الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رهط من رجال بني مرين إلى القصبة فنزلها وملك أمر البلد. وكان السلطان ابن الأحمر لما بلغه وفاة أبي محمد بن أشقيلولة سما أمله إلى الاستيلاء على مالقة وأنّ ابن أخته شيعة له. وبعث لذلك وزيره أبا سلطان عزيز الداني، فوافى معسكر الأمير أبي زيان بساحتها. ورجا أن يتجافى عنها لسلطانه، فأعرض عن ذلك وتجهّم له.
ودخل إليها لثلاث بقين من رمضان. وانقلب الداني عنها بخفي حنين، ولما قضى السلطان بالجزيرة صومه ونسكه، خرج إلى مالقة فوافاها سادس شوّال، وبرز إليه أهلها في يوم مشهود، واحتفلوا له احتفال أيام الزينة سرورا بمقدم السلطان، ودخولهم في إيالته. وأقام فيهم إلى خاتم سنته. ثم عقد عليها لعمر بن يحيى بن محلى من صنائع دولتهم. وأنزل معه المسالح وزيان بن أبي عيّاد بن عبد الحق في طائفة لنظره من أبطال بني مرين. واستوصاه بمحمد بن أشقيلولة وارتحل إلى الجزيرة. ثم أجاز إلى المغرب سنة سبع وسبعين وستمائة وقد اهتزت الدنيا لقدومه وامتلأت القلوب سرورا بما كيّفه الله من نصر المسلمين بالعدوة، وعلوّ راية السلطان على كل راية.
وعظمت لذلك موجدة ابن الأحمر، ونشأت الفتنة كما نذكره إن شاء الله تعالى.
الخبر عن تظاهر ابن الأحمر والطاغية على منع السلطان أبي يوسف من إجازة ابن الأحمر واصفاق يغمراسن بن زيان معهم من وراء البحر على الأخذ بحجزته عنهم وواقعة السلطان على يغمراسن بخرزوزة
لما أجاز أمير المسلمين إلى العدوة إجازته الأولى، ولقي العدو بأستجة، وقتل الله ذنّنه بأيدي عسكره. وصنع له من الظهور والعزّ ما لا كفاء له، ارتاب ابن الأحمر بمكانه، فبدا له ما لم يكن يحتسب، وظنّ بأمير المسلمين الظنون، واعترض ذكره شأن يوسف بن تاشفين والمرابطين مع ابن عبّاد سلطان الأندلس. وأكّد ذلك عنده جنوح الرؤساء من بني أشقيلولة وغيرهم إليه وانقيادهم لأمره، فشرق بمكانه وحذر غوائله. وتكدّر الجو بينهما وأجاز الإجازة الثانية، فانقبض ابن الأحمر عن لقائه، ودارت بينهما مخاطبات شعريّة في معنى العتاب على ألسنة كتّابهما نسردها الآن،
(فمن ذلك قصيدة كتبها إليه ابن الأحمر سنة أربع وسبعين وستمائة بعد واقعة ذنّنه واعتزامه على الرجوع إلى المغرب، فخاطبه بها ليلة الإقامة بالجزيرة حذرا من غائلة العدو، وينحو فيها منحى الاستعطاف وهي من نظم كاتبه أبي عمر بن المرابط:
هل من معيني في الهوى أو منجدي
…
من متهم في الأرض أو من منجد
هذا الهوى داع فهل من مسعف
…
بإجابة وإنابة أو مسعد
هذا سبيل الرشد قد وضحت فهل
…
بالعدوتين من امرئ مسترشد
يرجو النجاة بجنّة الفردوس أو
…
يخشى المصير إلى الجحيم الموقد
يا آمل النصر العزيز على العدا
…
أجب الهدى تسعد به وتؤيّد
سرّ النجاة إلى النجاة مشمّرا
…
