الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموطنين بجبل دبدو، وكانت أيديهما عليه واحدة فلما سكن غرّب الثوار عنه وأزاحهم عن وطنه إلى المغرب، وانعقد سلمه معهم، رأى أن يعتور هذين الأميرين في ثغورهما، فاعتمل الحركة إلى المغرب فاتح سنة ست وستين وسبعمائة وانتهى إلى دبدو وكرسيف، وأجفل ونزمار وامتنع بمعاقل الجبال، فانتهب أبو حمّو الزروع وشمل بالتخريب والعيث سائر النواحي. وقصد محمد بن زكراز أيضا في معقل دبدو فامتنع بحصنه الّذي اتخذه هناك، وعاج عليه أبو حمّو بركابه، وجاس خلال وطنه، وشمل بالتخريب والعيث نواحي بلده، وانكفأ راجعا إلى حضرته، وقد عظمت في تخوم بني مرين وثغورهم نكايته، وثقلت عليهم وطأته، وانعقدت بينهما بعد بدء المهادنة والسلم. فانصرفت عزائمه إلى بلاد إفريقية، فكانت حركته إلى بجاية من العام المقبل ونكبته عليها كما نذكره إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن حركة السلطان أبي حمّو إلى بجاية ونكبته عليها)
كان صاحب بجاية المولى الأمير أبو عبد الله لما استولى عليها وعادت إليه العودة الثانية سنة خمس وستين وسبعمائة كما ذكرناه في أخباره، زحف إلى تدلس، فغلب عليها بني عبد الواد، وأنزل بها عامله وحاميته. ثم أظلم الجوّ بينه وبين صاحب قسنطينة السلطان أبي العباس ابن عمّه الأمير أبي عبد الله لما جرّته بينهما المتاخمة في العمالات، فنشأت بينهما فتن وحروب شغل بها عن حماية تدلس، وألحت عليها عسكر بني عبد الواد بالحصار. وأحيط بها فأوفد رسله على السلطان أبي حمّو صاحب تلمسان في المهادنة على النزول له عن تدلس، فتسلّمها أبو حمو وأنزل بها حاميته. وعقد معه السلم وأصهر إليه في ابنته فأجابه، وزفّها إليه فتلقّاها قبلة زواوة بآخر عملهم من حدود بجاية. وفرغ صاحب بجاية لشأنه، وكان أثناء الفتنة معه قد بعث إلى تونس عن أبي زيان ابن عمّه السلطان أبي سعيد لينزله بتدلس، ويشغل به السلطان أبا حمو عن فتنته.
وكان من خبر أبي زيان هذا أنه أقام بتونس بعد مهلك الحاجب أبي محمد بن تافراكين كما ذكرناه إلى أن دسّ إليه مرضى القلوب من مشيخة بني عبد الواد
بتلمسان بالإجلاب على السلطان أبي حمو. ووعدوه عن أنفسهم الجنوح معه، فصغى إليها واعتدّها وارتحل يريد تخوم تلمسان وعمل بجاية. ومرّ بقسنطينة فتجافى عن الدخول إليها، وتنكّر لصاحبها، وبلغ خبره السلطان أبا العبّاس صاحبها يومئذ فأجمع أمره على صدّه عن وجهه، وحبسه بقسنطينة واتصلت الفتنة بينه وبين ابن عمه صاحب بجاية، وكان شديد الوطأة على أهل بلده مرهف الحدّ لهم بالعقاب الشديد، حتى لقد ضرب أعناق خمسين منهم قبل أن يبلغ سنتين في ملكه، فاستحكمت النفرة وساءت الملكة، وعضل الداء وفزع أهل البلد إلى مداخلة السلطان أبي العبّاس باستنفاذهم من ملكة العسف والهلاك، بما كان أتيح له من الظهور على أميرهم، فنهض إليها آخر سنة سبع وستين وسبعمائة وبرز الأمير أبو عبد الله للقائه وعسكر بنامروا [1] الجبل المطل على تاكردت [2] وصبحه السلطان أبو العبّاس بمعسكره هنالك، فاستولى عليه وركّض هو فرسه ناجيا بنفسه. ومرّت الخيل [3] تعادي في أثره حتى أدركوه، فأحاطوا به وقتلوا قعصا بالرماح عفا الله عنه. وأجاز السلطان أبو العبّاس إلى البلد فدخلها منتصف يوم العشرين من شعبان، ولاذ الناس به من دهش الواقعة وتمسّكوا بدعوته، وآتوه طاعتهم، فانجلت القيامة واستقام الأمر، وبلغ الخبر إلى السلطان أبي حمو فأظهر الامتعاض لمهلكه والقيام بثأره وسيّر من ذلك حشوده في ارتقاء ونهض يجرّ الأمم إلى بجاية من العرب وزناتة والحشد حتى أناخ بها وملأت مخيماته [4] الجهات بساحتها، وجنح السلطان الى مبارزته، فتمهّد به أهل البلد ولاذوا بمقامه فأسعفهم وطير البريد الى قسنطينة، فأطلق أبا زيّان من الاعتقال وسوّغه الملابس والمراكب والآلة، وزحف به مولاه بشير في عسكر إلى أن نزل حذاء معسكر أبي حمو واضطربوا محلهم بسفح جبل بني عبد الجبّار وشنوا الغارات على معسكر أبي حمو صباحا ومساء لما كان نمي إليهم من مرض قلوب جنده والعرب الذين معه. وبدا للسلطان أبي حمو ما لم يحتسب من امتناعها، وكان تقدّم إليه بعض سماسرة الفتن بوعد على لسان المشيخة من أهل البلد أطمعه فيها، ووثق بأنّ ذلك يغنيه عن الاستعداد، فاستبق إليها وأغفل الحزم فيما دونها، فلما امتنعت عليه
[1] وفي نسخة ثانية: بليزو.
[2]
وفي نسخة ثانية: تاكررت.
[3]
وفي نسخة ثانية: الجنود.
[4]
وفي نسخة ثانية: وملأ بخيامه.