الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالأمير أبي عنان فنزل منه بألطف محل، ورجع الناصر إلى بسكرة، وارتحل مع أوليائهم أولاد مهلهل لمدافعة أولاد أبي الليل وسلطانهم المولى الفضل عن تونس كما ذكرناه. وأحسّوا به، فنهض إليهم، وفرّوا أمامه، إلى أن خلص الناصر إلى بسكرة ثانية، واتخذها مثوى إلى أن لحق بأبيه بالجزائر عند رحلته من تونس إليها كما نذكره إن شاء الله تعالى.
الخبر عن رحلة السلطان أبي الحسن الى المغرب وتغلب المولى الفضل على تونس وما دعا إلى ذلك من الأحوال
لما خلص المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى من نكبة بجاية، وامتنّ عليه ابن أخيه، فلحق بمحل إمارته من بونة. ووافته بها مشيخة أولاد أبي الليل، أوفدهم عليه بنو حمزة بن عمر يستحثّونه لملك إفريقية، يرغّبونه فيه، فأجاب داعيتهم ونهض إليهم بعد قضاء نسك الفطر من سنة تسع وأربعين، ونزل مجللهم وأوجفوا بخيلهم وركابهم على ضواحي إفريقية، وجبوها، وصمدوا إلى تونس فنازلوها وأخذوا بمخنقها أياما، ثم أخذ بحجزتهم عنها شيعة السلطان وأولياؤه من أولاد مهلهل وابنه الناصر عند قفوله من المغرب الأوسط مفلولا فرحلوهم وشرّدوهم.
ثم رجعوا إلى مكانهم من حصارها، ثم انفضوا عنها. وتحيّز خالد بن حمزة إلى شيعة السلطان أبي الحسن مع أولاد مهلهل وقومه، فاعتزّوا به وذهب عمر بن حمزة إلى المشرق لقضاء فرضه، وأجفل أبو الليل أخوه مع المولى الفضل إلى القفر حتى كان من دخول أهل الجريد في طاعته ما نذكره إن شاء الله تعالى. وكان السلطان لمّا خلص من القيروان إلى تونس، وفد إليه أحمد بن مكي مهنيا ومفاوضا في شأن الثغر وما مني به من انتقاض الأطراف وفساد الرعية. وتدارك السلطان أمره عند فواته بالتولية على أهل القطر من جنسهم استئلافا للكافة. واستبقاء لطاعتهم. فعقد على عمل قابس وجربة والحامة [1] ، وما إليها لعبد الواحد ابن السلطان زكريا بن أحمد اللحياني، وأنفذه مع أحمد بن مكي إلى عمله، فهلك بجربة لليال من مقدمه في الطاعون
[1] وفي نسخة أخرى: الحمة وهي أصح، وهي مدينة بإفريقية من عمل قسطيلية من نواحي بلاد الجريد (معجم البلدان) .
الجارف عامئذ.
وعقد لأبي القاسم بن عتّو شيخ الموحدين على توزر ونفطة وسائر بلاد الجريد، بعد أن كان استخلصه بعد مفرّ أبي محمد بن تافراكين قريعة، وما أضمر [1] من سوء دخلته، فنزل بتوزر وجمع أهل الجريد على الولاية والمخالصة، ولما نازل المولى أبو العبّاس الفضل تونس مرتين، وشرّد أولاد مهلهل وامتنعت عليه، عمد إلى الجريد سنة خمس وأربعين وسبعمائة يحاول فيه ملكا، وخاطب أبا القاسم بن عتّو يذكّره عهده وعهد سلفه وحقوقهم، فتذكّر وحنّ، ونظر إلى ما ناله به السلطان من المثلة في أطرافه.
واستثار كامن حقده، فانحرف وحمل الناس على طاعة المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى، فسارعوا إلى الإجابة وبايعه أهل توزر وقفصة ونفطة والحامة، ثم دعا ابن مكين إلى طاعته فأجاب إليها وبايعه أهل قابس وجربة أيضا.