إنّ الهدى لهو النجاة لمن هدي
يا من يقول غدا أتوب ولا غد
…
ألديك علم أن تعيش إلى غد
لا تغترر بنسيئة الأجل الّذي
…
إن لم يحن لك نقده فكأن قد
سفر عليك طويلة أيامه
…
لم تستعدّا لطوله فاستعدد
أو ما علمت بأنّه لا بدّ من
…
زاد لكلّ مسافر فتزوّد
هذا الجهاد رئيس أعمال التقى
…
خذمنه زادك لارتحالك تسعد
هذا الرباط بأرض أندلس فرح
…
منه لما يرضي إلهك واغتدي
سوّدت وجهك بالمعاصي فالتمس
…
وجها للقيا الله غير مسوّد
وامح الخطايا بالدموع فربّما
…
محت الدموع خطيئة المتعمد
من ذا يتوب لربّه من ذنبه
…
أو يقتدي بنبيّه أو يهتدي
وتعوّضت منهم بكلّ معاند
…
مستكبر قد كان لم يتشهّد
كم من أسير عندهم وأسيرة
…
فكلاهما يبغي الفداء فما فدي
كم من عقيلة معشر معقولة
…
فيهم تودّ لو انها في ملحد
كم من وليد بينهم قد ودّ من
…
ولداه ودّا أنّه لم يولد
كم من تقيّ في السلاسل موثق
…
يبكي لآخر في الكبول مقيّد
وشهيد معترك توزّعه الردى
…
ما بين حدّي ذابل ومهنّد
ضجّت ملائكة السماء لحالهم
…
ورثى لهم من قلبه كالجلمد
أفلا تذوب قلوبكم إخواننا
…
مما دهانا من ردى أو من ردي
أفلا تراعون الأذمّة بيننا
…
من حرمة ومحبّة وتودد
أكذا يعيث الروم في إخوانكم
…
وسيوفكم للثأر لم تتقلّد
يا حسرتى لحميّة الإسلام قد
…
خمدت وكانت قبل ذا تتوقّد
أين العزائم ما لها لا تقتضي [1]
…
هل يقطع الهنديّ غير مجرّد
أبني مرين أنتم جيراننا
…
وأحق من في صرخة بهم ابتدي
فالجار كان به يوصّي المصطفى
…
جبريل حقا في الصحيح المسند
أبني مرين والقبائل كلّها
…
في المغرب الأدنى لنا والأبعد
كتب الجهاد عليكم فتبادروا
…
منه إلى الفرض الأحقّ الأوكد
وارضوا بإحدى الحسنيين وأقرضوا
…
حسنا تفوزوا بالحسان الخرد
هذي الجنان تفتّحت أبوابها
…
والحور قاعدة لكم بالمرصد
هل من بايع [2] من ربّه من مشتر
…
منه الحصول على النعيم السرمد
للَّه في نصر الخليفة [3] موعد
…
صدق فثوروا لانتجاز الموعد
هذي الثغور بكم إليكم تشتكي
…
شكوى العديم إلى الغنيّ الأوجد
ما بال شمل المسلمين مبدّد
…
فيها وشمل الكفر غير مبدّد
أنتم جيوش الله ملء فضائه
…
تأسون للدّين الغريب المفرد
ماذا اعتذاركم غدا لنبيّكم
…
وطريق هذا العذر غير ممهّد
إن قال لم فرّطتم في أمّتي؟
…
وتركتموهم للعدوّ المعتدي؟
تاللَّه لو أنّ العقوبة لم تخف
…
لكفى الحياء من وجه ذاك السيّد
إخواننا صلّوا عليه وسلّموا
…
وسلوا الشفاعة منه يوم المشهد
واسعوا لنصرة دينه يسقيكم
…
من حوضه في الحشر أعذب مورد
وصدر جوابها من نظم عبد العزيز شاعر السلطان يعقوب بن عبد الحق بما نصّه:
لبيّك لا تخش اعتداء المعتدي إلخ وكذلك أجاب عنها أيضا مالك بن المرحل بقوله:
[1] وفي نسخة ثانية: لا تنقضي.
[2]
وفي نسخة ثانية: من بائع.
[3]
وفي نسخة ثانية: الخليفة.
