الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونزل عبد الرحمن ببطوية في ذي القعدة من سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ومعه وزيره مسعود بن ماسي، فاجتمع قبائل بطوية إليه وبايعوه على القيام بدعوته والموت دونه، واتصل الخبر بالوزير أبي بكر بن غازي فعقد لابن عمه محمد بن عثمان على سبتة وبعثه لسدّ ثغورها لما خشي عليها من ابن الأحمر، ونهض من فاس بالآلة والعساكر ونازل عبد الرحمن ببطوية، فقاتله أياما ثم رجع إلى تازى ثم إلى فاس، ودخل الأمير عبد الرحمن تازي واستولى عليها، ودخل الوزير إلى فاس وقعد بمجلس الفصل، وهو مجمع العودة إلى تازي لتشريد عدوّه إلى أن جاء الخبر ببيعة السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم كما نذكره إن شاء الله تعالى.
الخبر عن بيعة السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم واستقلاله بالملك وما كان خلال ذلك من الأحداث
لما نزل محمد بن عثمان بالثغر من سبتة لسدّ فروجها، ومدافعة ما يخشى من عادية ابن الأحمر عليها، وكان قد طاول حصار جبل الفتح وأخذ بمخنقه، وتكرّرت المراسلة بينه وبين محمد بن عثمان بالعتاب، فاستعتب له وقبّح ما جاء به ابن عمّه من الاستغلاظ له، فوجد ابن الأحمر بذلك السبيل إلى غرضه، وداخله في البيعة للسلطان أبي سالم من الأبناء الذين كانوا بطنجة تحت الرقبة والحوطة، وأن يقيمه للمسلمين سلطانا يحوط سياجهم [1] ويدافع عنهم ولا يتركهم فوضى وهملا.
ويجب [2] بيعة الصبيّ الّذي لم تنعقد بيعته شرعا، واختصّ هذا بالسلطان من بين أولئك الأبناء وفاء بحقوق أبيه، ووعده بالمظاهرة على ذلك، واشترط عليه أن ينزلوا له عن الجبل إذا انعقد أمرهم، ويشخصوا إليه بيعة الأبناء والقرابة من طنجة ليكونوا في إيالته وتحت حوطته، وأن يبعثوا إليه ابن الخطيب متى قدروا عليه، ويبعثوا إليه بقية الأبناء والقرابة فقبل محمد بن عثمان شرطه كان سفيره في ذلك أحمد المرغني [3] من طبقات كتّاب الأشغال بسبتة، كان السلطان أبو الحسن تزوّج أمّه
[1] وفي نسخة ثانية: يجول بسياجهم.
[2]
جبّه: قطعه، وهنا تعني يمنع.
[3]
وفي نسخة ثانية: الرعينيّ.
ابن خلدون م 29 ج 7
ليلة إجازته من واقعة طريف وافتقاد حظاياه، حتى لحق به الحرم من فاس، فردّها إلى أهلها ونشأ المرغني في توهّم هذه الكفالة، فانتفخ نحره لذلك ويحسبها وصلة إلى أبناء السلطان أبي الحسن، وكان سفيرا بين محمد بن عثمان وابن الأحمر، فأمّل الرئاسة في هذه الدولة، وركب محمد بن عثمان من سبتة إلى طنجة، وقصد مكان اعتقالهم. واستدعى أبا العبّاس أحمد ابن السلطان أبي سالم من مكانه مع الأبناء فبايع له، وحمل الناس على طاعته، واستقدم أهل سبتة بكتاب للبيعة، فقدموا وخاطب أهل الجبل فبايعوا، وأفرج ابن الأحمر عنهم. وبعث إليه محمد بن عثمان بالنزول عن جبل الفتح، وخاطبوا أهله بالرجوع إلى طاعته، فارتحل من مالقة إليه ودخله واستولى عليه، ومحا دعوة بني مرين مما وراء البحر، وأهدى للسلطان أبي العبّاس وأمدّه بعسكر من غزاة الأندلس وحمل إليه مالا للإعانة على أمره.
