الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في طريقهم فقد حضروا عندي وأبنت لهم الاستعجال حذرا مما أصابهم، وأريتهم مخاوف بلادنا وما فيها من غوائل الأعراب، فكان جوابهم أنّا جئنا من عند ملك المغرب فكيف نخاف مغترّين بشأنهم يحسبون أنّ أمره نافذ في أعراب فلاتنا [1] . وأمّا الهدية فتردّ عليك، أمّا دهن البلسان فنحن قوم بادية لا نعرف إلّا الزيت وحسبنا به دهنا. وأمّا المماليك الرماة فقد افتتحنا بهم إشبيلية وصرفناهم إليك لتستفتح بهم بغداد والسلام. قال لي شيخنا وكان الناس إذ ذاك لا يشكّون أنّ انتهابهم كان باذن منه.
وكان هذا الكتاب دليلا على ما في نفسه. وربّك يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون.
الخبر عن انتقاض ابن الأحمر واستيلاء الرئيس سعيد على سبتة وخروج عثمان بن العلاء في غمارة
لما أحكم السلطان عقد المهادنة والولاية مع السلطان ابن الأحمر المعروف بالفقيه، عند إجازته إليه بطنجة سنة اثنتين وتسعين وستمائة كما ذكرناه، وفرغ لعدوّه تمسّك ابن الأحمر بولايته تلك إلى أن هلك سنة إحدى وسبعمائة في شهر شعبان منه. وقام بالأمر الأندلسي من بعده ابنه محمد المعروف بالمخلوع. واستبدّ عليه كاتبه أبو عبد الله بن الحكيم من مشايخ رندة، كان اصطفاه لكتابته أيام أبيه. فاضطلع بأموره وغلب عليه. وكان هذا السلطان المخلوع ضرير البصر ويقال إنه ابن الحكيم، فغلب عليه واستبدّ إلى أن قتلهما أخوه أبو الجيوش نصر سنة ثمان وسبعمائة كما نذكره، وكان من أوّل آرائه عند استيلائه على الأمر من بعد أبيه المبادرة إلى إحكام ولاية السلطان، واتصال يده بيده، فأوفد إليه لحين ولايته وزير أبيه السلطان أبي عزيز الداني، ووزيره الكاتب أبا عبد الله بن الحكيم، فوصلا الى [2] السلطان بمعسكره من حصار تلمسان وتلقّاهما بالقبول والمبرّة، وجدّدت له أحكام الودّ والولاية، وانقلبا إلى مرسلهما خير منقلب. وتقدّم السلطان إليهم في المدد برجل الأندلس وناشبتهم المعوّدين منازلة الحصون والمناغرة بالرباط، فتبادروا إلى إسعافه، وبعثوا حصّتهم لحين مرجعهم إلى سلطانهم، فوصلت سنة اثنتين وسبعمائة. وكانت لهم نكاية في العدو وأثر
[1] وفي نسخة اخرى: في أعراب قبائلنا.
[2]
وفي نسخة ثانية: فوفدوا على السلطان.
البلد المخروب. ثم بدا لمحمد بن الأحمر المخلوع في ولاية السلطان لمنافسات جرت إلى ذلك. وبعث إلى أدفونش هراندة بن شانجة، وأحكم له عقد السلم ولاطفة في الولاية، فانعقد ذلك بينهما سنة ثلاث وسبعمائة واتصل خبره بالسلطان فسخطه ورجّع إليه حصتهم آخر سنة ثلاث وسبعمائة، واتصل خبره بالسلطان لسنة من مقدمهم بعد أن أبلوا وأثخنوا، وطوى لهم على النث واعتمل ابن الأحمر وشيعته في الاستعداد لمدافعة السلطان والارصاد لسطوته بهم. وأوعز إلى صاحب مالقة ابن عمّه الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن محمد بن نصر، وليه من دون القرابة بما كان له من الصهر على أخته، والمضطلع له بثغر الغربيّة، فأوعز إليه بمداخلة أهل سبتة في خلع طاعة السلطان والقبض على ابن العزفي، والرجوع إلى ولاية ابن الأحمر. وكان أهل سبتة منذ هلك إبراهيم الفقيه أبو القاسم العزفي سنة سبع وسبعين وستمائة قام بأمرهم ولده أبو حاتم. وكان أبو طالب رديفا له في الأمر إلا أنه استبدّ عليه بصاغيته إلى الرئاسة، وإيثار أبي حاتم للخمول مع إيجابه حق أخيه الأكبر، واجابته الداعي من دون دفع [1] إليه فاستقام أمرهما مدّة. وكان من سياستهما من أوّل أمرهما، الأخذ بدعوة السلطان فيما لنظرهما، والعمل بطاعته والتجافي عن السكني بقصور الملك والتحرّج من أبّهة السلطان لمكانهم، فأنزلوا بالقصبة عبد الله بن مخلص قائدا من البيوتات اصطنعوه وجعلوا إليه أحكام البلد، وضبط الحامية له فاضطلع بذلك سنين. ثم أسفه يحيى بن أبي طالب ببعض النزغات الرئاسيّة وحجر عليه الأحكام في ذويه. ثم أغرى به أباه وطالبه، بحساب الخرج لعطاء الحامية وغفلوا عما وراءها من التظنن فيه والريبة به ثقة بمكانه واستنامة إليه. وهم مع ذلك على أوّلهم في موالاة السلطان والأخذ بدعوته والوفود عليه في أوقاته. ولما فسدت ولاية ابن الأحمر للسلطان وعقد على محاولة سبتة وجدّ السبيل إلى ذلك بما طوى صاحب الأحكام بالقصبة على النثّ، فداخله الرئيس أبو سعيد صاحب الثغر بمالقة جاره بسبتة، ووعده الغدر ببني العزفي وأن يصحبهم في أساطيله، فشرّع الرئيس أبو سعيد في إنشاء الأساطيل البحرية، واستنفار الناس للمثاغرة، وأنّ العدو لمالقة بالمرصاد، وشحنها بالفرسان والرجل والناشبة والأقوات، وأخفى وجه قصده عن الناس، حتى إذا
[1] وفي نسخة ثانية: متى روفع إليه.