الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على خبره فانفضّ جمعهم وأفرجوا عن القصبة. وركب السلطان أسطوله من سوسة، ونزل بتونس آخر جمادى واعتمل في إصلاح أسوارها وإدارة الخندق عليها، وأقام لها من الامتناع والتحصين رسما ثبت له من بعده، ودفع به في نحر عدوّه.
واستقلّ من نكبة القيروان وعثرتها، وخلص من هوّتها والله يفعل ما يشاء.
ولحق أولاد أبي الليل وسلطانهم أحمد بن أبي دبّوس بتونس، فأحاطوا بالسلطان واستبلغوا في حصاره، وخلصت ولاية أولاد مهلهل للسلطان، فعوّل عليهم ثم راجع بنو حمزة رأيهم في طاعة السلطان فدخل كبيرهم عمر إليه في شعبان، وتقبّضوا على سلطانهم أحمد بن أبي دبّوس وقادوه إلى السلطان استبلاغا في الطاعة، وامحاضا للولاية فتقبّل فيئتهم، وأودع ابن أبي دبّوس السجن، وأصهر إلى عمر بابنه أبي الفضل، فعقد له على بنته، واختلفت أحوالهم في الطاعة والانحراف إلى أن كان ما نذكر. والله غالب على أمره.
(الخبر عن انتقاض الثغور الغربية ورجوعها إلى دعوة الموحدين)
كان المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى، لمّا قدم على السلطان أبي الحسن بتلمسان في زفاف شقيقته سنة سبع وأربعين وسبعمائة بعد ما اتصل به في طريقه مهلك أبيه، أوسع له السلطان كنفه، ومهّد له جانب كرامته وبرّه، وغمز له بوعد في المظاهرة على ملك أبيه تعزى به عن فقده. وارتحل السلطان إلى إفريقية. والمولى الفضل يرجو أن يجعل سلطانها إليه، حتى إذا استولى السلطان على الثغرين بجاية وقسنطينة، وارتحل إلى تونس، عقد له على مكان إمارته أيام أبيه ببونة، فصرفه إليه، فانقطع أمله وفسد ضميره وطوى على البث [1] حتى إذا كانت نكبة السلطان بالقيروان، سما إلى التوثّب على ملك سلفه. وكان أهل قسنطينة وبجاية قد برموا من الدولة، واستنقلوا وطأة الإيالة لما اعتادوا من الملك الرفيق [2] ، فأشرأبّوا إلى الثورة
[1] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى النث. ونثّ الخبر أفشاه. وبثّ الخبر اذاعه ونشره.
والأصح البث بمعنى أشدّ الحزن أو الحزن الشديد (قاموس) وقد مرّت معنا هذه الكلمة في مواضع كثيرة من هذا الكتاب.
[2]
وفي نسخة ثانية: لما اعتادوا من الملكة الرقيقة
عند ما بلغهم خبر النكبة. وقد كان توافي بقسنطينة ركاب من المغرب في طوائف من الوفود والعساكر، وكان فيهم ابن صغير من أبناء السلطان، عقد له على عسكر من أهل المغرب، وأوعز إليه باللحاق بتونس، وفيهم عمّال المغرب قدموا عند رأس الحول بجبايتهم وحسبانهم، وفيهم أيضا وفد من زعماء النصارى بعثهم الطاغية ابن أدفونش مع تاشفين ابن السلطان لما أطلقه من الأسر بعد ما عقد السلم والمهادنة، وكان أسيرا عندهم من لدن واقعة طريف كما ذكرناه. وكان أصابه مسّ من الجنون.
فلمّا خلصت الولاية بين السلطان والطاغية، وعظم عنه الإتحاف والمهاداة، وبلغه خبر السلطان وتملّكه إفريقية، أطلق ابنه تاشفين وبعث معه هؤلاء الزعماء للتهنئة، وفيهم أيضا وفد من أهل مالي ملوك السودان بالمغرب، أوفدهم ملكهم منسا سليمان للتهنئة بسلطان إفريقية. وكان معهم أيضا يوسف بن مزتي عامل الزاب وأميره، قدم بجباية عمله. واتصل به خبر الركّاب بقسنطينة فلحق بهم مؤثرا صحابتهم إلى سدّة السلطان. وتوافت هؤلاء الوفود جميعا بقسنطينة، واعصوصبوا على ولد السلطان.
فلما وصل خبر النكبة اشرأبّ الغوغاء من أهل البلد إلى الثورة، وتحلّبت شفاههم إلى ما بأيديهم من أموال الجباية وأحوال الثورة، فنقموا عليهم سوء الملكة، ودسّ مشيختهم إلى المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى بمكانه من بونة، وقد كشف القناع في الانتزاء على عمله والدعاء لنفسه، فخطبوه للأمر، واستحثّوه للقدوم، فأغذّ السير. وتسامع بخبره أولياء السلطان، فخشي ابن مزني على نفسه، وخرج إلى معسكره بحلّة أولاد يعقوب ابن علي أمير الزواودة، ولجأ ابن السلطان وأولياؤه إلى القصبة. ومكر بهم أهل البلد في الدفاع دونهم حتى إذا أطلت رايات المولى الفضل وثبوا بهم، وحجزوهم إلى القصبة وأحاطوا بها حتى استنزلوهم على أمان عقدوه لهم. ولحقوا بحلة يعقوب، فعسكروا بها بعد أن نقض أهل البلاد عهدهم في ذات يدهم، فاستصفوه وأشار عليهم ابن مزني باللحاق ببسكرة لتكون ركابهم إلى السلطان، فارتحلوا جميعا في جوار يعقوب لما له في تلك الضواحي، حتى لحقوا ببسكرة، ونزلوا منها على ابن مزني خير نزل، وكفاهم كل شيء يهمهم على طبقاتهم ومقاماتهم، وعناية السلطان بمن كان وافدا منهم، حتى سار بهم يعقوب بن علي إلى السلطان وأوفدهم عليه في رجب من سنته. واتصل الخبر بأهل بجاية بالفعلة التي فعل أهل قسنطينة، فساجلوهم في الثورة. وكنسوا منازل أولياء السلطان وعمّاله،