شهد الإله وأنت يا أرض اشهدي إلخ فأجابهما أبو عمرو بن المرابط كاتب ابن الأحمر بقوله:
قل للبغاة وللعداة الحسّد إلخ ولما أجاز السلطان يعقوب بن عبد الحق الإجازة الثانية سنة ست وسبعين وستمائة كما نذكره، صار ابن الأحمر إلى الاستعتاب والرضا ولقي يعقوب بن عبد الحق فأنشد كاتبه أبو عمرو بن المرابط يوم اجتماعهما قوله بشرى لحزب الله والإيمان إلخ ولما انقضى المجلس أمر السلطان شاعره عبد العزيز بمساجلة قصيدته، وأنشدها ثاني المجلس بحضرة ابن الأحمر ونصّها اليوم كن في غبطة وأمان إلخ ثم كان أثناء ذلك ما وقع من استيلاء السلطان يعقوب بن عبد الحق على مدينة مالقة والغربيّة، جلّ عمله بعد مهلك صاحبها أبي محمد عبد الله بن أشقيلولة، فبرم لذلك وخيل عليه، ففزع الى مداخلة الطاغية في شأنه واتصال يده بيده، وان يعود إلى مكان أبيه من ولايته ليدافع به السلطان وقومه عن أرضه، ويأمن معه من زوال سلطانه، لما كانت كلمة الإسلام حجزا دونه. فاهتبل الطاغية غرّتها، ونكث عهد أمير المسلمين، ونقض السلم، ونبذ إليه العهد. واغزى أساطيله الجزيرة الخضراء حيث مسالح السلطان وعساكره. وأرست بالزقاق حيث فراض الجواز. هنا وانقطع المسلمون من جنود السلطان وقومه وراء البحر ويئسوا من صريخه. وانتبذ عمر ابن يحيى بن محلى عن قومه بمكان إمارته مالقة، وكان بنو محلى هؤلاء من كبار قومهم بطويّة وكانوا حلفاء لبني حمامة بن محمد منذ دخولهم المغرب. وأصهر عبد الحق أبو الأملاك إلى أبيهم محلى في ابنته أم اليمن، فكان من ولدها السلطان يعقوب بن عبد الحق. وكانت امرأة صالحة خرجت إلى الحجّ سنة ثلاث وأربعين وستمائة فقضت فريضة الله عليها وعادت إلى المغرب رابعة من السنين سنة سبع وأربعين وستمائة ثم خرجت ثانية سنة اثنتين وخمسين وستمائة فتطوّعت بحجة أخرى وهلكت بمصر منصرفها من تلك السنة سنة ثلاث وخمسين وستمائة فكان لبني محلى أبيها مكان من الدولة ودالة على السلطان لخؤولتهم ووشايج قرابتهم وغنائهم في قومهم ولما استولى السلطان على حضرة الموحّدين مراكش، عقد لمحمد بن علي بن محلى على جميع أعمالها، فكانت له بالاضطلاع بها مقاما محمودة. واتصلت ولايته عليها من لدن سنة ثمان وستين إلى سنة سبع وثمانين وستمائة ثم كان مهلكه أيام يوسف بن يعقوب كما نذكر. ولما نزع محمد بن أشقيلولة إلى السلطان بالجزيرة سنة ست وسبعين وستمائة
متجافيا له عن ولاية مالقة بعد وفاة أبيه الرئيس أبي محمد، واستولى السلطان عليها، واعتزم على الإجازة كما قدّمناه، وعقد على مالقة والغربية وسائر ثغورها وأعمالها لعمر بن يحيى بن محلى. وكان أخوه طلحة بن يحيى ذا بأس وصرامة وقوة شكيمة، واعتزاز على السلطان بمكان الخئولة، وهو الّذي قتل يعقوب بن عبد الحق بغبولة سنة ثمان وستين وستمائة كما قلناه، وظاهر فتح الله الهدراي [1] مولى السلطان ووزيره على قتال أبي العلاء بن أبي طلحة بن أبي قريش، عامل المغرب بكدية العرايش بظاهر فاس سنة اثنتين وستين وستمائة