وكان محمد بن عثمان عند فصوله من فاس، وودّعه الوزير ابن عمّه فاوضه في شأن السلطان، وأن يقدّم للناس إماما يرجعون إليه ويترك له أمرهم، وآمره في ذلك، ولم يفترقا على مبرم من أمرهم. فلمّا ارتكب هذا المرتكب وجاء بهذا الأمر، خاطب الوزير يمّوه عليه بأنه فعل بمقتضى المؤامرة، وأنّه عن إذنه والله أعلم بما دار بينهما، ولجّ الوزير في تكذيبه والبراءة للناس مما رمى به ولاطفه في نقض ذلك الأمر، وردّ أبا العباس إلى مكانه مع الأبناء تحت الحوطة، وأبى محمد بن عثمان من ذلك ودافعه باجتماع الناس عليه وانعقاد الأمر. وبينما الوزير يروم ذلك جاءه الخبر بأنّ محمد بن عثمان أشخص الأبناء المعتقلين كلّهم إلى الأندلس، وأنهم حصلوا في كفالة ابن الأحمر، فوجم وأعرض عن ابن عمّه وسلطانه، ونهض إلى تازى ليفرغ من عدوّه إليهم، فنازل الأمير عبد الرحمن وأخذ بمخنقه، واهتبل محمد بن عثمان الغرّة في ملك المغرب، فوصله مدد السلطان ابن الأحمر وعسكره تحت رايته، عقدها عليهم ليوسف بن سليمان بن عثمان بن أبي العلاء من مشيخة الغزاة المجاهدين، وعسكر آخر من رجل الأندلس الناشبة يناهزون سبعمائة. وبعث ابن الأحمر رسله إلى الأمير عبد الرحمن باتصال اليد بابن عمّه السلطان أبي العبّاس أحمد، ومظاهرته على ملك سلفه بفاس واجتماعهما لمنازلتها، وعقد بينهما الاتفاق والمواصلة وأن يختصّ عبد الرحمن بملك سلفه فتراضيا، وزحف محمد بن عثمان وسلطانه إلى فاس خالفوا إليه
الوزير وانتهوا إلى قصر ابن عبد الحليم [1] ، وبلغ الخبر إلى الوزير بمكانه من حصار تازى فانفضّ معسكره ورجع إلى فاس ونزل بكدية العرائس.
وانتهى السلطان أبو العباس أحمد إلى زرهون، فصمد إليه الوزير بعساكره، وصمّم نحوه بمكانه من قنّة الجبل، فاختل مصافه وانهزمت ساقة العسكر من ورائه، ورجع على عقبه مفلولا وانتهب المعسكر ودخل إلى البلد الجديد. وجأجأ بالعرب أولاد حسين أن يعسكروا له بالزيتون ظاهر فاس، ويخرج بجموعه إلى حللهم، فنهض إليهم الأمير عبد الرحمن من تازى بمن كان معه من العرب الأحلاف وشرّدهم إلى الصحراء، وشارف السلطان أبا العبّاس أحمد بجموعه العرب وزناتة، وبعثوا إلى وليّ سلفهم ونزمار بن عريف بمكانه من قصر مرادة الّذي اختطّه بملوية فجاءهم وأطلعوه على كامن أسرارهم، فأشار عليهم بالاجتماع والاتفاق فاجتمعوا بوادي النجا. وحضر لعقدهم واتفاقهم وحلفهم على اتصال اليد على عدوّهم ومنازلته بالبلد الجديد حتى يمكن الله منه وارتحلوا بجمعهم إلى كدية العرائس في ذي القعدة من سنة خمس وسبعين وسبعمائة وبرز إليهم الوزير بعساكره فدارت الحرب وحمى الوطيس واشتدّ القتال مليا. ثم زحف إليه العسكران بساقتهما وآلتهما فاختلّ مصافه وانهزمت جيوشه وجموعه وأحيط به، وخلص إلى البلد الجديد بعد غصّ الريق. وأضرب السلطان أبو العبّاس معسكره بكدية العرائس، ونزل الأمير عبد الرحمن بإزائه، وضربوا على البلد الجديد سياجا بالبناء للحصار وأنزلوا بها أنواع القتال والإرهاف.
ووصلهم مدد السلطان ابن الأحمر من رجال الناشبة، واحتكموا في ضياع ابن الخطيب بفاس، فهدموها وعاثوا فيها. ولمّا كان فاتح سنة ست وسبعين وسبعمائة داخل محمد بن عثمان ابن عمه أبا بكر في النزول عن البلد الجديد والبيعة للسلطان، لما كان الحصار قد اشتدّ ويئس من الصريخ، وأعجزه المال فأجاب واشترط عليهم الأمير عبد الرحمن التجافي له في أعمال مراكش، وأن يديلوه بها من سجلماسة فعقدوا له على كره، وطووا على المكر. وخرج الوزير أبو بكر للسلطان أبي العبّاس أحمد، وبايعه واقتضى عهده بالأمان وتخلية سبيله من الوزارة فبذله. ودخل السلطان أبو
[1] وفي نسخة ثانية: عبد الكريم.