وانتهى الخبر إلى السلطان باستيلاء المولى الفضل على أمصار إفريقية، وأنه ناهض إلى تونس، فأهمّه الشأن وخشي على أمره، وكانت بطانته يوسوسون إليه بالرحلة إلى المغرب لاسترجاع نعمتهم باسترجاع ملكه، فأجابهم إليه وشحن أساطيله بالأقوات، وأزاح علل المسافرين. ولما قضى منسك الفطر من سنة خمسين وسبعمائة ركب البحر أيام استفحال فصل الشتاء، وعقد لابنه أبي الفضل على تونس ثقة بما بينه وبين أولاد حمزة من الصهر، وتفاديا بمكانه من معرّة الغوغاء وثورتهم. وأقلع من مرسى تونس، ولخمس دخل مرسى بجاية، وقد احتاجوا إلى الماء فمنعهم صاحب بجاية من الورود، وأوعز إلى سائر سواحله بمنعهم، فزحفوا إلى الساحل وقاتلوا من صدّهم عن الماء إلى أن غلبوهم واستقوا وأقلعوا، وعصفت بهم الريح ليلتئذ وجاءهم الموج من كل مكان، وألقاهم اليمّ بالساحل بعد أن تكسّرت الأجفان، وغرق الكثير من بطانته وعامّة الناس، وقذف الموج بالسلطان فألقاه إلى الجزيرة قرب الساحل من بلاد زواوة مع بعض حشمه عراة، فمكثوا ليلتهم وصبحهم جفن من الأساطيل كان قد سلم من ذلك العاصف، فقرّبوا إليه حين رأوه وقد تصايح به البربر من الجبال وتواثبوا إليه فاختطفه أولياؤه من أهل الجفن قبل أن يصل إليه البربر،
[1] وفي نسخة أخرى: وما ظهر.
وقذفوا به إلى الجزائر فنزل بها، ولأم صدعه. وخلع على من وصل من فلّ الأساطيل ومن خرج إليه من أوليائه، ولحق به ابنه الناصر من بسكرة، واتصل بالمولى الفضل خبر رحيله من تونس وهو ببلاد الجريد، فأغذ السير إلى تونس، ونزل بها على ابنه ومن كان بها من مخلف أوليائه، فغلبوهم عليها. واتصل أهل البلد بهم وأحاطوا يوم منى بالقصبة. واستنزلوا ابن السلطان أبا الفضل الأمير بالقصبة على الأمان، فخرج إلى بيت أبي الليل بن حمزة، وأنفذ معه من أبلغه إلى مأمنه، فلحق بأبيه بالجزائر وبادر إلى السلطان عليّ بن يوسف المنتزى بالمدية من بني عبد القوي، فصار في جملته، وخرج له عن الأمر، وزعم أنه إنما كان قائما بدعوته، فتقبّل منه وأقرّه على عمله.
ووفد عليه أولياؤه من العرب سويد والحرث والحصين ومن إليهم ممن اجتمع إلى وليه ونزمار بن عريف المتمسّك بطاعته. ووفد عليه أيضا علي بن راشد أمير مغراوة، وأغزاه بني عبد الواد [1] ، واشترط عليه إقراره بوطنه وعمله إذا تمّ أمره، فأبى من قبول الاشتراط ظنّا بعهده عن النكث، فنزع عنه وصار إلى مظاهرة بني عبد الواد عليه. وبعث أبو سعيد عثمان صاحب تلمسان إلى الأمير أبي عنان في المدد، فبعث إليه بعسكر من بني مرين عقد عليهم ليحيى بن رحّو بن تاشفين بن معطي من تيربيغن، وزحف الزعيم أبو ثابت إلى حرب السلطان أبي الحسن فيمن اجتمع له من عسكر بني مرين ومغراوة. وخرج السلطان من الجزائر وعسكر بمتيجة، واحتشد ونزمار سائر العرب بحللهم، ووافاه بهم، وارتحلوا إلى شلف، ولما التقى الجمعان بشدبونة صدقه مغراوة الحملة وصابرهم ابنه الناصر وطعن في الجولة فهلك واختلّ مصاف السلطان واستبيح معسكره، وانتهب فساطيطه، وخلص مع وليّه ونزمار بن عريف وقومه بعد أن استبيحت حللهم، فخرجوا إلى جبل وانشريش، ثم لحقوا بجبل راشد، ورجع القوم عن اتباعهم، وانكفؤا إلى الجزائر فتغلّبوا عليها، وأخرجوا من كان بها من أولياء السلطان ومحوا آثار دعوته من المغرب الأوسط جملة.
والأمر بيد الله يؤتيه من يشاء.
[1] وفي نسخة ثانية: وأغراه ببني عبد الواد.