ونزع سنة أربع وسبعين وستمائة إلى جبل آزروا عند مرجع السلطان من إجازته الأولى، فاستنزله ورجّعه إلى مجلسه من جملته. ثم نزع من الجزيرة إلى غرناطة سنة ست وسبعين وستمائة عند مرجع السلطان من أمر مالقة، وأجاز البحر إلى بلاد الريف. ثم رجع إلى القبلة وأقام بين بني توجين. ثم أجازا إلى الأندلس سنة سبع وسبعين وستمائة عند ما أضرم نار هذه الفتنة بين هذا السلطان وبين ابن الأحمر والطاغية، واحتل أسطول النصارى بالزقاق، وانقطعت عساكر السلطان وراء البحر. وأحس أخوه عمر صاحب مالقة باظلام الجوّ بينه وبين السلطان بما كان من أمر أخيه طلحة من قبل فلاطفه ابن الأحمر عند استقراره بغرناطة في مداخلة أخيه عمر في النزول عن مالقة، والاعتياض عنها بشلوبانية [2] والمنكب طعمة. وخاطبه في ذلك أخوه طلحة فأجاب وخرج ابن الأحمر بعساكره إلى مالقة، وتقبّض عمر بن محلى على زيّان بن بو عياد قائد بني مرين ومحمد بن أشقيلولة. وأمكن ابن الأحمر من البلد فداخلها آخر رمضان من سنته.
وأنزل ابن محلى بشلوبانية واحتمل ذخيرته وما كان السلطان ائتمنه عليه من المال والعدد الجهاديّة. واتصلت يد ابن الأحمر بيد الطاغية على منع أمير المسلمين من الإجازة، وراسلوا يغمراسن بن زيّان من وراء البحر وراسلهم في مشاقة السلطان وإفساد ثغوره وإنزال العوائق به المانعة من حركته، والأخذ بأذياله عن النهوض إلى الجهاد. وأسنوا فيما بينهما الإتحاف والمهاداة. وجنب يغمراسن إلى ابن الأحمر ثلاثين
[1] وفي نسخة ثانية: السدراتي وقد مرّ معنا من قبل السدراتي.
[2]
هي شلوبينية حصن بالأندلس من أعمال كورة إلبيرة على شاطئ البحر كثير الموز وقصب السكر والشاه بلوط (معجم البلدان) .
من عتاق الخيل مع ثياب من عمل الصوف، وبعث إليه ابن الأحمر صحبة ابن مروان التجاني كفء ذلك عشرة آلاف دينار، فلم يرض بالمال في هديته وردّه.
وأصفقت أيديهم جميعا على السلطان، ورأوا أن قد بلغوا في إحكام أمرهم وسدّ مذاهبه إليهم، واتصل الخبر بأمير المسلمين وهو بمراكش. كان صمد إليها مرجعه من الغزو في شهر المحرّم فاتح سبع وسبعين وستمائة لما كان من عيث العرب جشم بتامسنا وإفسادهم السابلة. فنقف أطرافها وحسم أدواءها. ولما بلغه خبر ابن محلى ومالقة ومنازلة الطاغية للجزيرة، نهض لثالثة من شوّال يريد طنجة. ولما انتهى إلى تامسنا، وافاه الخبر بنزول الطاغية على الجزيرة، وإحاطة عساكره بها سادس شوال، بعد أن كانت أساطيله منازلتها منذ ربيع، وأنه مشرف على التهامها. وبعثوا إليه يستعدونه فاعتزم على الرحيل.
ثم اتصل به الخبر بخروج مسعود بن كانون أمير سفيان من جشم ببلاد نفيس من المصامدة خامس ذي القعدة. وأنّ الناس اجتمعوا إليه من قومه وغيرهم. فكرّ إليه راجعا وقدم بين يديه حافده تاشفين بن أبي مالك، ووزيره يحيى حازم، وجاء على ساقتهم وفرّوا أمام جيوشه، وانتهب معسكرهم وحللهم، واستباح عرب الحرث ابن سفيان. ولحق مسعود بمعقل السكسيوي، ونازلة السلطان بعساكره أياما.
