ظهر الجبل إلى الصحراء بالسوس. وأقاموا ينتظرون إمساك الثلج. وأقام وأغرى السلطان بالبحث عنه فدلّهم عليه بعض البربر عثروا عليه فسيق إلى السلطان وأحضره بين يديه ووبّخه فاعتذر ونجع بالطاعة. ورغب في الإقالة واعترف بالذنب، فحمل إلى مضرب بني له بإزاء فسطاط السلطان، واعتقل هنالك. وتقبّض يومئذ على محمد الكناني فاعتقل وانطلقت الأيدي على معاقل عامر ودياره، فانتهب من الأموال والسلاح والذخيرة والزرع والأقوات والخرق ما لا عين رأت ولا خطر على قلب أحد منهم. واستولى السلطان على الجبل ومعاقلة في رمضان من سنة إحدى وسبعين وسبعمائة لحول من يوم حصاره. وعقد على هنتاتة لفارس بن عبد العزيز بن محمد ابن علي وارتحل إلى فاس واحتل بها آخر رمضان ودخلها في يوم مشهود برز فيه الناس. وحمل عامر وسلطانه تاشفين على جملين وقد أفرغ عليهما الرث وعبثت بهما أيدي الإهانة فكان ذلك عبرة لمن رآه ولما قضى منسك الفطر أحضر عامر فقرعه بذنوبه وأوتي بكتابه بخطه يخاطب فيه أبا حمو ويستنجده على السلطان فشهد عليه وأمر به السلطان فامتحن ولم يزل يجلد حتى انتنّ لحمه، وضرب بالعصيّ حتى ورمت أعضاؤه، وهلك بين يدي الوزعة، وأحضر الكناني ففعل به مثله. وجنّب تاشفين سلطانه إلى مصرعه فقتل قعصا بالرماح وجنب مبارك بن إبراهيم من محبسه بعد الاعتقال، فألحق بهم ولكل أجل كتاب وصفا الجوّ للسلطان من المنازعين.
وفرغ لغزو تلمسان كما نذكره إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن ارتجاع الجزيرة الخضراء)
قد تقدّم لنا ذكر تغلّب الطاغية ابن الهنشة على الجزيرة سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وأنه نازل بعدها جبل الفتح سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وهلك بالطاعون وهو محاصر له عند ما استفحل أمره واشتدّت شوكته. وكفى الله شأنه وولّى أمر الجلالقة بعده ابنه ابن خلدون م 28 ج 7
بطرة، وعدا على سائر إخوته. وفرّ أخوه القمط ابن حظية أبيه المسمّاة بلغتهم ألريق (بهمزة) إلى قمط برشلونة فأجاره وأنزله خير نزل. ولحق به من الزعماء المريكس [1] ابن خالته وغيره من اقماطهم [2] وبعث إليه بطرة ملك قشتالة في إسلام أخيه فأبي من إخفار جواره. وحدثت بينهما بذلك الفتنة الطويلة افتتح بطرة فيها كثيرا من معاقل صاحب برشلونة وأوطأ عساكره نواحي أرضه، وحاصر بلنسية قاعدة شرق الأندلس مرارا أرجف عليها بعساكره، وملأ البحر إليها بأساطيله إلى أن ثقلت على النصرانية وطأته وساءت فيها ملكته، فانتقضوا عليه ودعوا القمط أخاه فزحف إلى قرطبة. وثار على بطرة أهل إشبيلية وتيقّن صاغية النصارى إليه، ففرّ عن ممالكه ولحق بملك الافرنج وراء جليقية وفي الجوف عنها وهو صاحب انكلطرة، واسمه ألفنس غالس.
ووفد عليه صريخا سنة سبع وستين وسبعمائة فجمع قومه وخرج في صريخه إلى أن استولى على ممالكه. ورجع ملك الأفرنج فعاد النصارى إلى شأنهم مع بطرة. وغلب القمط على سائر الممالك فتحيّز بطرة إلى ثغوره مما يلي بلاد المسلمين. ونادى صريخا بابن الأحمر فانتهز فيها الفرصة. ودخل بعساكر المسلمين فأثخن في أرض النصرانية، وخرّب معاقلهم ومدنهم مثل أبدة وجيان وغيرهما من أمهات أمصارهم. ثم رجع إلى غرناطة، ولم تزل الفتنة قائمة بين بطرة وأخيه القمط إلى أن غلب عليه القمط وقتله.
وفي خلال هذه الفتن بقيت ثغورهم مما يلي أرض المسلمين عورة. وتشوّف المسلمون إلى ارتجاع الجزيرة التي قرب عهدهم بانتظامها في ملكة المسلمين. وكان صاحب المغرب في شغل عن ذلك بما كان فيه من انتقاض أبي الفضل ابن أخيه وعامر بن محمد، فراسل صاحب الأندلس أن يزحف إليه بعساكره على أنّ عليه عطاءهم وإمداده بالمال والأساطيل على أن يكون مثوبة جهاده خالصة له، فأجاب إلى ذلك وبعث إليه أحمال المال. وأوعز إلى أساطيله بسبتة فعمرت وأقلعت من مرسى الجزيرة لحصارها وزحف ابن الأحمر بعساكر المسلمين على أثرها بعد أن قسم فيهم العطاء وأزاح العلل، واستعدّ الآلات للحصار، فنازلها أياما قلائل. ثم أيقن النصارى بالهلك لبعدهم عن الصريخ ويأسهم عن مدد ملوكهم، وألقوا باليد وسألوا النزول على حكم السلم فأجابهم السلطان إليه، ونزلوا عن البلد وأقيمت فيها شعائر الإسلام
[1] وفي نسخة ثانية: المركش.
[2]
وفي نسخة ثانية: اقماصهم.