وسرّح ابنه الأمير أبا زيّان منديل إلى بلاد السوس لتمهيدها وتدويخ أقطارها، فأوغل في ديارها وقفل إلى أبيه خاتم سنته. واتصل بالسلطان ما نال أهل الجزيرة من ضيق الحصار وشدّة القتال وإعواز الأقوات، وأنهم قتلوا الأصاغر من أولادهم خشية عليهم من معرّة الكفر، فأهمه ذلك وأعمل النظر فيه، وعقد لولي عهده ابنه الأمير أبي يعقوب من مراكش على الغزو إليها. وأغزى الأساطيل في البحر إلى جهاد عدوهم، فوصل إلى طنجة لصفر من سنة ثمان وسبعين وستمائة وأوعز إلى البلاد البحرية لاعداد الأساطيل بسبتة وطنجة وسلا، وقسّم الأعطيات وتوفّرت همم المسلمين على الجهاد، وصدقت عزائمهم على الموت. وأبلى الفقيه أبو حاتم العزفي صاحب سبتة لما بلغه خطاب أمير المسلمين في ذلك البلاء الحسن، وقام فيه المقام المحمود. واستقرّ كافة أهل بلده فركبوا البحر أجمعين من المحتلم فما فوقه.
ورأى ابن الأحمر ما نزل بالمسلمين في الجزيرة، وإشراف الطاغية على أخذها، فندم في ممالأته ونبذ عهده، وأعدّ أساطيل سواحله من المنكب والمريّة ومالقة مددا
للمسلمين. واجتمعت الأساطيل بمرفإ سبتة تناهز السبعين، قد أخذت بطرفي الزقاق في أحفل زيّ وأحسن قوّة وأكمل عدة وأوفر عدد، وعقد عليهم الأمير أبو يعقوب رايته، وأقلعوا عن طنجة ثامن ربيع الأوّل. وانتشرت قلوعهم في البحر فأجازوه، وباتوا ليلة المولد الكريم بمرقى الجبل، وصبحوا العدوة وأساطيلهم تناهز أربعمائة، فتظاهروا في دروعهم وأسبغوا من شكّتهم، وأخلصوا للَّه عزائمهم، وصدقوا مع الله نياتهم، وتنادوا بالجنّة شعارهم. ووعظ وذكر خطباؤهم، والتحم القتال ونزل الصبر. ولم يكن إلا كلّا ولا حتى نضحوا العدوّ بالنبل، فانكشفوا وتساقطوا في العباب. فاستلحمهم السيف وغشيهم اليم، وملك المسلمون أساطيلهم ودخلوا مرقى الجزيرة وفرضتها عنوة، فاختل معسكر الطاغية. وداخلهم الرعب من إجازة الأمير أبي يعقوب ومن معه من الحامية، فأفرج لحينه عن البلد، وانتشرت النساء والصبيان بساحته، وغلبت المقاتلة كثيرا من العسكر على مخلفهم، فغنموا من الحنطة والأدم والفواكه ما ملأ أسواق البلد أياما، حتى وصلتها الميرة من النواحي.
وأجاز الأمير أبو يعقوب من حينه فأرهب العدوّ في كل ناحية، وصدّه عن الغزو شأن الفتنة مع ابن الأحمر، فرأى أن يعقد مع الطاغية سلما، ويصل به لمنازلة غرناطة يدا. وأجابه إلى ذلك الطاغية رهبة من بأسه، وموجدة على ابن الأحمر في مدد أهل الجزيرة. وبعث أساقفته لعقد ذلك فأجازهم الأمير أبو يعقوب إلى أبيه أمير المسلمين فغضب لها، ونكر على ابنه. وزوى عنه وجه رضاه، ورجّعهم إلى طاغيتهم مخفقي السعي. وأجاز أبو يعقوب ابن السلطان إلى أبيه ومعه وفد أهل الجزيرة، فلقوا السلطان بمكانه من بلاد السوس. وولّى عليهم ابنه أبا زيّان فنزل بالجزيرة، وأحكم العقدة مع الطاغية، ونازل المريلة [1] من طاعة ابن الأحمر برا وبحرا فامتنعت عليه. وانضوى إليه أهل الحصون الغربيّة بطاعتهم حذرا من الطاغية فتقبّلهم. ثم جاءه المدد من المغرب، ونازل رندة فامتنعت. والطاغية أثناء ذلك يجوس خلال الأندلس. ونازل ابن الأحمر بغرناطة مع بني أشقيلولة وابن الدليل. ثم راجع ابن الأحمر مسالمة بني مرين، وبعث لأبي زيّان ابن السلطان بالصلح، واجتمع معه بأحواز مريلة كما نذكر بعد.
[1] وفي نسخة أخرى: مرتلة وفي نسخة ثانية: مديلة.
ولما ارتحل السلطان من معسكره إلى جبل السكسيوي يريد السوس، ثم أغزى العساكر ورجع من طريقه الى مراكش حتى إذا انقضت غزاة البربر رجع إلى فاس، وبعث خطابه إلى الآفاق مستنفرا للجهاد. وفصل في رجب من سنة ثمان وسبعين وستمائة حتى انتهى إلى طنجة وعاين ما اختلّ من أحوال المسلمين في تلك الفترة، وما جرت إليه فتنة ابن الأحمر من اعتزاز الطاغية، وما حدّثته نفسه من التهام الجزيرة الأندلسية ومن فيها. وظاهره على ابن الأحمر منافسوه في رياسته بنو أشقيلولة، فاستجرّه الرئيس أبو الحسن بن أبي إسحاق صاحب وادي آش، ونازل معه غرناطة سنة تسع وسبعين وستمائة خمسة عشر يوما ثم أفرجوا، ولقيتهم عساكر غرناطة من زناتة بعد ذلك من سنتهم. وغلبهم [1] طلحة بن محلى وتاشفين بن معطي كبير تيربيغين بحصن المسلى، فأظهرهم الله عليهم. وهلك من النصارى ما يناهز سبعمائة من فرسانهم. واستشهد فيها من أعياص بني مرين عثمان بن محمد بن عبد الحق. واستجر الطاغية سنة ثمانين وستمائة بعدها الرئيس أبو محمد عبد الله أخو صاحب وادي آش إلى منازلة غرناطة، فنازلها الطاغية وأقام عليها أياما. ثم ارتحل وقد اعتز عليهم، وأشفق السلطان على المسلمين وعلى ما نال ابن الأحمر من خسف الطاغية، فراسله في الموادعة واتفاق الكلمة وشرط عليه النزول عن مالقة، فرجع السلطان إلى إزالة العوائق عن شأنه من الجهاد، وكان من أعظمها فتنة يغمراسن.
واستيقن ما دار بينه وبين ابن الأحمر والطاغية ابن أخي أدفونش من الاتصال والاصفاق في تجديد الصلح والاتفاق، فلجّ وكشف الوجه في العناد وأعلن بما وقع بينه وبين أهل العدوة مسلمهم وكافرهم من الوصلة، وأنه معتزم على طيّ [2] بلاد المغرب. فصرف أمير المسلمين عزمه إلى غزو يغمراسن. وقفل إلى فاس لثلاثة أشهر من نزوله طنجة، فدخلها آخر شوّال وأعاد الرسل إلى يغمراسن لإقامة الحجّة عليه، والتجأ بمسالمة بني توجين والتجافي عنهم لموالاتهم أمير المسلمين. فقام يغمراسن في ركائبه وقعد ولج في طغيانه. وارتحل أمير المسلمين من فاس سنة تسع وسبعين وستمائة وقدم ابنه أبا يعقوب في العساكر وأدركه بتازى. ولما انتهى إلى ملوية تلوّم في انتظار
[1] وفي نسخة أخرى: وعليهم.
[2]
وفي نسخة ثانية: وصلي.